أطيب الكسب عمل اليد

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
حياكم الله و بياكم أيها السائل الكريم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب. هذا حديث عظيم من جوامع كلم النبي ﷺ، يحث على العمل والكسب الحلال ويبين فضله وأجره. وإليك الشرح الوافي له على منهج أهل السنة والجماعة:

---

الحديث:

عن المقدام بن معد يكرب الزبيدي، عن رسول الله ﷺ قال: «ما كسب الرجل كسْبًا أطيب من عمل يده. وما أنفق الرجل على نفسه، وأهله، وولده، وخادمه فهو صدقة».
رقم الحديث: أخرجه الإمام أحمد في مسنده، وابن ماجه في سننه، والحاكم في المستدرك، وصححه الألباني.

---

1. شرح المفردات:

● كسبًا: ما يحصل عليه الإنسان من مال أو منفعة بعمله وجده.
● أطيب: أطهر وأنقى وأفضل.
● عمل يده: ما يقوم به الإنسان من جهد بدني أو حرفي بيديه مباشرة، كالزراعة والصناعة والتجارة وغيرها.
● أنفق: صرف المال في وجوه الخير والمنفعة.
● خادمه: من يعمل في خدمته ويساعده في أموره، سواء كان عبدًا أو أجيرًا.
● صدقة: ما يخرجه الإنسان من ماله تقربًا إلى الله تعالى، وهنا يُعطيها معنى أوسع يشمل النفقة الواجبة والمستحبة.

---

2. شرح الحديث:

ينقسم الحديث إلى جزأين، كل جزء يحمل معنى عظيمًا:
الجزء الأول: «ما كسب الرجل كسبًا أطيب من عمل يده»
هذا تأكيد من النبي ﷺ على فضل الكسب الحلال من خلال العمل الشخصي باليد، أي بالجهد والعرق. وهذا يشمل كل حرفة شريفة يقوم بها الإنسان بنفسه، كالبناء والنجارة والزراعة والخياطة والتجارة وغيرها. ليس المقصود حرف اليد فقط، بل كل عمل مباح يقوم به الإنسان بجهده ليكسب رزقه، بشرط أن يكون حلالاً طيبًا.
لماذا هو أطيب الكسب؟
- لأنه يجمع بين العبودية لله بالعمل والاجتهاد، وبين التخلص من الكسل والاتكال على الآخرين.
- لأنه يبعد الإنسان عن سؤال الناس والتذلل لهم، وقد قال ﷺ: «لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه» (متفق عليه).
- لأنه كسب نقي لا شبهة فيه، بعيد عن الغش والاحتيال وأكل أموال الناس بالباطل.
الجزء الثاني: «وما أنفق الرجل على نفسه، وأهله، وولده، وخادمه فهو صدقة»
هذا توسيع لمفهوم الصدقة ليشمل النفقة الواجبة على الإنسان لمن يعولهم. فليس المقصود بالصدقة فقط ما يخرجه الإنسان للفقراء والمساكين، بل حتى ما ينفقه على:
● نفسه: من طعام وشراب وملبس مسكن، إذا قصد به التقوي على طاعة الله.
● أهله: زوجته وأقاربه الذين تجب عليه نفقتهم.
● ولده: الأبناء ذكورًا وإناثًا.
● خادمه: من يعمل عنده، فيجب أن يحسن إليه ويوفر له حاجاته.
كيف تكون هذه النفقة صدقة؟
- لأنها إخراج للمال في طاعة الله وامتثالاً لأمره بالإحسان إلى هذه الأطراف.
- لأنها تقرب إلى الله بإعانة هذه النفوس وتيسير أمورها.
- لأن النبي ﷺ جعل الإحسان إلى كل منها قربة إلى الله، ففي صحيح مسلم: «دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجرًا الذي أنفقته على أهلك».

---

3. الدروس المستفادة منه:

1- الحث على العمل والكسب الحلال: الإسلام يدعو إلى العمل والانتشار في الأرض لطلب الرزق، ويرفع من شأن العاملين بأيديهم، ويذم الكسل والبطالة.
2- تكريم العمل اليدوي: لا فرق بين العمل اليدوي وغيره من الأعمال ما دام كسبًا حلالاً، بل قد يكون أفضل لصفائه وبعده عن الشبهات.
3- التكافل الاجتماعي: النفقة على الأسرة والعيال والخادم ليست مجرد obligation دنيوية، بل هي عبادة يتقرب بها إلى الله ويؤجر عليها.
4- توسيع مفهوم الصدقة: الصدقة ليست فقط إعطاء الفقير، بل كل إنفاق في الخير هو صدقة، حتى اللقمة يضعها الرجل في فم زوجته.
5- الإحسان إلى الخدم: الخادم له حق الإحسان والمعاملة الحسنة، وإطعامه وكسوته من الصدقات التي يؤجر عليها المسلم.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الحديث يدخل في باب "الجوامع" التي جمعها النبي ﷺ في كلمات قليلة تحمل معاني كثيرة.
- العمل الشريف هو من أسباب حفظ الكرامة والعزة، وهو من أسباب البركة في الرزق.
- النفقة على العيال من أفضل القربات، خاصة إذا قصد بها الإنسان وجه الله وطلب الأجر.
- ينبغي للمسلم أن يستحضر النية في جميع إنفاقه، حتى في ما يأكله ويشربه، ليكون ذلك كله عبادة يؤجر عليها.
أسأل الله أن يجعلنا من العاملين المنتجين، المنفقين في سبيله، وأن يتقبل منا صالح الأعمال.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.