حديث: عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور

📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة

باب في الحث على كسب الرجل وطلب الحلال

عن ابن عمر قال: سئل رسول الله ﷺ عن أطيب الكسب؟ فقال: «عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور».

حسن: رواه الطبراني في الأوسط (٢١٦١) عن أحمد (بن زهير)، عن الحسن بن عرفة قال: ثنا قدامة بن شهاب المازني، ثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن وبرة بن عبد الرحمن، عن ابن عمر فذكره.

عن ابن عمر قال: سئل رسول الله ﷺ عن أطيب الكسب؟ فقال: «عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور».

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فسأشرح هذا الحديث الشريف شرحًا وافيًا إن شاء الله تعالى، معتمدًا على كلام أهل العلم من أهل السنة والجماعة.

الحديث:


عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سُئل رسول الله ﷺ عن أَطْيَبِ الكَسْبِ؟ فقال: «عَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ، وَكُلُّ بَيْعٍ مَبْرُورٍ».
(رواه الإمام أحمد في مسنده، والحاكم في المستدرك، وصححه الألباني في صحيح الجامع)


أولاً. شرح المفردات:


* أطيب: تأنيث "أطيب"، وهي أفعل تفضيل من الطيب. والطيب هنا يعني: الأفضل والأحسن والأكثر بركة ونقاءً من الشبهات والآثام.
* الكسب: ما يكتسبه الإنسان من مالٍ أو رزقٍ عن طريق العمل والتجارة.
* عمل الرجل بيده: أي العمل الحرفي والصناعي الذي يعتمد على الجهد البدني والمهارة اليدوية، كالزراعة والنجارة والحدادة والخياطة والبناء وغيرها.
* بيع مبرور: البيع هو المعاوضة على المال. و"مَبْرُور" من البر، أي البيع التام الخالي من الغش والخداع والكذب والربا، والذي يتحقق فيه رضا البائع والمشتري، وتبرأ به الذمة.


ثانيًا. شرح الحديث:


سأل الصحابةُ النبيَّ ﷺ عن أفضل أنواع المكاسب وأكثرها بركةً وطهارةً، فأجابهم جوابًا جامعًا يضع لهم منهجًا كاملًا للكسب الحلال الطيب.
1- «عَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ»:
يشير هذا الجزء من الحديث إلى فضل الكسب الناتج عن العمل البدني الشريف. وهو تشجيع على الكفاف والعفة، وعدم انتظار العطاء من الآخرين أو سؤالهم. وفيه إعلاء لقيمة العمل اليدوي وتكريم للعاملين في المهن والحرف، وردّ على من يحتقرها أو يستحي منها. وقد ضرب الأنبياء – عليهم السلام – أروع الأمثلة في ذلك، فكان نوحٌ نجارًا، وكان داود حدادًا يصنع الدروع، وكان آدم حراثًا، وكان محمد ﷺ يرعى الغنم. وهذا العمل يتصف بالصفاء والنقاء؛ لأنه قائم على الجهد الشخصي المباشر، مما يقلل فرص الشبهات والخصومات.
2- «وَكُلُّ بَيْعٍ مَبْرُورٍ»:
هذا الجزء يعمم الحكم ليشمل جميع أنواع التجارات والمعاملات المالية، بشرط أن تكون "مبرورة". فليس العبرة بنوع العمل فقط، بل بنوعيته وطريقة أدائه. فالتجارة التي يلتزم فيها التاجر بآداب الإسلام في البيع والشراء، مبتعدًا عن الغش والاحتكار والربا والكذب على المشترين، وتخفيض العيوب، والسماحة في البيع والشراء، وتوضيح السلعة كما هي – تكون من أطيب الكسب وأبركه. والبيع المبرور هو الذي يبرّ صاحبه من الإثم، ويقربه إلى الله تعالى، ويحقق البركة في ماله.
فجمع النبي ﷺ في جوابه بين نوعين عظيمين من الكسب: الكسب من العمل الشخصي المباشر، والكسب من التجارة الشريفة النزيهة.


ثالثًا. الدروس المستفادة والعبر:


1- الحث على العمل والكسب الحلال: الإسلام دين يحث على العمل والسعي وطلب الرزق، ويذم البطالة والتكاسل والتسول.
2- تكريم العمل اليدوي: ينبغي للمسلم أن يفخر بعمله الشريف مهما كان، ولا يستحي من أي حرفة مباحة تكفّ وجهه عن سؤال الناس.
3- الأخلاق في المعاملات: أن نجاح العمل التجاري وبركته لا تقاس بكمية الأرباح المادية فقط، بل بنزاهته وأخلاقياته وخلوه من المحرمات.
4- البركة في المال: المال الطيب الحلال سبب لقبول الدعاء وبركة في العمر والمال والذرية، بعكس المال الحرام الذي هو وبال على صاحبه في الدنيا والآخرة.
5- المنهجية المتوازنة: يقدم النبي ﷺ منهجًا متوازنًا للاقتصاد الإسلامي، يشجع على الإنتاج (عمل اليد) والتداول (البيع المبرور).
6- العفة والاستغناء عن الناس: العمل الشريف وسيلة للعفة وصيانة الكرامة، وتحقيق معنى قوله ﷺ: «نِعْمَ المَالُ الصَّالِحُ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ».


رابعًا. معلومات إضافية:


* هذا الحديث يرد على من يظن أن العبادة تقتصر على الصلاة والصيام فقط، بل إن السعي في طلب الرزق الحلال بحد ذاته عبادة عظيمة يؤجر عليها المسلم إذا نوى به الكفاف عن الناس وإعانة أهله والتصدق على المحتاجين.
* يجمع العلماء أن "أطيب الكسب" هو ما جمع بين فضيلة العمل اليدوي وفضيلة التجارة النزيهة، ولكن أعلاها منزلةً هو كسب الإنسان من عمله وجهده المباشر.
* من الأمثلة على "البيع المبرور" أن يتسامح البائع والمشتري في البيع، ولا يحلف البائع كذبًا لترويج سلعته، وأن يسهل على المعسر.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
📝 تنبيه هام:
نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:
"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه الطبراني في الأوسط (٢١٦١) عن أحمد (بن زهير)، عن الحسن بن عرفة قال: ثنا قدامة بن شهاب المازني، ثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن وبرة بن عبد الرحمن، عن ابن عمر فذكره.
قال الطبراني: «لم يرو هذا الحديث عن إسماعيل إلا قدامة، تفرد به الحسن بن عرفة».
قال الأعظمي: الحسن بن عرفة حسن الحديث، وقد وثّقه ابن معين، وقال النسائي، والدارقطني: لا بأس به. وذكره ابن حبان في ثقاته (٨/ ١٧٩).
وهذا الحديث ذكره المنذري في «الترغيب والترهيب» (٢٧٢٥)، وقال بعد أن عزاه للطبراني في الكبير والأوسط: «رواته ثقات».
وقوله: «بيع مبرور» أي بيع لم يخالطه إثم، ولا حلف كاذب ونحوه.
وأما ما روي عن رافع بن خديج قال: قيل يا رسول الله، أي الكسب أطيب؟ فقال: «عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور» فوقع فيه أخطاء.
رواه أحمد (١٧٢٦٥) عن يزيد، حدثنا المسعودي، عن وائل أبي بكر، عن عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج، عن جده رافع بن خديج فذكره.
والمسعودي هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة، ومن طريقه رواه الحاكم (٢/ ١٠).
وأخطأ فيه المسعودي؛ لأنه اختلط بأخرة، فجعله موصولا. والصحيح من رواية من رواه عن وائل، عن سعيد بن عمير، عن النبي ﷺ مرسلا، كما قال البيهقي.
ورواه شريك، عن وائل عن جُميع بن عمير، عن خاله قال: سئل النبي ﷺ فذكره مثله.
ورواه أحمد (١٥٨٣٦)، والحاكم، وعنه البيهقي (٥/ ٢٦٣) كلهم من حديث الأسود، عن عامر قال: حدثنا شريك بإسناده، وخال جُميع بن عمير هو أبو بردة.
قال البيهقي: «هكذا رواه شريك بن عبد الله القاضي، وغلط فيه في موضعين: أحدهما في قوله: جميع بن عمير، وإنما هو سعيد بن عمير، والآخر في وصله، وإنما رواه غيره عن وائل مرسلا».
وقال في شعب الإيمان (١٢٢٨) عن سعيد بن عمير مرسلا. وهذا هو المحفوظ، وأخطأ من قال: عن عمه.
قال الأعظمي: وحديث سعيد بن عمير عن عمه، وهو البراء بن عازب، رواه الحاكم، وعنه البيهقي عن الأسود بن عامر، عن سفيان الثوري، عن وائل بن داود، عن سعيد بن عمير، عن عمه قال: سئل النبي ﷺ فذكره.
قال الحاكم: «وهذا حديث صحيح الإسناد. ووائل بن داود وابنه بكر ثقتان، وقد ذكر يحيى ابن معين أن عم سعيد بن عمير البراء بن عازب، وإذا اختلف الثوري وشريك فالحكم للثوري». انتهى كلامه.
ولا يشك أحدٌ في تقديم الثوري على شريك، ولكن اختلف على الثوري نفسه، فرواه الأسود ابن عامر عنه موصولا، وأرسله غيره عنه، كما قال البيهقي.
وقد أكَّد البخاري في «التاريخ الكبير» (٣/ ٥٠٢) بقوله: «وأسنده بعضهم وهو خطأ» (أي أن الصحيح أنه مرسل)، وكذلك قال أيضا أبو حاتم بأن الثقات الثوري وجماعته رووا عن وائل بن داود، عن سعيد بن عمير، عن النبي ﷺ. قال: «والمرسل أشبه». «العلل» (٢/ ٤٤٣).
وانظر للمزيد «المنة الكبرى» (٥/ ٧، ٩).
وأما عم سعيد بن عمير فهو البراء بن عازب، كما قال يحيى. وقال غيره: هو أبو بردة بن نيار، ولا يضر هذا الاختلاف؛ فإن الصحبة ثابتة للاثنين.
وجُميع بن عمير ضعيف، قال فيه البخاري: فيه نظر. وقال ابن حبان: كان رافضيا يضع الحديث. ولكن وثّقه العجلي.
وسعيد بن عمير بن نيار -بكسر النون- لم يوثّقه غير ابن حبان، ولذا قال الحافظ: «مقبول». أي عند المتابعة، ولم أقف على متابعة له، فهو ليِّن الحديث.
الخلاصة أن هذا الحديث لا يخلو من اضطراب في إسناده، وضعف في رجاله.
وأما قول الهيثمي في «المجمع» (٤/ ٦٠): «وفيه المسعودي، وهو ثقة، لكنه اختلط، وبقية
رجال أحمد رجال الصحيح» فليس بصحيح.
وأما ما روي عن أبي هريرة مرفوعا: «أكذب الناس الصباغون والصواغون» فهو ضعيف جدا.
رواه ابن ماجه (٢١٥٢)، وأحمد (٧٩٢٠)، والبيهقي (١٠/ ٢٤٩)، وابن حبان في المجروحين (٨٥٩) كلهم من طريق همام بن يحيى، عن فرقد، عن يزيد بن عبد الله بن الشخير، عن أبي هريرة فذكره.
وإسناده ضعيف من أجل فرقد، وهو ابن يعقوب السبخي، مختلف فيه، فوثّقه الدارمي، وقال ابن معين: «ليس به بأس». وضعفه جمهور أهل العلم. وقالوا: أحاديثه مناكير.
وقال ابن حبان: «كان فيه غفلة ورداءة حفظ، وكان يهم فيما يروي، فكان يرفع المراسيل، وهو لا يعلم، ويسند الموقوف من حيث لا يفهم، فلما كثر ذلك منه، وفحش مخالفته الثقات بطل الاحتجاج به».
وله أسانيد أسوأ من هذا ذكره ابن حبان في «المجروحين» وابن عدي في «الكامل»، وابن الجوزي في «العلل المتناهية»، والذهبي في «الميزان»، وابن أبي حاتم في «العلل»، وغيرهم.

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 15 من أصل 506 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور

  • 📜 حديث: عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور

    نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

  • 🔍 صحة حديث: عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور

    تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.

  • 📖 تخريج حديث: عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور

    تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.

  • 📚 شرح حديث: عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور

    شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Wednesday, November 19, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب