حديث: لا يفترقن اثنان إلا عن تراض

📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة

باب ما جاء في خيار المجلس للمتبايعين

عن أبي هريرة يقول: قال رسول الله ﷺ: «لا يفترقن اثنان إلا عن تراض».

حسن: رواه أبو داود (٣٤٥٨)، والترمذي (١٢٤٨)، والبيهقي (٥/ ٢٧١) من حديث يحيى بن أيوب قال: كان أبو زرعة إذا بايع رجلا خيَّره.

عن أبي هريرة يقول: قال رسول الله ﷺ: «لا يفترقن اثنان إلا عن تراض».

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد،
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يفتح علينا أبواب فهم سنّة نبيه الكريم.
الحديث الذي طلبت شرحه هو:
عن أبي هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله ﷺ: «لَا يَفْتَرِقَنَّ اثْنَانِ إِلَّا عَنْ تَرَاضٍ».


أولاً: شرح المفردات:
● لَا يَفْتَرِقَنَّ: (لا) الناهية، و(يفترقن) فعل مضارع مجزوم بلا الناهية وعلامة جزمه حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة. والمعنى: لينهيا أنفسهما عن الافتراق.
● اثْنَانِ: أي شخصان كانا مجتمعين في حديث أو معاملة أو أي أمر من الأمور.
● إِلَّا: أداة استثناء.
● عَنْ تَرَاضٍ: (عن) حرف جر، و(تراض) مصدر للفعل "تراضى"، وهو من الرضا، أي القناعة والموافقة والارتياح. فالمعنى: إلا عن طريق التراضي والموافقة بينهما.
فالمعنى الإجمالي: لا ينبغي لشخصين اجتمعا على أمر (كبيع، أو شركة، أو حديث، أو خصومة) أن يفترقا إلا وهما في حالة من الرضا والموافقة والوئام.


ثانياً: شرح الحديث:
هذا الحديث قاعدة عظيمة من قواعد الإسلام في التعامل، تدعو إلى حفظ العلاقات الإنسانية ودرء الشرور والخصومات.
● المقصود بالافتراق: ليس المقصود مجرد الافتراق المكاني، بل الافتراق عن الحالة التي كانا عليها، سواء كانت معاملة تجارية، أو مناقشة في مسألة، أو حواراً عادياً، أو خصومة قضائية. النهي عن الافتراق على خلاف أو سوء تفاهم أو غضب.
● التراضي: هو أن ينهيا اجتماعهما وقد حصلا على ما يريدان، أو توصلا إلى حل يرضي الطرفين، أو على أقل تقدير، يفترقا بقلوب سليمة لا تحمل ضغينة أو حقداً، حتى لو اختلفا في الرأي. فالاختلاف في الرأي لا يمنع الائتلاف في القلب.
مثال تطبيقي: لو دخل رجلان في بيع وشراء، ثم حصل بينهما كلام أو شك في السلعة أو الثمن، فلا ينبغي أن ينصرف كل منهما وهو غاضب أو يشعر أنه قد ظُلم. بل يجب أن يتفاهما حتى يصلان إلى نقطة رضا وقناعة، ثم يفترقا بعدها.


ثالثاً: الدروس المستفادة والفَوائد:
1- حفظ العلاقات الاجتماعية: الإسلام يحرص على أن تبقى أواصر المودة بين الناس قوية، وهذا الحديث يأمر بحماية هذه الأواصر من التصدع بسبب الخلافات العابرة أو سوء التفاهم.
2- منع أسباب العداوة والبغضاء: كثير من العداوات تبدأ من كلمة غاضبة عند الافتراق، يندم عليها صاحبها لاحقاً ولكن بعد فوات الأوان. هذا الحديث يقطع الطريق على هذه البدايات.
3- التربية على الحلم والأناة: يأمرنا النبي ﷺ بعدم الاستعجال في إنهاء الحوار أو المعاملة عند أول بوادر الغضب، بل بالصبر والمحاولة للوصول إلى أرضية مشتركة.
4- أساس في المعاملات المالية: هذا الحديث أصل عظيم في باب البيع والشراء والمعاوضات. فإذا افترق المتعاقدان بعد التراضي، فإن العقد يكون قد استقر وتم بحمد الله. وقد استدل به بعض العلماء على صحة قاعدة: "إذا تفرق المتعاقدان من مكان المجلس بغير ردّ ولا إقالة فقد وجب البيع".
5- آداب المجالس: من أدب المجلس أن يختمه الإنسان بخير، وأن يترك جليسه وهو راض عنه، فهذا من كمال الإيمان وحسن الخلق.


رابعاً: معلومات إضافية:
● درجة الحديث: هذا الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده، وابن ماجه في سننه، والبيهقي، وغيرهم. وحسنه عدد من العلماء كالألباني لغيره من الطرق التي تقويه.
● مجال التطبيق: الحديث شامل لكل اجتماع بين اثنين، في البيت بين الزوجين، وفي السوق بين البائع والمشتري، وفي العمل بين الزملاء، وفي المجالس العلمية بين الطالب والأستاذ، بل وحتى بين الخصمين في القضاء. المبدأ واحد: لا تفارق أخاك وأنت غاضب منه.
● ربطه بحديث آخر: هذا الحديث يكمل حديث النبي ﷺ: «لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ». فالهجر من أسوأ أنواع الافتراق بدون تراض.
نسأل الله أن يرزقنا حسن الخلق، وأن يجعلنا ممن يتأسون بنبيهم ﷺ في كل أقوالهم وأفعالهم.
والله أعلم.

📝 تنبيه هام:
نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:
"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه أبو داود (٣٤٥٨)، والترمذي (١٢٤٨)، والبيهقي (٥/ ٢٧١) من حديث يحيى بن أيوب قال: كان أبو زرعة إذا بايع رجلا خيَّره. قال: ثم يقول: خيرني. ويقول: سمعت أبا هريرة يقول. فذكره.
وإسناده حسن من أجل يحيى بن أيوب، وهو البجلي الكوفي؛ فإنه حسن الحديث.
وأما الترمذي فقال: «حديث غريب».
وفي معناه ما روي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: «البيعان بالخيار من بيعهما ما لم يتفرقا، أو يكون بيعهما في خيار».
رواه أحمد (٨٠٩٩)، والطبراني في «الأوسط» (٩٠٨)، والطيالسي (٢٦٩١)، والطحاوي في شرحه (٥٤١١) كلهم من طريق أيوب بن عتبة، عن أبي كثير الغُبري، عن أبي هريرة فذكره.
وأيوب بن عتبة هو اليمامي أبو يحيى القاضي ضعيف باتفاق أهل العلم.
ولحديث أبي هريرة أسانيد أخرى، وكلها ضعيفة.
فقه الباب: يستفاد من هذه الأحاديث بأن المراد بالتفرق هو التفرق بالأبدان، كما فهمه ابن عمر، وابن عباس، وغيرهما من الصحابة، وبه قال أحمد، والشافعي، وجمهور أهل الحديث.
وفي المسألة أقوال أخرى. انظر «المنة الكبرى» (٥/ ٢١).

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 46 من أصل 506 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: لا يفترقن اثنان إلا عن تراض

  • 📜 حديث: لا يفترقن اثنان إلا عن تراض

    نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

  • 🔍 صحة حديث: لا يفترقن اثنان إلا عن تراض

    تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.

  • 📖 تخريج حديث: لا يفترقن اثنان إلا عن تراض

    تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.

  • 📚 شرح حديث: لا يفترقن اثنان إلا عن تراض

    شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Wednesday, November 19, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب