طيب النفس من النعيم

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أهلاً وسهلاً بك، وأسأل الله أن يفتح علينا أبواب فهم سنّة نبيه ﷺ.
هذا حديث شريف رواه الإمام أحمد في مسنده، وابن ماجه في سننه، وغيرهما، عن معاذ بن عبد الله بن خبيب، عن أبيه، عن عمه رضي الله عنهم.
وفيما يلي الشرح الوافي للحديث على النحو المطلوب:

---

1. شرح المفردات:

● على رأسه أثر ماء: علامة ماء، أي أنه كان قد اغتسل أو توضأ حديثاً، فكان شعره رطباً.
● طيب النفس: يعني حسن المزاج، والسرور، والانشراح في الصدر، وعدم الهم والغم.
● أفاض القوم في ذكر الغني: أي توسعوا وتحدثوا بكثرة في شأن الغنى والمال.
● لا بأس بالغني: لا حرج ولا إثم في كون الإنسان غنياً.
● اتقى: خاف الله تعالى، فاجتنب محارمه وأدى فرائضه.
● من النعيم: من النعم العظيمة التي أنعم الله بها على عباده.

---

2. شرح الحديث:

يصور لنا هذا الحديث المشهد النبوي الرائع حيث كان الصحابة رضي الله عنهم مجتمعين في مجلس، فجاءهم النبي ﷺ وهو في أبهى صورة، حيث ظهر على رأسه أثر الماء مما يدل على نظافته وطهارته وعبادته.
لاحظ أحد الصحابة هذه البهجة والانشراح على وجهه ﷺ، فأخبره بملاحظته قائلاً: "نراك اليوم طيب النفس"، أي نراك مبتهجاً منشرح الصدر. فأكد النبي ﷺ ذلك وشكر الله تعالى بقوله: «أجل. والحمد لله»، وهذا يدل على شكر النعمة واعتراف الفضل لله تعالى.
ثم انتقل الحديث في المجلس إلى موضوع الغنى والمال، فتوسع الصحابة في ذكره. فوجّههم النبي ﷺ توجيهاً حكيماً يضع الأمور في نصابها، قائلاً:
● «لا بأس بالغني لمن اتقى»: هذا تأكيد على أن المال والغنى في ذاته ليس شيئاً مذموماً، بل هو نعمة من نعم الله، ولكن شريطة أن يكون صاحبه متقياً لله. فالتقوى هي التي تجعل الغنى وسيلة للخير، من صدقة وإنفاق في سبيل الله وإعانة للمحتاجين، وليس وسيلة للطغيان والبطر والتفاخر.
● «والصحةُ لمن اتقى خير من الغنى»: هنا يُقيم النبي ﷺ ميزاناً للقيم الحقيقية في الحياة. فالصحة نعمة عظيمة لا يعرف قدرها إلا من فقدها. والغنى مع المرض لا يُسعد، أما الصحة مع القناعة والتقوى فهي كنز لا يفنى. والتقوى هنا مرة أخرى هي الشرط الذي يجعل من الصحة نعمة خالصة، حيث يستخدمها العبد في طاعة الله بدلاً من استخدامها في المعاصي.
● «وطيب النفس من النعيم»: يختم النبي ﷺ حديثه بتعريفنا لأعظم النعم على الإطلاق، وهي نعمة طيب النفس وانشراح الصدر والراحة القلبية. هذه النعمة هي نتيجة طبيعية للإيمان والتقوى وذكر الله، وهي التي تجعل الإنسان سعيداً في الدنيا والآخرة، وهي غاية يطلبها كل إنسان.

---

3. الدروس المستفادة منه:

● الشكر على النعم: يجب على المسلم أن يشكر الله على نعمه الظاهرة والباطنة، كشكر النبي ﷺ على نعمة انشراح صدره.
● التقوى شرط للانتفاع بالنعم: أن كل نعمة – سواء كانت مالاً أو صحة – تحتاج إلى تقوى الله لتصبح نعمة حقيقية يبارك الله فيها.
● إعادة ترتيب الأولويات: الحديث يعلمنا أن نقدّر النعم الحقيقية التي لا ننتبه لها غالباً، مثل نعمة الصحة ونعمة الطمأنينة القلبية، فهي أعظم من مجرد الامتلاك المادي.
● طيب النفس غاية عظمى: السعادة الحقيقية ليست في تجميع الأموال، بل في سلامة القلب وطهارته وانشراحه للإيمان، وهذا هو النعيم الحقيقي في الدنيا قبل الآخرة.
● القدوة في البشاشة: كان النبي ﷺ قدوة في ظهور أثر النعمة والبهجة على وجهه، مما يجذب الناس إلى الدين ويدل على أنه دين يسر وسعادة.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الحديث من الأحاديث التي تُعنى بتهذيب النفس وتربيتها على القناعة والرضا، وهو جزء من "الطب النبوي" الروحي الذي يعالج أمراض القلوب والهموم.
- يؤكد الحديث على مبدأ الاعتدال في النظر إلى الدنيا، فلا نرفضها تماماً ولا نغرق في حبها، بل نأخذ منها بقدر ما يعيننا على طاعة الله.
- ينبغي للمسلم أن يدعو الله تعالى دائماً بأن يمنحه نعمة طيب النفس وانشراح الصدر، كما في الدعاء المأثور: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن».
أسأل الله تعالى أن ينفعنا بما علمنا، وأن يطيب أنفسنا بالإيمان، ويجعلنا من المتقين الذين يستخدمون نعمه في مرضاته.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.