النبي ﷺ يعود الغلام اليهودي ويقول له أسلم

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا حديث عظيم من الأحاديث التي تُظهر رحمة النبي ﷺ وشفقته وحكمته في الدعوة إلى الله، وهو حديث صحيح رواه الإمام البخاري في صحيحه.
أولاً: شرح المفردات:
● يخدم: أي يخدُم النبي ﷺ ويقوم على خدمته وتلبية حوائجه.
● يعوده: من العيادة، أي زاره ليطمئن على صحته ويدعو له.
● أسْلِمْ: ادخل في دين الإسلام واقرّ بوحدانية الله.
● أبا القاسم:這是 النبي ﷺ، وكنيته أبو القاسم نسبةً لابنه القاسم.
● أنقذه من النار: أي خلّصه وجنّبه عذاب النار الذي كان مصيره إليه لو مات على الكفر.
ثانيًا: شرح الحديث:
يخبرنا الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه أن غلامًا صغيرًا من أبناء اليهود كان يعمل في خدمة النبي ﷺ في بيته، فأصابه مرض شديد. فتحركت الرحمة في قلب النبي ﷺ، فذهب لزيارته ومواساته وهو على فراش المرض، وهذا من كمال خلقه ﷺ وحسن تعامله حتى مع غير المسلمين.
ولم تكن زيارة النبي ﷺ مجرد عيادة صحية فحسب، بل كانت زيارة داعية حكيم يعرف أن الدنيا فانية وأن الآخرة هي الباقية. فجلس عند رأس الغلام اليهودي مواسيًا له، ثم انتهز هذه اللحظة التي يكون فيها القلب أرقّ والنفس أضعف لتذكر الآخرة، فدعاه بأسلوب مباشر وحاني إلى الإسلام، قائلاً له: «أسْلِمْ».
وفي هذه اللحظة الحاسمة، نظر الغلام إلى أبيه الذي كان حاضرًا يرقب الموقف، وكأنه يستأذنه أو يتردد خوفًا منه. فما كان من الأب – وقد رأى صدق النبي ﷺ وشفقته ورحمته بابنه – إلا أن شجّع ابنه وقال له: «أطع أبا القاسم ﷺ». فاستجاب الغلام لدعوة الحق وأعلن إسلامه.
فخرج النبي ﷺ من عندهم مسرورًا بهدايته، وهو يحمد الله تعالى ويشكره على هذه النعمة العظيمة، قائلاً: «الحمد لله الذي أنقذه من النار». فهذه الجملة تختصر فرحة النبي ﷺ بإنقاذ نفس بشرية من عذاب أبدي، وهي تظهر الهدف الأسمى من بعثته: إنقاذ الناس من النار وإدخالهم الجنة.
ثالثًا: الدروس المستفادة والعبر:
1- رحمة النبي ﷺ الشاملة: فقد كان ﷺ يرحم الصغير والكبير، المسلم وغير المسلم، ويحرص على هداية الجميع.
2- فضل عيادة المريض: زيارة المريض من الحقوق الإسلامية والإنسانية، وهي وسيلة للدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة.
3- الحكمة في الدعوة إلى الله: اختيار الوقت والموقف المناسب للدعوة، كما فعل النبي ﷺ عند حضور لحظة الضعف والمرض التي يتذكر فيها الإنسان ضعفه وحاجته إلى الله.
4- بركة طاعة الوالدين: طاعة الغلام لأبيه كانت سببًا مباشرًا في هدايته، مما يظهر أهمية توجيه الأبناء للخير.
5- فرحة الإيمان: يظهر الحديث الفرحة العظيمة بهداية شخص واحد، وهي فرحة نابعة من حب الخير للآخرين والشفقة عليهم.
6- عظم نعمة الإسلام: فالإيمان هو سبب النجاة من النار ودخول الجنة، وهذه أعظم نعمة يمكن أن يُمنحها الإنسان.
7- جواز استئجار غير المسلمين والعمل معهم: إذا كانوا أهل أمانة، مع السعي إلى هدايتهم.
رابعًا: معلومات إضافية:
- هذا الغلام هو من يهود المدينة، وكان في خدمة النبي ﷺ، مما يدل على سماحة الإسلام وتعايشه مع الآخرين.
- الحديث يدل على أن الأطفال يميزون ويصح إسلامهم إذا أطاقوا القول والعمل.
- فيه بيان فضل النبي ﷺ وكنيته (أبو القاسم)، وكانوا يكنون به في حياته ﷺ.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن ينفعنا بما علمنا.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.