قائمة السور | مواضيع القرآن الكريم مرتبة حسب الآيات :آيات القرآن الكريم مقسمة حسب كل موضوع و فئة | لقراءة سورة كاملة اختر من : فهرس القرآن | - للاستماع للقراء : القرآن الكريم mp3
آيات قرآنية عن النفاق في القرآن الكريم
✅ مواضيع القرآن الكريم
﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَمَا هُم بِمُؤۡمِنِينَ ﴾ [البقرة: 8]
بئسَ الرجلُ المنافقُ الخائنُ السَّريرة؛ فإنه يعرف بلسانه ويُنكر بقلبه، ويصدِّق بقوله ويخالف بعمله، يصبح على حالٍ ويمسي على غيره! |
﴿يَكَادُ ٱلۡبَرۡقُ يَخۡطَفُ أَبۡصَٰرَهُمۡۖ كُلَّمَآ أَضَآءَ لَهُم مَّشَوۡاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظۡلَمَ عَلَيۡهِمۡ قَامُواْۚ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمۡعِهِمۡ وَأَبۡصَٰرِهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ ﴾ [البقرة: 20]
أجارنا الله من حال المنافقين، فهم أبدًا بين خوفٍ وحَيرة يتردَّدون، فلا أمِنوا الطريقَ ولا اهتدَوا السبيل، تلك هي النفوسُ المنهزمة والجماعة المخذولة. |
﴿وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قَالُوٓاْ ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعۡضُهُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٖ قَالُوٓاْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيۡكُمۡ لِيُحَآجُّوكُم بِهِۦ عِندَ رَبِّكُمۡۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ ﴾ [البقرة: 76]
لا تغترَّ بظاهر الأعداء، وتيقَّظ لما يدور في الخَفاء؛ فما أكثرَ المنافقين الحاقدين الذين يُظهِرون ما لا يُبطنون، وبالمسلمين يمكُرون ويَكيدون. يكتم بعض الناس الحقَّ لئلَّا يكونَ حُجَّةً عليه إذا أظهره، وفي هذا تشبُّه باليهود في كِتمانهم ما في كتُبهم من صفة النبيِّ ﷺ، ولا ينفعهم هذا. ميزان العقل عند أهل الباطل مصالحهم وأهواؤهم، حتى وإن بدا لهم الحقُّ أبلجَ مثلَ فَلَق الصُّبح! |
﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعۡجِبُكَ قَوۡلُهُۥ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَيُشۡهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلۡبِهِۦ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلۡخِصَامِ ﴾ [البقرة: 204]
لا تغترَّ بكلِّ منطِق منمَّق، فما أيسرَ التصنُّعَ في حال الأُلفة والوئام، وإنما تنكشف المعادنُ وتظهر الحقائق عند النزاع والخصام. |
﴿وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلۡأَرۡضِ لِيُفۡسِدَ فِيهَا وَيُهۡلِكَ ٱلۡحَرۡثَ وَٱلنَّسۡلَۚ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلۡفَسَادَ ﴾ [البقرة: 205]
فريقان لا تنخدع بهما؛ منافقٌ يُظهر لك ما تحبُّ، فإن غاب عنك ارتكب كلَّ خطيئة. وكافرٌ مراوغ، ينمِّق مُراده فيقلب الحقائقَ ويفعل بالمسلمين الأفاعيل. إهلاك الحرث والنسل فسادٌ عريض، ويدخل فيه كلُّ ما يُزخرفه أهل الباطل من وجوه الفساد التي لا تَرعى لشرع الله حُرمة. |
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتۡهُ ٱلۡعِزَّةُ بِٱلۡإِثۡمِۚ فَحَسۡبُهُۥ جَهَنَّمُۖ وَلَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ ﴾ [البقرة: 206]
تزيد المعصية قبحًا بتكبُّر صاحبها وبطَره الحقَّ، قال ابنُ مسعود: إن من أكبر الذنب عند الله أن يقولَ الرجل لأخيه: اتَّقِ الله، فيقول: عليك بنفسِك، أنت تأمرني؟! قد يحرق قلبَك عدوانُ المعتدين، وتنتظر نَكالَ الله بهم وعقابَه فيهم. لا تستعجل جزاءهم، إنَّ لهم في الآخرة ما ينتظرهم، عذاب جهنَّم يكفيهم! |
﴿يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لِمَ تَلۡبِسُونَ ٱلۡحَقَّ بِٱلۡبَٰطِلِ وَتَكۡتُمُونَ ٱلۡحَقَّ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 71]
للعدوِّ معك طريقان: إمَّا أن يكتُمَ الحقَّ فيمنعَه عنك، وإمَّا أن يَلبِسَه بالأوهام والضَّلالات بعد أن يصلَ إليك، فاعرِف عدوَّك واعرِف سبُله. قد يدعو أهلُ الباطل إلى بعض الحق، لا محبَّةً فيه، ولكن لأن باطلهم لا يَروجُ إلا بمَزجه بشيءٍ من الحقِّ. فلنحذَر! دين الله حقٌّ لا لبسَ فيه ولا تخليط، مهما حاول الكائدون تشويهَه أو الطعنَ فيه. |
﴿وَقَالَت طَّآئِفَةٞ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ ءَامِنُواْ بِٱلَّذِيٓ أُنزِلَ عَلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَجۡهَ ٱلنَّهَارِ وَٱكۡفُرُوٓاْ ءَاخِرَهُۥ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ ﴾ [آل عمران: 72]
من طرائق الماكرين في تقويض المجتمع المسلم تشكيكُ المسلمين في دينهم بإظهار الإسلام ثم النُّكوص عنه، ومن هنا كان حكمُ الإسلام في المرتدِّ قاطعًا حاسمًا. اعرِف الحقَّ، ولا تلتفت إلى النَّاكل عنه، فقد يكون النُّكول عن الحقِّ من حِيَل الأعداء، لفتنة بعض ضِعاف النفوس. |
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ بِطَانَةٗ مِّن دُونِكُمۡ لَا يَأۡلُونَكُمۡ خَبَالٗا وَدُّواْ مَا عَنِتُّمۡ قَدۡ بَدَتِ ٱلۡبَغۡضَآءُ مِنۡ أَفۡوَٰهِهِمۡ وَمَا تُخۡفِي صُدُورُهُمۡ أَكۡبَرُۚ قَدۡ بَيَّنَّا لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِۖ إِن كُنتُمۡ تَعۡقِلُونَ ﴾ [آل عمران: 118]
حذارِ أن تواليَ مَن يحادُّ الله ورسوله، أو تجعلَهم موضع سرِّك واستشارتك، فإنهم لن يزيدوك إلا هلاكًا وخَبالًا. لو علم المؤمن حرصَ الكفَّار على إفساده، ومحبَّتَهم إلحاقَ المشقَّة به، وأن ما يظهر له من فلَتات ألسنتهم ما هو إلا قطرةٌ من بحر الغِلِّ الذي في قلوبهم، لم يرضَ أن يتَّخذَهم أولياء. ما أضمر عبدٌ شيئًا في نفسه إلا وظهر في سقَطات لسانه، وهفَوات بيانه، وقسَمات وجهه. قد تنقل لك العيونُ بعض أفعال عدوِّك أو أقواله، ولكن أنَّى لك معرفة نيَّته وخفايا قلبه، لولا أن أطلعكَ عليها اللطيفُ الخبير؟! |
﴿هَٰٓأَنتُمۡ أُوْلَآءِ تُحِبُّونَهُمۡ وَلَا يُحِبُّونَكُمۡ وَتُؤۡمِنُونَ بِٱلۡكِتَٰبِ كُلِّهِۦ وَإِذَا لَقُوكُمۡ قَالُوٓاْ ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوۡاْ عَضُّواْ عَلَيۡكُمُ ٱلۡأَنَامِلَ مِنَ ٱلۡغَيۡظِۚ قُلۡ مُوتُواْ بِغَيۡظِكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ ﴾ [آل عمران: 119]
إنما تجتمع القلوبُ إذا اتَّفقَت على منهجٍ واحد، أمَّا مَن توافقه في الحقِّ الذي معه ويخالفك في الحقِّ الذي معك، وتُظهر له الودَّ ويُبطن لك البغضاء، فكيف تَصلُح معه محبَّة؟! لا يَغيظُ قلوبَ أعداء المسلمين شيءٌ كأن يرَوهم متحابِّين متعاونين متراحمين، كالجسد الواحد، ولن يبلغوا منهم شيئًا ما داموا كذلك. المسلم العاقل لا يغترُّ بحلاوة منطق عدوِّه، كيف وقد أنبأه العليمُ بمكنون الصدور بما يعتملُ في صدره من الحقد علينا والغضب منَّا؟! |
﴿إِن تَمۡسَسۡكُمۡ حَسَنَةٞ تَسُؤۡهُمۡ وَإِن تُصِبۡكُمۡ سَيِّئَةٞ يَفۡرَحُواْ بِهَاۖ وَإِن تَصۡبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لَا يَضُرُّكُمۡ كَيۡدُهُمۡ شَيۡـًٔاۗ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعۡمَلُونَ مُحِيطٞ ﴾ [آل عمران: 120]
من الكفَّار مَن يُضمر للمؤمنين عداوةً خبيثة باطنة، فضلًا عن عداوتهم اللئيمة الظاهرة، فلا يفتؤون يتمنَّون زوالَ النعمة عنهم. ما أشدَّ بغضَ الكفَّار المحاربين للمؤمنين؛ إنه ليَسوءُهم أقلُّ ما يحصل لهم من خير، ولا يسرُّهم إلا تحقُّق إصابتهم بالشَّر! المؤمن حقًّا لا يتنازل عن عقيدته مهما كانت التكاليف، ويستعين على مواجهة قوَّة الأعداء ومكرهم بالعزيمة والصبر. إن الله ليحفــظ عبــدَه المتــوكِّلَ عليـه، المستعينَ به على بلائه، فلا يزال به حتى يظفَرَ بطَلِبَته ويغلبَ خصومه. طِيبوا نفسًا أيها المتَّقون؛ فإن أعداءكم لن يوقعَ ﴿كيدُهم﴾ مهما بلغ وعَظُم ﴿شيئًا﴾ من الضرر بكم مهما قلَّ وصغُر. اعلم أن الله تعــالى محيـطٌ بمـا تُخفيـه الخلائق، فمَن أضمر شرًّا انتقم منه، ومن صبر واتَّقى أظفره بحاجته، فليطمئنَّ المؤمن، وليحذر عدوَّه. |
﴿أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزۡعُمُونَ أَنَّهُمۡ ءَامَنُواْ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوٓاْ إِلَى ٱلطَّٰغُوتِ وَقَدۡ أُمِرُوٓاْ أَن يَكۡفُرُواْ بِهِۦۖ وَيُرِيدُ ٱلشَّيۡطَٰنُ أَن يُضِلَّهُمۡ ضَلَٰلَۢا بَعِيدٗا ﴾ [النساء: 60]
الدَّعاوى تفتقر إلى البيِّنات، فإذا كذَّبتها الأعمال كانت ضلالًا لا يستحقُّ أن يُلقى له بال. إذا كانت إرادةُ التحاكُم إلى الطاغوت ضلالًا بعيدًا عن سبيل الإيمان، فكيف بالتحاكُم إليه فعلًا؟! لا يكفي لتحقيق الإيمان التحاكمُ إلى الكتاب حتى يجتمعَ إليه الكفرُ بكلِّ ما يخالفه؛ إذ لا بدَّ من التخلية مع التحلية. الشيطان هو أكثرُ المنتفعين بعدم تطبيق الأحكام؛ فإنه إذا صالَ بين المؤمنين، ولا شِرعةَ تحكمُهم، وجد في القوانين الأرضيَّة ما يُغري الناسَ بالانتقال من سماع وساوسه إلى اتِّباعها. |
﴿فَكَيۡفَ إِذَآ أَصَٰبَتۡهُم مُّصِيبَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡ ثُمَّ جَآءُوكَ يَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنۡ أَرَدۡنَآ إِلَّآ إِحۡسَٰنٗا وَتَوۡفِيقًا ﴾ [النساء: 62]
كلُّ من يَحيدُ عن الاحتكام إلى الشريعة مدَّعيًا أنه يريد اتِّقاءَ المشكلات المترتِّبة على ذلك، أو يريد التوفيقَ بين الاتجاهات المختلفة؛ فحجَّتُه داحضة، وهي علامةُ نفاقٍ واضحة فاضحة. الإعراض عن تحكيم الشريعة نفاق، وإن حلف صاحبُه على إيمانه أغلظَ الأَيمان. الصُّدود عن الشريعة مؤذِنٌ بقوارعَ مدلهمَّة، والاعتصام بها من تلك النوائب نجاةٌ وفلاح. |
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ خُذُواْ حِذۡرَكُمۡ فَٱنفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ ٱنفِرُواْ جَمِيعٗا ﴾ [النساء: 71]
على المؤمن أن يُعدَّ لكلِّ معركة أدواتِها؛ فالسِّلاحُ يواجَه بالسِّلاح، والحُجَّةُ تُقارَعُ بالحُجَّة، والخلُق الذميم يُقابَل بالترفُّع عنه. الحسُّ الأمنيُّ ضرورةٌ شرعيَّة وضرورة حياتيَّة، وما أحرانا أن نتعهَّدَه في نفوسنا! |
﴿وَإِنَّ مِنكُمۡ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنۡ أَصَٰبَتۡكُم مُّصِيبَةٞ قَالَ قَدۡ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيَّ إِذۡ لَمۡ أَكُن مَّعَهُمۡ شَهِيدٗا ﴾ [النساء: 72]
المؤمن يُبادر إلى كلِّ فضيلةٍ ويدعو غيرَه إليها، غيرَ متثاقلٍ ولا متباطئ، ولا مُثبِّطٍ ولا مُبَطِّئ. إذا أظلمَ الفهم عند الإنسان عدَّ التخلُّفَ عن الفضيلة وأهلِها نعمةً يحمَدُ اللهَ عليها! |
﴿وَيَقُولُونَ طَاعَةٞ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنۡ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٞ مِّنۡهُمۡ غَيۡرَ ٱلَّذِي تَقُولُۖ وَٱللَّهُ يَكۡتُبُ مَا يُبَيِّتُونَۖ فَأَعۡرِضۡ عَنۡهُمۡ وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلًا ﴾ [النساء: 81]
وجوه شِرار الناس تلبَسُ لكلِّ قوم ما يَروق لهم، ووجوه خيارِ الناس لا تتلوَّن حسَب المصالح والرغَبات. لا يُحكَم على الناس إلا بما تنطِق به ظواهرُهم، أمَّا سرائرُهم فتوكَلُ إلى بارئهم الذي يعلم خفايا الأمور، وخبايا النفوس والصدور. المنهج الصحيحُ في التعامل مع أصحاب الوجهين ألا يُنظرَ إليهم ولا يُسمعَ لهم، بل يُعرَض عنهم ويُنكَر عليهم، ويُستعان بالله عليهم، وكفى به وكيلًا. |
﴿۞ فَمَا لَكُمۡ فِي ٱلۡمُنَٰفِقِينَ فِئَتَيۡنِ وَٱللَّهُ أَرۡكَسَهُم بِمَا كَسَبُوٓاْۚ أَتُرِيدُونَ أَن تَهۡدُواْ مَنۡ أَضَلَّ ٱللَّهُۖ وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُۥ سَبِيلٗا ﴾ [النساء: 88]
العمل وَلُودٌ؛ فالعمل الصالح يلد مثلَه، والعمل السيِّئ ينتجُ مثلَه، فمن ثواب الحسنةِ الحسنةُ بعدها، ومن عقوبة السيِّئة السيِّئةُ بعدها. الهداية بيد الله وحدَه، وما عليك إلا السَّعيُ في إبلاغها، فاجعَل عملَك خالصًا لله وحدَه، ولا تنتظرِ النتائج، ألقِ الحبَّةَ ودَع لله الثمرة. |
﴿إِلَّا ٱلَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىٰ قَوۡمِۭ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَهُم مِّيثَٰقٌ أَوۡ جَآءُوكُمۡ حَصِرَتۡ صُدُورُهُمۡ أَن يُقَٰتِلُوكُمۡ أَوۡ يُقَٰتِلُواْ قَوۡمَهُمۡۚ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَسَلَّطَهُمۡ عَلَيۡكُمۡ فَلَقَٰتَلُوكُمۡۚ فَإِنِ ٱعۡتَزَلُوكُمۡ فَلَمۡ يُقَٰتِلُوكُمۡ وَأَلۡقَوۡاْ إِلَيۡكُمُ ٱلسَّلَمَ فَمَا جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمۡ عَلَيۡهِمۡ سَبِيلٗا ﴾ [النساء: 90]
يُمهل الإسلامُ المتردِّدين الذين تختلجُ في صدورهم مشاعرُ متناقضة، ومراداتٌ شتَّى، فهؤلاء يُؤخَذون باللُّطف؛ عسى رحمةٌ تشملُهم فيغلِب خيرُهم شرَّهم. اختيار الإسلام للسِّلم حيثُما وُجدَ لا يتعارضُ مع منهجه الأساسيِّ، فمتى امتدَّت إليه يدٌ صادقة تريد الأمان غيرَ متلفِّعةٍ بالغدر فإنه يصافحها، ويُوفي عهدَه لها. الأمر كلُّه بيد الله، يحكم بما يشاء، في الحرام والحلال، وما على العبد إلا الامتثالُ دون تردُّد، فمتى أمرَه بالجهاد فعَل، أو بالكفِّ امتثَل. |
﴿بَشِّرِ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ بِأَنَّ لَهُمۡ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ [النساء: 138]
يا لها من سخريةٍ مُرَّةٍ استحقَّها المنافق بشنيع فعله؛ حين أظهر الاستقامةَ والإيمان، وهو يخفي الجحودَ والعصيان! وله في الآخرة ما هو أشدُّ وأدهى. لا ينتظرُ مَن كاد للإسلام إلا عذابَ القويِّ المنتقم، وفضحه له مهما بالغ في إخفاء حقيقته، وإنه وإن لم يفضَحه باسمه، فقد فضحَه بقبيح صفاته. |
﴿إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصۡلَحُواْ وَٱعۡتَصَمُواْ بِٱللَّهِ وَأَخۡلَصُواْ دِينَهُمۡ لِلَّهِ فَأُوْلَٰٓئِكَ مَعَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَسَوۡفَ يُؤۡتِ ٱللَّهُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَجۡرًا عَظِيمٗا ﴾ [النساء: 146]
ما من دواءٍ أنجعُ من شدَّة الاعتصام بالله، واللجوء إليه، والإخلاص له، وبمقدار العناية بهذا العلاج يكون الشفاءُ من أعتى الأمراض. التائبون المُصلحون ما أفسدوا هم في صُحبة المؤمنين المتَّقين، الذين ينالون الأجرَ والتكريم من ربِّ العالمين. |
﴿إِنَّآ أَنزَلۡنَا ٱلتَّوۡرَىٰةَ فِيهَا هُدٗى وَنُورٞۚ يَحۡكُمُ بِهَا ٱلنَّبِيُّونَ ٱلَّذِينَ أَسۡلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلرَّبَّٰنِيُّونَ وَٱلۡأَحۡبَارُ بِمَا ٱسۡتُحۡفِظُواْ مِن كِتَٰبِ ٱللَّهِ وَكَانُواْ عَلَيۡهِ شُهَدَآءَۚ فَلَا تَخۡشَوُاْ ٱلنَّاسَ وَٱخۡشَوۡنِ وَلَا تَشۡتَرُواْ بِـَٔايَٰتِي ثَمَنٗا قَلِيلٗاۚ وَمَن لَّمۡ يَحۡكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡكَٰفِرُونَ ﴾ [المائدة: 44]
كيف للدين أن ينفعَ أهله وهم لا يُقيمونه في حياتهم، ولا يستَشفون بأشفيته؟ وكيف له أن يضيءَ لهم وهم لا يحملون مشاعلَه، ولا يقتبسون من أنواره؟! ليس يصلُح للحكم بين الناس إلا مَن كان من العلماء العاملين الألِباء، أتباع الرسُل والأنبياء، لا أصحاب القوانين ومبتدَع الآراء. إذا أردتَ معرفةَ الإمام الربانيِّ فاعلم أنه العالمُ بكتاب الله جلَّ في علاه، العاملُ بأحكامه ومقتضاه، القائمُ بحقوقه والواقفُ عند حدوده. احفظ كتابَ الله في صدرك فلا تنسَه، واحفظ قدرَه في نفسك فلا تَحِد عنه، وجمِّل منطقَك بتلاوته، وجوارحَك بالعمل بما فيه، ولا تتركه فتُترَك، ولا تضيِّعه فتَضيع. الحكم بما أنزل الله لا يواجهه أكثرُ الناس بالرضا والقَبول، بل بالإعراض أو الرفض، فعلى أهله الحاكمين به أن يستعدُّوا للمواجهة بالثبات والصبر، وألا يخافوا الناسَ، بل ربَّ الناس. مَثَلُ مَن يبذل دينَه مقابل عرَضٍ من الدنيا كمَثَل تاجرٍ يسعى لامتلاك البَضاعة الخسيسة بالأموال النفيسة، فيبيعُ الثمينَ ويَحوزُ المَهين. مَن أراد أن يعرفَ ما لصلاح الأمة عند الله من أهمية فلينظر إلى شدة وعيدِ مَن لم يحكم فيها بما أنزله لسعادتها العاجلة والآجلة. |
﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُمۡ رَٰكِعُونَ ﴾ [المائدة: 55]
يا مَن اتخذتَ اللهَ ورسولَه وليَّين، أيليقُ بك أن تُواليَ مَن عادى ربَّك ورسولَك وإخوانَك؟ ليس الإيمانُ مجرَّدَ عنوان، ولا كلمةً تُردَّد في اللسان، بل هو اعتقادٌ وعمل يوجب نصرةَ أهله، ومناوأةَ أعدائه. أعمـالُ الإيمــان تحتـاج إلى إخــــلاصٍ وخضوع، فليس من الإيمان عُجبُ المرء بطاعته وامتثاله. |
﴿وَمَن يَتَوَلَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فَإِنَّ حِزۡبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلۡغَٰلِبُونَ ﴾ [المائدة: 56]
إذا استَيقَن المؤمنون بالعاقبة الحسنة قَويَت قلوبهم على اجتياز المِحنة، وطمعَوا في أن يتحقَّقَّ على أيديهم وعدُ الله للأمَّة. |
﴿وَقَالَتِ ٱلۡيَهُودُ يَدُ ٱللَّهِ مَغۡلُولَةٌۚ غُلَّتۡ أَيۡدِيهِمۡ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْۘ بَلۡ يَدَاهُ مَبۡسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيۡفَ يَشَآءُۚ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرٗا مِّنۡهُم مَّآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ طُغۡيَٰنٗا وَكُفۡرٗاۚ وَأَلۡقَيۡنَا بَيۡنَهُمُ ٱلۡعَدَٰوَةَ وَٱلۡبَغۡضَآءَ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ كُلَّمَآ أَوۡقَدُواْ نَارٗا لِّلۡحَرۡبِ أَطۡفَأَهَا ٱللَّهُۚ وَيَسۡعَوۡنَ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَسَادٗاۚ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُفۡسِدِينَ ﴾ [المائدة: 64]
الشغَف بالحياة الدنيا يولِّد في الطبع البخلَ والجشع، والحرصَ والطمع، ولليهود في ذلك القِدحُ المُعلَّى، والحظُّ الأوفى، ولقد كانوا من أغنى الناس؛ لكن غُلَّت أيديهم عن البذل. سبحان ربِّنا من إلهٍ كريم، يجود على عباده بما لا يُحصى، ويتفضَّل عليهم بما لا يُعدُّ، فمَن ذا الذي يستطيع حصرَ ما أعطى، أو إحصاءَ ما أولى؟! إنفاق اللهِ تابعٌ لمشيئته المبنيَّةِ على حكمته، فمتى شاء أعطى، ومتى شاء منع، فله الفضلُ في العطاء، والحكمةُ في المنع. النفوس التي مَرَدت على العصيان، وطُبعَت على الخبث والطغيان، لا يزيدها الوحيُ إلا شرًّا إلى شرِّها، ومرضًا إلى مرضها. ببُغض أهل الكتاب للمؤمنين عُوقبوا بزرع الكراهية المتأصِّلة فيما بينهم، ولولا المصالحُ الدنيوية التي تجمعهم، وعداوتُهم المشتركة للمسلمين لطالت حربُهم، وامتدَّ اقتتالهم. لو استطاع اليهود القضاءَ على المسلمين لفعلوا، غير أنهم يجتهدون في مشاريع الإفساد اجتهادَ الساعي، لا تريُّثَ الماشي، ولكنَّ الله مطفئٌ نارَ كلِّ حربٍ أضرموها، ومصلحٌ ما أفسدوه. |
﴿وَلَوۡ أَنَّ أَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَوۡاْ لَكَفَّرۡنَا عَنۡهُمۡ سَيِّـَٔاتِهِمۡ وَلَأَدۡخَلۡنَٰهُمۡ جَنَّٰتِ ٱلنَّعِيمِ ﴾ [المائدة: 65]
لا أحدَ أكرمُ من الله عزَّ وجلَّ؛ فأيُّ عبدٍ تاب تاب الله عليه، وإن بلغت سيِّئاتُه ما بلغت، فإن الإسلام يجُبُّ ما قبله مهما جلَّ. مَن رامَ السعادةَ الكبرى فليأتِ بالإيمان مشفوعًا بالتقوى؛ فإن الخيمة لا تثبُت إلا بأطنابها. إنما تتِمُّ سعادةُ المرء برفع العقاب، ووصول الثواب، وتكفير السيِّئات، ودخول الجنات، فيا طيبَها من ثمراتٍ للإيمان والتقوى! |
﴿إِذۡ يَقُولُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَٰٓؤُلَآءِ دِينُهُمۡۗ وَمَن يَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٞ ﴾ [الأنفال: 49]
أيها المؤمنُ، إن ما تؤمنُ به على وجه اليقين قد ترى مَن يعُدُّه غرورًا، فلا تلتفت إلى تلك الموازين الفاسدة. هناك قومٌ يائسون بسبب الانهزام النفسيِّ والانبهار بالكفَّار، فإذا وُجِدَت في الأمَّة بعضُ عوامل النهوض قلَّلوا من شأنها، وسخِروا منها! كم منافقٍ يزرعُ الوهنَ بين الناس في الأزَمات! وما أحوجَ المؤمنَ حينئذٍ إلى التوكُّل والثبات، وتذكُّرِ أن الله عزيزٌ حكيم عظيم! ثِق بفضل الله تعالى وقدرته، وعوِّل على إحسانه ومعونته؛ فإنه بعزَّته وبحكمته حافظُك وناصرك ممَّا تخاف سوءَ عاقبته. |
﴿عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمۡ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعۡلَمَ ٱلۡكَٰذِبِينَ ﴾ [التوبة: 43]
تأدَّب في حديثك عن نبيِّك ﷺ، ألا ترى أن الله فاتحه ببِشارة العفو، وتعهَّده بحسن الموعظة، ولطف المراجعة. مَن أراد العدالةَ في المعاملة، ومعرفةَ الأمور على ما هي عليه فليتأنَّ، ولا يغترَّ بظواهر الأحوال. |
﴿وَلَوۡ أَنَّهُمۡ رَضُواْ مَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَقَالُواْ حَسۡبُنَا ٱللَّهُ سَيُؤۡتِينَا ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ وَرَسُولُهُۥٓ إِنَّآ إِلَى ٱللَّهِ رَٰغِبُونَ ﴾ [التوبة: 59]
من أدبِ النفس واللسان والإيمان: الاكتفاءُ بالله، والرضا بقِسمة الله ورسوله، رضا التسليمِ والاقتناع، لا رضا القهر والغلَب. الحَسْبُ والكفاية لله وحدَه، فإنه لا كافيَ إلا اللهُ تعالى، ولا حافظ إلا هو سبحانه. |
﴿يَحۡذَرُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيۡهِمۡ سُورَةٞ تُنَبِّئُهُم بِمَا فِي قُلُوبِهِمۡۚ قُلِ ٱسۡتَهۡزِءُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ مُخۡرِجٞ مَّا تَحۡذَرُونَ ﴾ [التوبة: 64]
ما أسرَّ عبدٌ سريرةً يمكُر فيها بدين الله تعالى، ويستهزئُ به وبآياته ورسولِه إلا فضح الله مكرَه، وهتك سترَه. ما أغبى المنافقين؛ يخشَون فضيحةَ الدنيا أمام بعض الخلق، ولا يخشَونها بين يدَي الخالق، على مَرأى جميع الخلائق! |
﴿أَلَمۡ يَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ سِرَّهُمۡ وَنَجۡوَىٰهُمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ عَلَّٰمُ ٱلۡغُيُوبِ ﴾ [التوبة: 78]
لا يظُنَّ أهلُ الكيد والنفاق الذين يبيِّتون ما لا يرضى اللهُ أن ذلك يخفى عليه، فإنه سبحانه مطَّلِع على بَواطنهم كما هو مطَّلع على ظواهرهم. إن اطِّلاعَ الله تعالى على السرِّ والعلَن يدعو إلى مُراقبة الله وتعظيمه، والبُعدِ عن مَساخطه، والإقبالِ على مَراضيه. عِلمُ الله لا يتغيَّر ولا يتبدَّل، ولا ينتابُه قصورٌ ولا نسيان، وعِلمُ البشر قاصرٌ متجدِّد بحصول المعرفة بعد الجهل، والتذكُّر بعد الغفلة والنسيان. |
﴿سَيَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمۡ إِذَا ٱنقَلَبۡتُمۡ إِلَيۡهِمۡ لِتُعۡرِضُواْ عَنۡهُمۡۖ فَأَعۡرِضُواْ عَنۡهُمۡۖ إِنَّهُمۡ رِجۡسٞۖ وَمَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُ جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ ﴾ [التوبة: 95]
ليس كلُّ مخطئ يُترك من العتاب أو العقاب ينال الرضا والقَبول، فمن الإعراض ما يكون إهانةً واحتقارا، لا صفحًا وإعذارا. المؤمن تنفعُ فيه المعاتبة، وتُصلحُه المحاسبة، ولا تزيدُه التوبةُ إلا نقاءً، وأما من لم يكُ طاهرًا فأنَّى له ذلك؟! أولى ما يَنبغي الاحترازُ منه الأرجاسُ الروحانية؛ إذ يُوشكُ أن يميلَ الطبعُ بصاحبها إليها فيَهلِك، فالنجاسةُ الباطنة تُودِي بأهلها إلى الأعمال المُهلِكة. |
﴿ٱلۡأَعۡرَابُ أَشَدُّ كُفۡرٗا وَنِفَاقٗا وَأَجۡدَرُ أَلَّا يَعۡلَمُواْ حُدُودَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ ﴾ [التوبة: 97]
إنما ذمَّ اللهُ تعالى في الأعرابِ كونَهم لا يعلمون حدودَ ما أنزلَ على رسوله من الهدى، فطوبى لمن عَلِمَها، واهتدى بها. أنفَعُ العلومِ معرفةُ حُدودِ ما أنزَلَ الله على رسولِه، من أصولِ الدينِ وفُروعِه، وإلا فكيف يمتثلُ المؤمن الأوامرَ ويزدَجرُ عن النواهي وهو لا يعرفُها؟ البعدُ عن المجالس الإيمانية والعلمية يُقرِّبُ الإنسانَ من الوقوع في المعصية. لن تَخفَى على العليمِ سبحانه دخائلُ النفوس، وليس سوى الحكيمِ من يقدرُ على تمييزِ مراتب تلك النفوس. |
﴿وَمِمَّنۡ حَوۡلَكُم مِّنَ ٱلۡأَعۡرَابِ مُنَٰفِقُونَۖ وَمِنۡ أَهۡلِ ٱلۡمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ لَا تَعۡلَمُهُمۡۖ نَحۡنُ نَعۡلَمُهُمۡۚ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيۡنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٖ ﴾ [التوبة: 101]
إذا ظهرَ النفاقُ في أرضٍ يتنزَّل فيها وحيُ السماء، ويمشي على ظهرها سيِّدُ الأنبياء، وفي زمانٍ يَسودُ فيه عزُّ الإسلام، فكيف بعد ذلك؟! ليس لعبدٍ أن يزعمَ أن اللهَ يُطلِعُه على الغيب، لمجرَّدِ أن قلبَه قد صفا، ونفسَه عن الشواغل قد جُرِّدت. مهما أحسنَ المنافقُ التخفِّيَ والتلوُّن، فإنه لن يخفى على رب الناس، وسيعذبه أعظم عذاب. إن الكافر أو المنافق إذا عُذِّب في الدنيا فإنما ذلك مقدِّمة للعذاب العظيم في الآخرة، فإن العذاب الدنيويَّ لا يَدفع عنه العذابَ الأُخرويَّ، ما دام مستمرًّا على كفره ونفاقه. |
﴿لَا تَقُمۡ فِيهِ أَبَدٗاۚ لَّمَسۡجِدٌ أُسِّسَ عَلَى ٱلتَّقۡوَىٰ مِنۡ أَوَّلِ يَوۡمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِۚ فِيهِ رِجَالٞ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْۚ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُطَّهِّرِينَ ﴾ [التوبة: 108]
إن العملَ وإن كان ظاهرُه فاضلًا فإن النيةَ الفاسدة تُغيِّرُه، فيغدو مَنهيًّا عنه. كلُّ شيء يحصُل به التفريقُ بين المؤمنين فإنه معصيةٌ يجب تركُها. قد أَثَّرتِ المعصيةُ على مكانٍ فَنُهيَ عن القيامِ بالعبادة فيه، في حين أَثَّرت الطاعةُ على مكانِ قباءٍ فأُمرَ بالقيام فيه. حين يَبعثُ حُبُّ الطهارةِ على التطهُّر، فيصيرُ للمرء خلقًا، فإنه يفعلُه من تلقاءِ نفسه، وإن لم يُطلب منه، ومن أحبَّ طاعة لله وواظب عليها جنى بذلك حبَّ اللهِ له. موافقةُ الله في حُبِّه من دلائل زكاءِ النفوس. ما من نفسٍ سويةٍ إلا كانت تكاليفُ الشريعةِ محبَّبة لها. |
﴿وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ فَزَادَتۡهُمۡ رِجۡسًا إِلَىٰ رِجۡسِهِمۡ وَمَاتُواْ وَهُمۡ كَٰفِرُونَ ﴾ [التوبة: 125]
القلوب تمرَضُ وتَشفى كالجسد، فأدواؤها الكفر والجهل وذميمُ الخِلال، وأدويتُها الإيمانُ والعلم وفضائلُ الخِصال. إذا انتكستِ القلوبُ انقلبَ تمييزُ الأمور فيها، فيصيرُ الخيرُ شرًّا، وسببُ الهداية سببًا للغَواية. الكفر بآيات الله تعالى، وعصيانُ رسوله ﷺ يُعقِب أصحابه هلاكًا وطَبعًا على قلوبهم؛ عقوبةً من الله تعالى لهم. |
﴿أَوَلَا يَرَوۡنَ أَنَّهُمۡ يُفۡتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٖ مَّرَّةً أَوۡ مَرَّتَيۡنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمۡ يَذَّكَّرُونَ ﴾ [التوبة: 126]
ليَفزَع إلى التوبة مَن نزلت به إحدى الرزايا، فلعلَّه أُصيبَ بها لفعلِ بعض الخطايا. مَن أعرض عن القرآن واستهزأ بذِكره لم يكن من أهل الذِّكر، ولم تُحدث فيه الرزايا ذِكرًا ولا عِبرة. |
﴿وَإِذَا مَآ أُنزِلَتۡ سُورَةٞ نَّظَرَ بَعۡضُهُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٍ هَلۡ يَرَىٰكُم مِّنۡ أَحَدٖ ثُمَّ ٱنصَرَفُواْۚ صَرَفَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَفۡقَهُونَ ﴾ [التوبة: 127]
المنافقُ يراقب الناسَ كما يراقب المؤمنُ ربَّه، فيَحضُر ليَربحَهم، ويَخنِس خُفيةً كي لا يخسرَهم. لا يستطيعُ المنافقون البقاءَ عند سماع القرآن، فقلوبُهم لا تقبلُه، وكشفُه لعَوارهم وإخراجُه لأسرارهم يَصرِفُهم عن الاستماع له. من أعرضَ عن الله تعالى أعرض الله عنه، ومن لم يَفقَه ما ينفعُه في آخرته لا يمكنُه الإقبالُ على سماع كتاب ربِّه، والانتفاع بخطابه. الفقيهُ كلُّ الفقيهِ مَن أقبلَ على القرآنِ سماعًا وأخذًا، وعِلمًا وعملًا. |
﴿لَقَدۡ جَآءَكُمۡ رَسُولٞ مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ عَزِيزٌ عَلَيۡهِ مَا عَنِتُّمۡ حَرِيصٌ عَلَيۡكُم بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ ﴾ [التوبة: 128]
تشريفٌ للعربِ وتكليفٌ أنْ كان رسولُ الله ﷺ منهم، فتشريفُهم بأن بُعِث من بينهم؛ يفهمون عنه أكثرَ من غيرهم، وتكليفٌ بأن يتحمَّلوا من أمانة التبليغ ما لم يتحمَّله غيرُهم. ما أرحمَ رسولَ الله ﷺ وأرأفَه بأمَّته! يَشُقُّ عليه أن يرى المشقةَ بهم نازلة، ويَحرِصُ على إيصال الخير لهم في كلِّ أوان، فما أحسنَ أن يكون الدُّعاة كذلك! لا ينتفعُ برأفةِ رسول الله ﷺ ورحمتِه إلا مَن آمنَ به، فحينما يهتدي إلى الحقِّ يَظهرُ أثرُ الرأفةِ والرحمة عليه. |
﴿أَلَآ إِنَّهُمۡ يَثۡنُونَ صُدُورَهُمۡ لِيَسۡتَخۡفُواْ مِنۡهُۚ أَلَا حِينَ يَسۡتَغۡشُونَ ثِيَابَهُمۡ يَعۡلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعۡلِنُونَۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ ﴾ [هود: 5]
السرُّ عند الله تعالى كالعلَن، فهل يستطيع العبدُ إخفاءَ معصيته، وكتمانَ جَريرته؟ يا لها من موعظةٍ عظيمة! أن يستشعرَ المرءُ أن الله تعالى عالمٌ بكلِّ ما يعمله، لا تغيب عنه أفعالُ عباده طرفةَ عين، بل لا تغيب عنه مكنوناتُ الصدور وراء الثياب خلف البيوت. إذا ضمَّت الأسرارَ الصدور، فإنها لا تَخفى على العليم بكلِّ الأمور. |
﴿وَيَقُولُونَ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلرَّسُولِ وَأَطَعۡنَا ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٞ مِّنۡهُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَۚ وَمَآ أُوْلَٰٓئِكَ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ ﴾ [النور: 47]
لا ينفكُّ المنافقون يعاودون الكذب؛ يكرِّرونه ويجدِّدونه، ويستمرُّون فيه ويستمرئونه. ليس الإيمان متاعًا يأخذه المرء متى يشاء ثم يدعه، وإنما هو تكيُّفٌ في النفس، وانطباعٌ في القلب، وعملٌ في الواقع. |
﴿وَإِذَا دُعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ لِيَحۡكُمَ بَيۡنَهُمۡ إِذَا فَرِيقٞ مِّنۡهُم مُّعۡرِضُونَ ﴾ [النور: 48]
الرضا بحكم الله ورسوله من أدلة الإيمان الحق، وهو المظهر الذي ينبئ عن استقرار الإيمان في القلب. المُريب يتهرَّب من الحقِّ إذا دُعي إليه، ويجتهد في الفرار منه كلَّما عُرض عليه، خَشية أن يَفضح نيَّته. |
﴿وَإِن يَكُن لَّهُمُ ٱلۡحَقُّ يَأۡتُوٓاْ إِلَيۡهِ مُذۡعِنِينَ ﴾ [النور: 49]
لا يجد الحقُّ قَبولًا لدى المنافقين حين الاحتكام إليه إلا إذا وافق أهواءهم، ونهض بمصالحهم، ووصلوا به إلى رغباتهم. هنالك مَن يبحث في النصوص الشرعية عن براهين قناعاته السابقة، فهو يعتقد أولًا، ثم يبحث عما يثبت به ذلك المعتقد، لكن المنتفع بالوحي حقًّا هو مَن تجرَّد للحقِّ وأخلص وانقاد. |
﴿أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ٱرۡتَابُوٓاْ أَمۡ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡ وَرَسُولُهُۥۚ بَلۡ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ ﴾ [النور: 50]
حين تختلُّ الفطرة عند امرئ وينحرف عن الجادَّة فإن المرض يعشش في قلبه، فلا يتذوق حلاوة الإيمان، ولا يسير على نهجه القويم. الاعتقاد الذي لم يُبنَ على يقين محكم يتملَّكه الارتياب، ويصرفه عن الرسوخ في الصواب. إذا أعرض المرءُ عن شريعة الله تعالى ورسوله خشية ألا تعدل في أحكامها فيه فقد أساء الظن بربه، وأخرج مرض قلبه، وظلم نفسه. |
﴿۞ وَأَقۡسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَيۡمَٰنِهِمۡ لَئِنۡ أَمَرۡتَهُمۡ لَيَخۡرُجُنَّۖ قُل لَّا تُقۡسِمُواْۖ طَاعَةٞ مَّعۡرُوفَةٌۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ ﴾ [النور: 53]
من الناس مَن يدَّعي البطولة في الرخاء وقبل المواجهة، فإذا جدَّ الجِدُّ كان من أجبن الناس، وأحرصهم على حياة، فلا يكُن ذلك حال مَن يرجو الله والفوز بنعيمه. لا قيمةَ للقَسَم إذا كان عملُ صاحبه يخالفه ويكذِّبه، فعظِّمِ اليمين، واعمل أعمال المؤمنين. لئن راج الحَلِف على المخلوق إنه لا يخفى كذبُ صاحبه على الخالق العليم الخبير الذي يعلم السرَّ وأخفى. |
﴿لَّا تَجۡعَلُواْ دُعَآءَ ٱلرَّسُولِ بَيۡنَكُمۡ كَدُعَآءِ بَعۡضِكُم بَعۡضٗاۚ قَدۡ يَعۡلَمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمۡ لِوَاذٗاۚ فَلۡيَحۡذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنۡ أَمۡرِهِۦٓ أَن تُصِيبَهُمۡ فِتۡنَةٌ أَوۡ يُصِيبَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور: 63]
لا بدَّ من امتلاء القلوب بالتوقير لرسول الله ﷺ، حتى تستشعر كلَّ كلمة في ندائه، وكلَّ صوت في مناداته. كما كان الصحابة يخاطبون رسولَ الله ﷺ في حضرته بكلِّ أدب وتوقير، وتشريف وتعظيم، كذا يجب أن يكونَ الأمر بعده عند ذكره في غَيبته. من الناس مَن يتسلَّلون من أوامر رسول الله ﷺ وزواجره، مُستَخْفين بتأويلات بعيدة حتى لا ينكشفوا فيُفتَضحَ أمرهم بين المسلمين. فليحذر العقاب مَن يخالف أمر النبي عليه الصلاة والسلام بمخالفة الواجب من سُنته، أو ترك ما أمر به، واقتراف ما نهى عنه. |
﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ فَإِذَآ أُوذِيَ فِي ٱللَّهِ جَعَلَ فِتۡنَةَ ٱلنَّاسِ كَعَذَابِ ٱللَّهِۖ وَلَئِن جَآءَ نَصۡرٞ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمۡۚ أَوَلَيۡسَ ٱللَّهُ بِأَعۡلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ ٱلۡعَٰلَمِينَ ﴾ [العنكبوت: 10]
كن صابرًا على إيمانك، ثابتًا على دينك، ولا يزعزعك عن ذلك أذى المؤذين، فتخشى ضررهم كما تخشى عذاب الله، بل اجعل خَشيتك لله وحده. عند الابتلاء تظهر قوة الإيمان من ضعفه، فمَن ثبت فذلك المؤمن حقًّا، ومَن خشي أذى الناس فسايرَهم في ضلالهم، ورضخَ لأمانيِّهم فذلك الذي سمى اللهُ وذمَّ. ثمةَ مَن يساير التيار الغالب، ويسفِّه مَن يعارضه من المؤمنين، حتى إذا جاء نصر الله تعالى والفتح، حاول أن يتصدر المشهد الجديد، مؤكِّدًا كذبًا ولاءه للحق وأهله. مؤمنــو الرخـــــاء والسَّعـة يُفتَضحون أيام الشدة والانهزام والضيق، حيـث ينكفئـون إلى الباطل المنتصر، فإذا ما اضمحل رجَعوا إلى المؤمنين وقالوا: ألم نكن معكم؟! الاعتبار بما في القلب، فالمنافق الذي يُظهر الإيمان ويُضمر الكفر هو كافر، والمؤمن المكرَه الذي يُظهر الكفر ويضمر الإيمان هو مؤمن. |
﴿وَلَيَعۡلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَيَعۡلَمَنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ ﴾ [العنكبوت: 11]
في علم الله تعالى بما في قلب المؤمن وعدٌ حسن له، وفي علمه بما في قلب الكافر والمنافق وعيدٌ شديد لهما، فرحم الله امرءًا أصلح باطنه. |
﴿وَإِذۡ يَقُولُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ إِلَّا غُرُورٗا ﴾ [الأحزاب: 12]
ينظر المؤمن إلى وعد الله تعالى، فيؤمن به، وكأن تحقيقه ماثلٌ بين يديه، ويرى المنافق ما عليه حاضره فيغترُّ به، ويثق به فوق ثقته بموعود الله جلَّ جلاله. |
﴿يَحۡسَبُونَ ٱلۡأَحۡزَابَ لَمۡ يَذۡهَبُواْۖ وَإِن يَأۡتِ ٱلۡأَحۡزَابُ يَوَدُّواْ لَوۡ أَنَّهُم بَادُونَ فِي ٱلۡأَعۡرَابِ يَسۡـَٔلُونَ عَنۡ أَنۢبَآئِكُمۡۖ وَلَوۡ كَانُواْ فِيكُم مَّا قَٰتَلُوٓاْ إِلَّا قَلِيلٗا ﴾ [الأحزاب: 20]
عندما استحكم الجبن في قلوب المنافقين ظنُّوا أن الأحزاب لم ينصرفوا عن الخندق وقد انصرفوا، فما أضعفَهم في دينهم! وما أضعفَهم في أنفسهم. المسلم الصادق يتتبع أخبار المسلمين ويسأل عنهم ليفرح لفرحهم، ولينصرهم بما يقدر عليه عند حزنهم، وأما مَن تتبعها ليُسرَّ بنكستهم، ويحزن لرفعتهم فهو مشكوك في إيمانه. |
﴿لِّيَجۡزِيَ ٱللَّهُ ٱلصَّٰدِقِينَ بِصِدۡقِهِمۡ وَيُعَذِّبَ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ إِن شَآءَ أَوۡ يَتُوبَ عَلَيۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورٗا رَّحِيمٗا ﴾ [الأحزاب: 24]
طوبى لمَن صدق اللهَ سبحانه وتعالى في أقواله وأحواله، واستوى في الصدق في ضميره وأعماله. لا يقطع الله تعالى رجاء مَن رجاه، فهو جلَّ وعلا واسعُ الرحمة، ألا ترى كيف علَّق كرمًا منه تعذيبَ المنافقين على مشيئته؟ |
﴿وَلَا تُطِعِ ٱلۡكَٰفِرِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَدَعۡ أَذَىٰهُمۡ وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلٗا ﴾ [الأحزاب: 48]
لا خيرَ للمؤمنين في طاعة الكافرين والمنافقين، فقد تكرَّر في السورة النهيُ عن ذلك مرَّتين، فليذكر المؤمن ذلك. الإعراض عمَّن يؤذي هو في غاية المشقَّة على النفس، لكن مَن استحضر الدواء وهو التوكل على الله تعالى هان ذلك عليه. |
﴿۞ لَّئِن لَّمۡ يَنتَهِ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ وَٱلۡمُرۡجِفُونَ فِي ٱلۡمَدِينَةِ لَنُغۡرِيَنَّكَ بِهِمۡ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَآ إِلَّا قَلِيلٗا ﴾ [الأحزاب: 60]
إنه حِلم الله تعالى الذي يدعو شِرارَ عباده إلى الانتهاء عن شرِّهم، حتى لا يُسلط عليهم غضبه ونقمته، فسبحانه من إله حليم لا يحبُّ تعذيب عباده حتى يُعذِرَ إليهم! إصلاح الفاسد من الأمة أولى من قطعه منها؛ لأن إصلاحه يُكسب الأمة فردًا صالحًا أو طائفة صالحة تنتفع الأمة بها. ما ألصق صفةَ الإرجاف بالمنافقين الذين يَسعَون إلى زعزعة الثوابت! وذلك بنشر الإشاعات والأكاذيب والأباطيل التي تهدد استقرار المجتمع المسلم. المعصية إذا فحشَ أمرها سلط الله تعالى على أهلها مَن يُذلهم ويذيقهم ما يَقهَرهم؛ جزاء عصيانهم. |
﴿لِّيُعَذِّبَ ٱللَّهُ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتِ وَٱلۡمُشۡرِكِينَ وَٱلۡمُشۡرِكَٰتِ وَيَتُوبَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمَۢا ﴾ [الأحزاب: 73]
أودع الله تعالى عباده حقوقًا وائتمنهم عليها، وأوجب عليهم تلقِّيَها بحسن الطاعة والانقياد، وأمرهم بمراعاتها والمحافظة عليها، وأدائها من غير إخلال بشيء من حقوقها. الناس أمام الأمانة أصناف؛ منافقون يتظاهرون بالقيام بها، ومشركون لا يعتنون بها، ومؤمنون يسعَون في أدائها خير أداء. لمَّا كان أداء الأمانة يعتريه شيءٌ من القصور أو التقصير، خُتمت هذه الآية بما يسلِّي المؤمن الحريص على أداء أمانته، ولكنَّه قد لا يبلغ الكمال. |
﴿وَٱلَّذِينَ ٱهۡتَدَوۡاْ زَادَهُمۡ هُدٗى وَءَاتَىٰهُمۡ تَقۡوَىٰهُمۡ ﴾ [محمد: 17]
أقبِل على الله وسيُقبل عليك إفضالُه؛ فمَن اهتدى حقًّا رَقيَ به إلى زيادة الاهتداء، حتى يصلَ إلى نَيل التقوى. |
﴿فَهَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّا ٱلسَّاعَةَ أَن تَأۡتِيَهُم بَغۡتَةٗۖ فَقَدۡ جَآءَ أَشۡرَاطُهَاۚ فَأَنَّىٰ لَهُمۡ إِذَا جَآءَتۡهُمۡ ذِكۡرَىٰهُمۡ ﴾ [محمد: 18]
مَن أبصر دنوَّ الساعة جدَّ واجتهد في العمل، وسارع للتزوُّد من الأعمال قبل انتهاء الأجَل. |
﴿وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَوۡلَا نُزِّلَتۡ سُورَةٞۖ فَإِذَآ أُنزِلَتۡ سُورَةٞ مُّحۡكَمَةٞ وَذُكِرَ فِيهَا ٱلۡقِتَالُ رَأَيۡتَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ يَنظُرُونَ إِلَيۡكَ نَظَرَ ٱلۡمَغۡشِيِّ عَلَيۡهِ مِنَ ٱلۡمَوۡتِۖ فَأَوۡلَىٰ لَهُمۡ ﴾ [محمد: 20]
المؤمنون صادقون ظاهرًا وباطنًا، فأقوالهم وأمانِيُّهم في طلب فعل الخير تُصدِّقها أعمالهم ومواقفهم، وأمَّا المنافقون فأقوال بلا أعمال، وجميل مقالهم يكذِّبه سوء فِعالهم. الحياة عند المنافقين أغلى من كلِّ شيء؛ فلذلك تركوا الإيمانَ لأجل مَلذَّاتها العاجلة، وخافوا من الخروج للقتال حفاظًا عليها. وبَّخ اللهُ المنافقين، وبيَّن لهم أن طاعتهم لله ولرسوله، وقولهم الأقوال الموافقة للشرع أولى من خلافها، وهذا من مظاهر رحمة الله تعالى بعباده وحِلمه عليهم مهما عصَوا. مَن صدَق مع الله كفاه الله ما أهمَّه، وهوَّن عليه ما يلقاه، وأحاطه بحفظه، ورعاه بعينه. |
﴿وَلَوۡ نَشَآءُ لَأَرَيۡنَٰكَهُمۡ فَلَعَرَفۡتَهُم بِسِيمَٰهُمۡۚ وَلَتَعۡرِفَنَّهُمۡ فِي لَحۡنِ ٱلۡقَوۡلِۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ أَعۡمَٰلَكُمۡ ﴾ [محمد: 30]
ما امتلأ قلبٌ بشيء إلا أظهرته أقوالُ صاحبه وأعماله ولو بعد حين. ينبغي للعبد أن يحقِّقَ في عمله الإخلاصَ والصدق، وألا يجعلَ همَّه ثناءَ الناس على عمله، فإن الله يعلم أعماله. |
﴿وَيُعَذِّبَ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتِ وَٱلۡمُشۡرِكِينَ وَٱلۡمُشۡرِكَٰتِ ٱلظَّآنِّينَ بِٱللَّهِ ظَنَّ ٱلسَّوۡءِۚ عَلَيۡهِمۡ دَآئِرَةُ ٱلسَّوۡءِۖ وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡ وَلَعَنَهُمۡ وَأَعَدَّ لَهُمۡ جَهَنَّمَۖ وَسَآءَتۡ مَصِيرٗا ﴾ [الفتح: 6]
اجتمعوا على عداوة الإسلام والمسلمين، فجاء العذاب ليجمعَهم كذلك، فالطريق الذي اتَّفقوا فيه أوصلهم إلى غاية واحدة. ظنَّ المنافقون والمشركون أن الله سيخذُل دينه، ويُسلِم رسوله، فكان الخِذلانُ حظَّهم، والسوءُ نصيبَهم. ما أعظمَها من عقوبات تنتظر أولئك الكافرين! فالعذاب جزاؤهم، والغضب واللعن تحيَّة لهم، ونار جهنَّم دارهم التي يأوون إليها، نسأل الله السلامة من غضبه وجميع عقابه. |
﴿يَوۡمَ يَقُولُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتُ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقۡتَبِسۡ مِن نُّورِكُمۡ قِيلَ ٱرۡجِعُواْ وَرَآءَكُمۡ فَٱلۡتَمِسُواْ نُورٗاۖ فَضُرِبَ بَيۡنَهُم بِسُورٖ لَّهُۥ بَابُۢ بَاطِنُهُۥ فِيهِ ٱلرَّحۡمَةُ وَظَٰهِرُهُۥ مِن قِبَلِهِ ٱلۡعَذَابُ ﴾ [الحديد: 13]
إذا فاتت الفرصةُ فلن تُعوَّض؛ فاحرِص أن يستنيرَ قلبُك بنور الإيمان والهداية في الدنيا، قبل أن تتخبَّطَ في ظلُمات الجحود والكُفران يوم القيامة. أشدُّ ما يكونُ من الحسرة والبلاء حين يُفتَح للعبد طريقُ النجاة، حتى إذا ظنَّ أنه ناجٍ ورأى منازلَ السعداء حُجزَ عنهم وضُربت عليه الشِّقوة! استهانَ المنافقون بأنوار الهدى في الدنيا فافتقروا إليها حين أظلمت دروبُهم في الآخرة، ولكن هيهاتَ أن يكونَ لهم ولو قليلٌ منها. |
﴿يُنَادُونَهُمۡ أَلَمۡ نَكُن مَّعَكُمۡۖ قَالُواْ بَلَىٰ وَلَٰكِنَّكُمۡ فَتَنتُمۡ أَنفُسَكُمۡ وَتَرَبَّصۡتُمۡ وَٱرۡتَبۡتُمۡ وَغَرَّتۡكُمُ ٱلۡأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَآءَ أَمۡرُ ٱللَّهِ وَغَرَّكُم بِٱللَّهِ ٱلۡغَرُورُ ﴾ [الحديد: 14]
أعظمُ عوائق الهداية أن يفتنَ الإنسان نفسَه حتى يُفسدَ قلبَه، فإنه إذا زاغَ أزاغَ الله قلبَه وأضلَّ سبيلَه. هما طريقان لا ثالثَ لهما؛ طريقُ الهداية بالخضوع لله وصُحبة الأخيار، وطريقُ الضَّلال باتِّباع الشيطان وصُحبة الأشرار، فاختَر لنفسك ما تحبُّ. |
﴿فَٱلۡيَوۡمَ لَا يُؤۡخَذُ مِنكُمۡ فِدۡيَةٞ وَلَا مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ مَأۡوَىٰكُمُ ٱلنَّارُۖ هِيَ مَوۡلَىٰكُمۡۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ ﴾ [الحديد: 15]
أيها المغرورُ المستكبِر، لئن اتخذتَ مالكَ فديةً لرفع ذنب اقترفتَه في الدنيا، ليوشك ألَّا يُقبلَ منك درهمٌ ولا دينارٌ تفتدي به من عذاب الجحيم! الأموالُ التي كانت تُزوَّر بها الحقائقُ وتُشترى بها الذِّممُ ستكون على أصحابها وَبالا، ولن تُغنيَ عنهم كثيرًا ولا قليلا. من لم يكُن الله مولاه يلجأُ إليه ويُقبل عليه؛ طاعةً وبِرًّا، كانت النارُ هي مَولاه؛ منزلًا ومستقرًّا، ويا بئسَ المصير. |
﴿۞ أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ تَوَلَّوۡاْ قَوۡمًا غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِم مَّا هُم مِّنكُمۡ وَلَا مِنۡهُمۡ وَيَحۡلِفُونَ عَلَى ٱلۡكَذِبِ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ ﴾ [المجادلة: 14]
محبَّة الله تقتضي محبَّةَ أوليائِه، وبغضَ خصومه وأعدائِه، ومن أعجَب العَجَب أن يدَّعيَ عبدٌ محبَّةَ الله ثم يواليَ مَن غضب الله عليه. أشدُّ الناس حُمقًا مَن استدبر أهلَ ملَّتِه، وأقبل على أعداء دينه وأمَّتِه، فلم يحظَ برضاهم، وباء بسخَط من الله وغضب! أعمالُ القلوب من أعظم الأعمال، ولذا كانت موالاةُ أعداء الله من شرِّ ما يوجب غضبَ الله والعذابَ الأليم. |
﴿ٱسۡتَحۡوَذَ عَلَيۡهِمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ فَأَنسَىٰهُمۡ ذِكۡرَ ٱللَّهِۚ أُوْلَٰٓئِكَ حِزۡبُ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ أَلَآ إِنَّ حِزۡبَ ٱلشَّيۡطَٰنِ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ ﴾ [المجادلة: 19]
إذا ما غفَلَ القلب عن ذكر الله حتَّى نسيَه، فسَدَ وماتَ وتمحَّضَ للشرِّ الخالص. فلنحيِ قلوبنا بدوام الذِّكر والشُّكر. مَن استغنى عن ربِّه وأطاع شيطانه وهواه، استغنى الله عنه وحرمَه من أعظم نِعَمه؛ نعمة الطاعة والذِّكر، وصلاح القلب والفِكر. أدركَ الشيطانُ بخُبثه أن من أعظم الخِذلان، غفلةَ العبد وطولَ النسيان، فأنسى أتباعَه ذكرَ الله، فهاموا في متاهات الحرمان. أول ما يصيب الإنسانَ من قيود الشيطان، تقييدُ لسانه عن الذِّكر والشُّكران، فإذا ما قُيِّد اللسان استسلم الجَنان، وتبعته سائر الأركان. هما حزبان ورايتان؛ فإمَّا أن تكونَ من حزب الله وتمضي تحت رايته، وإمَّا أن تكونَ من حزب الشيطان وتنقادَ لرايته، فاختَر لنفسك. |
﴿۞ أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ يَقُولُونَ لِإِخۡوَٰنِهِمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ لَئِنۡ أُخۡرِجۡتُمۡ لَنَخۡرُجَنَّ مَعَكُمۡ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمۡ أَحَدًا أَبَدٗا وَإِن قُوتِلۡتُمۡ لَنَنصُرَنَّكُمۡ وَٱللَّهُ يَشۡهَدُ إِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ ﴾ [الحشر: 11]
الكفَّار والمنافقون بعضُهم أولياء بعض، اجتمعَت قلوبُهم على الكفر، واختلفَت في التصريح به وإظهاره. من أبرز صفات المنافقين التغريرُ بأتباعهم بدعاويهم العريضة، حتى إذا حَصحَصَ الحقُّ وجدتَّهم أكذبَ مَن عليها، وأجبنَ خلق الله جميعًا. أحلافُ الباطل أحلافٌ هشَّة، لا تكاد تُعقَد حتى تمزِّقَها المصالحُ وتوديَ بها الأهواء. المنافقون على مدار العصور سواءٌ؛ في احتيالهم وخُبث طويَّتهم، وادعائهم غيرَ الحقِّ. |
﴿فَكَانَ عَٰقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي ٱلنَّارِ خَٰلِدَيۡنِ فِيهَاۚ وَذَٰلِكَ جَزَٰٓؤُاْ ٱلظَّٰلِمِينَ ﴾ [الحشر: 17]
إيَّاك أن تلقيَ بسمعك للمُبطلين المفسدين، فإنهم يزيِّنون لك الباطلَ ويغرونك به، ثم لا يلبثون أن يخذلوكَ ويدَعوك تواجه مصيرَك البائس وحدَك. استوى التابعُ والمتبوعُ في الخيبة والعذاب، فلا تنفع اعتذاراتُ التابعين؛ جزاءَ ما عطَّلوا من عقولهم وأسلموا من قيادهم لأهل الفجور. |
﴿إِذَا جَآءَكَ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ قَالُواْ نَشۡهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُۥ وَٱللَّهُ يَشۡهَدُ إِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ لَكَٰذِبُونَ ﴾ [المنافقون: 1]
ما أكثرَ المنافقين الذين يندسُّون في صفوف المؤمنين؛ ليُفسدوا بينهم، ويفتُّوا في عَضُدهم، ويشتِّتوا شملهم، فلنكن منهم على حذَر. ليس بعد شهادة الله شهادة، وقد شهد الحقُّ سبحانه للمنافقين بالكذب، فإيَّاكم وإحسانَ الظنِّ بهِم؛ لئلَّا تُؤتَوا من قِبَلهِم. ثلاثة مؤكِّدات في هذه الآية يأخذ بعضُها برقاب بعض؛ تحذيرًا من الله ربِّ العالمين، لعباده المؤمنين، من خطر النفاق والمنافقين. |
﴿ٱتَّخَذُوٓاْ أَيۡمَٰنَهُمۡ جُنَّةٗ فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ إِنَّهُمۡ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ﴾ [المنافقون: 2]
إيَّاك وكثرةَ الحَلِف، فإنه خَلَّة ذميمة، وحسبُك به شرًّا أنه من صفات المنافقين. حتى الأيمانُ منها صادقٌ ومنها كاذب، فلا تغترَّ بأَيمان كلِّ أحد، حتى تمحِّصَ وتختبر. من أخطر جرائم المنافقين الصدُّ عن دين الله، والتشكيكُ بثوابت الإيمان. |
﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ ءَامَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ فَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ فَهُمۡ لَا يَفۡقَهُونَ ﴾ [المنافقون: 3]
الجزاءُ من جنس العمل؛ فإنَّ الله لم يطبع على قلوب المنافقين ابتداء، ولكن بعد ما استمرؤوا الكفرَ مع إظهار الإيمان. بادر إلى التوبة أيها المؤمنُ بعد كلِّ زلَّة وسقطة، فلا يأمنُ المرء على نفسه من الانتكاس بعد الصَّلاح والإيمان. مَن عرف الإيمانَ وذاق حلاوتَه، ومشى بنوره، ثم آثرَ عليه ظُلمات الكفر، استحقَّ أن يُطمسَ على بصيرته، حتى لا يفرِّقَ بين خطأ وصواب. |
﴿۞ وَإِذَا رَأَيۡتَهُمۡ تُعۡجِبُكَ أَجۡسَامُهُمۡۖ وَإِن يَقُولُواْ تَسۡمَعۡ لِقَوۡلِهِمۡۖ كَأَنَّهُمۡ خُشُبٞ مُّسَنَّدَةٞۖ يَحۡسَبُونَ كُلَّ صَيۡحَةٍ عَلَيۡهِمۡۚ هُمُ ٱلۡعَدُوُّ فَٱحۡذَرۡهُمۡۚ قَٰتَلَهُمُ ٱللَّهُۖ أَنَّىٰ يُؤۡفَكُونَ ﴾ [المنافقون: 4]
ليس كلُّ من صلَحَت هيئتُه كان صالحًا، وليس كلُّ من أوتيَ فصاحةً وبيانًا كان صادقًا، فما أكثرَ الزَّيفَ وما أقلَّ المعدِنَ النفيس! مهما أظهر المنافقون من بسَماتٍ ومعسول البيان، فإنَّ ما يُضمرونه في ضلوعهم من عَداء للحقِّ وأهله مآلُه إلى الخُسر والخِذلان، بمشيئة الملك الديَّان. من العقوبات المعجَّلة للمنافقين أنهم أبدًا في تخوُّف وتوجُّس، لا يشعرون براحة نفسٍ ولا طُمَأنينة فؤاد؛ خشيةَ الافتضاح. العدوُّ الداخليُّ أفتكُ وأخطر من العدوِّ الخارجي؛ إذ هو كامنٌ داخل معسكر المؤمنين، ومتغلغلٌ في صفوفهم. لا خيرَ يُرتجى من المنافق ولا يُعتمَد عليه، وإذا رأيته قائمًا فاعلم أنه على غيره يعتمد وإليه يستند، ولن يلبثَ أن يسقطَ وتنكشفَ حقيقتُه. قال حذيفة: (المنافقون اليوم شرٌّ من زمن النبيِّ ﷺ). وهكذا هم على مدار العصور، يزدادون خُبثًا وخطرًا، فكيف بمنافقي زماننا؟ |
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ تَعَالَوۡاْ يَسۡتَغۡفِرۡ لَكُمۡ رَسُولُ ٱللَّهِ لَوَّوۡاْ رُءُوسَهُمۡ وَرَأَيۡتَهُمۡ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسۡتَكۡبِرُونَ ﴾ [المنافقون: 5]
لا يزال المنافقُ ماضيًا في نفاقه حتى يرسُخَ في الكفر رسوخَ الجبال، فيحرمَه الله اللطفَ والعنايةَ والهداية. من علامات المنافقين أنهم يُؤثرون الظلامَ على النور، ويأبَون إلا الخبطَ في متاهات الضَّلال، بمِلء إرادتهم، ومَحض اختيارهم، فأنَّى لهم التوفيقُ للهداية؟! كلُّ معصية يرتكبها العبدُ وكلُّ ذنب يُذنبه، يفقدُ معه قدرًا من الهداية، يستدركه بالتوبة والاستغفار. الاغترارُ بالنفس والاستكبارُ على الخلق داء عَياء، يفتكُ بصاحبه ويُودي به في مَفازات الهلاك. ما كان الله ليغفرَ للمنافقين المتشبِّثين بالكفر، والمصرِّين على محاربة الله وشرعه، والمناصرين سرًّا لأعدائه، فإيَّاكم وإيَّاهم، ولا تظنُّوا بهم إلا شرًّا. |
﴿سَوَآءٌ عَلَيۡهِمۡ أَسۡتَغۡفَرۡتَ لَهُمۡ أَمۡ لَمۡ تَسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ لَن يَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَٰسِقِينَ ﴾ [المنافقون: 6]
لا يزال المنافقُ ماضيًا في نفاقه حتى يرسُخَ في الكفر رسوخَ الجبال، فيحرمَه الله اللطفَ والعنايةَ والهداية. من علامات المنافقين أنهم يُؤثرون الظلامَ على النور، ويأبَون إلا الخبطَ في متاهات الضَّلال، بمِلء إرادتهم، ومَحض اختيارهم، فأنَّى لهم التوفيقُ للهداية؟! كلُّ معصية يرتكبها العبدُ وكلُّ ذنب يُذنبه، يفقدُ معه قدرًا من الهداية، يستدركه بالتوبة والاستغفار. الاغترارُ بالنفس والاستكبارُ على الخلق داء عَياء، يفتكُ بصاحبه ويُودي به في مَفازات الهلاك. ما كان الله ليغفرَ للمنافقين المتشبِّثين بالكفر، والمصرِّين على محاربة الله وشرعه، والمناصرين سرًّا لأعدائه، فإيَّاكم وإيَّاهم، ولا تظنُّوا بهم إلا شرًّا. |
﴿يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعۡنَآ إِلَى ٱلۡمَدِينَةِ لَيُخۡرِجَنَّ ٱلۡأَعَزُّ مِنۡهَا ٱلۡأَذَلَّۚ وَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ وَلَٰكِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ لَا يَعۡلَمُونَ ﴾ [المنافقون: 8]
ما أكثرَ ما يخطئ المنافقون في تقدير حجمهم وقوَّتهم في مجتمعات المسلمين! ثم إذا جدَّ الجِدُّ أخزاهم الله وأظهر ضآلةَ حجمهم وضعفَ شوكتهم. أنَّى للمنافقين أن يُدركوا العزَّةَ الحقيقيَّة وهم لم يتذوَّقوا لها طعمًا ولم يتَّصلوا بمصدرها الأصيل؟! فلا عزَّةَ إلا بالله القويِّ العزيز. لتَهنِكُم العزَّةُ أيها المؤمنون، فهل من شرف ومجد أعظمُ من أن يضمَّكم الله إليه وإلى رسوله؟ إنه تكريمُ الكريم، وعطاء الربِّ الحكيم. |
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَٰهِدِ ٱلۡكُفَّارَ وَٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱغۡلُظۡ عَلَيۡهِمۡۚ وَمَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ ﴾ [التحريم: 9]
كلُّ سبيل متاح لمجاهدة الكفَّار والمنافقين فهو واجب؛ بدعوتهم بالحُسنى، وإقامة الحُجَّة عليهم، وقتال من أصرَّ على الكفر منهم وأبى الخضوعَ للحقِّ. الكفَّار والمنافقون سواءٌ في الخطر على الأمَّة المسلمة، ومن هنا كان جهادهم والإغلاظ عليهم قربةً إلى الله تعالى. لا يقتصر الجهادُ على القتال بالسيف، ولكن من أعظم الجهاد جهادُ اللسان والقلم والمال، في دفع أباطيل المنافقين وكشف عَوارهم. |
﴿وَمَا جَعَلۡنَآ أَصۡحَٰبَ ٱلنَّارِ إِلَّا مَلَٰٓئِكَةٗۖ وَمَا جَعَلۡنَا عِدَّتَهُمۡ إِلَّا فِتۡنَةٗ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيَسۡتَيۡقِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ وَيَزۡدَادَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِيمَٰنٗا وَلَا يَرۡتَابَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَلِيَقُولَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ وَٱلۡكَٰفِرُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلٗاۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِي مَن يَشَآءُۚ وَمَا يَعۡلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَۚ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكۡرَىٰ لِلۡبَشَرِ ﴾ [المدثر: 31]
إذا رأيت علمَ الغيب لا يزيدُك إيمانًا ويقينًا، فراجع قلبَك؛ خشيةَ أن يكونَ قد أُشرب فتنةً ونفاقًا، يُوديان بك إلى شرِّ مصير. قلوب المؤمنين مفتَّحةٌ للحقِّ أبدًا، فهي تتلقَّاه من ربِّها تلقِّيًا يزيدها إيمانًا به سبحانه، وأُنسًا بشرعه، ويقينًا بهَديه. لا يزول بالشكِّ اليقينُ، ولا يقينَ إلا بالإيمان، فاعمل أيها المسلمُ دومًا على زيادة إيمانك، بكثرة الصالحات، ولزوم الطاعات. بئسَ العَيشُ عَيشُ الكافر والمنافق، فهما في حَيرةٍ وقلقٍ واضطراب، لا يطمئنُّون إلى صدق خبرٍ ولا إلى حكمةِ أمر، حتى يُردُّوا إلى أشدِّ العذاب. اطمئنَّ أيها المسلم وقَرَّ عينًا بالنصر والتأييد، فإنَّ لله جنودًا لا يعلمها إلا هو، وما عليك إلَّا الأخذُ بالأسباب مع اليقين بوعد الله. |
مواضيع أخرى في القرآن الكريم
الخيانة عقوبات جزائية بر الوالدين العلاقات الاجتماعية بئس الوِردُ المورود الطمع ذو الفضل العظيم أهمية الصلاة الحسنى لباقة القول
الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم
Thursday, November 21, 2024
لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب