حديث: قصة الزبير والأنصاري في شريج الحرة
📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة
باب قوله: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (٦٥)﴾
متفق عليه: رواه البخاريّ في التفسير (٤٥٨٥) عن علي بن عبد اللَّه، حدّثنا محمد بن جعفر، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عروة، قال: فذكره.

شرح الحديث:
بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، وأسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب. هذا حديث عظيم من صحيح البخاري، يحكي قصة فيها دروس بليغة في العدل والإنصاف، وحسن الخلق، واتباع أمر النبي صلى الله عليه وسلم. سأشرحه لك جزءاً جزءاً بحول الله وقوته.
أولاً. شرح مفردات الحديث:
● خاصم: تخاصم وتنازع.
● شِرْجٍ من الحرة: الشِرْج بفتح الشين وسكون الراء: هو المَسِيل أو القناة الصغيرة التي يجري فيها الماء من العين أو النهر إلى الأرض لسقيها. والحَرَّة: هي الأرض ذات الحجارة السوداء، وهي معروفة في المدينة المنورة.
● فَتَلَوَّنَ وَجْهُهُ: تغير لون وجهه صلى الله عليه وسلم غضباً لله.
● حتى يَرْجِعَ إلى الجَدْر: الجَدْر (بفتح الجيم وسكون الدال): هو الحائط أو الحاجز الذي يحبس الماء، أي حتى يصل الماء إلى نهاية الحوض أو الحاجز فيمتلئ.
● اسْتَوْعَى: أعطاه حقه كاملاً غير منقوص.
● في صَرِيحِ الحُكْم: في حكم واضح وصريح لا لبس فيه.
● حين أَحْفَظَهُ الأنصاري: أي حين أغضبه الأنصاري بقوله غير اللائق.
● كَانَ أَشَارَ عَلَيْهِمَا بِأَمْرٍ لَهُمَا فِيهِ سَعَةٌ: أي أن الحكم الأول الذي أشار به النبي صلى الله عليه وسلم كان فيه تساهل ويسر ومجال للتنازل والتسامح بين الطرفين.
ثانياً. شرح الحديث:
القصة:
حدث نزاع بين الصحابي الجليل الزبير بن العوام رضي الله عنه (وهو ابن عمة النبي صلى الله عليه وسلم) وبين رجل من الأنصار، على ماء يخرج من عين في أرض الحرة في المدينة. كان الماء يسقي به الزبير أرضه أولاً، ثم يتركه للأنصاري. فطلب الأنصاري أن يشاركه في الماء من بداية مجراه، فترافعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الحكم الأول (حكم التسامح):
فأمر النبي صلى الله عليه وسلم الزبير قائلاً: «اسْقِ يَا زُبَيْرُ، ثُمَّ أَرْسِلِ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ». هذا حكم فيه سعة ويسر، يأمر الزبير أن يسقي أولاً (لأن الحق له)، ثم يطلق الماء لجاره الأنصاري. وهو حكم يدعو إلى التسامح والأخوة.
اعتراض الأنصاري غير اللائق:
لم يرضَ الأنصاري بهذا الحكم، واعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد تحيز لقرابته، فقال مغضباً: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ؟!». أي: هل حكمت له لأنه قريبك؟
غضب النبي صلى الله عليه وسلم وتغيُّر وجهه:
هنا تَلَوَّنَ وَجْهُهُ صلى الله عليه وسلم غضباً لله، لا لنفسه. فقد اتهمه الرجل بمخالفة العدل، وهو الذي قال الله فيه: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} [المائدة: 42]. وغضب لأنه أراد أن يبث الشك في نفوس الحاضرين.
الحكم الثاني (حكم العدل الصارم):
رداً على هذه التهمة الجائرة، وبعد أن أحفظه الأنصاري (أي أغضبه بفعله)، أعطى النبي صلى الله عليه وسلم حكماً صريحاً وآخر لا مجال فيه للتساهل، ليزيح أي شبهة ويبين العدل المطلق، فقال: «اسْقِ يَا زُبَيْرُ، ثُمَّ احْبِسِ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَدْرِ، ثُمَّ أَرْسِلِ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ».
هذا الحكم يمنح الزبير حقه كاملاً غير منقوص، بأن يسقي أرضه حتى يصل الماء إلى أقصى حد يمكن أن يصل إليه (الجدر)، وبعد أن يشبع حقنه تماماً، يطلق الماء للجار. فهو حكم بالعدل المحض بعد أن فُقد جو التسامح.
الزبير يستشهد بالآية:
فهم الزبير رضي الله عنه أن الموقف كان اختباراً لإيمان الصحابة، فلم يكن الاعتراض على الحكم الأول ينبغي أن يحدث، بل الواجب كان القبول والتسليم. لذلك قال: «فَمَا أَحْسِبُ هَذِهِ الْآيَاتِ إِلَّا نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}» [النساء: 65]. أي أن الإيمان الحقيقي يقتضي الرضا بحكم النبي صلى الله عليه وسلم دون اعتراض أو تردد.
ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:
1- العدل المطلق للرسول صلى الله عليه وسلم: فهو لا يحابي أحداً، حتى لو كان أقرب الناس إليه. عدله من عدل الله تعالى.
2- التسامح أولاً، والعدل الصارم عند اللزوم: النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بحكم فيه سعة ومرونة يدعو إلى الأخوة والتكافل (أمر فيه سعة). لكن عندما حاول أحد الطرفين الاستئثار واتهم النبي بعدم العدل، انتقل إلى حكم الحق الصريح (صريح الحكم).
3- خطورة الطعن في نزاهة القاضي: اعتراض الأنصاري بكلمة **"
تخريج الحديث
وصورته إرسال وهو متصل بالمعنى.
فقد رواه أحمد (١٤١٩) عن أبي اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، قال: أخبرني عروة بن الزبير، أن الزبير كان يحدث، أنه خاصم رجلا من الأنصار، فذكر القصة، وكان عمر عروة عند مقتل أبيه ثلاثة عشر عاما، ولذا جزم البخاري وغيره بسماعه من أبيه.
وقد يكون عروة سمعه أيضًا من أخيه عبد اللَّه بن الزبير، كما رواه البخاريّ في المساقاة (٢٣٥٩ - ٢٣٦٠) ومسلم في الفضائل (٥٣٥٧) كلاهما من حديث الليث بن سعد، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، أن عبد اللَّه بن الزبير، حدثه أن رجلا من الأنصار خاصم الزبير، فذكر الحديث.
ورواه ابن أبي حاتم في تفسيره (٣/ ٩٩٣) من حديث الليث ويونس كلاهما عن الزهري نحوه.
وفيه رد على الحاكم (٣/ ٣٦٣): في قوله بعد أن رواه عن محمد بن عبد اللَّه بن مسلم الزهري، عن عمه، عن عروة بن الزبير، عن عبد اللَّه بن الزبير، عن الزبير: «هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، فإني لا أعلم أحدا أقام هذا الإسناد عن الزهري، بذكر عبد اللَّه بن الزبير، عن أخيه، وهو عنه ضعيف».
وأما ما روي عن أبي الأسود قال: اختصم رجلان إلى رسول اللَّه ﷺ، فقضى بينهما، فقال الذي قضى عليه: ردنا إلى عمر بن الخطاب، فقال رسول اللَّه ﷺ: «نعم، انطلقا إلى عمر»، فلما أتيا عمر قال الرجل: يا ابن الخطاب قضى لي رسول اللَّه ﷺ على هذا، فقال: ردنا إلى عمر فردنا إليك، فقال: أكذلك؟ قال: نعم، فقال عمر: مكانكما حتى أخرت إليكما فأقضي بينكما، فخرج
إليهما، مشتملا على سيفه، فضرب الذي قال: ردنا إلى عمر فقتله، وأدبر الآخر فارا إلى رسول اللَّه ﷺ، فقال: يا رسول اللَّه، قتل عمر واللَّه صاحبي، ولو ما أني أعجزته لقتلني، فقال رسول اللَّه ﷺ: «ما كنت أظن أن يجترئ عمر على قتل مؤمنين»، فأنزل اللَّه تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾. فهدر دم ذلك الرجل، وبرئ عمر من قتله، فكره اللَّه أن يسن ذلك بعد، فقال: ﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ﴾ إلى قوله: ﴿وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (٦٦)﴾. فهو ضعيف.
رواه ابن أبي حاتم في تفسيره (٣/ ٩٩٤) عن يونس بن عبد الأعلى قراءة، أنبأنا ابن وهب، أخبرني عبد اللَّه بن لهيعة، عن أبي الأسود قال: فذكره.
وأبو الأسود لم يلق عمر، بل لم يلق أحدا من الصحابة، وإنما يروي عن أتباع التابعين.
وعبد اللَّه بن لهيعة فيه كلام معروف، وإن كانت رواية عبد اللَّه بن وهب -وهو أحد العبادلة- أعدل من غيرهم.
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: «هو أثر غريب، وهو مرسل، وابن لهيعة ضعيف» اهـ.
أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)
الحديث الحالي في المركز 319 من أصل 1947 حديثاً له شرح
- 294 إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم
- 295 المختال الفخور الذي يبغضه الله تعالى
- 296 إياك إسبال الازار، فإن إسبال الازار من المخيلة، وإن الله...
- 297 إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده
- 298 الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله
- 299 معنى من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من...
- 300 رسول الله يطلب سماع القرآن من ابن مسعود
- 301 أسباب نزول: لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى
- 302 أتيت على نفر من الأنصار والمهاجرين فقالوا تعال نطعمك ونسقيك...
- 303 اللهم بين لنا في الخمر بيانًا شفاء
- 304 الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين
- 305 عليك بالصعيد فإنه يكفيك
- 306 انقطع عقد عائشة في السفر فنزلت آية التيمم
- 307 من مات يشرك بالله شيئًا دخل النار
- 308 كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافرا...
- 309 عنوان الحديث: "إني ادخرت دعوتي شفاعة لأهل الكبائر من أمتي"
- 310 العيافة والطيرة والطرق من الجبت
- 311 ضرس الكافر أو ناب الكافر مثل أحد
- 312 شجرة في الجنة ظلها يمتد مائة عام
- 313 يسير الراكب في ظل شجرة الجنة مئة سنة
- 314 رسول الله ﷺ يقول لعثمان بن طلحة: "هاك مفتاحك يا...
- 315 رأيت رسول الله يقرؤها ويضع إصبعيه
- 316 سبب نزول: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم
- 317 ألم تر إلى الذين يزعمون
- 318 إذا صلى في رحله ثم أدرك الإمام فليصل معه
- 319 قصة الزبير والأنصاري في شريج الحرة
- 320 لو أمرنا بقتل أنفسكم أو الخروج من دياركم ما فعله...
- 321 ما من نبي يمرض إلا خير بين الدنيا والآخرة
- 322 حب النبي ﷺ من النفس والأهل والولد
- 323 أعني على نفسك بكثرة السجود
- 324 من أجمل العناوين للحديث: **"ألا رجل يأتيني بخبر القوم جعل الله...
- 325 أنا وأمي من المستضعفين، أنا من الولدان وأمي من النساء
- 326 كنت أنا وأمي ممن عذره الله من المستضعفين
- 327 كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة
- 328 موضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما فيها
- 329 من أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني
- 330 إن القرآن لم ينزل يكذب بعضه بعضا بل يصدق بعضه...
- 331 اختلافهم في الكتاب أهلك من كان قبلكم
- 332 اشفعوا فلتؤجروا وليقض الله على لسان نبيه ما أحب
- 333 أجر إلقاء السلام
- 334 فضل السلام الكامل وثوابه ثلاثون حسنة
- 335 إنها تنفي الرجال كما تنفي النار خبث الحديد
- 336 عنوان الحديث: آية اختلف فيها أهل الكوفة فرحلت إلى ابن...
- 337 عن ابن عباس في تفسير قتل النفس المؤمنة متعمدا
- 338 عن ابن عباس: "لم ينسخها شيء" في قتل المؤمن متعمدا
- 339 ألمن قتل مؤمنا متعمدا من توبة؟
- 340 عن زيد بن ثابت: نزلت الغليظة بعد اللينة فنسخت اللينة.
- 341 لا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً
- 342 بعثنا رسول الله إلى إضم وقتل محلم بن جثامة عامرًا...
- 343 {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر}
معلومات عن حديث: قصة الزبير والأنصاري في شريج الحرة
📜 حديث: قصة الزبير والأنصاري في شريج الحرة
نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: قصة الزبير والأنصاري في شريج الحرة
تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: قصة الزبير والأنصاري في شريج الحرة
تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: قصة الزبير والأنصاري في شريج الحرة
شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.
قراءة القرآن الكريم
الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم
Wednesday, November 19, 2025
لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب








