إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا حديث عظيم من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، الذي جاء ليتمم مكارم الأخلاق، ويؤسس لعلاقات إنسانية قائمة على العدل والرحمة، حتى مع من هم تحت أيدينا من الخدم والعبيد.

---

أولاً. شرح المفردات:

● المعرور بن سويد: هو أحد التابعين الثقات، روى عنه عدد من الأئمة.
● أبا ذر: هو أبو ذر الغفاري رضي الله عنه، صحابي جليل، من السابقين إلى الإسلام.
● بالربذة: اسم مكان قرب المدينة المنورة.
● حُلَّة: ثوبان متجاوران، أي لباس كامل (إزار ورداء).
● ساببت رجلاً: شتمته ووبخته.
● عَيَّرته بأمه: عابه وذمه بانتقاص أمه والسب بها، وهو من عادات الجاهلية في السب.
● فيك جاهلية: في خلقك وسلوكك بقايا من أخلاق وعادات الجاهلية.
● خولكم: جمع خائل، أي servants أو عبيدكم وخدمكم الذين هم تحت تصرفكم.
● ما يغلبهم: ما يشق عليهم ويتعبهم beyond their capacity.

---

ثانياً. شرح الحديث:

يحدثنا التابعي الجليل المعرور بن سويد أنه التقى بالصحابي العظيم أبي ذر الغفاري رضي الله عنه في مكان يسمى "الربذة"، ولاحظ أن أبا ذر يرتدي حلة (لباساً حسناً)، وغلامه (خادمه) يرتدي أيضاً حلة مماثلة. فسأله عن سبب ذلك، مستغرباً من مساواة السيد لخادمه في اللباس.
فأخبره أبو ذر رضي الله عنه بقصة سبب هذا الفعل: أنه في يوم من الأيام تشاجر مع رجل فسبه وشتمه، وعايره بأمه، أي ذمه وانتقص من شرفه بسب أمه، وهي عادة جاهلية قبيحة.
فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الفعل، أنبه وعاتبه بلطف قائلاً: «يا أبا ذر! أعَيَّرته بأمه؟»، أي: هل حقاً فعلت هذا الفعل المشين؟ ثم بين له صلى الله عليه وسلم أن هذا السلوك من بقايا أخلاق الجاهلية التي جاء الإسلام لمحوه، فقال: «إنك امرؤ فيك جاهلية».
ثم شرع صلى الله عليه وسلم يغرس المبدأ الإسلامي العظيم في معاملة الخدم والعبيد، فقال: «إخوانكم خولكم، جعلهم اللَّه تحت أيديكم». أي: إن هؤلاء الخدم والعبيد هم إخوانكم في الدين والإنسانية، وقد سخرهم الله لخدمتكم، فهم ليسوا مجرد أدوات أو ممتلكات.
ثم بين صلى الله عليه وسلم الوصايا العملية في معاملتهم، والتي تشمل:
1- العدل في المأكل والمشرب: «فليطعمه مما يأكل»، فلا يأكل السيد طيباً ويطعم خادمه رديئاً.
2- العدل في اللباس: «وليلبسه مما يلبس»، فلا يلبس السيد حسناً ويلبس خادمه رثاً. وهذا هو ما فعله أبو ذر رضي الله عنه حين لبس هو وغلامه نفس type of الحلة.
3- الرفق وعدم التكليف بما يشق: «ولا تكلفوهم ما يغلبهم»، فلا يكلفهم من الأعمال ما لا يطيقونه أو ما يشق عليهم مشقة غير معتادة.
4- التعاون معهم إذا اضطر الأمر: «فإن كلَّفتموهم فأعينوهم»، فإذا اضطر السيد إلى تكليفهم بعمل شاق، فلا يتركهم وحدهم، بل يعينهم ويناصرهم فيه.

---

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:

1- تحريم سب الآخرين والانتقاص من أعراضهم: خاصة بالطعن في الأنساب والأمهات، فهو من الكبائر ومن أخلاق الجاهلية.
2- التواضع وقبول النصيحة: أبو ذر رضي الله عنه، وهو صحابي جليل، لم يستنكف من نقد النبي صلى الله عليه وسلم له، بل قبله وطبقه عملياً بمساواة غلامه في اللباس.
3- مبدأ المساواة في الإنسانية: الإسلام يسوي بين السيد والخادم في أصل البشرية والكرامة الإنسانية، والتفاضل يكون بالتقوى فقط.
4- الرفق بالخدم ومعاملتهم معاملة إنسانية كريمة: فهم إخواننا، وليسوا مجرد أدوات. وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالخدم في كثير من الأحاديث.
5- العدل والرحمة هما أساس العلاقة بين employer وemployee: فالمسلم مأمور بالعدل مع من تحت يده، والرحمة بهم، وعدم تحميلهم ما لا يطيقون.
6- التطبيق العملي للتعاليم: لم يقتصر أبو ذر على مجرد السماع، بل حول الوعظ النبوي إلى سلوك عملي ظاهر للجميع.

---

رابعاً. معلومات إضافية:

- هذا الحديث أصل عظيم في حقوق العمال والخدم في الإسلام، وهو سابق لقوانين العمل الحديثة بمئات السنين.
- الحديث رواه الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما، مما يدل على عظم مكانته وصحته.
- فيه دليل على عظمة خلق النبي صلى الله عليه وسلم في التربية والتوجيه بلطف وحكمة.
أسأل الله أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن نلتزم بهذه الوصايا النبوية في معاملة كل من تحت أيدينا.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.