ما أنفقت فلك وما أمسكت فليس لك

حديث: ما أنفقت فلك وما أمسكت فليس لك

عن أنس قال: قال رسول اللَّه ﷺ: «لكل إنسان ثلاثة أخلاء، فأما خليل فيقول: ما أنفقت فلك، وما أمسكت فليس لك، فذلك ماله. وأما خليل فيقول: أنا معك، فإذا أتيت باب الملك تركتك ورجعت، فذاك أهله وحشمه، وأما خليل فيقول: أنا معك حيث دخلت وحيث خرجت، فذلك عمله، فيقول: إن كنت لأهون الثلاثة علي، أو قال: عليك».

حسن: رواه أبو داود الطيالسي (٢١٢٥)، والبزار (٧٢٦٥) كلاهما من طريق عمران، عن قتادة، عن إسحاق، فذكره.

تخريج الحديث كاملاً ⏬

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا حديث عظيم من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يرسم لنا خارطة العلاقات الحقيقية في حياة الإنسان، ويوضح لنا من هو الصديق الحقيقي الذي لا يفارقنا.
### أولاً. نص الحديث
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لِكُلِّ إِنْسَانٍ ثَلَاثَةُ أَخِلَّاءَ، فَأَمَّا خَلِيلٌ فَيَقُولُ: مَا أَنْفَقْتَ فَلَكَ، وَمَا أَمْسَكْتَ فَلَيْسَ لَكَ، فَذَاكَ مَالُهُ. وَأَمَّا خَلِيلٌ فَيَقُولُ: أَنَا مَعَكَ، فَإِذَا أَتَيْتَ بَابَ الْمَلِكِ تَرَكْتُكَ وَرَجَعْتُ، فَذَاكَ أَهْلُهُ وَحَشَمُهُ، وَأَمَّا خَلِيلٌ فَيَقُولُ: أَنَا مَعَكَ حَيْثُ دَخَلْتَ وَحَيْثُ خَرَجْتَ، فَذَاكَ عَمَلُهُ، فَيَقُولُ: إِنْ كُنْتُ لَأَهْوَنُ الثَّلَاثَةِ عَلَيْكَ، أَوْ قَالَ: عَلَيْكَ».
### ثانياً. شرح المفردات
● أَخِلَّاء: جمع خليل، وهو الصديق المخلص الذي بلغ غاية الصداقة.
● مَا أَنْفَقْتَ فَلَكَ: ما بذلته من المال في سبيل الخير فهو الذي يبقى لك ثوابه.
● مَا أَمْسَكْتَ فَلَيْسَ لَكَ: ما احتجزته ولم تنفقه فسيزول عنك ولا ينفعك.
● بَابَ الْمَلِكِ: المقصود به القبر، وهو ملك الموت أو دار الملك الحق (الله تعالى)، أو يوم القيامة عند سدة الملك.
● أَهْلُهُ وَحَشَمُهُ: أقاربه وعياله وخدمه ومن يحيطون به.
● أَهْوَنُ الثَّلَاثَةِ: الأقل شأناً والأقل اعتباراً عندك.
### ثالثاً. شرح الحديث
يصور لنا النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث حقيقة ثلاثة أمور تصاحب الإنسان في حياته، ويشبهها بالأخلاء (الأصدقاء المقربين)، لكنها تختلف في وفائها ومرافقتها له عند أشد الحاجة:
1- الخليل الأول: المال
- هو صديق يقول لك: "ما أنفقته في طاعة الله فهو الذي سيبقى لك وينفعك، وما احتفظت به ولم تنفقه فسَتُحْرَمه ويفارقك ولا ينفعك".
- هذا الخليل (المال) يفارق الإنسان عند الموت، فلا يتبعه إلا ما أنفقه في سبيل الخير، وهو القليل غالباً.
2- الخليل الثاني: الأهل والحاشية
- هو صديق يقول: "أنا معك في الدنيا أؤنسك وأخدمك"، ولكن عند الموت وعند باب القبر (أي عند أشد الحاجة) يتركونه ويرجعون، ولا يستطيعون أن يدخلوا معه في قبره أو ينفعوه بشيء.
3- الخليل الثالث: العمل الصالح
- هو الصديق الوحيد الحقيقي الذي يقول: "أنا معك wherever تذهب، في حياتك وبعد مماتك، في قبرك ويوم بعثك، لا أفارقك".
- ثم يوبخ هذا الخليل (العمل) صاحبه ويقول: "كنت أهون الثلاثة عليك" أي كنت أقلها اعتباراً عندك وأقلها عنايةً، فلم تقدميني ولم تعطيني حقي من الاهتمام.
### رابعاً. الدروس المستفادة والعبر
1- تفضيل الآخرة على الدنيا: الحديث يذكرنا بحقيقة الدنيا وزوالها، وأن ما عند الله هو الباقي النافع.
2- الحث على الإنفاق في سبيل الله: لأن المال المنفق هو الوحيد الذي ينتفع به الإنسان بعد موته.
3- الاستعداد للقاء الله: بأن يصحب الإنسان عمله الصالح الذي لا يفارقه حتى في القبر ويوم القيامة.
4- التحذير من الغرور بالمال والأهل: فهم لا يغنون عن الإنسان من الله شيئاً عند الموت.
5- الندم يوم القيامة: حيث يندم الإنسان على تقصيره في عمل الآخرة وإيثاره للدنيا الفانية.

خامساً:

معلومات إضافية
- هذا الحديث رواه الطبراني في "المعجم الكبير" وقال الهيثمي: رجاله ثقات. وهو حسن في "صحيح الجامع".
- العمل الصالح هو رفيق الإنسان في قبره ويوم حشره، كما قال تعالى: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 88-89].
- ينبغي للمسلم أن يجعل همته في العمل الصالح، فهو الخليل الوحيد الذي لا يفارقه، وهو الذي يشفع له عند الله.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، وأن يتقبل منا صالح الأعمال.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

📝 تنبيه هام:

نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:

📧 التواصل للإبلاغ عن خطأ

"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه أبو داود الطيالسي (٢١٢٥)، والبزار (٧٢٦٥) كلاهما من طريق عمران، عن قتادة، عن إسحاق، فذكره.
وصحّحه ابن حبان (٣١٠٨)، والحاكم (١/ ٣٧١) كلاهما من طريق أبي داود الطيالسي، عن عمران به.
وإسناده حسن من أجل عمران هو ابن داور القطان فإنه حسن الحديث.

العودة إلى الأعلى

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 183 من أصل 227 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: ما أنفقت فلك وما أمسكت فليس لك

📜 حديث: ما أنفقت فلك وما أمسكت فليس لك

نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: ما أنفقت فلك وما أمسكت فليس لك

تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: ما أنفقت فلك وما أمسكت فليس لك

تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: ما أنفقت فلك وما أمسكت فليس لك

شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.

قراءة القرآن الكريم

سورة البقرة	آل عمران	سورة النساء
سورة المائدة	سورة يوسف	سورة ابراهيم
سورة الحجر	سورة الكهف	سورة مريم
سورة الحج	سورة القصص	العنكبوت
سورة السجدة	سورة يس	سورة الدخان
سورة الفتح	سورة الحجرات	سورة ق
سورة النجم	سورة الرحمن	سورة الواقعة
سورة الحشر	سورة الملك	سورة الحاقة
سورة الانشقاق	سورة الأعلى	سورة الغاشية