عنوان الحديث: "لا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، و نسأل الله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا و أن ينفعنا بما علمنا و أن يزيدنا علما وفقها في الدين، وأن يغفر ذنوبنا ويستر عيوبنا ويجعلنا هداة مهتدين.
أولاً: تخريج الحديث:
هذا الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده، والإمام البخاري في صحيحه، والإمام مسلم في صحيحه، واللفظ هنا لمسلم، وهو حديث صحيح متفق على صحته.
ثانياً: سياق القصة:
يحكي الصحابي الجليل أُبي بن كعب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه ذات يوم وقال له: «إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن». وكان هذا تشريفاً عظيماً لأُبي، إذ خصه الله تعالى بأن يُتلى عليه القرآن مباشرة من فم النبي صلى الله عليه وسلم بأمر من الله عز وجل. ثم قرأ عليه النبي صلى الله عليه وسلم سورة البينة، وفيها هذا الكلام الذي ذكره الحديث.
ثالثاً: شرح المفردات:
* سَأَلَ وَادِيًا مِنْ مَالٍ: طلب وادياً مملوءاً مالاً وثروات، وهو تعبير عن الكثرة الهائلة.
* لَسَأَلَ ثَانِيًا: لطلب وادياً ثانياً.
* لَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ: لا يشبع قلب الإنسان ويملؤه القناعة إلا الموت، حين يصير تراباً.
* الحنيفية: الملة المستقيمة، وهي عبادة الله وحده لا شريك له.
* غَيْرَ الْمُشْرِكَةِ: ليست دين المشركين الذين يعبدون مع الله غيره.
* لَنْ يُكْفَرَهُ: لن يُحرم ثوابه ويُجحده، بل يجزيه الله عليه أوفر الجزاء.
رابعاً: شرح الحديث وفقهه:
ينقسم شرح هذا المقطع إلى عدة نقاط أساسية:
1- ندرة القناعة وطمع الإنسان:
يبين النبي صلى الله عليه وسلم طبيعة النفس البشرية وحبها للمال والدنيا، وأنها لا تقنع أبداً ولو أُعطيت كنوز الأرض. فلو أن إنساناً سأل الله وادياً كاملاً من المال فأعطاه الله إياه، لازداد طمعاً ولسأل وادياً ثانياً، ثم ثالثاً. وهذا يدل على:
* جشع الإنسان وشهوته التي لا تنتهي.
* أن السعادة ليست في كثرة المال، بل في القناعة والرضا بقسمة الله.
* تحذير للمسلم من الانشغال بجمع الدنيا والتهافت عليها، فهي لا تشبع غلة طالبها.
2- حقيقة الحياة الدنيا ونهايتها:
قوله صلى الله عليه وسلم: «وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ» هو كناية عن الموت. أي أن الإنسان لن يصل إلى حالة الشبع التام والاكتفاء إلا حين يموت ويصير تراباً. فهذه الجملة:
* تذكر بحقيقة الموت وأن الدنيا زائلة.
* تحث على الزهد في الدنيا وعدم التعلق بها.
* تزرع القناعة في القلب، فإذا علم الإنسان أن نهايته إلى التراب، هان عليه ما فاته من متاع الدنيا.
3- باب التوبة مفتوح:
جاءت الجملة «وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ» بعد ذكر طمع الإنسان وخطيئته، لتبشر بأن مهما بلغ طمع الإنسان أو تقصيره، فإن باب التوبة إلى الله مفتوح، وهو تعالى يقبل توبة التائبين ويغفر ذنوبهم.
4- بيان حقيقة الدين المقبول عند الله:
يوضح الحديث أن الدين الحق الذي يقبله الله تعالى ويرضاه هو «الحنيفية»، وهي ملة النبي إبراهيم عليه السلام، التي أساسها إخلاص العبادة لله وحده وترك الشرك. وهو يبين أن هذا الدين:
* ليس هو دين المشركين الذين يشركون بالله.
* ليس هو اليهودية المحرفة.
* ليس هو النصرانية المحرفة.
فهو دين الإسلام الخالص، الذي بعث به جميع الأنبياء، وختم به النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
5- البشرى للمحسنين:
يختم الحديث ببشرى عظيمة لكل من يعمل صالحاً، أياً كان دينه أو جنسه، بأن الله تعالى «لَنْ يُكْفَرَهُ»، أي لن يضيع عمله ولا يحرمه أجره. وهذا وعد من الله تعالى بأن كل عمل خير سيجد جزاءه عند الله، وهو كرم منه تعالى وعدل.
خامساً: الدروس المستفادة والعبر:
1. الحث على القناعة والرضا بما قسم الله، والتحذير من الطمع والجشع.
2. التذكير بحقيقة الدنيا وأنها دار فناء، وليس دار خلود أو شبع.
3. التسليم لحكمة الله في تقسيم الأرزاق، فلو أن الله أعطى الناس كل ما يطلبون لفسدت الأرض.
4. سعة رحمة الله تعالى ومغفرته، وأنه يقبل التوبة من عباده مهما كانت ذنوبهم.
5. التأكيد على أن الدين الحق عند الله هو الإسلام (الحنيفية) الذي يعني إفراد الله بالعبادة.
6. بشرى لكل محسن بأن عمله لن يضيع عند الله، بل سيجزيه الله عليه أفضل الجزاء.
سادساً: إضافة مفيدة:
قول النبي صلى الله عليه وسلم لأُبي بن كعب: «إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن» هو منقبة عظيمة لهذا الصحابي الجليل، الذي كان من كبار حفاظ القرآن والعلماء، حتى لقبه النبي صلى الله عليه وسلم بـ "سيد القراء". وفي هذا دليل على فضله ومكانته عند الله ورسوله.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا من القانعين الشاكرين، المت