حديث: لا تُشدّدوا على أنفسكم، فإنما هلك من قبلكم بتشديدهم على أنفسهم

📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة

باب الاقتصاد في العبادة والأمور كلها

عن سهل بن حنيف الأنصاري عن النبي ﷺ قال: «لا تُشدّدوا على أنفسكم، فإنما هلك من قبلكم بتشديدهم على أنفسهم، وستجدون بقاياهم في الصوامع والديارات».

حسن: رواه البخاريّ في التاريخ الكبير (٤/ ٩٧)، والطبراني في الكبير (٤/ ٩٧)، والأوسط (٣٠٧٨)، والبيهقي في الشعب (٣٦٠١) كلهم من طريق عبد اللَّه بن صالح أبو صالح، حدثني أبو شريح، أنه سمع سهل بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن أبيه، عن جده، فذكره.

عن سهل بن حنيف الأنصاري عن النبي ﷺ قال: «لا تُشدّدوا على أنفسكم، فإنما هلك من قبلكم بتشديدهم على أنفسهم، وستجدون بقاياهم في الصوامع والديارات».

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن ينفعنا بما نسمع ونقرأ. هذا حديث عظيم من جوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم، يحمل توجيهاً رفيقاً وحكمة بالغة للأمة.

الحديث بلفظه:


عن سهل بن حنيف الأنصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تُشَدِّدُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ قَبْلَكُمْ بِتَشْدِيدِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَسَتَجِدُونَ بَقَايَاهُمْ فِي الصَّوَامِعِ وَالدِّيَارَاتِ».
(أخرجه الإمام أحمد في مسنده، والنسائي في السنن الكبرى، والبيهقي في شعب الإيمان، وصححه الألباني)


أولاً. شرح المفردات:


● لا تُشَدِّدُوا: لا تبالغوا في العبادة والتقشف بما يخرج عن حد الاعتدال واليسر الذي شرعه الله.
● هَلَكَ مَنْ قَبْلَكُمْ: أي أهلكت أنفسهم بالغلو والتنطع في الدين، فتركوا العمل الصالح بالكلية، أو أتوا به على غير الوجه المشروع.
● بِقَايَاهُمْ: أي آخر من بقي منهم، وهم القلة التي اعتزلت الناس وتنطعت.
● الصَّوَامِعِ: جمع صومعة، وهي بيوت العبادة المنعزلة للرهبان النصارى.
● الدِّيَارَاتِ: جمع دير، وهو مكان كبير للعبادة عند النصارى، يسكنه الرهبان والراهبات.


ثانياً. شرح الحديث:


يوجهنا النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إلى منهج الاعتدال والتيسير في الدين، وينهى عن الغلو والتشديد على النفس بما لم يشرعه الله.
● النهي عن التشديد: النهي هنا عن التكلف والمبالغة في العبادة، كمن يريد أن يصلي الليل كله ولا ينام، أو يصوم الدهر كله ولا يفطر، أو يترك الطيبات المباحة ظناً منه أن ذلك من الزهد، وهو في الحقيقة خروج عن السنة وطريقة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
● سبب الهلاك: يبين صلى الله عليه وسلم أن سبب هلاك الأمم السابقة (كالنصارى) كان بسبب تنطعهم وتشديدهم على أنفسهم في الدين، فابتدعوا عبادات شاقة لم يأذن بها الله، فإما أن تملَّهم أنفسهم فتركوا الدين بالكلية، أو يعتادوا على البدع ويتركوا السنة.
● مثال حي: ثم يضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً واقعياً على بقايا أولئك الغالين، وهم رهبان النصارى الذين اعتزلوا الناس في الصوامع والديارات، وابتدعوا رهبانية قاسية (كالانعزال التام، والامتناع عن الزواج، والتعذيب الجسدي) وهي مما لم يشرعه الله تعالى، قال الله عز وجل عنهم: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ} [الحديد: 27].


ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:


1- الوسطية والاعتدال: من أبرز خصائص هذه الأمة أنها أمة وسط، فلا إفراط ولا تفريط، فلا تشدد ينتهي إلى الهلاك، ولا تساهل ينتهي إلى التفريط.
2- الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم: كان هديه صلى الله عليه وسلم في العبادة هدياً معتدلاً، يصلي وينام، ويصوم ويفطر، ويتزوج النساء، ويأكل الطيبات. فخير الهدي هديه.
3- تحذير من الغلو: الغلو والتنطع هو بوابة الشر والهلاك، كما قال صلى الله عليه وسلم: «إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ» (رواه النسائي وابن ماجه).
4- التيسير ورفع الحرج: مقصد عظيم من مقاصد الشريعة الإسلامية، فلا حرج ولا ضيق في هذا الدين، قال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78].
5- ذم الرهبانية المبتدعة: ذم الإسلام نظام الرهبانية الذي ابتدعه النصارى، لأنه خروج عن الفطرة وعن شرع الله، وقد جاء الإسلام بالتوازن بين حق الروح والجسد.


رابعاً. معلومات إضافية:


- هذا الحديث أصل عظيم في باب «الاقتصاد في العبادة»، وهو أن يكون العبد مستمراً على العمل الذي يستطيعه ولا ينقطع عنه.
- ينبغي التفريق بين «التشديد» المذموم وبين «الاجتهاد» في الطاعة المحمود، فالمؤمن يجتهد في العبادة بحسب طاقته دون أن يضر بنفسه أو يملَّ فيتركها، كما قال صلى الله عليه وسلم: «َاكْلُفُوا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ» (متفق عليه).
- القاعدة الفقهية المستفادة: «المشقة تجلب التيسير»، فإذا أدى التشديد إلى مشقة غير معتادة، وجب التخفيف والرجوع إلى يسر الشرع.
نسأل الله أن يرزقنا الفقه في الدين، والاقتداء بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأن يجنبنا الغلو والتفريط.
والله تعالى أعلم.
📝 تنبيه هام:
نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:
"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه البخاريّ في التاريخ الكبير (٤/ ٩٧)، والطبراني في الكبير (٤/ ٩٧)، والأوسط (٣٠٧٨)، والبيهقي في الشعب (٣٦٠١) كلهم من طريق عبد اللَّه بن صالح أبو صالح، حدثني أبو شريح، أنه سمع سهل بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن أبيه، عن جده، فذكره.
وإسناده حسن من أجل عبد اللَّه بن صالح وهو كاتب الليث فإنه مختلف فيه، غير أنه حسن الحديث إذا كان له أصل، ولم يكن في حديثه نكارة، وأبو شريح: هو عبد الرحمن بن شريح بن عبيد اللَّه المعافري ثقة من رجال الصحيح.

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 218 من أصل 227 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: لا تُشدّدوا على أنفسكم، فإنما هلك من قبلكم بتشديدهم على أنفسهم

  • 📜 حديث: لا تُشدّدوا على أنفسكم، فإنما هلك من قبلكم بتشديدهم على أنفسهم

    نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

  • 🔍 صحة حديث: لا تُشدّدوا على أنفسكم، فإنما هلك من قبلكم بتشديدهم على أنفسهم

    تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.

  • 📖 تخريج حديث: لا تُشدّدوا على أنفسكم، فإنما هلك من قبلكم بتشديدهم على أنفسهم

    تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.

  • 📚 شرح حديث: لا تُشدّدوا على أنفسكم، فإنما هلك من قبلكم بتشديدهم على أنفسهم

    شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Thursday, November 20, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب