الخوارج كلاب النار

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فهذا شرح للحديث النبوي الشريف الذي رواه سعيد بن جمهان عن الصحابي الجليل عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه:

---

الحديث:

عن سعيد بن جُمهان قال: أتيت عبد اللَّه بن أبي أوفى وهو محجوب البصر، فسلمت عليه، قال لي: من أنت؟ فقلت: أنا سعيد بن جمهان، قال: فما فعل والدك؟ قال: قلت: قتلتْه الأزارقة، قال: لعن اللَّه الأزارقة، لعن اللَّه الأزارقة، حدّثنا رسول اللَّه ﷺ: «أنهم كلاب النار»، قال: قلت: الأزارقة وحدهم أم الخوارج كلها؟، قال: بل الخوارج كلها. قال: قلت: فإن السلطان يظلم الناس، ويفعل بهم، قال: فتناول يدي، فغمزها بيده غمزة شديدة، ثم قال: ويحك يا ابن جُمهان، عليك بالسواد الأعظم، عليك بالسواد الأعظم، إن كان السلطان يسمع منك، فأْتِه في بيته، فأخبرْه بما تعلم، فإن قبلَ منك، وإلا فدعْه، فإنك لستَ بأعلم منه.

---

1. شرح المفردات:

● محجوب البصر: أي أصابه العمى أو ضعف البصر.
● الأزارقة: فرقة من فرق الخوارج، تنسب إلى نافع بن الأزرق، وكانوا من أشد الخوارج تطرفًا وخروجًا على المسلمين.
● كلاب النار: تشبيه لهم بكلاب النار في شدة شرهم وعنادهم، وليس المقصود التشبيه الحقيقي، بل بيان شناعة حالهم.
● الخوارج: هم الذين خرجوا على الإمام الحق، وخرجوا عن جماعة المسلمين، وتكفّروا المسلمين بالمعاصي والكبائر.
● السواد الأعظم: أي جماعة المسلمين وأهل السنة والجماعة، الذين هم على الحق وعلى منهج النبي ﷺ وأصحابه.
● يسمع منك: أي يقبل النصيحة وينصت لها.
● فإن قبل منك: أي إذا قبل نصحك.
● فإنك لست بأعلم منه: أي لست أعلم منه بمصلحة الأمة ودفع الفتن.

---

2. شرح الحديث:

هذا الحديث العظيم يحوي تحذيرًا شديدًا من الخوارج وأفكارهم، وتوجيهًا مهمًا في كيفية التعامل مع الحكام وإن ظلموا.
- بداية الحديث يذكر سعيد بن جمهان أنه زار الصحابي عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه، وكان قد أصابه العمى، فسأله عن والده، فأخبره أن الأزارقة (إحدى فرق الخوارج) قتلته، فدعا عليهم الصحابي بلعنهم، ثم ذكر أن النبي ﷺ وصفهم بـ "كلاب النار"، وهذا تشبيه بشع يدل على خستهم وشدة شرهم.
- ثم سأل سعيد بن جمهان: هل هذا الوصف خاص بالأزارقة فقط أم يشمل جميع الخوارج؟ فأجابه الصحابي: بل جميع الخوارج. وهذا يدل على أن جميع فرق الخوارج على ضلال، وأنهم متوعدون بالنار لخروجهم على الأمة وتكفيرهم للمسلمين.
- ثم سأل سعيد عن مسألة مهمة: ماذا لو كان الحاكم يظلم الناس؟ فما الموقف منه؟ هنا غمز الصحابي يده غمزة شديدة، وهذا يدل على عظم الأمر وخطورته، ثم نصحه بلزوم "السواد الأعظم"، أي جماعة المسلمين وأهل السنة، وعدم الخروج على الحاكم.
- ثم بين له طريقة النصيحة: أن يأتيه في بيته (أي على انفراد) وينصحه، فإن قبل فالحمد لله، وإلا فليدعه ولا يخرج عليه، لأنه ليس أعلم من الحاكم بمصلحة الأمة، والخروج عليه قد يؤدي إلى فتنة أكبر.

---

3. الدروس المستفادة:

1- التحذير من الخوارج: الخوارج فرقة ضالة، خرجت على المسلمين، وكفرتهم بالمعاصي، وهم من شر الفرق، وقد وصفهم النبي ﷺ بأنهم "كلاب النار"، وهذا وعيد شديد لهم.
2- وجوب لزوم جماعة المسلمين: النصيحة بلزوم "السواد الأعظم" تدل على وجوب الاعتصام بجماعة المسلمين وأهل السنة، وعدم الخروج على الأئمة وإن جاروا.
3- طريقة النصيحة للحكام: النصيحة للحكام تكون سرًا لا علنًا، وبأدب وحكمة، وليس بالخروج عليهم أو التشهير بهم. قال النبي ﷺ: "من أراد أن ينصح لسلطان بأمر فلا يبد له علانية، ولكن ليأخذ بيده فيخلو به، فإن قبل منه فذاك، وإلا كان قد أدى الذي عليه" (رواه أحمد).
4- تحريم الخروج على الحكام: الحديث يدل على تحريم الخروج على الحكام وإن ظلموا، لأن الخروج يسبب فتنة وفسادًا أكبر من ظلمهم.
5- التواضع في الرأي: قوله: "فإنك لست بأعلم منه" يعلمنا التواضع، وأن الفرد قد لا يدرك مصلحة الأمة كالحاكم، فلا يتسرع في الحكم عليه.

---

4. معلومات إضافية:

- الخوارج ظهروا في عهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقاتلهم عليٌّ في معركة النهروان.
- من صفات الخوارج: التكفير بالمعاصي، والخروج على الحكام، وسوء أدبهم مع العلماء والحكام.
- أهل السنة والجماعة يعتقدون بوجوب طاعة الحكام في المعروف، والصبر على جورهم، والدعاء لهم بالصلاح، والنصيحة لهم سرًا.
- الحديث يدل على أن الخوارج كلهم على ضلال، سواء الأزارقة أو غيرهم.

أسأل الله أن يوفقنا لطاعته، وأن يجنبنا الفتن ما ظ