هناك الزلازل والفتن، وبها يطلع قرن الشيطان

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فأقدم لكم شرحًا وافيًا لهذا الحديث النبوي الشريف، معتمدًا على كبار شراح الحديث من أهل السنة والجماعة.
الحديث:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ذكر النبي ﷺ: «اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا»، قالوا: يا رسول اللَّه، وفي نجدنا، قال: «اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا»، قالوا: يا رسول اللَّه، وفي نجدنا، فأظنه قال في الثالثة: «هناك الزلازل والفتن، وبها يطلع قرن الشيطان».
رواه البخاري في صحيحه.

---

1. شرح المفردات:

● بارك لنا: أي أنزل البركة والخير الكثير الدائم، واجعله نافعًا مثمرًا.
● شامنا: منطقة الشام، وهي بلاد تشمل اليوم: سوريا، الأردن، فلسطين، لبنان.
● يمننا: منطقة اليمن، في جنوب شبه الجزيرة العربية.
● نجدنا: منطقة نجد، وهي هضبة في وسط شبه الجزيرة العربية، وكانت تشمل مناطق واسعة، وعاصمتها اليوم الرياض.
● الزلازل: الاضطرابات والهزات العنيفة، وهي كناية عن الفتن والقلاقل التي تضطرب بها أحوال الناس.
● الفتن: الاختبارات والابتلاءات والمحن التي تقع بين الناس، مما يؤدي إلى القتل والفرقة واختلال الأمن.
● يطلع: يظهر ويبرز.
● قرن الشيطان: المراد به مكان خروج الفتن والشر، أو رأس الفتنة وقائدها. والقرن: الطائفة أو الجماعة أو المكان.

---

2. شرح الحديث:

كان النبي ﷺ يدعو الله تعالى أن يبارك لأمته في منطقة الشام واليمن، لما فيهما من خير وبركة، فسأله الصحابة رضي الله عنهم أن يدعو كذلك لنجد، فأعاد الدعاء للشام واليمن فقط، وعندما ألحوا في السؤال في المرة الثالثة، بين النبي ﷺ حقيقة نجد، وأنها ستكون مصدرًا للفتن والاضطرابات، ومكانًا تظهر منه طائفة الشيطان.
الشرح التفصيلي:
● دعاء النبي للشام واليمن بالبركة: هذا من باب الإخبار بالغيب، وفيه إشارة إلى أن هذه البلاد ستكون معقلاً للإيمان والعلم، وقد تحقق ذلك، فالشام كانت دارًا للصحابة والتابعين والعلماء، واليمن بلد إيمان وخير، كما في الحديث: «أتاكم أهل اليمن... هم أرق قلوبًا وألين أفئدة» (رواه البخاري).
● إعراض النبي عن الدعاء لنجد: لم يجب النبي ﷺ طلب الصحابة بالدعاء لنجد في أول الأمر، بل أعاد الدعاء للشام واليمن، مما يدل على أن في نجد أمرًا لا يستحق معه الدعاء بالبركة المطلقة.
● بيان النبي لحال نجد: في المرة الثالثة، بين النبي ﷺ حكمة إعراضه عن الدعاء لها، وأنها ستكون منبعًا للفتن والزلازل، ومكانًا تظهر منه الفتن الكبرى.
المقصود بـ "نجد" في الحديث:
اختلف العلماء في تحديد "نجد" على قولين:
● القول الأول: أنها نجد العراق، وهي المنطقة الشرقية من الجزيرة العربية القريبة من العراق، والتي منها ظهرت فرق الضلال كالخوارج، وظهرت فيها فتنة مقتل عثمان رضي الله عنه، وموقعة الجمل وصفين.
● القول الثاني: أنها نجد الجزيرة العربية، أي المنطقة الوسطى، والتي منها ظهرت بعض الفتن والحركات المناوئة لأهل السنة في فترات متأخرة.
والأظهر -والله أعلم- هو القول الأول، لأن الفتن التي وقعت في صدر الإسلام كانت من ناحية العراق وشرق الجزيرة، وقد صدر من تلك الناحية قرن الشيطان (أي رأس الفتنة) كما في فتنة الخوارج وغيرهم. وقد رجح هذا القول عدد من المحققين.
"يطلع قرن الشيطان":
أي أن رأس الفتنة ومصدر الشر يبرز من تلك الجهة، كما ظهرت الخوارج من تلك النواحي، وهم شرار الخلق، كما وصفهم النبي ﷺ.

---

3. الدروس المستفادة منه:

1- علم النبي بالغيب: الحديث من معجزات النبي ﷺ، حيث أخبر عن أمور مستقبلية وقعت كما قال.
2- الحكمة في الدعاء: النبي ﷺ يعلم ما هو خير للأمة، فيدعو به، ويعلم ما هو شر فيحذر منه.
3- البركة في الشام واليمن: الحث على سكنى هذه البلاد المباركة، والثناء على أهلها.
4- التحذير من الفتن: الحديث يحذر من الفتن ويبين مصادرها، ليجتنبها المسلم ويحذر منها.
5- العدل والإنصاف: عدم البركة في نجد لا يعني أن كل أهلها شريرون، بل فيها الصالحون والعلماء، ولكنها كانت منبعًا لظهور الفتن.
6- التثبت في الأمور: الصحابة سألوا ثلاث مرات، مما يدل على حرصهم، والنبي لم يجبهم حتى بين الحكمة.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الحديث أصل في ذكر فضل الشام واليمن، وقد وردت أحاديث أخرى في فضلهما.
- الفتن التي ظهرت من نجد تشمل: فتنة الخوارج، وحركات التكفير، وغيرها من البدع.
- ينبغي للمسلم أن يفرق بين البلاد وأهلها، فليس كل من في نجد من أهل الشر، بل فيها الكثير من العلماء والصالحين، ولكنها كانت منبعًا لظهور بعض الفتن.
- الحديث يدل على أن البركة ليست في السعة المادية فقط، بل في الطاعة والأمن