تناوب الصحابة على صلاة العشاء مع النبي حتى أبهار الليل

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فأقدم لكم شرحًا وافيًا لهذا الحديث النبوي الشريف، معتمدًا على كبار شراح الحديث من أهل السنة والجماعة.

---

الحديث بطريقة أسهل للفهم:

يقول أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: أنا وأصحابي الذين قدموا معي من اليمن كنا ننزل في مكان يسمى "بقيع بطحان" خارج المدينة، بينما كان النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة. وكانت مجموعة منا تتناوب الذهاب كل ليلة لصلاة العشاء مع النبي صلى الله عليه وسلم. وفي إحدى الليالي، اتفق أنني أنا وأصحابي كنا نحن المجموعة التي ستذهب، وكان النبي صلى الله عليه وسلم مشغولًا بأمر مهم، حتى تأخر في الصلاة جدًا وامتد الوقت لآخر الليل. ثم خرج النبي صلى الله عليه وسلم وصلى بنا. وبعد أن انتهى من الصلاة، قال للحاضرين: "لا تتعجلوا في الانصراف (أي انتظروا قليلاً)، سأخبركم وأبشروا: إن من نعمة الله عليكم أنه ليس هناك أحد يصلي في هذه الساعة غيركم" (شك الراوي في اللفظة exactة). يقول أبو موسى: فرجعنا ونحن سعداء جدًا بما سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

---

1. شرح المفردات:

* نُزولًا: يعني مكان نزولهم وإقامتهم.
* بَقِيع بُطْحان: مكان قريب من المدينة المنورة، فيه أرض منبسطة وحجارة سوداء.
* يتناوب: يتعاقب، يأتي كل ليلة مجموعة مختلفة.
* له بعض الشُّغْل في أمره: كان لديه صلى الله عليه وسلم شغل مهم أو أمرٌ يشغله.
* أَعْتَمَ بالصَّلاةِ: أي أخر الصلاة إلى وقت العتمة، وهو وقت اشتداد الظلام وآخر الليل.
* أبهارَّ اللَّيلُ: يعني ذهب معظم الليل أو اشتد ظلامه.
* على رِسْلِكم: كلمة تقال لطلب التمهل وعدم العجلة، أي "على مهلكم" أو "انتظروا قليلاً".
* أُعْلِمكم: سأعلمكم وأخبركم.
* أَبْشِرُوا: فليكن لديكم بشرى وسرور.
* من نعمة الله عليكم: من فضل الله وإحسانه عليكم.

---

2. المعنى الإجمالي للحديث:

يصور هذا الحديث المشهد المؤثر لجماعة من الصحابة الكرام، بقيادة أبي موسى الأشعري رضي الله عنهم، ينتظرون النبي صلى الله عليه وسلم لأداء صلاة العشاء في جماعة، فيؤخر النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة لسبب مشغله حتى وقت متأخر جدًا من الليل. يصلي بهم النبي ثم يبشرهم بفضل عظيم، وهو أنهم الوحيدون على وجه الأرض الذين أقاموا هذه الفريضة في ذلك الوقت المتأخر، مما جعلهم مميزين عند الله تعالى، فعادوا فرحين مسرورين بهذه البشرى والنعمة.

---

3. الدروس المستفادة والعبر:

1- فضل الصلاة في الجماعة ولو تأخرت: الحديث يدل على مشروعية تأخير صلاة العشاء إلى آخر وقتها (وهو نصف الليل) إذا كان هناك مصلحة، مثل انتظار تكامل الجماعة، وفضل الصلاة في جماعة حتى ولو كان الوقت متأخرًا.
2- الصبر على الطاعة: الصحابة رضي الله عنهم waitedوا patiently بكل صبر وحرص على الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل على عظم حرصهم على الخير واتباع السنة.
3- بشارة النبي لأمته وتثبيتهم: من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يبشر أصحابه بما يسرهم ويقوي هممهم، ويثني على أعمالهم الصالحة ليشجعهم عليها.
4- الفرح بنعمة الله وفضله: استجابة الصحابة للبشرى كانت بالفرح والسرور، وهذا يدل على أن الفرح بالطاعة وبفضل الله من علامات الإيمان الصادق.
5- تميز الأمة المحمدية: في قوله صلى الله عليه وسلم: "ليس من الناس أحد يصلي هذه الساعة غيركم" إشارة إلى أن هذه الأمة هي أمة العبادة والطاعة، وأنها مختصة بخصائص وفضائل.
6- التنافس في الخير: تناوب الصحابة على حضور صلاة العشاء مع النبي صلى الله عليه وسلم يدل على حرصهم الشديد على الخير والتنافس فيه.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

* حكم تأخير صلاة العشاء: وقت صلاة العشاء يمتد إلى منتصف الليل، ولا يجوز تأخيرها عن ذلك بدون عذر. أما تأخيرها إلى آخر الوقت (دون منتصف الليل) فهو جائز ومستحب أحيانًا إذا كان هناك مصلحة، كانتظار الجماعة، كما في هذا الحديث.
* السبب في التأخير: لم يبين الحديث طبيعة الشغل الذي شغل النبي صلى الله عليه وسلم، مما يدل على أن العبرة بعموم الحكم وليس بخصوص السبب.
* الفرح بالطاعة: هذا الفرح الذي شعر به الصحابة هو فرح إيماني، يزيد الإيمان ولا ينتج عنه كبر أو عجب، لأنه مقرون بالشعور بأنها نعمة من الله.
* الحديث يدل على تواضع النبي صلى الله عليه وسلم وحسن تعامله مع أصحابه، حيث اعتذر لهم بطريقة间接ية ببشره إياهم، مما يدل على كمال خلقه.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يفرحون بطاعته ويشكرون نعمه.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.