من استفاد مالًا فلا زكاة عليه حتى يحول عليه الحول

شرح الحديث:

أولاً: تخريج الحديث ومصدره
هذا الحديث رواه الإمام الترمذي في سننه، والإمام ابن ماجه في سننه، والإمام الدارقطني في سننه، وغيرهم. وقد اختلف العلماء في درجة إسناده بين القبول والضعف، ولكن معناه صحيح ومتفق عليه لدى جمهور أهل العلم، واستدلوا به ضمن أدلة أخرى.

---

ثانيًا: شرح المفردات
● اسْتَفَادَ مَالًا: أي حصل على مال جديد أو زاد في ماله، سواء كان عن طريق كسب كالتجارة أو الراتب، أو هبة، أو إرث، أو غير ذلك.
● فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ: أي لا تجب عليه زكاة هذا المال فور حصوله.
● حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ: أي حتى يمضي على هذا المال سنة قمرية كاملة (حوالي 354 يومًا) من لحظة بلوغه النصاب.
● عِنْدَ رَبِّهِ: هذه العبارة تؤكد على معنى دقيق، وهو أن حساب الحول يكون عند الله تعالى المطلع على نيات العباد وحقائق أحوالهم، وهو تذكير بالمراقبة لله في أداء هذه الفريضة.

---

ثالثًا: شرح الحديث ومعناه الإجمالي
يبيّن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث شرطاً أساسياً من شروط وجوب الزكاة، وهو مرور الحول (سنة كاملة) على المال.
المعنى: أن الشخص إذا حصل على مال جديد بلغ النصاب (وهو الحد الأدنى الذي تجب عنده الزكاة، ويختلف حسب نوع المال)، فإنه لا يلزمه إخراج زكاته على الفور، بل ينبغي له أن ينتظر حتى تكمل عليه سنة قمرية كاملة من تاريخ ملكيته لهذا المال وبلوغه النصاب. فإذا حال الحول وهو لا يزال يملك النصاب، وجبت عليه الزكاة.
مثال للتوضيح: لو ورث شخصٌ في الأول من شهر محرم مالاً بلغ نصاب الذهب أو الفضة (أو قيمتهما بالنقود المعاصرة)، فإنه لا يزكيه في نفس الشهر، بل ينتظر حتى يأتي الأول من محرم من العام القادم، فإذا كان المال لا يزال عنده بلغ النصاب، وجبت عليه زكاته (2.5%).

---

رابعًا: الدروس المستفادة والفقه في المسألة
1- بيان شرط الحول: هذا الحديث أصل في اشتراط الحول في زكاة النقود والعروض التجارية والأموال النقدية بجميع أنواعها، وهو قول جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة.
2- التيسير على الناس: من حكمة اشتراط الحول التيسير على المكلف وعدم إلزامه بالزكاة فور حصوله على المال، مما قد يشق عليه إذا كان المال قليلاً أو كان في حاجة إليه.
3- النية والمقاصد: قوله "عند ربه" يربي في المسلم إخلاص النية ومراقبة الله تعالى في أموره المالية كلها، فالحول يحسب بدقة وأمانة أمام الله.
4- استثناء من الشرط: هناك أموال تستثنى من شرط الحول عند الجمهور، وهي:
● زكاة الزروع والثمار: فتجب عند الحصاد والجذاذ (قطف الثمار) لقوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}.
● المعادن والركاز: فتجب فيهما الزكاة فور الاستخراج.
● أموال اليتامى والمجانين: فالحول شرط فيها، ولكنها تزكى عندما يحول الحول عليها ولو لم ينوِ الولي إخراج الزكاة.
5- مسألة مهمة: إذا كان للشخص أموال متنوعة (كمال في البنك، وذهب، وعروض تجارية) فإنها تُجمَع معاً وتُحسب كمال واحد إذا بلغ المجموع النصاب، ويبدأ حولها من يوم اكتمال النصاب.

---

خامسًا: تنبيهات مهمة
● النصاب: يجب أن ينتبه المسلم إلى أن شرط الحول مقترن بشرط آخر وهو بلوغ المال النصاب، فإذا لم يبلغ المال النصاب فلا زكاة فيه، وإذا بلغه ثم نقص أثناء الحول ثم اكتمل again، فهذه مسألة مفصلة فيها خلاف بين العلماء، والأحوط للمسلم أن يحسب الحول من momento بلوغ النصاب واستمراره.
● زكاة الفطر: هي فريضة مستقلة عن زكاة المال، وتجب بغروب شمس آخر يوم من رمضان، ولا يشترط لها الحول.
أسأل الله تعالى أن يتقبل منا الصيام والقيام والزكاة وسائر الأعمال، وأن يجعلنا من المحسنين المتصدقين.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.