حديث: لا تؤخذ صدقاتهم إلا في دورهم
📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة
باب النّهي عن الجلب عند أخذ الصّدقة من المواشي
حسن: رواه أبو داود (١٥٩١) عن قتيبة بن سعيد، حدّثنا ابن أبي عدي، عن ابن إسحاق، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه، فذكره.

شرح الحديث:
بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا الحديث الذي ذكر حديث شريف، وإليك شرحه الوافي على منهج أهل السنة والجماعة:
الحديث:
عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَا جَلَبَ وَلَا جَنَبَ، وَلَا تُؤْخَذُ صَدَقَاتُهُمْ إِلَّا فِي دُورِهِمْ».
رقم الحديث: رواه أبو داود في سننه، والنسائي، وابن ماجه، وأحمد في مسنده، وصححه الألباني.
1. شرح المفردات:
* لَا جَلَبَ: الجلب مصدر "يجلب"، والمقصود به هنا: نهيُ مالكِ الماشية الذي تؤخذ منه الزكاة عن جلبِها (أي إحضارها من المراعي البعيدة) إلى مكان جمع الزكاة لتُعطى للعامل. فكأنه يريد أن يختار للعامل أفضلَ ما عنده وأسمنَه، فيجلبها من مكان بعيد. فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
* وَلَا جَنَبَ: الجنَب مصدر "يجنب"، والمقصود به عكس الأول: وهو نهيُ عاملِ الزكاة عن أن يذهب بنفسه إلى مراعي الماشية البعيدة أو أماكنها الخاصة (دورها) ويختار منها خيارَها بأمر نفسه، فيجتنبها (أي يعتزل القطيع ويأخذ الأفضل). فنهى النبي صلى الله عليه وسلم العاملَ عن هذا الفعل.
* وَلَا تُؤْخَذُ صَدَقَاتُهُمْ: الصدقات هنا المقصود بها زكاة المال، خاصة زكاة الأنعام (الإبل، البقر، الغنم).
* إِلَّا فِي دُورِهِمْ: "الدور" جمع دار، والمقصود بها مكان إقامة المال وأهله، أي مراعيه المعتادة أو حظائره القريبة من مسكنه، وليس المراعي البعيدة.
2. شرح الحديث ومعناه الإجمالي:
يضع النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث قواعدَ عدْلٍ وأخلاقٍ رفيعة في كيفية أخذ زكاة الأنعام، ليحمي حقوق كلا الطرفين: صاحب المال والعامل، ويبعد عن الظلم والشح:
* نهي المالك (لا جلب): لا يحق لصاحب الماشية أن يجلبها من المراعي البعيدة حيث تكون هزيلةً أو عاديةً إلى مكان قريب (حيث بيتُه) عندما يعلم بقدوم عامل الزكاة، ليعطيه منها. لأن العادة أن الماشية في مراعيها البعيدة تكون أقل سمنًا، فإذا جُلبت إلى قرب الدار سمنت وظهر حسنها، فيخفي بذلك عن العامل حقيقة حالها. وهذا نوع من التحايل لدفع الأقل جودةً.
* نهي العامل (لا جنب): لا يحق لعامل الزكاة أن يتجنب مراعي المالك المعتادة ويذهب بنفسه إلى المراعي البعيدة (التي قد يكون فيها أفضل الماشية وأسمنها) ليأخذ الزكاة منها حسب هواه. فهذا ظلم لصاحب المال، حيث يأخذ العامل الخيارات الممتازة التي قد لا يرغب صاحبها في بيعها أو التخلص منها.
* الأخذ في الدور: يجب أن تؤخذ الزكاة من الماشية في مكانها الطبيعي المعتاد (دورهم)، أي في المراعي أو الحظائر القريبة من مسكن صاحب المال التي تربى فيها عادةً. فينظر العامل إلى الماشية كما هي في وضعها الطبيعي دون تحسين مصطنع من المالك أو اختيار تعسفي من العامل، فيأخذ الزكاة بالقسط من الوسط، لا من الهزيل الرديء، ولا من المختار السمين.
3. الدروس المستفادة والفقه فيه:
1- العدل والإنصاف: الحديث قاعدة عظيمة في تحقيق العدل في المعاملات المالية، وحماية حقوق الطرفين، وقطع الطريق على كل形式的 الظلم أو التحايل.
2- إزالة الشح والطمع: النهي عن "الجلب" يربي في نفس المالك الكرم والصدق، ويدفعه لإخراج الزكاة على حقيقتها دون بخس أو مماطلة. والنهي عن "الجنب" يربي في نفس العامل الأمانة والتقوى، ويمنعه من الطمع في أموال الناس.
3- مراعاة أحوال الناس: الأخذ في "الدور" مراعاة لظروف صاحب المال وعدم إلحاق المشقة به بذهاب ماشيته إلى مكان بعيد، كما أنه أعدل للحكم على قيمة الماشية.
4- منهجية أخذ الزكاة: يبين الحديث الآداب والضوابط الشرعية التي يجب على ولاة الأمر وعمال الزكاة اتباعها عند جمع الزكاة.
5- سمو الأخلاق في التشريع الإسلامي: الإسلام لا يهتم فقط بإخراج الحق، بل يهتم أيضًا بالطريقة المُثلى التي يخرج بها هذا الحق، لتحقيق المصلحة للجميع ودرء المفسدة.
4. معلومات إضافية:
* هذا الحديث يدخل في باب "آداب العامل والمانع في الزكاة".
* الفقهاء يستدلون بهذا الحديث على أن أخذ الزكاة يجب أن يكون من أوسط مال الرجل، لا من خياره ولا من شراره، تحقيقًا للعدل.
* المعنى العام للحديث يمتد ليشمل الكثير من المعاملات، ففيه النهي عن أي تحايل لإخفاء الحقوق أو بخسها، والنهي عن الاستغلال والتعسف في اقتضاء الحقوق.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
تخريج الحديث
وصحّحه ابن خزيمة (٢٢٨٠)، فرواه مطوّلًا من طريق عبد الأعلى، حدّثنا محمد بن إسحاق بإسناده.
وإسناده حسن من أجل عمرو فإنه حسن الحديث. وابن إسحاق مدلِّس وقد عنعن، ولكن جاء التصريح منه في مسند أحمد (٧٠٢٤) فإنه رواه من وجه آخر عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد، حدثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدثني عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن أبيه، عن جدّه، فذكره.
وتابعه أسامة بن زيد، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، أنّ رسول الله ﷺ قال: «تؤخذ صدقات المسلمين عند مياههم، أو عند أفنيتهم». رواه البيهقيّ (٤/ ١١٠) من طريق أبي داود (الطيالسي)، حدّثنا ابن المبارك، عن أسامة بن زيد.
قال البيهقيّ: «الشّك من أبي داود. ولكن خالفه محمد بن الفضل، فرواه عن ابن المبارك، عن أسامة بن زيد، عن أبيه، عن ابن عمر، ولفظه: «تؤخذ صدقات المسلمين على مياههم».
رواه ابن ماجه (١٨٠٦) عن أبي بدر عبّاد بن الوليد، قال: حدّثنا محمد بن الفضل، فذكره.
وأسامة بن زيد هنا ليس باللّيثي، وإنما هو ابن أسلم العدوي مولاهم المدني ضعيف، وبه أعلّه
البوصيريّ في زوائد ابن ماجه.
وهذا الوهم من محمد بن فضل وهو السدوسيّ، لقبه «عارم» وُصف بأنه «ثقة ثبت تغيرّ في آخر عمره» كذا في التقريب، وهو من رجال الجماعة، فلعلّه وهم في هذا الإسناد في موضعين:
أحدهما: أسامة بن زيد، عن أبيه.
والثاني: جعله من مسند ابن عمر، والصحيح أنه من مسند ابن عمرو.
والمتابعة الثانية لابن إسحاق هو ما رواه عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه، فذكر الحديث بطوله.
رواه الإمام أحمد (٧٠١٢) عن إبراهيم بن أبي العباس، وحسين بن محمد، قالا: حدّثنا عبد الرحمن بن أبي الزّناد، عن عبد الرحمن بن الحارث، بإسناده في خطبة النبيّ ﷺ عام الفتح. فذكر الحديث بطوله مع الشّاهد.
ثم ذكر أبو داود (١٥٩٢) تفسير «لا جلب ولا جنب» عن الحسن بن علي، حدّثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: سمعت أبي يقول: عن محمد بن إسحاق في قوله: «لا جلب ولا جنب».
قال: أن تصدق الماشية في مواضعها، ولا تُجلب إلى المصدّق.
والجنب عن غير هذه الفريضة أيضًا: لا يجنب أصحابها، يقول: لا يكون الرجل بأقصى مواضع الصّدقة فتُجنب إليه، ولكن تؤخذ في موضعه» انتهى.
أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)
الحديث الحالي في المركز 56 من أصل 379 حديثاً له شرح
- 31 منع قوم الزكاة إلا ابتلاهم الله بالسنين
- 32 في كل إبل سائمة في كل أربعين بنت لبون
- 33 بشر الكانزين برضف يحمى في نار جهنم
- 34 اختلاف أبي ذر ومعاوية في تفسير آية الكنز
- 35 أديت زكاة مالك فقد قضيت ما عليك
- 36 ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول
- 37 خُذْ عليك ثيابك وسلاحك ثم ائتني
- 38 من استفاد مالًا فلا زكاة عليه حتى يحول عليه الحول
- 39 صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم
- 40 أخذناها من حيث كنا نأخذها على عهد رسول الله
- 41 من ولي يتيما له مال فليتجر فيه ولا يتركه
- 42 فريضة الصدقة التي فرض رسول الله على المسلمين
- 43 ليس فيما دون خمس من الإبل صدقة
- 44 ليس فيما دون خمسة من الإبل شيء
- 45 صلاة الظهر في عهد رسول الله ﷺ وتفاصيلها.
- 46 كتاب صدقة الإبل والغنم الذي كتبه رسول الله ﷺ
- 47 ربع العشور من كل أربعين درهما درهم
- 48 في كل خمس من الإبل السائمة شاة إلى أربع وعشرين
- 49 من كل ثلاثين تبيعًا أو تبيعة
- 50 فريضة الصدقة في الغنم من أربعين إلى عشرين ومائة شاة
- 51 هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله على المسلمين
- 52 لا تأخذ من راضع لبن ولا تجمع بين مفرق ولا...
- 53 ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة
- 54 صدقة الرقة من كل أربعين درهمًا درهمًا
- 55 عذاب من لا يؤدي زكاة الذهب والفضة والإبل والبقر والغنم
- 56 لا تؤخذ صدقاتهم إلا في دورهم
- 57 تؤخذ صدقات أهل البادية على مياههم وبأفنيتهم
- 58 يسم النبي ﷺ إبل الصدقة
- 59 تسمية الشاة في آذانها
- 60 تَعُدُّ عَلَيْهِمْ بِالسَّخْلَةِ وَلا تَأْخُذُهَا
- 61 في الرقة ربع العشر
- 62 حدود النصاب في زكاة الإبل والفضة والزرع
- 63 ليس فيما دون خمسة أواق من الورق صدقة
- 64 ليس فيما دون خمس أواق صدقة
- 65 ليس فيما دون خمس ذود صدقة
- 66 زكاة الأموال من كل أربعين درهما درهم
- 67 في كل خمس ذود سائمة صدقة
- 68 الذهب لا يؤخذ منه شيء حتى يبلغ عشرين دينارًا
- 69 إذا كان لك مائتا درهم ففيها خمسة دراهم
- 70 الرِّكاز الخمس
- 71 ما كان في طريق مأتي أو قرية عامرة فعرّفها سنة
- 72 السائبة جبار والجب جبار والمعدن جبار وفي الركاز الخمس
- 73 تصدقن يا معشر النساء ولو من حليكن
- 74 امرأة أتت النبي ومعها ابنتها وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان...
- 75 دخل رسول الله فرأى في يدي فتخات من ورق
- 76 أدّ زكاة الذهب فليس بكنز
- 77 أخرجوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض
- 78 العشر فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا
- 79 فيما سقت الأنهار والغيم العشور وفيما سقي بالسانية نصف العشر
- 80 بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ إِلَى الْيَمَنِ وَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ الْعُشْرَ
معلومات عن حديث: لا تؤخذ صدقاتهم إلا في دورهم
📜 حديث: لا تؤخذ صدقاتهم إلا في دورهم
نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: لا تؤخذ صدقاتهم إلا في دورهم
تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: لا تؤخذ صدقاتهم إلا في دورهم
تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: لا تؤخذ صدقاتهم إلا في دورهم
شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.
قراءة القرآن الكريم
الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم
Wednesday, November 19, 2025
لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب








