تصدقن يا معشر النساء فإنكن أكثر أهل النار

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فإليكم شرح هذا الحديث النبوي الشريف شرحًا وافيًا، معتمدًا على كلام أهل العلم المعتبرين من أهل السنة والجماعة.

---

نص الحديث:

عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: إنّ رسول اللَّه ﷺ خطب النّاس فوعظهم ثم قال: «يا معشر النساء تصدّقن فإنكنّ أكثرُ أهل النّار»، فقالت امرأةٌ منهنّ: وبمَ ذاك يا رسول اللَّه؟ قال: «لكثرة لعنكُنّ، -يعني- وكفرَكُنّ العشير». قال: «وما رأيتُ ناقصات عقْل ودين أغلب لذوي الألباب وذوي الرّأي منكن». قالت امرأةٌ منهنّ: وما نقصان دينها وعقلها؟ قال: «شهادةُ امرأتين منكنّ بشهادة رجل، ونقصان دينكنّ: الحيضة، تمكث إحداكنّ الثّلاث والأربع لا تصلي».

---

1. شرح المفردات:

* تصدقن: أي أعطين الصدقة من أموالكن تطهيرًا لأنفسكن وكفارة للذنوب.
* أكثر أهل النار: أي أن عددهن في النار أكثر من عدد الرجال، وهذا لا يعني أن كل امرأة في النار، بل كثيرات منهن.
* لعنكن: اللعن هو الطرد والإبعاد من رحمة الله، والمقصود كثرة شتمهن ولعنهن للآخرين.
* وكفركن العشير: "كفر" هنا بمعنى الجحود والنكران، و"العشير" هو الزوج. أي جحودن وجحودن إحسان الزوج وإنكار المعروف منه.
* ناقصات عقل ودين: النقصان هنا ليس نقصًا في القيمة الإنسانية أو الكرامة، بل هو نقصان في جانب معين من العقل والدين كما سيأتي تفصيله.
* أغلب لذوي الألباب: أي أقدر على التغلب على أصحاب العقول الراجحة والحكمة.
* شهادة امرأتين بشهادة رجل: هذا تشريع إلهي، حيث جعل الله شهادة امرأتين تعدل شهادة رجل واحد في بعض الأمور.
* الحيضة: فترة الحيض التي تمتنع فيها المرأة عن الصلاة والصوم.

---

2. المعنى الإجمالي للحديث:

يبدأ الحديث بخطبة النبي صلى الله عليه وسلم للناس ووعظه إياهم، ثم يخص النساء بخطاب مباشر يحثهن فيه على الإكثار من الصدقة، ويبين لهن أن سبب هذه الوصية هو أنهن سيشكلن الغالبية العظمى من أهل النار. وعندما استفسرت إحدى النساء عن سبب ذلك، بين النبي صلى الله عليه وسلم سببيْن رئيسييْن:
1- كثرة اللعن: أي الإكثار من السب والشتم والدعاء على الآخرين.
2- كفران العشير (الزوج): أي جحود إحسان الزوج وإنكار فضله ومعروفه، وعدم شكرانه على ما يبذله.
ثم أتبع النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ببيان حكمة إلهية تتعلق بطبيعة تكوين المرأة، حيث وصفها بـ "ناقصات عقل ودين"، ولكن هذا الوصف له معنى خاص ومحدد. وعند سؤال المرأة عن معنى هذا النقصان، فسر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بوضوح:
* نقصان العقل: أن شهادتها في القضاء (في بعض الأمور) تحتاج إلى امرأة أخرى معها لتعادل شهادة رجل واحد، وهذا تشريع إلهي لحكمة يعلمها الله.
* نقصان الدين: أن المرأة تمر بفترة الحيض التي تمنعها من أداء بعض العبادات كالصلاة والصيام، فتكون أيام عبادتها في الحياة أقل من أيام الرجل.

---

3. الدروس المستفادة والفَوائد:

1- الحث على الصدقة: الصدقة تطفئ خطايا الذنوب كما يطفئ الماء النار، وهي وسيلة عظيمة للتكفير عن السيئات، خاصة للنساء اللاتي قد يكثر منهن بعض الذنوب الخاصة.
2- تحذير النساء من ذنبين عظيمين:
* كثرة اللعن: وهو من الكبائر، ويجب على المرأة المسلمة حفظ لسانها من السب والشتم والدعاء بالشر على الآخرين.
* كفران الزوج: يجب على الزوجة شكر زوجها على إحسانه ومعروفه، وعدم نسيان فضله أو جحوده، فذلك من أسباب الشقاق والنزاع في البيت.
3- بيان الحكمة من التشريعات الإلهية: النقصان المذكور في الحديث ليس نقصًا في القيمة أو الكرامة الإنسانية، فالمرأة شقيقة الرجل في التكليف والثواب والعقاب. بل هو نقصان في صفة معينة لأمر قدري شرعي.
* نقصان العقل المذكور مرتبط بجانب الشهادة، وهو تشريع رباني لحكمة قد تكون مرتبطة بالطبيعة العاطفية والوجدانية للمرأة التي تؤثر في جانب الشهادة والرواية، فجاء التشريع بضم امرأة أخرى لتصحيح المسار وتأكيد الشهادة. وهذا من عدل الله ورحمته.
* نقصان الدين مرتبط بأمر قدري لا اختيار للمرأة فيه، وهو الحيض. وهي معذورة في ترك الصلاة والصيام فيه، بل هي مأجورة على تركها امتثالاً لأمر الله. فليس هذا نقصًا يلام عليه.
4- إثبات كمال حكمة النبي صلى الله عليه وسلم: حيث بين أن هذه "الناقصات عقلًا ودينًا" هن مع ذلك قادرات على أن يغلبن ذوي العقول الراجحة (أي الرجال) بحنكتهن وفطنتهن وقوة تأثيرهن العاطفي، مما يدل على أن هذا "النقص" مقصور على جوانب معينة وليس عامًا.