سؤال النبي ﷺ في مرضه: أين أنا غدا؟

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله خاتم النبيين وإمام المتقين.
أما بعد، فهذا حديث عظيم من الأحاديث التي تُظهر محبة النبي ﷺ لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وتُبرز جانبًا من أخلاقه وصفاته في أواخر أيامه في الدنيا. وسأشرحه لكم جزءًا جزءًا مستندًا إلى كبار شراح الحديث من أهل السنة والجماعة.

---

الحديث بلفظه كما ورد:

عن عائشة زوج النبي ﷺ أن رسول الله ﷺ كان يسأل في مرضه الذي مات فيه: "أين أنا غدا؟ أين أنا غدا؟" يريد يوم عائشة، فأذن له أزواجه يكون حيث شاء، فكان في بيت عائشة حتى مات عندها.
قالت عائشة: "فمات في اليوم الذي كان يدور عليّ فيه في بيتي، فقبضه الله وإن رأسه بين نحري وسحري، وخالط ريقه ريقي".

---

١. شرح المفردات:

● "يسأل في مرضه الذي مات فيه": أي في مرض موته، وهو المرض الذي توفي فيه صلى الله عليه وسلم.
● "أين أنا غدا؟": استفهام عن المكان الذي سيقيم فيه في اليوم التالي.
● "يريد يوم عائشة": أي يريد اليوم الذي هو من حصتها، حيث كان للنبي ﷺ توزيعٌ للأيام بين زوجاته.
● "فأذن له أزواجه": سمحت له زوجاته بأن يختار البقاء حيث يشاء دون التقيّد بنظام الدور.
● "فكان في بيت عائشة حتى مات عندها": أي مكث في حجرتها إلى أن توفي فيها.
● "يدور عليّ فيه": أي اليوم الذي يأتي فيه إلى بيتها بحسب الدور.
● "قبضه الله": أي توفاه الله وأخذ روحه.
● "بين نحري وسحري": النحر هو الصدر، والسحر هو الموضع تحت الذقن، أي كان رأسه الشريف على صدرها.
● "خالط ريقه ريقي": أي أن ريقه الطاهر اختلط بريقها؛ لأنه كان يشرب من إناء ثم تشرَب منه، أو لأنه كان قريبًا منها.

---

٢. شرح الحديث:

هذا الحديث رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما، وهو من الأحاديث الصحيحة في قصة وفاة النبي ﷺ.
كان للنبي ﷺ تسع زوجات، وكان يقسم وقته بينهن، لكل واحدة يوم وليلة. وعندما اشتدّ به المرض في أواخر حياته، كان يسأل: "أين أنا غدًا؟" وذلك لأنه كان يريد أن يكون في بيت عائشة رضي الله عنها، ولكنه كان حريصًا على العدل بين زوجاته، فلم يرد أن يتجاوز حقهن.
فلما علمت الزوجات رضي الله عنهن برغبته، تفضَّلن وأذنَّ له أن يختار البقاء حيث يشاء دون تقيد بالدور، فاختار البقاء في بيت عائشة حتى توفي فيها.
وقول عائشة: "فمات في اليوم الذي كان يدور عليّ فيه" يعني أن اليوم الذي توفي فيه كان من حصتها أصلاً، فاجتمعت فيه إرادة النبي ﷺ وموافقتهن مع حقهن.
وقولها: "وإن رأسه بين نحري وسحري" يدل على قربها الشديد منه في لحظات وفاته، وكانت تسند رأسه الكريم إلى صدرها. وقولها: "خالط ريقه ريقي" إما لأنها كانت تسقيه أو لأنه كان يشرب من الإناء ثم تشرب منه، فامتزج الريقان، مما يدل على شرفها وقربها منه ﷺ.

---

٣. الدروس المستفادة:

١- محبة النبي ﷺ لعائشة وتكريمه لها: وهذا من فضائلها رضي الله عنها، حيث كانت أحبّ الناس إليه، كما ورد في الحديث الصحيح: "يا عائشة، هذا جبريل يقرئك السلام". فقالت: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته.
٢- خلق النبي ﷺ في العدل والحياء: مع شدة مرضه ورغبته في البقاء عند عائشة، لم يُرِد أن يتعدى على حقوق زوجاته، فكان يسأل استئذانًا منهن.
٣- كرم أخلاق زوجاته رضي الله عنهن: حيث تنازلن عن حقهن رضيًا وسماحًا لإسعاد النبي ﷺ.
٤- الإشارة إلى فضل عائشة رضي الله عنها: حيث توفي في حجرتها، وكانت آخر من رأى فيه signs الحياة، وكانت رضي الله عنها من أكثر الناس رواية للحديث عن النبي ﷺ.
٥- التأدب مع النبي ﷺ حتى بعد وفاته: فالمسلم يتأدب بآداب الإسلام في تعامله مع سيرة النبي ﷺ وأخلاقه.

---

٤. معلومات إضافية:

- هذا الحديث جزء من مجموعة أحاديث في "قصة الوفاة" التي رويت بألفاظ متقاربة في الصحاح.
- استدل العلماء بهذا الحديث على فضل عائشة رضي الله عنها، وأنها كانت من أحبّ الناس إلى رسول الله ﷺ.
- يُستفاد منه أيضًا أن المرض لا يمنع من الحرص على حقوق الآخرين والعدل بينهم.
- يُعتبر هذا الحديث من الأحاديث التي تُظهر جانبًا إنسانيًا عميقًا من حياة النبي ﷺ، مما يزيد المسلمين محبةً له وتقديرًا.
أسأل الله تعالى أن يرزقنا حب نبيه ﷺ واتّباع سنته، وأن يجمعنا به في جنات النعيم. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.