لا يدخل رجل على مغيبة إلا ومعه رجل أو اثنان

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فإن الحديث الذي طلبت شرحه حديث عظيم، يحمل في طياته دروسًا مهمة في حفظ الأعراض وصيانة المجتمعات من أسباب الريبة. وإليك الشرح الوافي له على النحو التالي:

---

نص الحديث:

عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن نفرًا من بني هاشم دخلوا على أسماء بنت عميس، فدخل أبو بكر الصديق - وهي تحته يومئذ (أي زوجته) - فرآهم فكره ذلك. فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم وقال: (لم أَرَ إلا خيرًا). فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله قد برأها من ذلك). ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال: (لا يدخل رجل بعد يومي هذا على مغيبة إلا ومعه رجل أو اثنان).

---

1. شرح المفردات:

● نفرًا من بني هاشم: جماعة من أقارب النبي صلى الله عليه وسلم من قبيلة بني هاشم.
● أسماء بنت عميس: صحابية جليلة، كانت زوجة لجعفر بن أبي طالب، ثم تزوجت بعد استشهاده بأبي بكر الصديق رضي الله عنهما.
● وهي تحته يومئذ: أي هي زوجته في ذلك الوقت.
● فكره ذلك: استنكر ذلك وأنكر عليه، وخاف من سوء الظن أو الفتنة.
● مغيبة: المرأة التي لا يكون معها محرم من الرجال، وهي خالية في بيتها.
● برأها: أي طهرها ونزهها من التهمة وسوء الظن.

---

2. شرح الحديث:

يحدثنا الصحابي الجليل عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن مجموعة من رجال بني هاشم (وهم من أقارب النبي صلى الله عليه وسلم) دخلوا على السيدة أسماء بنت عميس رضي الله عنها في بيتها، وكانت في ذلك الوقت زوجة لأبي بكر الصديق رضي الله عنه. فدخل عليها أبو بكر فوجدهم عندها، فكره ذلك واستنكره، ليس لأنه يتهمها بسوء، ولكن حماية للعراض وخوفًا من كلام الناس أو سوء الظن. ثم ذهب أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بما حدث، مؤكدًا أنه لم يرَ إلا خيرًا في تصرفها، ولكنه كره مجرد وجود الرجال عندها بدون محرم. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله قد برأها من ذلك)، أي أن الله تعالى قد طهرها من أي تهمة أو سوء نية، لأنها لم تقصد إلا الخير. ومع ذلك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قام خطيبًا على المنبر وأعلن تشريعًا عامًا للمسلمين: أنه لا يجوز لرجل أن يدخل على امرأة ليست من محارمه وهي alone (غير مصحوبة بمحرم) إلا إذا كان معه رجل أو اثنان؛ وذلك لقطع ذريعة الريبة وسدًا لبواب الفتنة.

---

3. الدروس المستفادة منه:

● سد ذرائع الفتنة: الإسلام يحرص على غلق الأبواب التي تؤدي إلى الشبهات أو الفتن، حتى لو كان الداخلون أتقياء صالحين. فمجرد خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية (غير المحرم) قد تثير الشكوك أو تكون مدخلاً للشيطان.
● حماية الأعراض وصيانة المجتمع: التشريع الإسلامي يهدف إلى حماية المجتمع من الفواحش وما يؤدي إليها، وليس مجرد معالجة المشكلة بعد وقوعها.
● عدم التساهل في أمور الاختلاط: حتى لو كان الرجال من الأقارب أو الصالحين، فإن الخلوة محرمة؛ لأن الفتنة قد تقع من حيث لا يُحتسب.
● الرفق بالنساء وعدم إيذائهن: تصريح النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله قد برأ السيدة أسماء يدل على أن الإسلام يحرص على عدم اتهام النساء بغير دليل، ويطهرهن من أي شبهة إذا لم يقمن بفعل محرم.
● الحكمة من وجود مرافق: اشتراط وجود رجل أو اثنين مع الرجل الذي يزور امرأة ليس محرمًا لها؛ حتى لا تختلي به، وبذلك تزول الشبهة.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الحديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، وهو من الأحاديث الصحيحة المتعلقة بآداب العلاقات بين الرجال والنساء.
- يستفاد من الحديث أن الخلوة بين الرجل والمرأة الأجنبية (غير المحرم) محرمة شرعًا، سواء كان في بيت أو غيره، وهذا ما ذهب إليه جمهور العلماء.
- الحديث يبين حرص الصحابة رضي الله عنهم على تطبيق تعاليم الإسلام بدقة، حتى في أدق الأمور، وحرصهم على استفتاء النبي صلى الله عليه وسلم في كل ما يشكل عليهم.
- القاعدة الشرعية المستفادة: "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح"، فمنع الخلوة فيه سد لذرائع الفساد، even if لم يثبت وقوع شيء سيء.

أسأل الله تعالى أن يفقهنا في ديننا، وأن يرزقنا العمل بما علمنا، وأن يحفظ مجتمعاتنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.