هل نظرت إليها فإن في عيون الأنصار شيئا

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وإمام المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فإني أقدم لكم شرحًا لهذا الحديث النبوي الشريف، معتمدًا على كبار شراح الحديث من أهل السنة والجماعة، وأسأل الله تعالى أن ينفعنا بما نعلم وأن يرزقنا العمل الصالح.

---

الحديث:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني تزوجت امرأة من الأنصار. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «هل نظرت إليها؟ فإن في عيون الأنصار شيئًا». قال: قد نظرت إليها. قال: «على كم تزوجتها؟» قال: على أربع أواق. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «على أربع أواق، كأنما تَنْحتون الفضة من عُرض هذا الجبل، ما عندنا ما نعطيك، ولكن عسى أن نبعثك في بعث تصيب منه». قال: فبعث بعثًا إلى بني عبس. بعث ذلك الرجل فيهم.

---

1. شرح المفردات:

● الأنصار: هم أهل المدينة المنورة الذين ناصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم وآووه.
● في عيون الأنصار شيئًا: أي في عيون نساء الأنصار جمالاً وحسنًا.
● أواق: جمع أوقية، وهي وحدة وزن، والأوقية تساوي أربعين درهمًا فضة، فالأربع أواق تساوي مائة وستين درهمًا.
● تَنْحتون: من النحت، أي تقطعون وتستخرجون.
● عُرض هذا الجبل: جانب الجبل أو سطحه.
● بعث: سرية أو مجموعة تُرسل للغزو أو الجهاد.

---

2. شرح الحديث:

يخبرنا الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار. فسأله النبي صلى الله عليه وسلم: "هل نظرت إليها؟" وهذا يدل على استحباب النظر إلى المخطوبة قبل الزواج ليكون القلب مطمئنًا. ثم علل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: "فإن في عيون الأنصار شيئًا"، أي أن نساء الأنصار معروفات بالجمال وحسن العيون، فالنظر إليها يزيد الرغبة في الزواج ويقوي العزم.
فأجاب الرجل أنه قد نظر إليها، مما يدل على أنه اتبع السنة في ذلك. ثم سأله النبي صلى الله عليه وسلم عن المهر الذي اتفق عليه معها، فقال: "على أربع أواق"، وهي تعادل مائة وستين درهمًا من الفضة، وهو مهر معتدل في ذلك الوقت.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم تعجبًا: "على أربع أواق، كأنما تَنْحتون الفضة من عُرض هذا الجبل"، وهذا تشبيه بليغ يدل على أن هذا المبلغ كبير نسبيًا في تلك الفترة، حيث يشبه استخراج الفضة من الجبل بصعوبة. ثم بين النبي صلى الله عليه وسلم أن بيت المال لا يملك ما يعطيه لمساعدته في دفع المهر، فقال: "ما عندنا ما نعطيك". لكنه صلى الله عليه وسلم بشره بخير، فقال: "ولكن عسى أن نبعثك في بعث تصيب منه"، أي أن النبي صلى الله عليه وسلم وعده بأن يرسله في سرية عسكرية للجهاد، حيث يمكنه أن يحصل على غنيمة أو عطاء يساعده في دفع المهر.
وفعلًا، تحقق الوعد، حيث بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية إلى بني عبس (وهي قبيلة معروفة)، وأرسل ذلك الرجل معهم.

---

3. الدروس المستفادة منه:

● استحباب النظر إلى المخطوبة: وهذا من حكمة الشريعة لتحقيق الألفة والاستقرار في الزواج.
● التعامل بحكمة مع الظروف المادية: النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل له إن المهر كبير وينبغي تخفيفه، بل فهم ظروفه وقدم له حلاً عمليًا.
● ترابط المجتمع المسلم: حيث يساعد بعضهم بعضًا، ويسعى الإمام (الحاكم) لمساعدة المحتاجين.
● فضل الجهاد والغزو: حيث كان الجهاد مصدرًا للرزق والتكافل الاجتماعي في ذلك العصر.
● التفاؤل والبشارة بالخير: كما في قوله صلى الله عليه وسلم "عسى أن نبعثك"، مما يدل على التفاؤل وحسن الظن بالله.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه، وهو من الأحاديث الصحيحة.
- القصة تدل على حرص النبي صلى الله عليه وسلم على حل مشاكل أصحابه ومساعدتهم بكل وسيلة مشروعة.
- المهر في الإسلام ليس له حد أدنى أو أقصى، بل يرجع إلى اتفاق الطرفين والعرف، ولكن الأفضل التيسير وعدم المغالاة.
- الجهاد في سبيل الله كان وسيلة للدعوة ونشر الإسلام، وكذلك كان مصدرًا للرزق للمجاهدين وأسرهم.
أسأل الله تعالى أن يفقهنا في الدين، وأن يوفقنا للعمل بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.