بعث رسول الله ﷺ إلى صفوان بن أمية فسأله أدراعًا

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فإن حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما الذي ذكرته يحكي قصة مهمة من أحداث السنة الثامنة للهجرة، بعد فتح مكة مباشرة، وهي قصة غزوة حنين. وإليك الشرح المفصل له:

---

1. شرح المفردات:

● لما فرغ من فتح مكة: أي بعد أن تم للمسلمين فتح مكة ودخل الناس في دين الله أفواجًا.
● مالك بن عوف النصري: زعيم من زعماء هوازن، وكان معاديًا للإسلام.
● بني نصر، بني جشم، بني سعد بن بكر، أوزاعًا من بني هلال، بنو عمرو بن عامر، عوف بن عامر، ثقيف الأحلاف، بنو مالك: هذه أسماء قبائل من هوازن وثقيف تحالفت لمحاربة المسلمين.
● أوعيت معه: انضمّت إليه وتحزّبت معه.
● ساق معه الأموال والنساء والأبناء: أحضر معه كل ممتلكات القبائل من أموال وعائلات ليشدّ من عزم المقاتلين ويجعلهم يقاتلون حتى الموت دفاعًا عن أهليهم وأموالهم.
● بعث عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي: أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتجسس على أخبار العدو.
● ادخل في القوم حتى تعلم لنا من علمهم: أي ادخل بينهم متنكرًا لتعرف أخبارهم وقوتهم ونواياهم.
● كذب: هنا بمعنى "ليس صحيحًا" أو "هذا غير معقول"، وليس اتهامًا بالكذب بالمعنى الأخلاقي.
● ضالا فهداك الله: أي كنت قبل الإسلام على ضلال ثم منّ الله عليك بالهداية.
● صفوان بن أمية: كان من زعماء قريش، ولم يكن قد أسلم بعد وقتها.
● أدراعًا: جمع درع، وهو لباس الحرب المعدني.
● عارية مضمونة: أي استعارة مؤقتة مع ضمان ردها أو تعويضها إذا تلفت.

---

2. شرح الحديث:

بعد أن فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة، تجمعت بعض القبائل المعادية - بقيادة مالك بن عوف النصري - لقتال المسلمين. أحضر مالك معه كل ثروات القبائل وعائلاتهم ليجعل المقاتلين يقاتلون بشراسة.
عندما علم النبي صلى الله عليه وسلم بهذا التجميع، أرسل عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي ليتجسس على العدو ويعرف قوته ونواياه. بعد أن عاد عبد الله وأخبر النبي بما رآه، استمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه للخبر وشكّك في دقته (ربما لكونه مفاجئًا أو لأن العدد كبير)، فرد عليه عبد الله بحدة دفاعًا عن صدقه.
هنا تدخل النبي صلى الله عليه وسلم بتذكير عمر رضي الله عنه بنعمة الهداية بعد الضلال، ليس تقريعًا له بل تذكيرًا له وللصحابة بأهمية الثقة في أخبار المسلمين وتجنب التسرع في الحكم.
ثم تحرك النبي صلى الله عليه وسلم استعدادًا للمواجهة، واستعار من صفوان بن أمية - الذي كانまだ على الشرك - مائة درع وعتادها، وضمن له ردها، مما يدل على أمانة النبي صلى الله عليه وسلم даже مع غير المسلمين.

---

3. الدروس المستفادة منه:

● الحكمة في الاستعداد للعدو: النبي صلى الله عليه وسلم لم يستهين بالعدو رغم انتصارات المسلمين، بل أرسل من يتجسس عليه ويقيم قوته.
● الثقة في أخبار الثقات: النبي صلى الله عليه وسلم قبل خبر عبد الله بن أبي حدرد، وعلم الصحابة أهمية تصديق الأخبار من المسلمين الموثوقين.
● الأدب في الرد على المخالف: رد النبي صلى الله عليه وسلم على عمر كان حكيمًا ومربّيًا،ذكّره بنعمة الهداية دون تجريح.
● الاستعارة بالأمانة: даже في حالات الحرب، التزم النبي صلى الله عليه وسلم بالأمانة والصدق في المعاملة، حتى مع غير المسلمين.
● عدم الاستهانة بالعدو: إحضار مالك بن عوف للنساء والأموال يدل على أن العدو كان مستعدًا لقتال شرس، وهذا درس في عدم الاستهانة بأي عدو.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

- هذه الأحداث كانت مقدمة لغزوة حنين (أو غزوة هوازن) التي وقعت في شوال سنة 8 هـ.
- في بداية الغزوة انهزم المسلمون due to الإعجاب بالكثرة، ثم ثبّت الله النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه، وكانت النهاية انتصارًا للمسلمين.
- قصة استعارة الدروع من صفوان بن أمية كانت سببًا في إسلامه لاحقاً، حيث قال: "والله ما طلب مني شيئًا إلا gave it to him، حتى إذا كان آخر ما سألني قال: «هل عندك من سلاح؟» فقلت: أغصبًا؟ قال: «بل عارية مضمونة»، فعارني مائة درع، فقلت: يا محمد أَمَانَة؟ قال: «نعم»، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين ردها عليّ، فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فأسلَمْتُ".
هذا والله أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.