يا أصحاب سورة البقرة يا معشر الأنصار

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فإن حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الذي ذكرت من الأحاديث العظيمة التي تحكي موقفًا من مواقف النبي صلى الله عليه وسلم المجيدة، وتظهر ثباته وشجاعته في أحرج المواقف، وسأشرحه لك جزءًا جزءًا بإذن الله.

---

الحديث بلفظ أوضح:

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ انْهَزَمَ النَّاسُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلاَّ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَأَبَا سُفْيَانَ بْنَ الْحَارِثِ. وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْعَبَّاسَ أَنْ يُنَادِيَ: يَا أَصْحَابَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ! يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ! ثُمَّ اسْتَحَثَّ النِّدَاءَ فِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ. فَلَمَّا سَمِعُوا النِّدَاءَ أَقْبَلُوا، فَوَاللَّهِ مَا شَبَّهْتُهُمْ إِلاَّ بِالإِبِلِ تَحِنُّ إِلَى أَوْلاَدِهَا. فَلَمَّا الْتَقَوْا الْتَحَمَ الْقِتَالُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الآنَ حَمِيَ الْوَطِيسُ». وَأَخَذَ صلى الله عليه وسلم كَفًّا مِنْ حَصًى أَبْيَضَ، فَرَمَى بِهِ، وَقَالَ: «هَزَمُوا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ». وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَوْمَئِذٍ أَشَدَّ النَّاسِ قِتَالاً بَيْنَ يَدَيْهِ.
رواه الإمام أحمد في مسنده، والطبراني، وغيرهم، وصححه الألباني.

---

١. شرح المفردات:

● يَوْمُ حُنَيْنٍ: هو غزوة حنين، التي وقعت في السنة الثامنة للهجرة بين المسلمين وقبيلتي هوازن وثقيف.
● انْهَزَمَ النَّاسُ: فرّوا وتركوا مواقعهم خوفًا من العدو.
● اسْتَحَثَّ النِّدَاءَ: أسرع فيه وحثّ عليه.
● تَحِنُّ إِلَى أَوْلاَدِهَا: تئنّ وتسرع بشدة وحنين.
● الْتَحَمَ الْقِتَالُ: اشتد واختلط بعضه ببعض.
● حَمِيَ الْوَطِيسُ: اشتدت الحرب وبلغت ذروتها. والوطيس: التنور الذي تسخن فيه الحجارة، فشبّه اشتعال القتال باشتعال النار فيه.
● رَمَى بِهِ: ألقى الحصى نحو العدو، وكانت هذه إحدى معجزاته صلى الله عليه وسلم.
● هُزِمُوا: انكسروا وولوا الأدبار.

---

٢. شرح الحديث:

يصف أنس بن مالك رضي الله عنه ما حدث في غزوة حنين، حيث فر معظم المسلمين من ساحة القتال في بداية المعركة بسبب الكثرة الظاهرة للعدو، ولم يثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا قلة من أصحابه، منهم العباس بن عبد المطلب (عم النبي) وأبو سفيان بن الحارث (ابن عم النبي).
فأمر النبي صلى الله عليه وسلم العباس - وكان صاحب صوت جهوري - أن ينادي بنداءين:
● يَا أَصْحَابَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ: أي الذين حفظوا سورة البقرة وعملوا بها، وهم نخبة الصحابة وعلماؤهم.
● يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ: نداء خاص بقبيلة الأنصار الذين كانوا عماد الجيش ونصرة الإسلام.
ثم خصّ بالنداء بني الحارث بن الخزرج، إحدى بطون الأنصار، تحفيزًا لهم.
فلما سمع الأنصار النداء، عادوا مسرعين إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وشبههم أنس بالإبل التي تسرع إلى أولادها بشدة وحنين، مما يدل على سرعة استجابتهم وحبهم للنبي صلى الله عليه وسلم.
فلما عادوا واشتد القتال، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الآنَ حَمِيَ الْوَطِيسُ»، أي الآن اشتدت المعركة وبلغت ذروتها.
ثم أخذ النبي صلى الله عليه وسلم كفًا من الحصى ورمى به toward المشركين، وقال: «هزموا ورب الكعبة»، فكانت هذه الرمية معجزة من معجزاته، حيث تحولت هزيمة المسلمين إلى نصر مؤزر بفضل الله ثم بثبات النبي وقلة من أصحابه.
ويختم أنس رضي الله عنه بذكر شجاعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، الذي كان أشد الناس قتالًا بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم دفاعًا عنه.

---

٣. الدروس المستفادة:

1- ثبات النبي صلى الله عليه وسلم في الشدائد: لم يفرّ أو يترك الميدان رغم فرار معظم الجيش، يظهر unparalleled courage and trust in Allah.
2- قيمة الدعوة والنداء في تجميع الصفوف: حيث استخدم النبي صلى الله عليه وسلم النداء الموجّه لاستعادة ثقة الجيش وحماسه.
3- فضل الأنصار وأهل العلم والعبادة: حيث خصهم النبي صلى الله عليه وسلم بالنداء، recognizing their commitment and faith.
4- معجزات النبي صلى الله عليه وسلم الحسية: مثل رميه الحصى وتأثيرها في هزيمة العدو، بإذن الله.
5. **الشجاعة والتفاني في الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم