قائمة السور | مواضيع القرآن الكريم مرتبة حسب الآيات :آيات القرآن الكريم مقسمة حسب كل موضوع و فئة | لقراءة سورة كاملة اختر من : فهرس القرآن | - للاستماع للقراء : القرآن الكريم mp3
آيات قرآنية عن سعة علم الله في القرآن الكريم
✅ مواضيع القرآن الكريم
﴿وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ خَلِيفَةٗۖ قَالُوٓاْ أَتَجۡعَلُ فِيهَا مَن يُفۡسِدُ فِيهَا وَيَسۡفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحۡنُ نُسَبِّحُ بِحَمۡدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَۖ قَالَ إِنِّيٓ أَعۡلَمُ مَا لَا تَعۡلَمُونَ ﴾ [البقرة: 30]
أنت أيها الإنسانُ مستخلَفٌ في الأرض، وكلُّ ما فيها مسخَّرٌ لك، فلا تُذِلَّ نفسَك أو تستعبِدْها لشيءٍ ممَّا قد خُلِق لك. قد رضي الله لعَبيده أن يسألوه عن حِكمته في صُنعه، وما يخفى عليهم من أسرار خَلقه، فلا جُناحَ أن نسألَ عمَّا غاب عنَّا من حِكَم تشريعه، مع الدعاء بأن يُفيضَ علينا سبحانه من خزائن علمه. إنما جُعِلت الخلافة في الأرض ليُعبدَ الله وحدَه، ويُثنى عليه بما هو أهلُه، وينـزَّهَ عن كلِّ ما لا يليق بجلاله وكماله، فأين الحاملون للأمانة بحقِّها؟ إذا كان من أسرار الله تعالى وحِكَمه ما يخفى على الملائكة الكرام، فالإنسان أَولى بأن يخفى عليه من ذلك؛ ﴿وما أوتيتُم منَ العِلم إلَّا قليلًا﴾ . |
﴿أَوَلَا يَعۡلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعۡلِنُونَ ﴾ [البقرة: 77]
مَن قسا قلبُه غَلُظ حِجابُه، واختلَّت مراقبتُه ربَّه في خَلَواته، ولو أنه استشعر إحاطةَ علم الله بما يُخفي وما يُعلن لاتَّعظ وازدجَر. |
﴿ٱلۡحَجُّ أَشۡهُرٞ مَّعۡلُومَٰتٞۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلۡحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي ٱلۡحَجِّۗ وَمَا تَفۡعَلُواْ مِنۡ خَيۡرٖ يَعۡلَمۡهُ ٱللَّهُۗ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيۡرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقۡوَىٰۖ وَٱتَّقُونِ يَٰٓأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ ﴾ [البقرة: 197]
ما الحجُّ إلا أشهرٌ قليلة، وأيَّامٌ معدودة معلومة، فهل يُعجزك أيها المسلمُ أن تلتزمَ فيها بما أمرك الله، وتنتهيَ عمَّا نهاك؟! إنما كانت مراعاةُ الآداب في الحجِّ لتعظيم شأن الحرَم والمناسك، وكذلك ينبغي أن نكونَ في الأزمنة الشريفة والمشاهد الفاضلة على أكمل الآداب. حسبُ المؤمن دافعًا له إلى فعل الخير استحضارُه أن الله مطَّلعٌ عليه، عالمٌ بما يفعله، فهذا وحدَه جزاءٌ قبل يوم الجزاء. لا بدَّ للمسافر من زاد؛ أمَّا سفر الدنيا فزادُه الطعام والشراب والمركب؛ لتلبية رغَبات النفس وحاجاتها، وأمَّا سفر الآخرة فزادُه تقوى الله؛ لتوصلَك إلى النعيم المقيم. اتَّقوا العذاب، يا أولي الألباب؛ فإن أكمل الناس لُبًّا أكملهم تقوى، ومَن لم يتَّقِ الله فهو كمَن لا لُبَّ له. |
﴿كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِتَالُ وَهُوَ كُرۡهٞ لَّكُمۡۖ وَعَسَىٰٓ أَن تَكۡرَهُواْ شَيۡـٔٗا وَهُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۖ وَعَسَىٰٓ أَن تُحِبُّواْ شَيۡـٔٗا وَهُوَ شَرّٞ لَّكُمۡۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216]
كراهة النفس للقتال لِـما يُخامره من مشقَّة وفزع، مع التسليم والرضا بالتكليف، كراهةٌ فِطريَّة لا تنافي الإيمانَ ولا ينكرها الإسلام؛ لأن الشريعة متَّفقة مع الفِطرة. ألا فلتطمئنَّ النفوسُ المؤمنة برحمة الله البصير بمواضع ضعفها، العليم بمشقَّة ما كتبه عليها، الآمر لها بما فيه خيرُها وبِرُّها. متى اعتقدتَّ قصورَ علمك، وكمالَ علم ربِّك، كنتَ على يقين أنه سبحانه لا يأمرك إلا بما فيه صلاحُك، سواءٌ أوافق هواك أم خالف مُرادك. مَن علم أن المكروهَ قد يأتي بالمحبوب، والمحبوبَ قد يأتي بالمكروه، امتثل أمرَ ربِّه في جميع أحواله، واستسلم لقدَره وقضائه؛ لأنه لا يعلم عواقبَ الأمور إلا هو. لعلَّ الهُلك والمضرَّة فيما نرجوه ونطلبه، ولعلَّ الفلاحَ والصلاح فيما نكرهه ونتجنَّبه، فلنسأل ربَّنا دومًا حُسن الاختيار، وأن يرضِّينا بما يختاره ويقدِّره. |
﴿ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡحَيُّ ٱلۡقَيُّومُۚ لَا تَأۡخُذُهُۥ سِنَةٞ وَلَا نَوۡمٞۚ لَّهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ مَن ذَا ٱلَّذِي يَشۡفَعُ عِندَهُۥٓ إِلَّا بِإِذۡنِهِۦۚ يَعۡلَمُ مَا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيۡءٖ مِّنۡ عِلۡمِهِۦٓ إِلَّا بِمَا شَآءَۚ وَسِعَ كُرۡسِيُّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَۖ وَلَا يَـُٔودُهُۥ حِفۡظُهُمَاۚ وَهُوَ ٱلۡعَلِيُّ ٱلۡعَظِيمُ ﴾ [البقرة: 255]
لا معبودَ بحقٍّ إلا الله، لا نافعَ ولا ضارَّ سواه، ولا مُعطيَ ولا مانعَ إلا هو. لا دينَ إلا دينُه، ولا حُكمَ إلا حكمُه. ما أفقرَ العبادَ إلى الحيِّ الذي اكتملَت حياتُه لكمال ذاته وأسمائه وصفاته! وما أقوى يقينَ المؤمن الذي تعلَّق قلبه بالقيُّوم الذي قام بنفسه، وقامت حياةُ الخلق به! راقب الله حقَّ المراقبة؛ فإنه لا يغفُل عنك لحظة، واقدُره حقَّ قدره؛ فإنه القيُّوم الذي أقدرَك، والحيُّ الذي أحياك. استحضار مُلك الله تعالى لما في السَّماوات والأرض يسكبُ في روحك القناعةَ برزقه، والرضا بقضائه، والجودَ بعطائه. لا يملك أحدٌ شيئًا من دونه سبحانه، فهو المالك الحقُّ، والخلق كلُّهم عبيده، فلا تتوجَّه إلى غيره، ولا تخضَع لسواه. إن كان كرسيُّه سبحانه وتعالى قد وسع السماواتِ والأرضَ، فكيف بعظَمة خالق الكرسيِّ جلَّ جلاله؟! مهما عَلا شأنك، وعظُم قدرك، فاعلم أنك لا تزال عبدًا لله العليِّ العظيم، فطامِن من كبريائك، وتواضع لإخوانك، وتذكَّر قدرةَ الله عليك! قد تكفَّل الله لمَن قرأ هذه الآيةَ بالحفظ، وألَّا يقربَه شيطانٌ في ليلته، سيحفظك أيها المخلوق الصغير من لا يثقله حفظ السماوات والأرض ومن فيهن! |
﴿قُلۡ إِن تُخۡفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمۡ أَوۡ تُبۡدُوهُ يَعۡلَمۡهُ ٱللَّهُۗ وَيَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ ﴾ [آل عمران: 29]
لمَّا كانت الموالاة أصلَ المحبَّة، وهي من أعمال القلوب التي يظهر أثرُها على الجوارح، قدَّم سبحانه علمَه بالخفيَّات على المُعلَنات. مَن تيقَّن سَعةَ علم الله به، وعظيمَ قدرته عليه، خشيَ أن يعصيَه في سرِّه وعلنه. |
﴿هَٰٓأَنتُمۡ أُوْلَآءِ تُحِبُّونَهُمۡ وَلَا يُحِبُّونَكُمۡ وَتُؤۡمِنُونَ بِٱلۡكِتَٰبِ كُلِّهِۦ وَإِذَا لَقُوكُمۡ قَالُوٓاْ ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوۡاْ عَضُّواْ عَلَيۡكُمُ ٱلۡأَنَامِلَ مِنَ ٱلۡغَيۡظِۚ قُلۡ مُوتُواْ بِغَيۡظِكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ ﴾ [آل عمران: 119]
إنما تجتمع القلوبُ إذا اتَّفقَت على منهجٍ واحد، أمَّا مَن توافقه في الحقِّ الذي معه ويخالفك في الحقِّ الذي معك، وتُظهر له الودَّ ويُبطن لك البغضاء، فكيف تَصلُح معه محبَّة؟! لا يَغيظُ قلوبَ أعداء المسلمين شيءٌ كأن يرَوهم متحابِّين متعاونين متراحمين، كالجسد الواحد، ولن يبلغوا منهم شيئًا ما داموا كذلك. المسلم العاقل لا يغترُّ بحلاوة منطق عدوِّه، كيف وقد أنبأه العليمُ بمكنون الصدور بما يعتملُ في صدره من الحقد علينا والغضب منَّا؟! |
﴿وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِأَعۡدَآئِكُمۡۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَلِيّٗا وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ نَصِيرٗا ﴾ [النساء: 45]
مهما أضمر أهلُ الشرِّ للمؤمنين من سوء وكانوا ذوي عَددٍ وعُدد، فإن الله وليُّ عبادِه يهديهم وينصرهم ويتولَّى أمورهم، ومَن كان الله وليَّهُ فمعه القوَّةُ التي لا تُغلَب. |
﴿ذَٰلِكَ ٱلۡفَضۡلُ مِنَ ٱللَّهِۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ عَلِيمٗا ﴾ [النساء: 70]
الطاعات وثوابُها العاجل والآجل محضُ تفضُّلٍ من الله على مَن يشاء، فمَن رُزِقَها فقد اغتنى. لمَّا كان الإنسان يعلم أن الفضلَ من الله وحدَه، فهلَّا سأله من فضله بدعائه وعبادته. |
﴿يَسۡتَخۡفُونَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَلَا يَسۡتَخۡفُونَ مِنَ ٱللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمۡ إِذۡ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرۡضَىٰ مِنَ ٱلۡقَوۡلِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا يَعۡمَلُونَ مُحِيطًا ﴾ [النساء: 108]
من العجيب أن يخافَ العبد مخلوقًا يُقبل عليه وينصرف عنه، ويستهينَ بنظر الخالق المحيط به، الذي لا يغيب عنه لحظة! إذا كان حياءُ المرء من الناس محمودًا فإن حياءه من الله أحمَد. كيف تطاوع المؤمنَ نفسُه أن يخلوَ بمعصية الله تعالى، ويخادنَها الزمنَ الطويل، وهو بها مسرور؟! يُمهل الله تعالى عبادَه وهم يتمادَون في معصيته، وهو يحيط بهم علمًا وقدرة، لا يغيب عن علمه شيء، ولا يُعجز قدرتَه شيء، فسبحان القدير العليم! |
﴿وَٱذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَمِيثَٰقَهُ ٱلَّذِي وَاثَقَكُم بِهِۦٓ إِذۡ قُلۡتُمۡ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَاۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ ﴾ [المائدة: 7]
لا تجعل إلفَكَ للنِّعم يُنسيك شكرَ المُنعِم بها، وليكن منك الشكرُ في موضع الذِّكر، فلا تزالُ له ذاكرا، ولنِعَمه شاكرا. أيها الدعاة، ذكِّروا الناسَ بنِعَم الله عليهم، وحقِّ المُنعِم بها؛ فذاك يقرِّبهم منه سبحانه، فيزيدهم له حُبًّا، ولآلائه شكرًا. متى كانت التقوى كلمةً تُلفظ باللسان ولا تلامسُ الجَنان لم تنفَع صاحبَها، إنما التقوى النافعةُ هي التي تُصلح القلبَ الذي هو مَحَطُّ نظر الربِّ سبحانه. |
﴿مَّا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلَّا ٱلۡبَلَٰغُۗ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا تُبۡدُونَ وَمَا تَكۡتُمُونَ ﴾ [المائدة: 99]
ببلاغ الرسُل قامت على أقوامهم الحجَّة، واتَّضحَت للسالكين المَحجَّة، فلا عذرَ لمَن أعرض وقد أتاه البلاغُ المبين، عن طريق الرسُل أو حمَلةِ أمانتهم من أتباعهم الصادقين. |
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ تَعَالَوۡاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ قَالُواْ حَسۡبُنَا مَا وَجَدۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَآۚ أَوَلَوۡ كَانَ ءَابَآؤُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ شَيۡـٔٗا وَلَا يَهۡتَدُونَ ﴾ [المائدة: 104]
مـا أشبـهَ الليلةَ بالبـارحة؛ أولئك يُدعَون إلى دين الله وشرعِه فيعتذرون بالاكتفاء بدين الآباء، واليومَ يُدعى قومٌ لحكم الله وشرعه فيعتذرون بالاكتفاء بقوانين البشر! العالِم المهتدي هو مَن بنى قولَه على الحجَّة والدليل، وإلا فليس رأيُه بالذي يُحتَذى في سلوك سواء السبيل. مَن جمعَ العلمَ والاهتداء صحَّ أن يكونَ أهلًا للاقتداء، فعلمُه يكشف أصحَّ الطرق التي ينبغي أن تُقصَد، واهتداؤه يبيِّنُ للسالكين كيف تُسلَك. |
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ شَهَٰدَةُ بَيۡنِكُمۡ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ حِينَ ٱلۡوَصِيَّةِ ٱثۡنَانِ ذَوَا عَدۡلٖ مِّنكُمۡ أَوۡ ءَاخَرَانِ مِنۡ غَيۡرِكُمۡ إِنۡ أَنتُمۡ ضَرَبۡتُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَأَصَٰبَتۡكُم مُّصِيبَةُ ٱلۡمَوۡتِۚ تَحۡبِسُونَهُمَا مِنۢ بَعۡدِ ٱلصَّلَوٰةِ فَيُقۡسِمَانِ بِٱللَّهِ إِنِ ٱرۡتَبۡتُمۡ لَا نَشۡتَرِي بِهِۦ ثَمَنٗا وَلَوۡ كَانَ ذَا قُرۡبَىٰ وَلَا نَكۡتُمُ شَهَٰدَةَ ٱللَّهِ إِنَّآ إِذٗا لَّمِنَ ٱلۡأٓثِمِينَ ﴾ [المائدة: 106]
كم رخَّصَ في السفر من الأحكام، في الطهارة والصلاة والصيام، ومع ذلك يحثُّ في الوصيَّة على لزوم التمام، ويدعو إلى عدم التهاون فيها بالسفر؛ لِما يترتَّب عليها من المصالح. إذا كان الموتُ مصيبةً لا تخطئُ أحدًا من البشر فإن من الواجب عليهم الاستعدادَ لها، بأداءِ الحقوق كاملةً لأهلها؛ لله ولخلقه. ليتَ الصلاةَ تفعل في نفوس الناس فِعلَها الذي شُرِعَت له؛ إذن لما أنطقَتهم إلا بالصِّدق، ولما وجَّهَتهم في معاملاتهم إلا نحوَ الخير. الأوقات تتفاضلُ بما يكون فيها من العبادات، فمراعاةُ الحُرَم فيها إذ ذاك أجدر، والمخالفةُ فيها بالعقوبة أكبر. الإقســام بالله تعــالى يذكِّر المُقسِمَ بعظمة الله، فيخشى حينئـذٍ الميـلَ عـن الحقيقـة والإخبـارَ بخلافها، فمَـن عظُمَ اللهُ في قلبه سيصدقُ في قسَمه؛ فإن الله علَّام الغيوب. المؤمن لا يبيع آخرتَه بدنياه، فمهما بلغت فإنها متاعٌ قليل، لا يساوي شيئًا أمامَ الدين الذي به نَيلُ النعيم الكثير في الآخرة. الإحسان إلى ذوي القربى لا يتناول محاباتَهم في حقوقِ الناس، فمَن أحسنَ إليهم في ذلك فقد أساء إلى نفسه، وإلى أصحاب الحقوق. ألا تلاحظُ تعظيمَ اللهِ لأمر الشهادة إذ أضافها إلى نفسه؟ فعلى المسلمين الاعتناءُ بها، والقيامُ بالقِسطِ فيها، وألا يتركوا هذا الواجبَ المتعلِّقَ بحقوق الناس؛ فإن كتمانَ الحقِّ إثم. |
﴿مَا قُلۡتُ لَهُمۡ إِلَّا مَآ أَمَرۡتَنِي بِهِۦٓ أَنِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمۡۚ وَكُنتُ عَلَيۡهِمۡ شَهِيدٗا مَّا دُمۡتُ فِيهِمۡۖ فَلَمَّا تَوَفَّيۡتَنِي كُنتَ أَنتَ ٱلرَّقِيبَ عَلَيۡهِمۡۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدٌ ﴾ [المائدة: 117]
كيف سيلاقي اللهَ عبدٌ أعرضَ عن أوامره، بإعراضه عن أوامر أنبيائه الذين لا يَحيدون عن قول ربِّهم قِيدَ أنمُلة؟ ما أشقَّها على النفس يوم القيامة! أن يكونَ الرسول حَجيجَ المرء، يقول له: ألم أبلِّغك رسالةَ ربِّك؟ من لطف عيسى عليه السلام بأمَّته أن ذكرَ رعايته أمرَ توحيدهم حتى رفعَه الله تعالى، ثم أعرض عمَّا سوى ذلك وفوَّض الأمر إليه سبحانه. بؤسًا لمن جمعَ على نفسه شهادةَ الله وشهادةَ رسولِه، فأين يذهب بنفسه يوم القيامة؟ |
﴿وَهُوَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَفِي ٱلۡأَرۡضِ يَعۡلَمُ سِرَّكُمۡ وَجَهۡرَكُمۡ وَيَعۡلَمُ مَا تَكۡسِبُونَ ﴾ [الأنعام: 3]
لم تَخلُ السماواتُ ولا الأرضُ من عبادة الله تعالى، فمَن خرجَ عن نسقِ الكون كان نشازًا. إذا علِمَ العبدُ أن الله يعلم سرَّه وجهرَه، استحيا منه، فلم يـترُك أمـرَه، ولم يفعـل نهيَه، وإذا لم يُثمرِ العلمُ بذلك هذه الثمرةَ، فلا فائدةَ منه. |
﴿وَكَذَٰلِكَ فَتَنَّا بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لِّيَقُولُوٓاْ أَهَٰٓؤُلَآءِ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيۡهِم مِّنۢ بَيۡنِنَآۗ أَلَيۡسَ ٱللَّهُ بِأَعۡلَمَ بِٱلشَّٰكِرِينَ ﴾ [الأنعام: 53]
ليس من أَمارات كونِ الحقِّ حقًّا أن يكونَ السابقون إليه كُبَراءَ الناس، فإذا ما سبقَ الضعيفُ إليه فلا يكوننَّ ذلك سببًا للانصراف عنه؛ فإنه لا يأنَفُ من اتِّباع الحقِّ إذ ذاك إلا متكبِّرٌ مفتون. يا مَن منَّ الله عليه بنعمةِ الإيمان، اعرِف لهذه النعمةِ قدرَها، واشكره عليها، وأصلِح نفسَك واجعلها أهلًا لها. |
﴿۞ وَعِندَهُۥ مَفَاتِحُ ٱلۡغَيۡبِ لَا يَعۡلَمُهَآ إِلَّا هُوَۚ وَيَعۡلَمُ مَا فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِۚ وَمَا تَسۡقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعۡلَمُهَا وَلَا حَبَّةٖ فِي ظُلُمَٰتِ ٱلۡأَرۡضِ وَلَا رَطۡبٖ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَٰبٖ مُّبِينٖ ﴾ [الأنعام: 59]
مَن لا يَعزُبُ عن علمه من الأحوال ما لا ثوابَ فيه ولا عقاب؛ كسقوطِ ورقةٍ من نبتة، ووجودِ حَبَّة في بقعة نائيةٍ من كونه؛ فلن تغيبَ عنه أعمالُ عباده التي جرى عليها التكليف. مهمـا بلغَت علومُ البشر وعقـولُهم فلا يمكن أن تحيطَ بشيءٍ من علم الله تعالى إلا بما شاء. لم يعلَمها سبحانه فحسب؛ بل جعل ذلك في كتاب؛ زيادةً في ظهور علمه وقدرته، وحجَّة على أعمال عباده. |
﴿وَذَرِ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمۡ لَعِبٗا وَلَهۡوٗا وَغَرَّتۡهُمُ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَاۚ وَذَكِّرۡ بِهِۦٓ أَن تُبۡسَلَ نَفۡسُۢ بِمَا كَسَبَتۡ لَيۡسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّٞ وَلَا شَفِيعٞ وَإِن تَعۡدِلۡ كُلَّ عَدۡلٖ لَّا يُؤۡخَذۡ مِنۡهَآۗ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ أُبۡسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْۖ لَهُمۡ شَرَابٞ مِّنۡ حَمِيمٖ وَعَذَابٌ أَلِيمُۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡفُرُونَ ﴾ [الأنعام: 70]
دين الإسلام حقيقٌ بالتوقير، حريٌّ بالتقدير، فلا مكانَ فيه للَّهو واللعب فيما جاء به. العاقل هو من جعلَ همَّه ما يكتسبُه من الخيرات في الدنيا، لا مجرَّدَ الحياةِ فيها. إن اغترَّ الإنسان بما يعود عليه وَبالًا في أُخراه، فليعلم أنه قد خدعَته دنياه. مَن تدبَّر القرآنَ وعمل به لم يأسِره الاغترارُ بالحياة وزينتها، ولم تَفُته مراكبُ النجاةِ من مُهلكاتها. مَن اتخذ دينَه لهوًا ولعبًا نال المؤاخذةَ الأليمة، والفضيحةَ الجسيمة، والحبسَ عن الخير، والارتهانَ بالذنوب. لا عاقلَ يقبل بمكسَب دنيويٍّ مهما عظُم، إن كانت عاقبتُه تجرُّعَ الحميم، ومعاناةَ العذاب الأليم. |
﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِۦۖ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِينَ ﴾ [الأنعام: 117]
سبَق لله في الأزل علمُه بمَن يصلُح للهداية فهداه، ومَن يصلُح للغَواية فأغواه؛ بناءً على علمه وحكمته، فلا رادَّ لقضائه، ولا مُعقِّبَ لحُكمه. |
﴿وَمَا لَكُمۡ أَلَّا تَأۡكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ ٱسۡمُ ٱللَّهِ عَلَيۡهِ وَقَدۡ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيۡكُمۡ إِلَّا مَا ٱضۡطُرِرۡتُمۡ إِلَيۡهِۗ وَإِنَّ كَثِيرٗا لَّيُضِلُّونَ بِأَهۡوَآئِهِم بِغَيۡرِ عِلۡمٍۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُعۡتَدِينَ ﴾ [الأنعام: 119]
اسم الله تعالى يحمل الخيرَ والبركة، فبذكر اسمِه على الذبائح تَطِيب وتَحِلُّ، وبذكر اسمه على سائر الأمور تَسهُل ويصحَبُها التوفيق. رحمَ الله عبادَه فبيَّن لهم ما حرَّمَ عليهم، وجعله ضيِّقًا محدودا، وأباح لهم ما سواه وكان تيسيرًا ممدودا، فلله الحمدُ على تبيينه وتسهيله. الضالُّون عن شرع الله لا برهانَ لهم، ولا حُجَّةَ ظاهرة، بل شُبَهٌ قائمة، وأهواءٌ قاتمة. إخبار الله تعالى بعِلمه بالمُعتدين فيه من التهديد بالعقوبة ما فيه، فهم لن يُفلِتوا من قبضته، ولن يَنجُوا من محاسبته. |
﴿وَإِذَا جَآءَتۡهُمۡ ءَايَةٞ قَالُواْ لَن نُّؤۡمِنَ حَتَّىٰ نُؤۡتَىٰ مِثۡلَ مَآ أُوتِيَ رُسُلُ ٱللَّهِۘ ٱللَّهُ أَعۡلَمُ حَيۡثُ يَجۡعَلُ رِسَالَتَهُۥۗ سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ أَجۡرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعَذَابٞ شَدِيدُۢ بِمَا كَانُواْ يَمۡكُرُونَ ﴾ [الأنعام: 124]
عُداةُ الحقِّ ليسوا على حالٍ واحدة في أسلوب ردِّه؛ فمنهم من يتعلَّق بالمستحيلات ليقبلَ الحقَّ، لكنَّ النتيجة واحدة: الردُّ والتكذيب. سبحانَ مَن علِم أصحابَ القلوب الطاهرة الصالحة لحمل الأمانة، فاختارهم لرسالته! أفلا يستحقُّون منَّا الإجلالَ والإكرام؟ الطاعة عزٌّ ورِفعة، والمعصيةُ ذلٌّ وضَعة، فمَن تمرَّدَ على طاعة الله ورسولِه جُوزيَ بالصَّغار والهوان. ليشتدَّ الماكرون بالحقِّ وأهله ما شاؤوا وكيفما شاؤوا، ولكن عليهم ألا ينسُوا أن العذابَ الشديد ينتظرهم، ما لم تصِحَّ منهم توبة. |
﴿فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيۡهِم بِعِلۡمٖۖ وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ ﴾ [الأعراف: 7]
سبحانَ العليم الخبير؛ فقد سأل الأممَ عن أعمالها، وسأل الرسلَ عن تبليغِها، دون أن تَخفى عليه خافيةٌ من خَلقه! فماذا يُغني الجحودُ والإنكارُ عن صاحبه في ذلك اليوم؟! أحاط اللهُ بكلِّ شيء علمًا، بشهوده أحوالَ خلقه لا بوصولِ خبرِهم إليه؛ فهو شاهدٌ على كلِّ نفسٍ بما كسَبَت، محيطٌ بما أعلنَت وما أخفَت. |
﴿وَلَقَدۡ جِئۡنَٰهُم بِكِتَٰبٖ فَصَّلۡنَٰهُ عَلَىٰ عِلۡمٍ هُدٗى وَرَحۡمَةٗ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 52]
أحكام كتاب الله مبناها على علمٍ تامٍّ، ليس فيه من خطأ، فمَن استند إليه استند إلى برهانٍ قاطع، وحجَّةٍ ما لها من دافع. بمقدار ابتعاد المرء عن آيات القرآن، يكونُ ابتعادُه عن الهدى والرحمة والإيمان. |
﴿قَدِ ٱفۡتَرَيۡنَا عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا إِنۡ عُدۡنَا فِي مِلَّتِكُم بَعۡدَ إِذۡ نَجَّىٰنَا ٱللَّهُ مِنۡهَاۚ وَمَا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّعُودَ فِيهَآ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّنَاۚ وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيۡءٍ عِلۡمًاۚ عَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلۡنَاۚ رَبَّنَا ٱفۡتَحۡ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَ قَوۡمِنَا بِٱلۡحَقِّ وَأَنتَ خَيۡرُ ٱلۡفَٰتِحِينَ ﴾ [الأعراف: 89]
يا مَن ترومُ النجاةَ من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، الزم دينَك، واحذر الكفرَ وما يؤول إليه، فإنه شَرَكُ الشقاء الوخيم. الانتكاسة عن الحقِّ مخالفةٌ لطريق الاستقامة، ومجانبةٌ لجادَّة الهداية، وإعلانٌ بلسان الحال أن الصواب في غيرها، وذلك افتراءٌ على الله ودينه. مهما بلغ العبدُ من الإيمان والعمل فلا ينبغي أن يفارقَه الحذرُ من انقلاب الحال في المستقبل، فشأن الأنبياء والصالحين تعليقُ الأمور بمشيئة ربِّ العالمين. شعور المؤمن بكون شؤونه إلى مشيئة خالقه، يجعله يتواضع لربِّه ويتطامن بين يديه، ويدَعُ الركونَ إلى علمه وعمله في تحصيل نجاته، وإبعاد الآفات عن نفسه. تأدَّب مع مولاك مفوِّضًا علمَ المستقبل إليه، سائلًا إيَّاه دوامَ الإيمان به، مع يقينك بأنه مولاك ومولى عباده المؤمنين. يتوكَّل المؤمنُ في معركته مع الباطل على ربِّه وحدَه؛ لأنه يعرف أنه مصدرُ القوَّة والأمان، الذي يفصل بالحقِّ بين الإيمان والطغيان. |
﴿وَمَا يَتَّبِعُ أَكۡثَرُهُمۡ إِلَّا ظَنًّاۚ إِنَّ ٱلظَّنَّ لَا يُغۡنِي مِنَ ٱلۡحَقِّ شَيۡـًٔاۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِمَا يَفۡعَلُونَ ﴾ [يونس: 36]
تمنيةُ النفسِ بالأوهامِ والظنون التي لا تُبنَى على العلوم؛ لا تنفعُ ولا تُفيد، ولا هي من الأمرِ الرَّشيد. للعاقلِ أن يقفَ متعجِّبًا من أناسٍ كثيرين يَدَعون الحقائقَ واليقين والبراهين، ويتَّبعون الظنونَ والأوهام والتخمين! إخبارُ اللهِ تعالى بعلمه المحيطِ بالأفعال يجعلُ العاقلَ يُراقبُ أفعالَه حتى لا يكون فيها ما يُسخِطُ مولاه الذي سيحاسبُه عليها، بناءً على علمه الواسع بها. |
﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأۡنٖ وَمَا تَتۡلُواْ مِنۡهُ مِن قُرۡءَانٖ وَلَا تَعۡمَلُونَ مِنۡ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيۡكُمۡ شُهُودًا إِذۡ تُفِيضُونَ فِيهِۚ وَمَا يَعۡزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثۡقَالِ ذَرَّةٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِي ٱلسَّمَآءِ وَلَآ أَصۡغَرَ مِن ذَٰلِكَ وَلَآ أَكۡبَرَ إِلَّا فِي كِتَٰبٖ مُّبِينٍ ﴾ [يونس: 61]
إذا عملتَ العملَ الصالحَ فاستشعِر أن الله يراقبك وينظرُ إلى عملك، فأخلص له نيَّتَك، وأحسِن من أجله قُربتَك. علا اللهُ في السماءِ على عرشِه، ولم تخفَ عليه أحوالُ خلقه فوقَ أرضه، فأين يذهبُ العُصاةُ عن مراقبته وعِلمه؟! اعمل الخيرَ ولا تستصغِر منه مثقالَ ذرَّة، فما منه شيءٌ عند الله يَضِيع. |
﴿أَلَآ إِنَّهُمۡ يَثۡنُونَ صُدُورَهُمۡ لِيَسۡتَخۡفُواْ مِنۡهُۚ أَلَا حِينَ يَسۡتَغۡشُونَ ثِيَابَهُمۡ يَعۡلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعۡلِنُونَۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ ﴾ [هود: 5]
السرُّ عند الله تعالى كالعلَن، فهل يستطيع العبدُ إخفاءَ معصيته، وكتمانَ جَريرته؟ يا لها من موعظةٍ عظيمة! أن يستشعرَ المرءُ أن الله تعالى عالمٌ بكلِّ ما يعمله، لا تغيب عنه أفعالُ عباده طرفةَ عين، بل لا تغيب عنه مكنوناتُ الصدور وراء الثياب خلف البيوت. إذا ضمَّت الأسرارَ الصدور، فإنها لا تَخفى على العليم بكلِّ الأمور. |
﴿۞ وَمَا مِن دَآبَّةٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِ رِزۡقُهَا وَيَعۡلَمُ مُسۡتَقَرَّهَا وَمُسۡتَوۡدَعَهَاۚ كُلّٞ فِي كِتَٰبٖ مُّبِينٖ ﴾ [هود: 6]
لا تخَف على نفسك من ذهابِ الرزق، فإن رزقَك قد ضُمِنَ لك، ولكن خَف عليها من انحرافك عن طريقِ النجاة، فإن النجاةَ لم تُضمَن لك. ما من حركةٍ لمخلوقٍ من مخلوقاتِ اللهِ ولا سكَنةٍ، إلا وهي عند الله مكتوبة، فالسعيدُ من راقبَ حركاتِه وسكَناتِه. |
﴿عَٰلِمُ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ ٱلۡكَبِيرُ ٱلۡمُتَعَالِ ﴾ [الرعد: 9]
ألا يستحي العبد من عِصيان ربٍّ عالمٍ بكلِّ شيء؟ أفلا يعظِّم إلهًا أكبرَ من كلِّ شيء قدرًا وصفاتٍ وذاتًا؟ |
﴿سَوَآءٞ مِّنكُم مَّنۡ أَسَرَّ ٱلۡقَوۡلَ وَمَن جَهَرَ بِهِۦ وَمَنۡ هُوَ مُسۡتَخۡفِۭ بِٱلَّيۡلِ وَسَارِبُۢ بِٱلنَّهَارِ ﴾ [الرعد: 10]
قُل ما شئتَ في علنِكَ وسِرِّك، واعمل ما شئتَ في ليلك ونهارك، ولكن تذكَّر أن الله محيطٌ بكلِّ ذلك، ولا تخفى عليه خافيةٌ من أحوالك. |
﴿لَهُۥ مُعَقِّبَٰتٞ مِّنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَمِنۡ خَلۡفِهِۦ يَحۡفَظُونَهُۥ مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ وَإِذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِقَوۡمٖ سُوٓءٗا فَلَا مَرَدَّ لَهُۥۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَالٍ ﴾ [الرعد: 11]
ما يُصابُ العبدُ بأذى إلا بقَدرِ الله، ولا يسلمُ إلا بحفظه وأمره، ومَن حفظَه اللهُ لم يؤذه مخلوقٌ، ومَن تركَه فربما تسلَّطَ عليه أقربُ شيءٍ إليه. متى رأيتَ تكديرًا في حالك، فاذكر نعمةً ما شُكِرت، وزلةً فُعلِت، وغيِّر ما بنفسك يغيِّرِ اللهُ في أحوالك. لا يُزيلُ النِّعَم مثلُ كفرها، وإهمالِ أوامرِ المنعم بها، فعليك بالإحسان، واستجِدَّ بالدوامِ عليه عطاءَ الكريمِ المنَّان. التغيير الخارجيُّ يبدأ بالتغيير الداخليِّ، فإذا أردتَّ تغييرَ واقعك لصلاح دينك ودنياك فابدأ من قلبك. إن ربًّا يحفظ كلَّ ما يصدُر من العبد، ويتصرَّفُ فيه بما يشاء، ولا يردُّ أحدٌ أمرَه فيه؛ لجديرٌ بالرهبة، وإفرادِه بالعبادة. |
﴿وَكَذَٰلِكَ أَنزَلۡنَٰهُ حُكۡمًا عَرَبِيّٗاۚ وَلَئِنِ ٱتَّبَعۡتَ أَهۡوَآءَهُم بَعۡدَ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِيّٖ وَلَا وَاقٖ ﴾ [الرعد: 37]
جمعَ اللهُ تعالى في القرآن الكريم كمالَ المعنى فجعله حُكمًا، وجمالَ المبنى فأنزله عربيًّا مُبينًا، فأيُّ كتابٍ يبلغُ شأوَه؟! اتِّباعُ أهواءِ المشركين وتمويهاتِ المضلِّلين ممَّا نزل القرآنُ بالتحذير منه، لما له من أثرٍ في الصدِّ عن الحق. مَن أرادَ الظَّفرَ بوَلايةِ الله ومعيَّتِه فليدَع الأهواءَ، وليتبع وحيَ السماء. |
﴿وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَسۡتَ مُرۡسَلٗاۚ قُلۡ كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدَۢا بَيۡنِي وَبَيۡنَكُمۡ وَمَنۡ عِندَهُۥ عِلۡمُ ٱلۡكِتَٰبِ ﴾ [الرعد: 43]
يا صاحبَ الحقِّ لا تكترث لما يقول أعداؤك فيك، من نزع صفاتِ الثناء، وإلصاقِ التُّهَم التي أنت منها بَراء، بل يكفيك أن الله راضٍ عنك. أهل العلم محلٌّ للثقة وقولِ الحقيقة، فعليهم ألا يهبطوا عن هذه الرتبة العلِيَّة، بكتمان الحقِّ والشهادة بخلافه. ما أجلَّه من تناسبٍ بين مطلعِ السورة الذي يبدأُ بإثبات الرسالة، وختامِها الذي ينتهي بإنكارِ الكفارِ لها! |
﴿وَلَقَدۡ عَلِمۡنَا ٱلۡمُسۡتَقۡدِمِينَ مِنكُمۡ وَلَقَدۡ عَلِمۡنَا ٱلۡمُسۡتَـٔۡخِرِينَ ﴾ [الحجر: 24]
سبحان مَن كمَلت قدرتُه فلا يُفلت منه أحدٌ يطلبه، وكمَل علمُه حتى أحاط بكلِّ صغيرة وكبيرة ، فلا يغيب شيءٌ عن نظره! |
﴿وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعۡلِنُونَ ﴾ [النحل: 19]
توجَّه بقلبِك وعقلِك إلى مَن يعلم سريرتِك وعلانيتِك، وليس كذلك إلا اللهُ. |
﴿لَا جَرَمَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعۡلِنُونَۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡتَكۡبِرِينَ ﴾ [النحل: 23]
لن يحظى متكبرٌ بمحبة الله، فإن الله لا يحب إلا المتواضعين الخاضعين لجلاله. مَرَّ الحسينُ بنُ عليٍّ رضي الله عنهما على مساكينَ يأكلون، فدَعوه فأجابهم وأكلَ معهم، وتلا: ﴿إنه لا يحب المستكبرين﴾ ، ثم دعاهم إلى منزله، فأطعمَهم وأكرمَهم. |
﴿ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ ظَالِمِيٓ أَنفُسِهِمۡۖ فَأَلۡقَوُاْ ٱلسَّلَمَ مَا كُنَّا نَعۡمَلُ مِن سُوٓءِۭۚ بَلَىٰٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ ﴾ [النحل: 28]
الرَّزِيَّة كلُّ الرزيَّة أن يظلِمَ المرء نفسَه، ثم تُقبَضَ روحُه وقد خُتم له بذلك الوصف الشنيع. لا يَسَعُ المشركين بعد الدنيا غيرُ الاستسلام لأمرِ الله فيهم، فالإنكار لا ينفعُهم لدى علَّام الغيوب. |
﴿ٱدۡعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلۡحِكۡمَةِ وَٱلۡمَوۡعِظَةِ ٱلۡحَسَنَةِۖ وَجَٰدِلۡهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِۦ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِينَ ﴾ [النحل: 125]
ادعُ إلى سبيل ربِّك، لا إلى نفسك، فما أثمرت دعوةٌ بمثل إخلاص أصحابها، وكم من داعٍ لنفسه، وهو يحسَب أنه يدعو إلى الله! لا يُكتفى بالعلم في الدعوة، بل لا بدَّ من حكمةٍ وموعظة حسَنة، وإن الناس إلى قليلٍ من الحكمة أحوجُ منهم إلى كثيرٍ من العلم. من الحكمة الدعوةُ بالعلم، والبداءةُ بالأهمِّ والأقربِ إلى الفهم، ومن الموعظة الحسنة التنويعُ بين الترغيب والترهيب. الدعوة إلى الله كالدواء، وحاملُها كالطبيب، فعلى الطبيب أن يَرفُقَ بمرضاه، ويعطيَهم من الدواء ما يناسب حالَهم. أيها الداعيةُ، لا تظُنَّ أنك ستهدي كلَّ مَن تدعوه، وأن تلك مهمَّتُك، فاللهُ أعلم بالضالِّين والمهتدين، وهو من يَجزيهم أجمعين. |
﴿رَّبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمۡۚ إِن تَكُونُواْ صَٰلِحِينَ فَإِنَّهُۥ كَانَ لِلۡأَوَّٰبِينَ غَفُورٗا ﴾ [الإسراء: 25]
ليحذرِ الإنسانُ من أن يُظهر لوالديه البرَّ ويُضمر لهما الكراهة؛ فإن الله عليم بما يخفيه. مَن كان صالحًا منيبًا، محبًّا ما يقرِّب إلى ربه، فإنه -وإن جرى منه أحيانًا قصور- فإن الله يعفو عنه إن رجَع إليه من معصيته. |
﴿نَّحۡنُ أَعۡلَمُ بِمَا يَسۡتَمِعُونَ بِهِۦٓ إِذۡ يَسۡتَمِعُونَ إِلَيۡكَ وَإِذۡ هُمۡ نَجۡوَىٰٓ إِذۡ يَقُولُ ٱلظَّٰلِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلٗا مَّسۡحُورًا ﴾ [الإسراء: 47]
ما لم يكن السماعُ لطلب الحقِّ، فهو سماعٌ لا ينفع، بل تقومُ على صاحبه به الحجَّة. لولا أن المشركين وجدوا في القرآن ما ليس لبشرٍ أن يأتيَ بمثله ما نسبوا قائلَه إلى السحر، ولكنَّهم أدركوا تميُّزَه وتفوُّقَه. |
﴿رَّبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِكُمۡۖ إِن يَشَأۡ يَرۡحَمۡكُمۡ أَوۡ إِن يَشَأۡ يُعَذِّبۡكُمۡۚ وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ عَلَيۡهِمۡ وَكِيلٗا ﴾ [الإسراء: 54]
يخوض بعضُ الناس في حالِ غيره ومآله، في هدايته وضلاله، وإنما أمرُ ذلك كلِّه إلى الله الذي يملك القلوب، ويعلم الغيوب، فلندَع الأمرَ لصاحب الأمر. ليس الداعيةُ ربًّا على الخلائق، ولا رقيبًا عليهم، وهو لا يدري عاقبة نفسه، وهو مسؤولٌ عن دعوته لا عن حال مدعوِّيه، ولقد ارتاحت نفسٌ أدَّت ما عليها، وتركت همَّ ما ليس لها. |
﴿فَلَا تَعۡجَلۡ عَلَيۡهِمۡۖ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمۡ عَدّٗا ﴾ [مريم: 84]
إذا علم المظلومُ حكمة الله في إمهال الظالمين، وإرجاءِ عقوبة المجرمين، اطمأنت نفسُه، وخفَّ وجعه، وأشرقت حياته بنور التفاؤل واليقين. ويلٌ لمَن يعُدُّ اللهُ تعالى عليه ذنوبه وأعماله، ويتتبع حركاته وأقواله، ليحاسبه عليها. |
﴿لَّقَدۡ أَحۡصَىٰهُمۡ وَعَدَّهُمۡ عَدّٗا ﴾ [مريم: 94]
مَن أحاط علمًا بخلقه جميعًا، ولم تخفَ عليه حركاتهم ولا سكناتهم، فإنه -لا شكَّ- سيحاسبهم ويجازيهم. |
﴿وَكُلُّهُمۡ ءَاتِيهِ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ فَرۡدًا ﴾ [مريم: 95]
تذكَّر أيها الإنسان أنك ستَقدَم على ربك وحيدًا فريدًا، لا ناصر لك ولا مدافع عنك غير طاعتك واستقامتك، ورحمة الله بك إن كنت من أهل الإيمان والتوحيد. |
﴿وَإِن تَجۡهَرۡ بِٱلۡقَوۡلِ فَإِنَّهُۥ يَعۡلَمُ ٱلسِّرَّ وَأَخۡفَى ﴾ [طه: 7]
إخباره تعالى بعلمه سِرَّك وعلنَك دعوةٌ لك لإصلاح باطنك، وتصفية سريرتك؛ حتى تكونَ له باطنًا وظاهرًا كما يحبُّ، لا كما تحب. |
﴿إِنَّمَآ إِلَٰهُكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۚ وَسِعَ كُلَّ شَيۡءٍ عِلۡمٗا ﴾ [طه: 98]
إبطال الباطل مقدَّم على إحقاق الحق، وهو معنى كلمة التوحيد، وهكذا صنع موسى، فإنه أبطل الباطل وبيَّن عواره، ثم أحق الحق وأبدى كماله. |
﴿يَعۡلَمُ مَا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِۦ عِلۡمٗا ﴾ [طه: 110]
سبحان مَن يعلم سرَّ عباده ونجواهم، وماضيَ أعمالهم وما في مستقبلهم! فأين يذهب المرء عن علم الله تعالى؟ يحيط اللهُ بجميع الخلائق علمًا، ولا يحيطون به، فهذا كمال الخالق، وذلك عجز المخلوق. |
﴿قَالَ رَبِّي يَعۡلَمُ ٱلۡقَوۡلَ فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ ﴾ [الأنبياء: 4]
لا يضرُّك أن تجهل ما الذي يُحاك لك من مكر وكيد، إذا كنت واثقًا بأن العليم الحكيم سبحانه وتعالى هو مَن يدافع عنك. سبحان مَن يسمع كل شيء، ويعلم كل شيء من القول وغيره، فهو يسمع سر أعدائه، ويُبطل مكرهم، ويسمع ما ينسُبه إليه خلقه من حق أو باطل، فيعامل كلًّا بما يستحق! |
﴿يَعۡلَمُ مَا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡ وَلَا يَشۡفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ٱرۡتَضَىٰ وَهُم مِّنۡ خَشۡيَتِهِۦ مُشۡفِقُونَ ﴾ [الأنبياء: 28]
جميع أنواع العبادة حقٌّ خالص لجناب المولى جلَّ وعلا، لا يُصرف منها شيءٌ لأحدٍ من خلقه، سواء كان عبدًا صالحًا، أو ملَكًا مقربًا، أو نبيًّا مرسلًا. |
﴿وَلِسُلَيۡمَٰنَ ٱلرِّيحَ عَاصِفَةٗ تَجۡرِي بِأَمۡرِهِۦٓ إِلَى ٱلۡأَرۡضِ ٱلَّتِي بَٰرَكۡنَا فِيهَاۚ وَكُنَّا بِكُلِّ شَيۡءٍ عَٰلِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 81]
ما أعظم النعمةَ على سليمان بالريح عاصفةً ورُخاء! فهي في قوة اندفاعها عاصفة، وفي رقَّة نسيمها ولينها في سيرها بأمره رُخاء! عِلم اللهِ واسع لا يحيط به أحد، ولا يحُده شيء، فقد علَّم أنبياءه ما شاء، ولا يزال سبحانه يلهم عباده، ويَهديهم إلى عجائبَ علمية لم يقف عليها كثيرون، فسبحان العليم الخبير! |
﴿إِنَّهُۥ يَعۡلَمُ ٱلۡجَهۡرَ مِنَ ٱلۡقَوۡلِ وَيَعۡلَمُ مَا تَكۡتُمُونَ ﴾ [الأنبياء: 110]
إذا اشتدتِ الأصواتُ وتداخلت، ولم يعُدِ الناسُ قادرين على تمييز صوتٍ من صوت؛ لم يشغل مولانا سمعُ كلامِ متكلم منهم عن آخر. يا مَن تعلمُ أن الله تعالى مطَّلع على ما في الضمائر، هلا بذلت وُسعك في إخلاص العمل الباطن والظاهر؟ |
﴿أَلَمۡ تَعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۚ إِنَّ ذَٰلِكَ فِي كِتَٰبٍۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ ﴾ [الحج: 70]
أيُّ طُمَأنينة سيشعر بها المؤمنُ يوم القيامة حين يوقنُ أن اللطيف سبحانه عالمٌ بكلِّ ما عمله من أجله، وأيُّ خوف سيعتري الظالمَ حين يعلم أن الله قد أحاط علمًا بكلِّ أفعاله؟ |
﴿يَعۡلَمُ مَا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡۚ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ ﴾ [الحج: 76]
الله جلَّ وعلا هو الرقيب على صنيع أنبيائه، الشهيد على جواب أقوامهم، الحافظ لهم من كيد أعدائه، والناصر لجنابهم بين خلائقه. إلى الله مرجع عباده بعدما بلغتهم دعوةُ رسله، فمَن أجابهم فنعمَ المرجع الذي سيصير إليه، ومَن أعرض عنهم فبئس المآل الذي سيَقدُم عليه. |
﴿نُسَارِعُ لَهُمۡ فِي ٱلۡخَيۡرَٰتِۚ بَل لَّا يَشۡعُرُونَ ﴾ [المؤمنون: 56]
قال قتادةُ: (مُكِر واللهِ بالقوم في أموالهم وأولادهم، فلا تعتبرِ الناسَ بأموالهم وأولادهم، ولكن اعتبرهم بالإيمان والعمل الصالح). |
﴿ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ ٱلسَّيِّئَةَۚ نَحۡنُ أَعۡلَمُ بِمَا يَصِفُونَ ﴾ [المؤمنون: 96]
مما يعينك على أن تدفع بالتي هي أحسن علمُك بأن الله تعالى عالمٌ ومطَّلعٌ على عملك، وأنه لا يدع أولياءه نهبة لأعدائه. |
﴿أَلَآ إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ قَدۡ يَعۡلَمُ مَآ أَنتُمۡ عَلَيۡهِ وَيَوۡمَ يُرۡجَعُونَ إِلَيۡهِ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُواْۗ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمُۢ ﴾ [النور: 64]
لو عرَف المخالف لأمر الله تعالى قدرته تعالى عليه وعلى جميع ما في الكون، وعلمه سبحانه وتعــالى بكلِّ ما يفعل، وأنَّ وراء ذلك حسابًا وجزاءً؛ لانزجر. إن الضمان الأخير، والحارس الأمين للأوامر والنواهي والأخلاق والآداب التي فرضها الله في هذه السورة، هو تعليقُ القلوب والأبصار بالله، وتذكيرها بخَشيته وتقواه. |
﴿قُلۡ أَنزَلَهُ ٱلَّذِي يَعۡلَمُ ٱلسِّرَّ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ إِنَّهُۥ كَانَ غَفُورٗا رَّحِيمٗا ﴾ [الفرقان: 6]
مهما يُسِرُّ الذين يَكِيدون للنبي ﷺ ولِما جاء به من افتراء وكيد، فإن ذلك لا يعزُب عن علم الله تعالى، الذي لا يُعجِزه إبطال كيدهم وإزهاق أمرهم. انظر إلى سَعة حِلم الله ورحمته، حيث يدعو هؤلاء المشركين المفترين إلى التوبة والإنابة، حتى ينالوا رحمتَه وغفرانه، فما تظنُّه فاعلًا بأهل طاعته إن هَفَوا أو قصَّروا؟ |
﴿وَفَعَلۡتَ فَعۡلَتَكَ ٱلَّتِي فَعَلۡتَ وَأَنتَ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ ﴾ [الشعراء: 19]
التنقيب في تاريخ الدعاة الهُداة، واستخراج مَواطن الزلل، وبعثرة فعال الخطأ منهاجٌ فرعوني غرضه الإيذاء وتشويه السمعة. |
﴿قَالَ فَعَلۡتُهَآ إِذٗا وَأَنَا۠ مِنَ ٱلضَّآلِّينَ ﴾ [الشعراء: 20]
حين يكون توكُّل العبد على ربِّه صادقًا فإنه لا يبالي بتشغيب العدوَّ واتِّهامه، كما لا يَقِفه ما كان منه في ماضيه عن إحقاق الحقِّ في حاضره. لم يجادل موسى عليه السلام ولم يسوِّغ الخطأ، بل تجاوز تلك الفَعلةَ بالإقرار، واطمأنَّ بما سلف له من ربِّه من الإعذار، وما حباه به بعد الاستغفار. |
﴿فَفَرَرۡتُ مِنكُمۡ لَمَّا خِفۡتُكُمۡ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكۡمٗا وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلۡمُرۡسَلِينَ ﴾ [الشعراء: 21]
النفوسُ حين تحنِّكها التجارِب، وتصقُلها الشدائد في سبيل الحق، تستحقُّ فضل الله وهِباتِه. |
﴿ٱلَّذِي يَرَىٰكَ حِينَ تَقُومُ ﴾ [الشعراء: 218]
لقد كان رسول الله بمحل العناية من ربه، وبمكان الاهتمام به، فيراه وهو يتقرب إليه، فيُقبل الله عليه ويتقبل منه. |
﴿إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ ﴾ [الشعراء: 220]
أقبل على صلواتك، وقُم في جوف الليل بين يدَي ربِّك، واستشعر سمعَه لكلِّ ما نطق به فمك، فكم في تلك الصلواتِ من موجبات الرحمات. |
﴿أَلَّاۤ يَسۡجُدُواْۤ لِلَّهِ ٱلَّذِي يُخۡرِجُ ٱلۡخَبۡءَ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَيَعۡلَمُ مَا تُخۡفُونَ وَمَا تُعۡلِنُونَ ﴾ [النمل: 25]
عجبًا لأولئك القوم كيف تركوا عبادة إله يُنزل المطر من السماء فيخرج به النبات من الأرض، ويعلم ما تُسره نفوسهم وما تعلنه، ثم راحوا يعبدون الشمس من دونه؟! إن مَن يُخرج الخبء من الأرض يعلم ما تخبئه النفوس من الأمر، فمتى شاء أظهره، وإن كان المخلوق قد ستره. |
﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعۡلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمۡ وَمَا يُعۡلِنُونَ ﴾ [النمل: 74]
مَن علمَ النيات والدوافع الباطنة، فإنه لا تخفى عليه أعمال أهلها المعلنة، وذلك هو الرب العليم جل جلاله، الذي هو أهلٌ لأن يُعبد ويُخشى، ويراقَب في الباطن والظاهر. |
﴿وَمَا مِنۡ غَآئِبَةٖ فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ إِلَّا فِي كِتَٰبٖ مُّبِينٍ ﴾ [النمل: 75]
جلَّ الله تعالى الذي أحاط بكل شيء علمًا في سمائه وأرضه، وأثبت ذلك كله في كتابه، وما كتابة أعمال عباده في ذلك الكتاب إلا مظهر من مظاهر عدله سبحانه وتعالى. |
﴿وَرَبُّكَ يَعۡلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمۡ وَمَا يُعۡلِنُونَ ﴾ [القصص: 69]
أيها المؤمن؛ إذا كان ربك سبحانه هو المطَّلع على ما يضمره لك عدوك من الشر، أفتظن أنه يدَعك في المعركة وحدك؟ |
﴿إِنَّ ٱلَّذِي فَرَضَ عَلَيۡكَ ٱلۡقُرۡءَانَ لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٖۚ قُل رَّبِّيٓ أَعۡلَمُ مَن جَآءَ بِٱلۡهُدَىٰ وَمَنۡ هُوَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ ﴾ [القصص: 85]
ما أحسنَ التطمينَ من الربِّ الكريم لرسوله الأمين بأنه سيعود إلى مكةَ بعدما أُخرج منها! ليشيرَ بذلك إلى نصره وعلوِّ دينه حين يتحقَّق وعده الذي وعده. إذا ما أدَّى داعي الحقِّ رسالة ربِّه وبيَّنها أتمَّ البيان وأوضحَه، فلم يرَ ممَّن دعاه إلا التماديَ في العِناد والمراء فلا أحسنَ من المتاركة على تفويض أمر الاهتداء والضلال إلى الله تعالى. |
﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ فَإِذَآ أُوذِيَ فِي ٱللَّهِ جَعَلَ فِتۡنَةَ ٱلنَّاسِ كَعَذَابِ ٱللَّهِۖ وَلَئِن جَآءَ نَصۡرٞ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمۡۚ أَوَلَيۡسَ ٱللَّهُ بِأَعۡلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ ٱلۡعَٰلَمِينَ ﴾ [العنكبوت: 10]
كن صابرًا على إيمانك، ثابتًا على دينك، ولا يزعزعك عن ذلك أذى المؤذين، فتخشى ضررهم كما تخشى عذاب الله، بل اجعل خَشيتك لله وحده. عند الابتلاء تظهر قوة الإيمان من ضعفه، فمَن ثبت فذلك المؤمن حقًّا، ومَن خشي أذى الناس فسايرَهم في ضلالهم، ورضخَ لأمانيِّهم فذلك الذي سمى اللهُ وذمَّ. ثمةَ مَن يساير التيار الغالب، ويسفِّه مَن يعارضه من المؤمنين، حتى إذا جاء نصر الله تعالى والفتح، حاول أن يتصدر المشهد الجديد، مؤكِّدًا كذبًا ولاءه للحق وأهله. مؤمنــو الرخـــــاء والسَّعـة يُفتَضحون أيام الشدة والانهزام والضيق، حيـث ينكفئـون إلى الباطل المنتصر، فإذا ما اضمحل رجَعوا إلى المؤمنين وقالوا: ألم نكن معكم؟! الاعتبار بما في القلب، فالمنافق الذي يُظهر الإيمان ويُضمر الكفر هو كافر، والمؤمن المكرَه الذي يُظهر الكفر ويضمر الإيمان هو مؤمن. |
﴿وَلَيَعۡلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَيَعۡلَمَنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ ﴾ [العنكبوت: 11]
في علم الله تعالى بما في قلب المؤمن وعدٌ حسن له، وفي علمه بما في قلب الكافر والمنافق وعيدٌ شديد لهما، فرحم الله امرءًا أصلح باطنه. |
﴿إِنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ مِن شَيۡءٖۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ ﴾ [العنكبوت: 42]
هنالك قوَّة واحدة هي قوَّة الله، وما عداها من قوَّة الخلق فهو هزيلٌ واهن؛ مَن تعلَّق به أو احتمى فهو كالعنكبوت الضعيفة تحتمي ببيت واهٍ، فهي وما تحتمي به سواء. أشبهَ المشركون العنكبوت في الغرور بما أعدُّوه، وأشبهَ أولياؤهم بيتَ العنكبوت في عدم الغَناء عمَّن اتخذوها وقت الحاجة إليها، وزوالها بأقلِّ تحريك. أيُّ جهلٍ عند مَن يدَع عبادة الله تعالى القدير، الذي لا يفعل شيئًا إلا بحكمة وتدبير، ثم يعبد ما سواه ممَّن لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضَرًّا! مَن عرَف الله تعالى حقَّ معرفته لم يَركَن إلى غيره، ولم يلجأ إلا إلى عزيز جنابه، وأمَّا مَن احتمى بسوى الله فما أجهله بصفات مولاه! |
﴿ٱتۡلُ مَآ أُوحِيَ إِلَيۡكَ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَۖ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِۗ وَلَذِكۡرُ ٱللَّهِ أَكۡبَرُۗ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا تَصۡنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45]
لا تكون تلاوةُ القرآن الحقَّة إلا باتِّباع ما فيه، وتدبُّر معانيه، وإقامة أحكامه، وتصديق أخباره. الصلاة تعني أن ترحلَ عن خطاياك إلى الله؛ لتَخرجَ من درَكات العادة إلى درجات العبادة، وليتغيَّر طعم المنكر في قلبك فلا تجد له لذَّة، فالصلاةَ الصلاة؛ فإنها تصنعك. مَن لم تستمرَّ صَلاتُه في نهيه عن الفحشاء والمنكر فليراجع صلاته. بالصلاة تَدفع المكروهَ من الفحشاء والمنكر، وبها تحصِّل المحبوب. ذِكرُ الله سبحانه أكبر من أن يبقى معه فاحشةٌ ومنكر، بل إذا تمَّ الذكر محَقَ كلَّ خطيئة ومعصية. عن معاذ رضي الله تعالى عنه قال: (ما عملَ آدميٌّ عملًا أنجى له من عذاب الله من ذكر الله)، قالوا: يا أبا عبد الرحمن، ولا الجهادُ في سبيل الله؟ قال: (ولا؛ إلا أن يضربَ بسيفه حتى ينقطع؛ لأن الله تعالى يقول في كتابه: ﴿ولذكرُ الله أكبر﴾ ). لازمِ العمل كما يلازم الصانع صنعته، وأقِم الذكر حتى يصير لك طبعًا صحيحا، ومقصودًا صريحا. |
﴿قُلۡ كَفَىٰ بِٱللَّهِ بَيۡنِي وَبَيۡنَكُمۡ شَهِيدٗاۖ يَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۗ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱلۡبَٰطِلِ وَكَفَرُواْ بِٱللَّهِ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ ﴾ [العنكبوت: 52]
يكفي رسولَ اللهِ ﷺ شهادةً على صدقه أن الله تعالى يحميه ويؤيِّده، ويُجري على يديه المعجزات ويصدِّقه، فيا خسارةَ من كذَّبه وأعرض عن دعوته! كم يورثُ الإيمان بالحقِّ من ثبات وسكينة، ويقين وطُمَأنينة، وتلك من غنائم عباد الرحمن التي يخسرها الكافرون. |
﴿ٱللَّهُ يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦ وَيَقۡدِرُ لَهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ ﴾ [العنكبوت: 62]
سبحان مَن يعلم ما يصلح العباد وما يفسدهم، فيعطي بحسب ذلك أو يمنع، وكم رامَ بعضُ الأقوياء إغناءَ فقير وإفقار غني، فما استطاعوا، وما شاء الله كان! |
﴿يَٰبُنَيَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثۡقَالَ حَبَّةٖ مِّنۡ خَرۡدَلٖ فَتَكُن فِي صَخۡرَةٍ أَوۡ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَوۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَأۡتِ بِهَا ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٞ ﴾ [لقمان: 16]
لو أن شيئًا من أدقِّ الأجسام اختفى في أصلب مكان أو أقصاه وأعزِّه منالًا لعَلِمَه الله، فكيف بما هو أقوى منه في الظهور، أو أدنى من التناول؟ تربية الأولاد على مراقبة الله تعالى وإحاطة علمه بكلِّ شيء ممَّا ينبغي أن يهتمَّ به الآباء؛ لأن ذلك هو الحارسُ الدائم في السرِّ والعلن. مَن تفكَّر في لطف الله تعالى في علمه وخبرته، واطِّلاعه على البواطن والأسرار، وخفايا القِفار والبحار؛ ألبسه ذلك ثوبَ التعظيم والخشية، والطاعة والاستجابة. |
﴿وَمَن كَفَرَ فَلَا يَحۡزُنكَ كُفۡرُهُۥٓۚ إِلَيۡنَا مَرۡجِعُهُمۡ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ ﴾ [لقمان: 23]
لا تحزن إن تجرأ قومٌ على دعوة الحق وحاربوها، فإن مرجعهم إلى الله تعالى فيجازيهم، وهو الذي لا تخفى عليه ما تُكنه ضمائرهم. |
﴿إِن تُبۡدُواْ شَيۡـًٔا أَوۡ تُخۡفُوهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٗا ﴾ [الأحزاب: 54]
ليحذر الإنسان مخالفة ربِّه أو إيذاء رسوله في سرِّه وعلنه، فإن الله مُطَّلع على جميع أمره، محيط بكلِّ أحواله. مهما بالغ المرء في إخفاء ما في نيته، فإن الله سبحانه وتعالى يعلم ما ينويه من السوء الذي يخفيه ويُظهر خلافه، وسوف يجازيه على سيئ ما يكتمه. |
﴿يَعۡلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا يَخۡرُجُ مِنۡهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعۡرُجُ فِيهَاۚ وَهُوَ ٱلرَّحِيمُ ٱلۡغَفُورُ ﴾ [سبأ: 2]
لو أن أهل الأرض جميعًا وقفوا حياتهم كلَّها يتتبَّعون ويُحصون ما يقع في لحظة واحدة مما تشير إليه الآية لأعجزهم تتبُّعه وإحصاؤه عن يقين. كلُّ قلب وما فيه من خواطرَ ونيَّات، وما له من حركات وسكنات، هو تحت عين الله، وهو مع هذا يستُر ويغفِر، سبحانه وتعالى. |
﴿وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَا تَأۡتِينَا ٱلسَّاعَةُۖ قُلۡ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتَأۡتِيَنَّكُمۡ عَٰلِمِ ٱلۡغَيۡبِۖ لَا يَعۡزُبُ عَنۡهُ مِثۡقَالُ ذَرَّةٖ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَآ أَصۡغَرُ مِن ذَٰلِكَ وَلَآ أَكۡبَرُ إِلَّا فِي كِتَٰبٖ مُّبِينٖ ﴾ [سبأ: 3]
ما أشنعَ التكذيبَ بأمرٍ يردُّ الله تعالى على المكذبين به ردًّا عظيمًا، حتى يُقسمَ بنفسه المقدَّسة على ذلك! لو تفرَّقت العظام وتمزقت الأجسام، فإن الله تعالى عالمَ الغيب يعلم أين ذهبت وأين تفرَّقت، فيجمعها من أيِّ مكان صارت فيه، ويُرجعها إليه، فسبحان مَن لا تخفى عليه خافية! الله تعالى وحده أحاط علمًا بالجزئيَّات والكليَّات، والعظائم والمُحقَّرات، وأثبتها في كتاب مبين، وبعد ذلك يكون الجزاء على أعمال العباد بالثواب أو العقاب. |
﴿وَٱللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٖ ثُمَّ مِن نُّطۡفَةٖ ثُمَّ جَعَلَكُمۡ أَزۡوَٰجٗاۚ وَمَا تَحۡمِلُ مِنۡ أُنثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلۡمِهِۦۚ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٖ وَلَا يُنقَصُ مِنۡ عُمُرِهِۦٓ إِلَّا فِي كِتَٰبٍۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ ﴾ [فاطر: 11]
سبحان مَن يخلُق من الشيء اليسير الخلقَ الكبير، فمن ترابٍ كان أصل الإنسان، ومن نطفةٍ جاء هذا المخلوق بعد ذلك في كلِّ زمان. الزواج هو السبيل النقيُّ الذي جعله الله تعالى كفيلًا باستمرار النوع الإنساني. توقَّف قليلًا، واسرح بخيالك وتفكَّر كم من أنثى من آدميٍّ أو جانٍّ أو حيَوان في هذه الحال تحمل، وأخرى تضع، وثالثة تُجهض! كل هذا مغمورٌ في سَعة علم الله تعالى. قال عطاءٌ الخُراسانيُّ: (لا يذهب من عمُرِ إنسانٍ يومٌ ولا شهرٌ ولا ساعة إلا ذلك مكتوبٌ محفوظ معلوم). مَن كان كلُّ شيء عليه يسيرًا فهو المستحقُّ أن يكونَ هو المعبودَ حقًّا لا غيره. |
﴿إِنَّ ٱللَّهَ عَٰلِمُ غَيۡبِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ ﴾ [فاطر: 38]
أعمال العباد التي آلت ببعضهم إلى الجنَّة، وبآخرين إلى النار، بُنيت على سَعة علمه واطِّلاعه على غيب السماوات والأرض، وخُبره بذات الصدور، وذلك غائبٌ عن أبصار الخلق وعلمهم. |
﴿إِنَّا نَحۡنُ نُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَنَكۡتُبُ مَا قَدَّمُواْ وَءَاثَٰرَهُمۡۚ وَكُلَّ شَيۡءٍ أَحۡصَيۡنَٰهُ فِيٓ إِمَامٖ مُّبِينٖ ﴾ [يس: 12]
تفقَّد آثارك بعد موتِك، وأبقِ في صحيفتك ما يشفع لك بين يدَي ربِّك، فما أبعدَ البَونَ بين ظالمٍ وعادل، وبين داعيةٍ إلى بدعةٍ وآخر إلى سنَّة! |
﴿فَلَا يَحۡزُنكَ قَوۡلُهُمۡۘ إِنَّا نَعۡلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعۡلِنُونَ ﴾ [يس: 76]
طيبوا نفوسًا أيها المصلحون، ولا تبتئسوا لعداوة المبغضين وكيد الحاقدين؛ فإن الله محيط بعملهم، جليلًا كان أو حقيرا، صغيرًا أو كبيرا، وإنه مجازيهم به. أنعِم بها من تسلية للمؤمنين من ربِّهم العزيز الرحيم؛ إن أعداءكم في قبضته وهم لا يشعرون، وإنه يعلم ما يُسرُّون وما يعلنون. |
﴿قُلۡ يُحۡيِيهَا ٱلَّذِيٓ أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٖۖ وَهُوَ بِكُلِّ خَلۡقٍ عَلِيمٌ ﴾ [يس: 79]
فنَّد القرآن شُبَه المشكِّكين، وأجاب عن تشكيك الملحدين، وردَّ أباطيل المكذِّبين، وحسبُنا به حُجَّةً دامغة، تعلو ولا يُعلى عليها. إن الذي خلق الخلق وعلم مبتدأهم ومنتهاهم، وما سيصيرون إليه بعد فنائهم لقادرٌ على بعثهم وردِّهم، فمنهم مستعدٌّ للجزاء، وغافلٌ عن القضاء. |
﴿إِن تَكۡفُرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمۡۖ وَلَا يَرۡضَىٰ لِعِبَادِهِ ٱلۡكُفۡرَۖ وَإِن تَشۡكُرُواْ يَرۡضَهُ لَكُمۡۗ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُم مَّرۡجِعُكُمۡ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ ﴾ [الزمر: 7]
إن الله غنيٌّ عن عباده وطاعتهم، ولكنه لكمالِ رأفته بهم يحبُّ الطاعةَ منهم، لإكرامهم والتفضُّل عليهم. عن قَتادة قال: (والله ما رضيَ الله لعبده ضلالةً، ولا أمره بها ولا دعا إليها، ولكن رضي لكم طاعتَه وأمركم بها). شتَّانَ بين رضا الناس ورضا خالق الناس، فهنيئًا للشاكرين لأنعُم الله، الفائزين برضاه؛ فإنه نعمَ الفوز. كلُّ نفس مَجزيَّة عن عملها، لا يَضِيرها إفساد المفسد، كما لا ينفعها إحسانُ المحسن، فإيَّاك أن تتعلَّق بعمل غيرك، ولكن أحسِن يُحسَن إليك. |
﴿وَوُفِّيَتۡ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا عَمِلَتۡ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِمَا يَفۡعَلُونَ ﴾ [الزمر: 70]
قال بعضُ السلف: (صحائف الأعمال وُضعت بأيدي العمَّال) فأصلِح غرسَك، وأحسِن سقيَك، ليَطيبَ ثمرُك ويَحلوَ جَنيُك. إن الله مُحيطٌ بعملنا دقيقِه وجليله؛ حتى اللفتة والنظرة والهمزة والغمزة، ألا فلنحاسِب أنفسَنا قبل أن يحاسبَنا ربُّنا. |
﴿يَوۡمَ هُم بَٰرِزُونَۖ لَا يَخۡفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِنۡهُمۡ شَيۡءٞۚ لِّمَنِ ٱلۡمُلۡكُ ٱلۡيَوۡمَۖ لِلَّهِ ٱلۡوَٰحِدِ ٱلۡقَهَّارِ ﴾ [غافر: 16]
يا له من مشهد مَهول؛ يوم يَبرُز الناسُ لربِّهم للحساب والجزاء، بلا ساتر ولا حاجز ولا وِقاء، لا يخفى على الله من عملهم شيء! أيُّ سؤال يقرع آذانَ المشركين قرعًا، ويدُكُّ سلطان الجبَّارين دكًّا، فأين مُلك الشركاء من دون الله الواحد الأحد؟ وأين جبَروت الجبَّارين أمام قدرة الله القويِّ القهَّار؟ |
﴿يَعۡلَمُ خَآئِنَةَ ٱلۡأَعۡيُنِ وَمَا تُخۡفِي ٱلصُّدُورُ ﴾ [غافر: 19]
حتى النظرة تختلسها العين اختلاسًا يعلمها الله ويحصيها، فسبحان الله العظيم الذي ﴿لا تُدرِكُه الأبصارُ وهو يُدرِكُ الأبصارَ وهُوَ اللطيفُ الخبير﴾ . العين الخائنة تجتهد في إخفاء خيانتها، ولكن هيهاتَ أن تخفى عن الله، والسرُّ المستور تخفيه الصدور، ولكنَّه لعلم الله مكشوفٌ مشهور. |
﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يُلۡحِدُونَ فِيٓ ءَايَٰتِنَا لَا يَخۡفَوۡنَ عَلَيۡنَآۗ أَفَمَن يُلۡقَىٰ فِي ٱلنَّارِ خَيۡرٌ أَم مَّن يَأۡتِيٓ ءَامِنٗا يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ ٱعۡمَلُواْ مَا شِئۡتُمۡ إِنَّهُۥ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [فصلت: 40]
آياتُ الله حقٌّ وهدًى، فمَن مالَ عنها إلى الضلالة، فقد مالَ بنفسه إلى المهالك. يا له من تهديد لمَن عقَل! إن الله بصيرٌ بعملكم، عليمٌ بظاهركم وباطنكم، وقد أعلمكم مصيرَ المحسن والمسيء، فليختَر أحدُكم ما يشاء. |
﴿۞ إِلَيۡهِ يُرَدُّ عِلۡمُ ٱلسَّاعَةِۚ وَمَا تَخۡرُجُ مِن ثَمَرَٰتٖ مِّنۡ أَكۡمَامِهَا وَمَا تَحۡمِلُ مِنۡ أُنثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلۡمِهِۦۚ وَيَوۡمَ يُنَادِيهِمۡ أَيۡنَ شُرَكَآءِي قَالُوٓاْ ءَاذَنَّٰكَ مَا مِنَّا مِن شَهِيدٖ ﴾ [فصلت: 47]
إذا كان كثيرٌ من الأمور المشاهَدة القريبة منَّا لا يعلم حقيقتَها وكُنهَها إلا اللهُ تعالى، فما الظنُّ بالقيامة وميعادها؟ ألا فلنتهيَّأ لها قبل أن تَدهمَنا على غِرَّة. شتَّانَ بين أدعياء الغيب المتخرِّصين وبين علم الله للغيب بتفاصيله ودقائقه؛ متى يظهر وكيف يتجلَّى؛ ﴿وعندَهُ مَفاتِحُ الغَيبِ لا يعلَمُها إلَّا هو﴾ . خيرٌ لك أيُّها العبدُ أن تُعرضَ عن الأباطيل والسيِّئات، وأن تعملَ للحقِّ ولما هو آت، قبل أن تقفَ موقفًا لا ينفع فيه جدال، ولا يُغني قيلٌ ولا قال. |
﴿وَلَئِنۡ أَذَقۡنَٰهُ رَحۡمَةٗ مِّنَّا مِنۢ بَعۡدِ ضَرَّآءَ مَسَّتۡهُ لَيَقُولَنَّ هَٰذَا لِي وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَآئِمَةٗ وَلَئِن رُّجِعۡتُ إِلَىٰ رَبِّيٓ إِنَّ لِي عِندَهُۥ لَلۡحُسۡنَىٰۚ فَلَنُنَبِّئَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنۡ عَذَابٍ غَلِيظٖ ﴾ [فصلت: 50]
على المِحَكِّ تُعرف معادنُ الرجال، وفي المحَن والملمَّات تظهر حقائقُ النفوس، فما أكثرَ المتحوِّلين مع النِّعَم؛ بطرًا إن توفَّرت، وقنوطًا إن افتُقدت. بعض الناس يتَّخذون من حِلم الله عليهم درَكًا إلى أحطِّ الأعمال، طامعين في مغفرته مع إصرارهم على الآثام، غافلين عن أنه سبحانه شديدُ الانتقام. |
﴿أَلَآ إِنَّهُمۡ فِي مِرۡيَةٖ مِّن لِّقَآءِ رَبِّهِمۡۗ أَلَآ إِنَّهُۥ بِكُلِّ شَيۡءٖ مُّحِيطُۢ ﴾ [فصلت: 54]
سُبحان ربِّنا من إله عظيم عليم! فبقدرته سيجمع العبادَ للحساب، وبعلمه وإحاطته بأعمالهم سيُثيبهم أو يعاقبهم. |
﴿أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبٗاۖ فَإِن يَشَإِ ٱللَّهُ يَخۡتِمۡ عَلَىٰ قَلۡبِكَۗ وَيَمۡحُ ٱللَّهُ ٱلۡبَٰطِلَ وَيُحِقُّ ٱلۡحَقَّ بِكَلِمَٰتِهِۦٓۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ ﴾ [الشورى: 24]
عادة المبطلين الافتراءُ على المؤمنين المصلحين، في كلِّ زمان وحين، وهذا رسولُ الله ﷺ وهو الصادقُ الأمين، لم يَسلَم من أباطيل المفسدين. من جملة إحقاق الحقِّ أن يُقيَّضَ له الباطلُ، فإذا قاومه صـالَ عليـه الحـقُّ ببراهينـه وبيِّناته، فظهر من نوره وهداه ما به يضمحلُّ الباطل وينقمع. مهمـا أخفيـتَ من حقيقـة حالك، وأســررتَ مـن نيَّتـك ومقالك، فإن الله عليمٌ بذلك كلِّه، وهـــو مطَّلـع على ظاهـــرك وخفيِّ جَنانك. |
﴿وَهُوَ ٱلَّذِي يَقۡبَلُ ٱلتَّوۡبَةَ عَنۡ عِبَادِهِۦ وَيَعۡفُواْ عَنِ ٱلسَّيِّـَٔاتِ وَيَعۡلَمُ مَا تَفۡعَلُونَ ﴾ [الشورى: 25]
بادِر أيُّها المذنبُ إلى التوبة، فإن الله أفرحُ بتوبتك من فرح مَن حازَ الدنيا بحذافيرها بعد فقر وعُدم. يرجِع التائب من ذنبه كيوم ولدته أمُّه طاهرًا نقيًّا؛ فضلًا من الله وعفوًا، ورحمةً وحِلمًا، فلله الحمدُ حتى يرضى. حتى التوبةُ منها النَّصُوحُ المقبول، ومنها غير ذلك، فاحرِص على تمام التوبة بالصدق والإخلاص، فإن الله أدرى بك من نفسك. |
﴿أَوۡ يُزَوِّجُهُمۡ ذُكۡرَانٗا وَإِنَٰثٗاۖ وَيَجۡعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيمًاۚ إِنَّهُۥ عَلِيمٞ قَدِيرٞ ﴾ [الشورى: 50]
مَن أيقن بأنه مُلكٌ من مُلك الله، وأن أمر الخلق إلى ربِّه، وليس إلى اختياره وهواه؛ لزم حصنَ التسليم، لأمر الخالق العظيم، ورضي بما قسمه الله له من العطاء والهبة. الذكور والإناث من هبة الله ونعمته، وقد ضلَّ مَن حذا حذوَ الجاهليِّين بكراهة البنات، ولم يفرح بنعمة الله، ولم يَرضَ بمشيئته واختياره له. هل من بَلسَم أبلغُ شفاء وتطييبًا للخواطر من هذا البلسم؟ إن كلَّ ما يؤتاه العبدُ إنما هو بتقدير الله العليم بما فيه خيرُه وصلاحُه. إن الله سبحانه قديرٌ على خلق ما يشاء، وإعطاء مَن يشاء، ومنع مَن يشاء، ومَن عُبدوا من دونه عاجزون، لا يخلُقون شيئًا ولا يَهَبُون، ولا يمنعون من أمر الله شيئًا ولا يستطيعون، فماذا تقول فيمَن يتقرَّب إليهم ويسألهم الأولاد؟! |
﴿أَمۡ يَحۡسَبُونَ أَنَّا لَا نَسۡمَعُ سِرَّهُمۡ وَنَجۡوَىٰهُمۚ بَلَىٰ وَرُسُلُنَا لَدَيۡهِمۡ يَكۡتُبُونَ ﴾ [الزخرف: 80]
ما أقبحَ مَن يستخفي من نظر الناس، ويبارز ربَّه في خلوته بالمعاصي والمنكرات! استهان بنظر الله له فهان على الله تعالى. إذا علم المرء إحاطةَ علم الله بأقواله وأفعاله، وشهوده جميعَ أحواله، فلن يُقدِمَ على أمر يسوءُه في مآله. |
﴿فَٱعۡلَمۡ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱللَّهُ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لِذَنۢبِكَ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۗ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مُتَقَلَّبَكُمۡ وَمَثۡوَىٰكُمۡ ﴾ [محمد: 19]
العلم بالله تعالى وصفاته يَغرِسُ في قلب المؤمن اليقينَ بكلِّ ما أخبرَ به تعالى من إنجاز وعده ونصرة أوليائه. التوحيد أشرفُ الأعمال وأجلُّها، ولا يقوم عملٌ إلا به، ولا ينفع المرءَ ما أتى من الصالحات ما لم يكن قد أتى به أولًا. إذا علم المرء قَدْر ربِّه وأنه تعالى أحقُّ مَن دُعي، أخلص له بالدعاء والاستغفار والإنابة والاعتذار. لا يزال الناس في تقلُّبهم في هذه الحياة، لا يَقَرُّون ولا يستقرُّون إلى أن يُوافوا موضعَ مَقرِّهم وإقامتهم في الدار الآخرة. |
﴿وَلَوۡ نَشَآءُ لَأَرَيۡنَٰكَهُمۡ فَلَعَرَفۡتَهُم بِسِيمَٰهُمۡۚ وَلَتَعۡرِفَنَّهُمۡ فِي لَحۡنِ ٱلۡقَوۡلِۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ أَعۡمَٰلَكُمۡ ﴾ [محمد: 30]
ما امتلأ قلبٌ بشيء إلا أظهرته أقوالُ صاحبه وأعماله ولو بعد حين. ينبغي للعبد أن يحقِّقَ في عمله الإخلاصَ والصدق، وألا يجعلَ همَّه ثناءَ الناس على عمله، فإن الله يعلم أعماله. |
﴿قُلۡ أَتُعَلِّمُونَ ٱللَّهَ بِدِينِكُمۡ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ ﴾ [الحجرات: 16]
إن الله لا ينتظر حصولَ علم له من مخلوقاته، فهو العليمُ الخبير الذي أحاط بعلم الخلق سرِّهم وجهرهم، ظاهرِهم وباطنهم. |
﴿إِنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ غَيۡبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ ﴾ [الحجرات: 18]
يذكِّر الله عباده بعلمه بأحوالهم في الغيب والشهادة ليُدخلَ الرهبةَ في القلوب، ويدفَع المؤمنَ لمراعاة أعماله التي لا تخفى على ربِّه تعالى. |
﴿قَدۡ عَلِمۡنَا مَا تَنقُصُ ٱلۡأَرۡضُ مِنۡهُمۡۖ وَعِندَنَا كِتَٰبٌ حَفِيظُۢ ﴾ [ق: 4]
أحاط الله سبحانه بكلِّ شيء علمًا؛ وهيهاتَ يَعزُب عنه شيءٌ من أحوال خَلقه. أنَّى للمؤمن أن يحيدَ عن الصِّراط، وقد علم أن الكتاب حافظٌ لكلِّ صغيرة وكبيرة من عمله؟! |
﴿وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ وَنَعۡلَمُ مَا تُوَسۡوِسُ بِهِۦ نَفۡسُهُۥۖ وَنَحۡنُ أَقۡرَبُ إِلَيۡهِ مِنۡ حَبۡلِ ٱلۡوَرِيدِ ﴾ [ق: 16]
قد علم الله سبحانه ما يُكنُّه صدرُك، وما يَجول في ضميرك ونفسك، فحذارِ أن يطَّلعَ منك على ما لا يُرضيه. |
﴿نَّحۡنُ أَعۡلَمُ بِمَا يَقُولُونَۖ وَمَآ أَنتَ عَلَيۡهِم بِجَبَّارٖۖ فَذَكِّرۡ بِٱلۡقُرۡءَانِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ ﴾ [ق: 45]
أيها الدعاةُ، إنما وظيفتكم تبليغُ رسالة الإسلام وتبيينُ شرع الله، وهو سبحانه أعلمُ بخصومكم، وعند الله تجتمعُ الخصوم. القرآن تبصرةٌ وعِظة، فيه الحجَّةُ البالغة والموعظةُ البليغة، ولكن هيهاتَ أن ينتفعَ به إلا من يخافُ الوعيد، ويطمعُ بالموعود. |
﴿عَلَّمَهُۥ شَدِيدُ ٱلۡقُوَىٰ ﴾ [النجم: 5]
على قَدر أهل العزم تأتي العزائمُ، فلا ترضَ إلا أن تكونَ قويًّا في دينك، أمينًا في دعوتك، ذا عزيمة وهمَّة. |
﴿ٱلَّذِينَ يَجۡتَنِبُونَ كَبَٰٓئِرَ ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡفَوَٰحِشَ إِلَّا ٱللَّمَمَۚ إِنَّ رَبَّكَ وَٰسِعُ ٱلۡمَغۡفِرَةِۚ هُوَ أَعۡلَمُ بِكُمۡ إِذۡ أَنشَأَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ وَإِذۡ أَنتُمۡ أَجِنَّةٞ فِي بُطُونِ أُمَّهَٰتِكُمۡۖ فَلَا تُزَكُّوٓاْ أَنفُسَكُمۡۖ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰٓ ﴾ [النجم: 32]
مَن جعل دأبَه كفَّ نفسه عن الفواحش والمنكرات، واجتنابَ الكبائر والموبقات، كان من الصالحين المحسنين، المستحقِّين لجليل المَكرُمات. إن الله أعلمُ بعباده، فلا حاجةَ إلى أن تُعلنَ بعملك وتجهرَ بفضلك، فالزكيُّ مَن زكَّاه ربُّه لا من زكَّى نفسَه. قال الحسن: (علمَ الله من كلِّ نفسٍ ما هي عاملة، وما هي صانعة، وما هي إليه صائرة). إن وجدتَّ نفسَك على خير وطاعة فإيَّاكَ أن تغترَّ فيُصيبَك العُجب بعملك، ولكن ازدَد لله تواضعًا وشكرًا، واسأله دوامَ الثبات. |
﴿هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ يَعۡلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا يَخۡرُجُ مِنۡهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعۡرُجُ فِيهَاۖ وَهُوَ مَعَكُمۡ أَيۡنَ مَا كُنتُمۡۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ ﴾ [الحديد: 4]
إن الله قادرٌ أن يخلقَ الكونَ بما فيه بقول (كُن)، ولكن لعله سبحانه أراد بحكمته توجيهَ خَلقه إلى الاتِّئاد والتأنِّي. متى تيقَّنتَ أن الله معك، أدركتَ أنه عالمٌ بحالك، سميعٌ لأقوالك، بصيرٌ بأفعالك، فاحذَر أن يسمعَ منك أو يبصرَ ما لا يُرضيه. إن ضاقت بك السُّبل، وادلهمَّت الخطوب، واستوحشتَ من تخلِّي القريب والبعيد، فتذكَّر أن الله معك؛ لتطيبَ نفسُك، وينشرحَ صدرُك. |
﴿يُولِجُ ٱلَّيۡلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلَّيۡلِۚ وَهُوَ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ ﴾ [الحديد: 6]
كما جلَّت عظمةُ ربِّنا في تصريف الليل والنهار، جلَّ علمُه بما تُكنُّه الصدور وتُخفيه، فلنكن منه على حذَر. إنَّ الذي أحاط بأعمال عبده الظاهرة لمحيطٌ بما يُضمره في نفسه من نيَّات، فأخلص نيَّتك لربِّك يُقبَل عملُك، وينجح قصدُك. |
﴿مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِيٓ أَنفُسِكُمۡ إِلَّا فِي كِتَٰبٖ مِّن قَبۡلِ أَن نَّبۡرَأَهَآۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ ﴾ [الحديد: 22]
سبقَ قضاء الله بكلِّ ما كان ويكون، فلا تذهَب نفسُك حسرةً وكمدًا، بل أطفئ نارَ مواجعك ببَرد اليقين، واخضع لأمر الله بالرِّضا والتسليم. الإيمانُ بالقدَر والتسليمُ له عن رضًا وطِيب خاطر، بَلسَمٌ لنفس المسلم يشفيها من أدوائها. |
﴿أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۖ مَا يَكُونُ مِن نَّجۡوَىٰ ثَلَٰثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمۡ وَلَا خَمۡسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمۡ وَلَآ أَدۡنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَآ أَكۡثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمۡ أَيۡنَ مَا كَانُواْۖ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُواْ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٌ ﴾ [المجادلة: 7]
أعظمُ ما يبعث على الإحسان والتقوى: استشعارُ العبد رقابةَ الله تعالى ومعيَّتَه له، وعلمَه بظاهره وباطنه في كلِّ حال. كلُّ ما يُسرُّه المتناجون وينعزلون به ليُخفوه، سيُعرَض على الأشهاد يوم القيامة، وينبِّئهمُ الله به في الملأ الأعلى في يوم عظيم مشهود. مهما دبَّر الحاقدون من المكايد للمسلمين في خَلَواتهم، واحتاطوا بإخفاء خُطَطهم وتدابيرهم، فإنَّ الله مطَّلعٌ على ضمائرهم، ومحيطٌ بسرائرهم. |
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمۡ أَوۡلِيَآءَ تُلۡقُونَ إِلَيۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ وَقَدۡ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُم مِّنَ ٱلۡحَقِّ يُخۡرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِيَّاكُمۡ أَن تُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ رَبِّكُمۡ إِن كُنتُمۡ خَرَجۡتُمۡ جِهَٰدٗا فِي سَبِيلِي وَٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِيۚ تُسِرُّونَ إِلَيۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ وَأَنَا۠ أَعۡلَمُ بِمَآ أَخۡفَيۡتُمۡ وَمَآ أَعۡلَنتُمۡۚ وَمَن يَفۡعَلۡهُ مِنكُمۡ فَقَدۡ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ ﴾ [الممتحنة: 1]
يا له من نداء وَدود ينادي الله به عبادَه واصفًا إيَّاهم بأعظم صفة ألا وهي الإيمان، فحريٌّ بنا أن نكونَ أهلًا لها، وألا نقترفَ ما يُنافيها. لا يكون العبدُ مؤمنًا حقًّا حتى يقيمَ على إيمانه دليلًا، ومن أظهر الأدلَّة على الإيمان، مخالفةُ أهل الكفر والعصيان. مَن كان عدوًّا لله فهو بلا ريب عدوٌّ للمؤمنين، ولا ينقضي العجَب ممَّن يبَرُّ وينصر عدوَّه على نفسه وإخوانه! إذا كان أوَّلَ الضلال الجنوحُ عن الصِّراط، فإن موالاة أعداء الله قد تبدأ بالودِّ لهم والمبالغة في التودُّد إليهم. خيرٌ لك ألا تفعلَ في السرِّ ما تستحي منه في العلن، وألا تُخفيَ عن الناس ما تخشى أن يظهرَ لهم، فإن ربَّك عالمٌ بظاهرك وباطنك وبما تُعلن وتخفي. دَيدَنُ المجرمين الحاقدين، فتنةُ المؤمنين المحسنين، ولكنَّ أهل الحقِّ أبدًا في ثبات ويقين، مهما أُوذوا أو شُرِّدوا على مَدار السنين. |
﴿يَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَيَعۡلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعۡلِنُونَۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ ﴾ [التغابن: 4]
قد يُخفي بعض الناس سوء طويَّته عن الآخرين، فيخدَعُهم ويغشُّهم، ولكن هيهاتَ أن يخدعَ بذلك مَن يعلم السرَّ وأخفى. على العاقل اللبيب أن يحرِصَ على حفظ باطنه من الأخلاق الرذيلة، كحِرصه على تحسين ظاهره بالفِعال الجميلة. راقب نيَّتك أيها العبدُ في كلِّ ما تأتي من عمل وتذَر، فإن الله مطَّلعٌ عليها كما يطَّلع الناس على ظاهر عملك. |
﴿ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖ وَمِنَ ٱلۡأَرۡضِ مِثۡلَهُنَّۖ يَتَنَزَّلُ ٱلۡأَمۡرُ بَيۡنَهُنَّ لِتَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدۡ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عِلۡمَۢا ﴾ [الطلاق: 12]
يدرك العاقلُ المتأمِّل في أحكام الله أنَّ الذي أنزل هذه الشريعةَ المُحكَمة لا بدَّ أنه ربٌّ عظيم حكيم، كاملٌ في قدرته وصفاته. شعورُ الإنسان بعلم الله المطلَق، واستحضارُ أنه تعالى خبيرٌ بكلِّ شيء هو الضمانُ لرهافة الإحساس، ومراقبة الله في الخلَوات والجلَوات. إن الله الذي أنزل إليكم أحكامَ الطلاق وغيرَها، قد أحاط بكلِّ شيء علمًا، فهو أعلم بما يُصلح شؤونكم، ويُقيم أمركم، فلا تتعدَّوا حدودَه. |
﴿وَإِذۡ أَسَرَّ ٱلنَّبِيُّ إِلَىٰ بَعۡضِ أَزۡوَٰجِهِۦ حَدِيثٗا فَلَمَّا نَبَّأَتۡ بِهِۦ وَأَظۡهَرَهُ ٱللَّهُ عَلَيۡهِ عَرَّفَ بَعۡضَهُۥ وَأَعۡرَضَ عَنۢ بَعۡضٖۖ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِۦ قَالَتۡ مَنۡ أَنۢبَأَكَ هَٰذَاۖ قَالَ نَبَّأَنِيَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡخَبِيرُ ﴾ [التحريم: 3]
قِوامُ الحياة الزوجيَّة الثقةُ المتبادلة بين الزوجين، وممَّا يدعِّم أركانَ الثقة كتمانُ أحدهما أسرار الآخَر. ما استمرَّت الألفةُ والمحبَّة إلا على أساس من إقالة العثَرات، والتغاضي عن الزلَّات. قيل: (تسعةُ أعشار العافية في التغافُل). فما أجملَه مع زوجةٍ وولدٍ ومحبٍّ، ومن قبلُ قال عليٌّ رضي الله عنه: (مَن لم يتغافل تنغَّصَت عِيشتُه). كم من فتنةٍ وُئِدَت في مهدها بالتغافُل والتسامح، ومن هنا قيل: إن التغافلَ نصفُ العقل، بل هو العقل كلُّه. مهما تناجى المتناجون واستَخفَوا عن الأنظار، فإنَّ الله عليمٌ بالسرائر، خبيرٌ بما في الضمائر. |
﴿وَأَسِرُّواْ قَوۡلَكُمۡ أَوِ ٱجۡهَرُواْ بِهِۦٓۖ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ ﴾ [الملك: 13]
لمَّا كان الله عليمًا بدخائل النفوس وضمائر القلوب فإنه لا ريبَ عليمٌ بالظاهر من أقوال خَلقه وأفعالهم، فأنَّى للعبد التخفِّي من الله بسرٍّ أو نيَّة. لا ينهضُ المرء بحمل أمانة العقيدة وميراث النبوَّة حتى يستيقنَ قلبُه أنَّ ما يكمنُ فيه من إرادة ونيَّة إنما هو في علم الله واطِّلاعه. |
﴿أَلَا يَعۡلَمُ مَنۡ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلۡخَبِيرُ ﴾ [الملك: 14]
إذا كان الصانعُ خبيرًا بما يصنع، بصيرًا به، عالمًا بأحواله، فما ظنُّكم بربِّكم الذي خلقكم وذرأكم، هل يخفى عليه منكم شيء؟ الله أعلمُ بحالك منك، وأدرى بك من والدَيك، ومن أقرب الناس إليك، وهو لطيفٌ بخَلقه خبيرٌ بعباده، فطِب نفسًا وكن به موقنًا. |
﴿لِّيَعۡلَمَ أَن قَدۡ أَبۡلَغُواْ رِسَٰلَٰتِ رَبِّهِمۡ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيۡهِمۡ وَأَحۡصَىٰ كُلَّ شَيۡءٍ عَدَدَۢا ﴾ [الجن: 28]
لم يألُ رسُلُ الله في تبليغ رسالة السماء، برغم ما لاقَوا من صدٍّ وعَداء، وفي هذا حثٌّ للعلماء، على الصَّبر واحتمال البلاء. قال ابنُ عبَّاس رضي الله عنهما: (أحصى الله ما برَأ، وعرَف عددَ ما ذرَأ، فلم يَفُته علمُ شيء، حتى مثاقيلُ الذرِّ والخردَل)؛ ﴿وَسِعَ كُلَّ شَيءٍ عِلمًا﴾ . |
﴿وَمَا جَعَلۡنَآ أَصۡحَٰبَ ٱلنَّارِ إِلَّا مَلَٰٓئِكَةٗۖ وَمَا جَعَلۡنَا عِدَّتَهُمۡ إِلَّا فِتۡنَةٗ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيَسۡتَيۡقِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ وَيَزۡدَادَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِيمَٰنٗا وَلَا يَرۡتَابَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَلِيَقُولَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ وَٱلۡكَٰفِرُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلٗاۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِي مَن يَشَآءُۚ وَمَا يَعۡلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَۚ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكۡرَىٰ لِلۡبَشَرِ ﴾ [المدثر: 31]
إذا رأيت علمَ الغيب لا يزيدُك إيمانًا ويقينًا، فراجع قلبَك؛ خشيةَ أن يكونَ قد أُشرب فتنةً ونفاقًا، يُوديان بك إلى شرِّ مصير. قلوب المؤمنين مفتَّحةٌ للحقِّ أبدًا، فهي تتلقَّاه من ربِّها تلقِّيًا يزيدها إيمانًا به سبحانه، وأُنسًا بشرعه، ويقينًا بهَديه. لا يزول بالشكِّ اليقينُ، ولا يقينَ إلا بالإيمان، فاعمل أيها المسلمُ دومًا على زيادة إيمانك، بكثرة الصالحات، ولزوم الطاعات. بئسَ العَيشُ عَيشُ الكافر والمنافق، فهما في حَيرةٍ وقلقٍ واضطراب، لا يطمئنُّون إلى صدق خبرٍ ولا إلى حكمةِ أمر، حتى يُردُّوا إلى أشدِّ العذاب. اطمئنَّ أيها المسلم وقَرَّ عينًا بالنصر والتأييد، فإنَّ لله جنودًا لا يعلمها إلا هو، وما عليك إلَّا الأخذُ بالأسباب مع اليقين بوعد الله. |
﴿يُنَبَّؤُاْ ٱلۡإِنسَٰنُ يَوۡمَئِذِۭ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ ﴾ [القيامة: 13]
حتى آثارُ عملك الباقية ستُسأل عنها وتُحاسَب يوم تلاقي الله، فاحرِص أن تخلِّفَ أثرًا جميلًا؛ من ذرِّيةٍ صالحة، أو صدقةٍ جارية، أو علمٍ يُنتفَع به. |
﴿وَٱللَّهُ مِن وَرَآئِهِم مُّحِيطُۢ ﴾ [البروج: 20]
الله محيطٌ بخَلقه، لا يخرج عن سُلطانه أحدٌ ولا يَعزُب عن علمه شيء، ولكنَّه سبحانه يُملي للظَّالم حتى إذا أخذه لم يُفلته. أين المفرُّ وأين المهرَبُ، وقد أحاط الله بعباده إحاطةَ إحداقٍ من كلِّ مكان؟ فهلَّا فرَرنا إلى الله بالتوبة وحُسن الرجوع إليه! |
﴿إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُۚ إِنَّهُۥ يَعۡلَمُ ٱلۡجَهۡرَ وَمَا يَخۡفَىٰ ﴾ [الأعلى: 7]
كلُّ ما أوتيتَه من مواهبَ وقدرات، إنما هو من فضل الله تعالى عليك، ولو شاء سبحانه لحرمك منه، فاستجلِب بقاءه بدوام شُكره. |
﴿إِنَّ رَبَّهُم بِهِمۡ يَوۡمَئِذٖ لَّخَبِيرُۢ ﴾ [العاديات: 11]
أين تفرُّ أيها العبدُ من الخبير بحركاتِك، العليم بسَكناتِك، المحيط بسرِّك وعلانيتِك؟ هلَّا اتَّخذتَ إلى رضاه سبيلًا! |
مواضيع أخرى في القرآن الكريم
الملابس وأد البنات سريع الحساب التسابق في عمل الخير الدعوة إلى الإسلام الاضطهاد بسبب العقيدة ظلم لا يجوز الخلود في النار اسم الله الودود التكبر اسم الله السميع
الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم
Thursday, November 21, 2024
لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب