أقرب الناس سمتًا وهديًا ودلًا بالنبي ﷺ من ابن أم عبد

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أهلاً وسهلاً بك، وأسأل الله أن يفتح علينا أبواب فهم سنّة نبيه ﷺ.
هذا حديث عظيم يُظهر لنا منزلة صحابي جليل من صحابة رسول الله ﷺ، وهو عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. سأقوم بشرحه لك على النحو التالي:
### أولاً. تخريج الحديث ومصدره
هذا الحديث رواه الإمام البخاري في صحيحه في كتاب "فضائل الصحابة"، باب مناقب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، برقم (3762). وهو حديث صحيح متفق على صحته.
### ثانياً. شرح المفردات
● حذيفة: هو حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، صاحب سر رسول الله ﷺ في المنافقين، وكان من كبار الصحابة العُبّاد الزهاد.
● قريب السمت والهدي:
● السمت: الهيئة والحالة الظاهرة التي يكون عليها الإنسان من الوقار والسكينة وطريقة المشي واللباس. فهو مظهر الإنسان الخارجي.
● الهدي: السيرة والطريقة والباطن، وهو ما يكون عليه الإنسان من الخُلُق والدين والتقوى. فهو جوهر الإنسان وسلوكه.
● حتى نأخذ عنه: أي حتى نتعلم منه العلم والسنن ونتأسى به في هيئته وأخلاقه.
● دلًا: هذه الكلمة تحتمل معنيين، وكلاهما صحيح ومقبول:
1- مشورة ونصيحة: أي كان قريبًا من النبي ﷺ في مشورته ونصحه، وكان النبي يستشيره ويأخذ برأيه.
2- قربًا وملازمة: من "الدُّلُو" وهو القرب والملازمة، أي كان من أكثر الصحابة ملازمةً لرسول الله ﷺ وقربًا منه.
● ابن أم عبد: هو كنية واسم لصحابي جليل، وهو عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. وكانت أمه تكنى بـ "أم عبد"، فاشتهر بهذه الكنية.
### ثالثاً. شرح الحديث ومعناه الإجمالي
يجلس مجموعة من الصحابة، منهم عبد الرحمن بن يزيد، ويتساءلون: من هو الصحابي الذي أشبه الناس بهيئة رسول الله ﷺ وهديه وأخلاقه في حال قيامه وقعوده ومشيه وكلامه، حتى نجعله قدوة لنا ونأخذ العلم والسنن عنه؟ فسألوا حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، وهو من خيار الصحابة وأعلمهم بأحوال الناس.
فأجابهم حذيفة دون تردد: "ما أعرف أحدًا أقرب سمتًا وهديًا، ودلًا بالنبي ﷺ من ابن أم عبد"، أي: لا أعرف شخصًا على وجه الأرض كان أشبه برسول الله ﷺ في هديه الظاهر (السمت) وهديه الباطن (الأخلاق والتقوى) وفي قربه وملازمته للنبي ﷺ ومشورته له، أكثر من عبد الله بن مسعود.
### رابعاً. الدروس المستفادة والعبر
1- مكانة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: يوضح هذا الحديث المنزلة الرفيعة التي كان عليها ابن مسعود عند الصحابة، فهو المثال الحي المتجسد لهدي النبي ﷺ. وكان رضي الله عنه نحيف الجسم، قصير القامة، لكنه كان عظيم الشأن في العلم والتقوى وشمائل الخير.
2- وجوب التأسّي بالصالحين: الصحابة رضوان الله عليهم لم يكونوا يبحثون عن المظاهر والوجاهة الاجتماعية، بل كانوا يبحثون عن صاحب الهدي النبوي ليتعلموا منه ويقتدوا به. وهذا درس لنا في اختيار القدوات والأشخاص الذين نأخذ عنهم العلم والدين.
3- معيار التقدير عند الله وعند رسوله: لم يكن معيار التفاضل عند الصحابة المال أو الجاه أو المنصب، بل كان معيارهم التقوى واقتفاء أثر النبي ﷺ. فابن مسعود كان من صغار الصحابة وضعفائهم في بداية الإسلام (كان راعي غنم)، لكن علمه وتقواه رفعا من قدره حتى صار من كبار العلماء.
4- أهمية ملازمة العلماء والصالحين: دلّ كلام حذيفة على أن قرب ابن مسعود وملازمته الدائمة للنبي ﷺ (الدل) هي السبب الرئيسي في اكتسابه هذا الهدي العظيم. وهذا يحثنا على مجالسة الصالحين وملازمة أهل العلم لننهل من أخلاقهم وعلمهم.
5- الثناء على أهل الخير: من السنة أن نثني على الصالحين بما فيهم من خصال goodness، كما فعل حذيفة مع ابن مسعود، فهذا يشجعهم ويحث غيرهم على الاقتداء بهم.

---

خامساً:

معلومات إضافية عن عبد الله بن مسعود
- هو أحد السابقين الأولين إلى الإسلام، وسادس ستة دخلوا في الإسلام.
- كان من خاصّة رسول الله ﷺ، يدخل عليه بيته ويستره إذا اغتسل، ويُلبسه نعليه، ويُوقظه إذا نام.
- كان حافظًا للقرآن الكريم، ومُتقنًا لتلاوته على الكيفية التي أقرأه إياها رسول الله ﷺ، حتى قال عنه النبي ﷺ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَضًّا كَمَا أُنْزِلَ فَلْيَقْرَأْهُ عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ».
- كان من فقهاء الصحابة وكبار علمائهم، وقال عنه عمر رضي الله عنه: "كنيف ملئ علمًا"، أي وعاء مملوءًا بالعلم.
أسأل الله أن ينفعنا بما علمنا، وأن يرزقنا الاتباع لا الابتداع، وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.