علام يقتل أحدكم أخاه ألا بركت إن العين حق

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا الحديث العظيم رواه الإمام مالك في "الموطأ"، والإمام أحمد في "مسنده"، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجـه، وغيرهم، وصححه عدد من الأئمة.
أولاً: شرح مفردات الحديث:
● الخَرَّار: اسم لبئر أو عين ماء بالمدينة المنورة.
● جُبَّة: ثوب واسع يشبه العباءة أو الرداء، يلبس فوق الثياب.
● وَعَكَ: أصابه مرض وحمى شديدة، وسَقَم.
● غَيْرُ رَائِحٍ مَعَكَ: لا يستطيع الخروج والسفر معك (أي مع النبي صلى الله عليه وسلم).
● عَلَّامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ: لماذا يتسبب أحدكم في إيذاء أخيه وإمراضه؟ (وهذا على سبيل التوبيخ والتقريع).
● أَلَا بَرَكْتَ: هلاّ دعوت له بالبركة والخير عندما أعجبك منظره، بدلاً من أن تذكر ما يثير الحسد.
● تَوَضَّأْ لَهُ: أي اغسل أعضاء الوضوء، ثم يُصب ذلك الماء على المريض أو يُرش عليه.
ثانياً: شرح الحديث إجمالاً:
يحكي هذا الحديث قصة صحابيين جليلين، هما سهل بن حنيف رضي الله عنه وعامر بن ربيعة رضي الله عنه.
فبينما كان سهل بن حنيف يغتسل في مكان يسمى "الخرار"، خلع جبته (ثوبه)، فنظر إليه عامر بن ربيعة، وكان سهل رجلاً أبيض البشرة ناعم الجلد، جميل المنظر. فقال عامر معجباً بجماله: "ما رأيت كاليوم، ولا جلد عذراء" (أي لم أرَ شيئاً جميلاً مثل ما أراه اليوم، ولم أرَ جلداً ناعماً كجلد العذراء).
فلم تمضِ لحظات حتى أصيب سهل بالمرض الشديد (الوعك)، حتى إنه لم يستطع الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أو سفر.
فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم خبر مرضه، زاره وسأله عن حاله، فأخبره سهل بما قاله له عامر بن ربيعة من كلام الإعجاب الذي قد يحمل في طياته معنى الحسد.
فانتهر النبي صلى الله عليه وسلم عامراً قائلاً: «علامَ يقتل أحدكم أخاه، ألا بركت»، أي: لماذا تتسبب في إيذاء أخيك وسقمه بهذه الكلمات؟ أليس كان الأجدر بك، عندما أعجبك منظره، أن تبارك عليه وتدعو له قائلاً: "تبارك الله أحسن الخالقين" أو "ما شاء الله لا قوة إلا بالله"؟ فإن العين حق، أي تأثيرها حقيقي لا شك فيه.
ثم أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ، ثم يُصب ذلك الماء على سهل. ففعل عامر ما أمره به النبي صلى الله عليه وسلم، فشُفي سهل على الفور، وخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم ليس به أي ألم.
ثالثاً: الدروس المستفادة والفقه في الحديث:
1- إثبات حقيقة العين وإصابة النظر: الحديث من أوضح الأدلة على أن العين تصيب بإذن الله، وأن تأثيرها حقيقي، وهو عقيدة من عقائد أهل السنة والجماعة. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «العين حق» مؤكداً ذلك.
2- وجوب التحصن والحذر من العين: الحديث يرشدنا إلى ضرورة أخذ الأسباب الشرعية للتحفظ من العين، سواء بعدم إظهار النعمة أكثر من اللازم، أو بالاستعاذة والتحصين بالأذكار.
3- آداب الإعجاب والمدح: يعلمنا الحديث أدباً مهماً، وهو أنه إذا أعجب الإنسان بشيء من مال أو جمال أو ولد لأخيه، فعليه أن يبارك له ويذكر الله تعالى. يقول: "تبارك الله"، "ما شاء الله"، "اللهُمَّ بَارِكْ فِيهِ". فهذا يحول دافع الحسد أو تأثير العين إلى دعاء بالبركة.
4- علاج المصاب بالعين: الحديث يبين علاجاً نبوياً للمصاب بالعين، وهو أن يؤمر الحاسد أو من تسبب في الإصابة أن يتوضأ، ثم يُغتسل أو يُصَب ذلك الماء على المصاب. وهذا من رحمة الله تعالى، حيث جعل الداء والدواء.
5- التوبيخ على التفريط في الأسباب الشرعية: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «علامَ يقتل أحدكم أخاه» توبيخ شديد لكل من يتسبب في إيذاء أخيه المسلم بقول أو فعل، وترغيب في حفظ اللسان.
6- قوة تأثير الكلمة: الكلمة قد تكون سبباً في مرض إنسان أو شفائه، فلا يستخف الإنسان بما يخرج من لسانه.
رابعاً: معلومات إضافية مفيدة:
- ليس كل من أعجب بشيء يكون حاسداً، فقد يُعجب الإنسان بشيء بغير قصد سوء، ولكن مجرد النظر الشديد مع الإعجاب قد يصيب.
- العلاج بالوضوء من السنة، وهو خاص بمن تسبب في العين، فإذا لم يُعرف الشخص الحاسد، فيرقى المصاب بالرقية الشرعية من القرآن والأدعية النبوية.
- ينبغي للمسلم أن يحافظ على الأذكار الصباحية والمسائية، والإكثار من قول: "ما شاء الله لا قوة إلا بالله"، فهي حصن حصين من العين.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.