امسح الباس رب الناس بيدك الشفاء لا كاشف له إلا أنت

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، وأسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب. هذا حديث عظيم في باب الرقية والاستشفاء، سأشرحه لك جزءاً جزءاً مستنداً إلى كلام أهل العلم المعتبرين.
الحديث: عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ كان يرقي يقول: «امْسَحِ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ، بِيَدِكَ الشِّفَاءُ، لَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا أَنْتَ».
[متفق عليه: أخرجه البخاري (5743) ومسلم (2191)]

---

1. شرح المفردات:

● يَرْقِي: أي يعوذ وينفث ويقرأ على المريض طالباً الشفاء من الله تعالى.
● امْسَحِ: من المسح، وهو إمرار اليد على موضع الألم أو الجسد، وهو هنا دعاء بأن يمسح الله تعالى البلاء ويزيله.
● الْبَاسَ: البأس هو الشدة والمرض والألم. والمقصود هنا البلاء والمرض الذي يصيب الإنسان.
● رَبَّ النَّاسِ: يا رب الناس، وهو من أسماء الله الحسنى، وربوبيته تعالى شاملة لجميع الخلق.
● بِيَدِكَ الشِّفَاءُ: اليد هنا كناية عن القدرة والتصرف المطلق، فالله تعالى هو الذي بيده مقاليد الشفاء وحده.
● لَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا أَنْتَ: أي لا مزيل لهذا البلاء والمرض إلا أنت يا الله.

---

2. شرح الحديث:

كان النبي ﷺ عندما يمرض أحد من أهله أو يُدعى لمرضى المسلمين، يرقيهم بهذه الكلمات العظيمة، التي هي في حقيقتها دعاء خالص وتوجه كامل إلى الله تعالى، يعترف فيه العبد بالضعف والحاجة، ويعترف لله بالقدرة المطلقة والتفرد بالشفاء.
● «امْسَحِ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ»: هنا يخاطب النبي ﷺ ربه متوسلاً إليه باسم من أسمائه الحسنى "رب الناس"، الذي يعني أنه المربي المتصرف في شؤونهم جميعاً، وهو القادر على إزالة ما بهم من ضر. وهو دعاء بأن يزيل الله المرض ويمحوه كما تمسح اليد الأثر.
● «بِيَدِكَ الشِّفَاءُ»: هذا إقرار وتوحيد، فالمؤمن يؤمن بأن الشفاء بيد الله وحده، وليس بيد الطبيب أو الدواء، وإنما هما أسباب يأذن الله بها للشفاء. فالأسباب تعمل ولكن المشفي هو الله.
● «لَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا أَنْتَ»: هذا توحيد خالص وتفويض تام لله تعالى، فكما أنه لا معبود بحق إلا هو، فلا كاشف للضر والبلاء إلا هو سبحانه. وهذا يغرس في قلب المريض والراقي اليقين بالله والتوكل عليه حق التوكل.
فالحديث في مجمله: هو تعليم من النبي ﷺ لأمته كيفية التوجه إلى الله عند نزول البلاء، بالاعتراف له بالربوبية المطلقة والتفرد بالشفاء، مع اليقين بأنه لا أحد سواه قادر على إزالة هذا الضر.

---

3. الدروس المستفادة منه:

1- شرعية الرقية: الحديث دليل على مشروعية الرقية بالكلمات الطيبة والدعوات الشرعية، وهي من أسباب العلاج المشروعة التي لا تعارض التوكل على الله.
2- التوسل إلى الله بأسمائه وصفاته: من أعظم أسباب إجابة الدعاء أن يتوسل العبد إلى ربه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، كما في قوله: «رَبَّ النَّاسِ».
3- التوحيد والإقرار بقدرة الله المطلقة: جوهر هذه الرقية هو توحيد الله وإفراده بالشفاء، وهذا يطرد الوساوس ويقوي القلب ويعلق الأمل بالله وحده.
4- الجمع بين الأسباب الشرعية والقلبية: النبي ﷺ جمع بين السبب الحسي (وهو الرقية والدعاء) والسبب القلبي (وهو التوكل واليقين)، فلا تعارض بين الأخذ بالأسباب والتوكل على الله.
5- التذلل والافتقار إلى الله: صيغة الدعاء فيها من التذلل والانكسار بين يدي الله ما يوجب الإجابة، فالعبد يسأل ربه أن "يمسح" عنه البلاء، وهي صيغة تدل على شدة الحاجة والضعف.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

● حكم الرقية: الرقية بكتاب الله وبالأدعية المشروعة مثل هذه جائزة ومستحبة، بل قد تكون في بعض الحالات من أفضل القربات، خاصة إذا خلت من الشركيات والطلاسم والكلمات غير المفهومة.
● كيفية الرقية الشرعية: أن يقرأ الراقي على المريض بما ورد من القرآن (كسورة الفاتحة والإخلاص والمعوذتين) أو بالأدعية النبوية مثل هذا الدعاء، وينفث على يديه ثم يمسح على موضع الألم أو جسد المريض، مع صدق النية ويقين الإجابة.
● هذا الدعاء ليس خاصاً بمرض معين: بل هو عام لكل بلاء ومرض، جسدي كان أم نفسيًا.
● الفائدة للراقي والمريض: هذه الرقية فيها شفاء للمريض، وتذكير للراقي بقدرة الله وتوحيده، فهي نافعة للطرفين.
أسأل الله تعالى أن يشفي مرضى المسلمين، وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.