نهي النبي عن الاكل بالشمال والمشي في نعل واحدة

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا الحديث الشريف الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عن الصحابي الجليل جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، يجمع بين أربع نهيات نبوية، كلها تتعلق بآداب المظهر والهيئة التي تليق بالمسلم، وتحفظ كرامته ومروءته.

---

أولاً. شرح المفردات:

● يأكل بشماله: أن يستخدم يده اليسرى في تناول الطعام.
● يمشي في نعل واحدة: أن يرتدي حذاءً (نصلاً) في رجل واحدة فقط ويترك الأخرى حافية.
● يشتمل الصماء: أن يلف ثوبه حول جسده كله، بحيث يجمع طرفيه على كتفيه، ولا يترك مخرجاً ليديه، فيصبح مغلولاً كالأكمة.
● يحتبي في ثوب واحد كاشفاً عن فرجه: أن يجلس على أليتيه ويضم ساقيه إلى بطنه بثوب واحد، مما قد يؤدي إلى انكشاف عورته.

---

ثانياً. شرح الحديث والمنهيات الأربعة:

جمع النبي ﷺ هذه الآداب في حديث واحد لترتبط في ذهن المسلم، فهي جميعاً من مكارم الأخلاق ومحاسن الهيئات التي تمنع المسلم من أن يكون مثلةً أو سبةً بين الناس.
1- النَهي عن الأكل بالشمال:
* الشرح: النهي هنا للكراهة التنزيهية وليس للتحريم المطلق، إلا إذا قارنه شيء آخر كالتشبه بالشيطان أو الكفار. والحكمة من النهي أن الشمال هي للأقذار وأمور النجاسات، فإبعادها عن الطعام من باب التنزيه والحفاظ على الطهارة والنظافة. كما أن في استخدام اليمين إتباعاً للفطرة السليمة التي تميل إلى التكريم واليمن والبركة.
* الاستثناء: من كان له عذرٌ في استخدام الشمال، كأن تكون يمناه مشلولة أو مصابة، فلا حرج عليه.
2- النَهي عن المشي في نعل واحدة:
* الشرح: هذا النهي يدل على كمال عناية الإسلام بمظهر المسلم حتى في أبسط أموره. والمشي بنعل واحدة هيئة غير متزنة وغير لائقة، تشبه مشية المتكبر أو المخنث، وتُظهر الإنسان في صورة المستهتر الذي لا يبالي بمظهره. كما أنه قد يسبب اعوجاجاً في الظهر أو المشية على المدى الطويل. فيأمر الإسلام بالاعتدال والتوازن حتى في اللباس.
3- النَهي عن اشتمال الصماء:
* الشرح: "اشتمال الصماء" هيئة كان يفعلها بعض العرب في الجاهلية، حيث كان الرجل يلف ثوبه حول جسده كله ويشده على كتفيه، فلا يبقى له يدان ليكشف بهما عن وجهه إذا سقط، فيشبه الشخص الأعمى أو الأكمة (وهو الذي لا يد له). فهيئة فيها مخاطرة وعدم تحذر، وقد تورث العجز والحاجة إلى الناس، كما أنها تشبه هيئة المتكبر المتعاظم. فنهى عنها الإسلام لتحقيق كمال المروءة والاستعداد والاعتماد على النفس.
4- النَهي عن الاحتباء في ثوب واحد كاشفاً عن فرجه:
* الشرح: الاحتباء هيئة جلوس كانوا يفعلونها للاستراحة أو التدفئة، ولكن إذا كان المرء يرتدي ثوباً واحداً (كإزار) فإن هذه الهيئة قد تؤدي إلى انكشاف عورته دون أن يشعر، خاصة إذا نام أو استغرق في الحديث. فالنَهي هنا لحماية العورة وصيانة حرمة المسلم، وهو من باب سد الذرائع الموصلة إلى المحرم. فالمأمور به هو ستر العورة والتحرز من كل ما قد يؤدي إلى انكشافها.

---

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:

1- الاهتمام بمظهر المسلم وهيئته: الإسلام دين الجمال والطهارة والنظام، وينهى عن كل ما يشين صاحبه أو يعرضه للسخرية أو المذلة.
2- التوسط والاعتدال: النهي عن المشي بنعل واحدة يدل على أمر الإسلام بالتوازن والتوسط في كل الأمور، وعدم الإخلال بهذا التوازن.
3- سَد الذرائع إلى المحرمات: النهي عن الاحتباء في ثوب واحد هو نموذج رائع لحرص الشريعة على سد كل باب يؤدي إلى ارتكاب محرم، كرؤية العورة.
4- المروءة والكرامة: النهي عن هذه الهيئات جميعاً يأتي لصيانة مروءة المسلم وكرامته، ليكون شخصاً مهيباً متزناً، بعيداً عن سمات السفه والاستهتار.
5- مخالفة الشيطان والكفار: النهي عن الأكل بالشمال فيه مخالفة لهيئة الشياطين وأهل الكفر الذين يتعمدون مخالفة الفطرة.

---

رابعاً. معلومات إضافية:

* هذه الآداب وإن كانت تتعلق بالهيئة الظاهرة، إلا أنها تنبع من تقوى القلب وإيمان الجوارح، فكلما كان القلب عامراً بالإيمان، انعكس ذلك على هيئة المسلم وجوارحه.
* ينبغي للمسلم أن يتأدب بآداب الإسلام حتى في خلوه بنفسه، فالله تعالى مطّلع عليه، ولكن هذه الآداب تكون آكد عند وجود الناس.
* يجمع العلماء على أن النهي في هذه الأمور للكراهة التنزيهية وليس للتحريم، إلا إذا قارنها ما يزيدها حرمة كالتشبه بالكفار أو التعرض لانكشاف العورة.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.