إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختان فقد وجب الغسل

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، وأسأل الله أن ينفعنا بما ندرس ونفهم من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذا حديث عظيم رواه الإمام مسلم في صحيحه، وفيه مسائل فقهية مهمة تتعلق بأحكام الطهارة والغسل. وإليك الشرح الوافي له على النحو التالي:

---

1. شرح المفردات:

● رَهْطٌ: جماعة من الرجال، ما بين الثلاثة إلى العشرة.
● المهاجرين والأنصار: المهاجرون هم الذين هاجروا من مكة إلى المدينة، والأنصار هم أهل المدينة الذين ناصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
● الغسل: الاغتسال، وهو تعميم الماء على جميع البدن بشروط مخصوصة.
● الدَّفْق: إنزال المني.
● خَالط: جامع، أي حصل الجماع.
● أشْفيكم: أبرئكم من العلة أو الجهل في هذه المسألة، أي أخلصكم منها وأجلب لكم الشفاء من الاختلاف.
● شُعَبِها الأرْبَع: المراد بالأربع: اليدان والرجلان. وشعبها: فروعها وأطرافها. والمقصود مجازاً: أن يحصل بينها وبين زوجها تقارب تام بحيث يجلس بين فخذيها ويقاربها تماماً.
● مَسَّ الختانُ الخِتانَ: أي تلاقى موضع ختان الرجل (ذكر الرجل) وختان المرأة (فرج المرأة). والختان هو موضع القطع، وهو كناية عن الذكر والفرج.

---

2. المعنى الإجمالي للحديث:

يحكي أبو موسى الأشعري رضي الله عنه أن هناك جماعة من المهاجرين والأنصار اختلفوا في مسألة ما يوجب الغسل، فقالت الأنصار: لا يجب الغسل إلا إذا حصل إنزال المني (الدفق) أو إذا حصل جماع مع إنزال. وقال المهاجرون: بل مجرد الجماع وحده (إذا خَالط) يوجب الغسل، سواء حصل إنزال أم لم يحصل.
فلما رأى أبو موسى هذا الاختلاف، أراد أن يتحرى الصواب من مصدر موثوق، فذهب إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، لأنها كانت من أعلم الناس بسنن النبي صلى الله عليه وسلم وأحواله الخاصة. فلما دخل عليها استحيا أن يسألها عن هذه المسائل، فطمأنته بقولها: "لا تستحي أن تسألني عما كنت سائلاً عنه أمك التي ولدتك؛ فإنما أنا أمك"، مما يدل على عظم مكانتها وحبها للصحابة وتواضعها.
فسألها: ما الذي يوجب الغسل؟ فأجابته بأنه سقط على الخبير، أي سألت من هو خبير بهذا الأمر، ثم نقلت له حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بين أن الغسل يجب بمجرد أن يجلس الرجل بين فخذي المرأة (بين شعبها الأربع) ويحصل التقاء الذكر بالفرج (مس الختان الختان)، حتى لو لم يحصل إنزال.

---

3. الدروس المستفادة منه:

● وجوب التحري في طلب العلم: حيث لم يكتف أبو موسى بالرأي أو الخلاف، بل ذهب إلى من يعلم يقيناً ليزيل الشبهة.
● أهمية سؤال أهل العلم: وأم المؤمنين عائشة كانت من كبار العلماء، وسؤالها في هذه الأمور دليل على جواز سؤال النساء العالمات في المسائل الشرعية.
● تواضع العلماء وحبهم لتعليم الناس: حيث قابلت عائشة سؤال أبي موسى بالترحيب وعدم الاستحياء، وشبهت نفسها بأمه.
● حكم شرعي مهم: وهو أن الغسل يجب بمجرد حصول الجماع الكامل (التقاء الذكر بالفرج)، سواء أنزل الرجل أم لم ينزل. وهذا هو مذهب جمهور العلماء من أهل السنة والجماعة.
● جواز الكناية في مثل هذه الأمور: حيث استخدمت عائشة رضي الله عنها عبارة "جلس بين شعبها الأربع" و"مس الختان الختان" كناية عن الجماع، مما يدل على أدب الحديث في هذه المواضيع.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الحديث أصل في باب ما يوجب الغسل، وهو دليل على أن الموجب للغسل هو مجرد التقاء الختانين، ولا يشترط الإنزال.
- اتفق العلماء على أن الغسل يجب بالجماع إذا حصل الإنزال، واختلفوا إذا لم يحصل الإنزال. وهذا الحديث يرجح رأي الجمهور بأنه يجب الغسل بمجرد الجماع.
- قول عائشة "على الخبير سقطت" من جوامع الكلم، وهي كلمة تدل على ثقتها بعلمها في هذا الباب لأنها كانت زوجة النبي صلى الله عليه وسلم وأقرب الناس إليه.
- يستفاد من الحديث أيضاً أدب الصحابة في التعامل مع أمهات المؤمنين، وحسن أدبهم في السؤال والاستفتاء.
أسأل الله أن يفقهنا في الدين، ويعلمنا ما ينفعنا، وينفعنا بما علمنا. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.