كان ابن عمر يستجمر بألوة غير مطراة وكافور

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا الحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه، وهو يروي لنا هدي النبي صلى الله عليه وسلم في أمر من أمور النظافة الشخصية والفطرة، مما يدل على شمولية الإسلام واهتمامه بجميع جوانب حياة المسلم.

---

أولاً. شرح المفردات:

● استجمر: الاستجمار هو استعمال الحجارة أو ما يقوم مقامها من المناديل الورقية ونحوها لتنظيف مكان قضاء الحاجة بعد البول أو الغائط. وهو بديل عن الاستنجاء بالماء (الغسل) عند عدم وجوده أو عند الحاجة إليه.
● بألوة: "الألوة" هي عود الطيب المعروف، ويُطلق عليه أيضاً "العود" أو "العود الهندي"، وهو من أطيب أنواع البخور.
● غير مطراة: أي أنها ليست مُعطَّرة بخلطها بطرّ آخر من العطور، بل هي خالصة في طيبها.
● بكافور: الكافور هو مادة طيبة الرائحة معروفة، تستخدم في التطيب.

---

ثانياً. شرح الحديث:

يخبرنا الصحابي الجليل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وهو من أكثر الصحابة حرصاً على اقتفاء أثر النبي صلى الله عليه وسلم في كل صغيرة وكبيرة، عن هديه في الاستجمار.
لم يكن ابن عمر رضي الله عنهما يستعمل أي حجر عادي أو مناديل فقط، بل كان يختار مواد طيبة الرائحة، وهي:
1- الألوة: وهي عود طيب.
2- الكافور: ويضيفه مع الألوة.
ثم يبين لنا أن هذا الفعل لم يكن من عادته الشخصية، بل كان يتأسى فيه برسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو سنة فعلية عن النبي الكريم.
وهنا يبرز سؤال مهم: لماذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعمل هذه المواد الطيبة في الاستجمار؟
الشرح والفوائد:
1- إزالة الرائحة الكريهة: الهدف الأساسي من الاستجمار هو النظافة وإزالة النجاسة. واستعمال مواد طيبة الرائحة كالألوة والكافور يحقق هذا الهدف بشكل أفضل، حيث لا يقتصر على إزالة العين فحسب، بل يزيل أيضاً الرائحة المزعجة، مما يوفر نظافة كاملة وراحة للشخص وللمجتمع حوله.
2- التطيب بعد الخلاء: كان هذا من هديه صلى الله عليه وسلم، حيث يعقب خروجه من الخلاء بالتطيب لإزالة أي أثر للرائحة، وهذا من كمال الأدب والنظافة.
3- التيسير ورفع الحرج: فعل ابن عمر رضي الله عنهما يدل على أن الاستجمار بهذه المواد الطيبة هو سنة مستحبة وليست واجبة. فالأصل في الاستجمار أن يكون بثلاثة أحجار تنقي المحل، واستعمال الطيب زيادة في الخير والكمال. فمن استجمر بحجر عادي أو منديل أجزأه ذلك وحصل به المقصود.

---

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:

1- الاهتمام بالنظافة الشخصية الشاملة: الإسلام دين النظافة، وهذا الحديث نموذج رفيع على حرص الشريعة على نظافة المسلم حتى في أدق أموره الخاصة، وعدم إيذاء الآخرين بالروائح الكريهة.
2- الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم: يظهر حرص الصحابة رضوان الله عليهم على تطبيق كل ما رأوه من النبي صلى الله عليه وسلم، حتى في مثل هذه الأمور، مما يدل على كمال محبتهم واتباعهم.
3- الجمع بين الطهارة الحسية والمعنوية: الاستجمار طهارة حسية، ولكن استعمال الطيب يجعل لها بعداً آخر وهو طهارة معنوية ونفسية، فيشعر المسلم بالانتعاش والنظافة الباطنية.
4- السعي للكمال المستحب: يعلّمنا الإسلام أن نطلب الكمال في عباداتنا وحتى في عاداتنا. فبالإضافة إلى تحقيق أصل الطهارة، نزيدها جمالاً باستعمال الطيب اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم.

---

رابعاً. معلومات إضافية مفيدة:

● حكم الاستجمار بهذه المواد: هو سنة مستحبة لمن تيسر له ذلك، وليس واجباً. فلو استجمر الإنسان بحجر عادي أو منديل ورقي فقط، حصلت الطهارة ولم يجب عليه أكثر من ذلك.
● الاستنجاء بالماء أفضل: جمهور العلماء على أن الاستنجاء بالماء (الغسل) أفضل من الاستجمار؛ لأنه أبلغ في التنظيف وإزالة النجاسة والرائحة. والاستجمار يكون عند عدم وجود الماء أو عند الحاجة إليه.
● التطيب بعد الخلاء سنة: يستحب للخارج من الخلاء أن يتطيب لإزالة الرائحة، سواء كان ذلك باستعمال هذه المواد أثناء الاستجمار أو بالتطيب بعد الانتهاء مباشرة.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.