استداروا إلى الكعبة عند نزول القرآن

حديث: استداروا إلى الكعبة عند نزول القرآن

عن عبد الله بن عمر أنه قال: بينما الناس بقباء في صلاة الصُّبْحِ، إذ جاءهم آتٍ فقال: إن رسولَ الله ﷺ قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل الكعبة، فاستقبلوها، وكانت وجوهُهم إلى الشام، فاستداروا إلى الكعبة.

متفق عليه: رواه مالك في القبلة (٦) عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر فذكره، ومن طريقه أخرجه البخاريّ في الصّلاة (٤٠٣)، ومسلم في المساجد (٥٢٦).

تخريج الحديث كاملاً ⏬

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أهلاً بك أيها السائل الكريم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب. هذا الحديث العظيم الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه عن الصحابي الجليل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، يحكي لنا لحظة فارقة في تاريخ الإسلام، وهي لحظة تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة. وفيما يلي شرحه وافياً إن شاء الله:

أولاً. شرح المفردات:

* بِقُبَاءٍ: اسم لمسجد ومكان على مشارف المدينة المنورة، وهو مسجد قباء، أول مسجد أسس على التقوى.
* صَلاةِ الصُّبْحِ: صلاة الفجر.
* آتٍ: جاءهم رَسُولٌ أو شخصٌ مُبَلِّغٌ.
* أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْلَيْلَةَ قُرْآنٌ: أي نزل عليه الوحي بآيات من القرآن الكريم في تلك الليلة.
* اسْتَقْبَلُوا: أي توجّهوا وصَلُّوا نحوها.
* الشَّامِ: جهة بيت المقدس، والتي كانت القبلة الأولى للمسلمين.

ثانياً. المعنى الإجمالي للحديث:

يخبرنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه بينما كان المسلمون يصلون صلاة الفجر في مسجد قباء، إذ جاءهم مُبَلِّغٌ يخبرهم بالخبر العظيم: أن الله تعالى قد أنزل على رسوله ﷺ في اليللة الماضية قرآنًا (وهي الآيات من سورة البقرة: {قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}) وأمره أن يستقبل الكعبة بدلاً من بيت المقدس. وكان المصلون في صلاتهم متوجهين نحو الشام (جهة بيت المقدس)، فما كان منهم إلا أن استداروا في صلاتهم فوراً، وهم ركوع، ليتوجهوا نحو الكعبة المشرَّفة في مكة المكرمة.

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:

1- الطاعة المطلقة لله ورسوله: الموقف يجسد أروع صور الطاعة والانقياد لأمر الله ورسوله. لم يتردد الصحابة لحظة، ولم يسألوا عن الحكمة أو يتلكؤوا، بل استداروا في حال صلاتهم بمجرد سماع الأمر. هذه هي روح الإسلام: السمع والطاعة.
2- الامتثال الفوري لأوامر الشرع: لم ينتظروا حتى يفرغوا من الصلاة، بل نفذوا الأمر في الحال، مما يدل على أن أمر الله نافذ في كل وقت وحين، ويجب المسارعة إلى امتثاله.
3- عظمة حدث تحويل القبلة: لم يكن تحويل القبلة مجرد تغيير اتجاه جغرافي، بل كان اختباراً للمؤمنين والمنافقين. قال تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ}. فكان حدثاً فارقاً ميز صادق الإيمان من ضعيفه.
4- الحكمة من تحويل القبلة: منها الابتلاء والامتحان، وتمييز المسلمين عن اليهود الذين كانوا يتخذون من بيت المقدس قبلة، وليكون للمسلمين قبلة مستقلة وشعيرة خاصة بهم، وتحقيقاً لرغبة النبي ﷺ التي أولاها الله إياها.
5- مكانة مسجد قباء: الحديث يبرز فضل مسجد قباء وأهله، حيث كانوا من السابقين إلى امتثال أمر الله، وكانوا في عبادة وجماعة عندما نزلهم الخبر.
6- جواز بل وجوب تغيير نية العبادة أثناء أدائها إذا تغير الحكم الشرعي: وهذا دليل قوي في أبواب الفقه على أن الحكم المتجدد ينفذ فوراً، حتى في أثناء الصلاة.

رابعاً. معلومات إضافية مفيدة:

* تاريخ التحويل: كان تحويل القبلة في السنة الثانية للهجرة، في منتصف شهر شعبان على أرجح الأقوال.
* أول صلاة صلاها النبي ﷺ إلى الكعبة: حسب الروايات، كانت صلاة العصر في ذلك اليوم (وقيل الظهر).
* تسمية المسجد: سُمي المسجد الذي حدثت فيه هذه الواقعة فيما بعد ب "مسجد القبلتين" لوجود محرابين فيه أحدهما تجاه بيت المقدس والآخر تجاه الكعبة، تكريماً وتخليداً لهذه الذكرى. وهو غير مسجد قباء.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يعيننا على طاعته وطاعة رسوله ﷺ في المنشط والمكره.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

📝 تنبيه هام:

نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:

📧 التواصل للإبلاغ عن خطأ

"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه مالك في القبلة (٦) عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر فذكره، ومن طريقه أخرجه البخاريّ في الصّلاة (٤٠٣)، ومسلم في المساجد (٥٢٦).

العودة إلى الأعلى

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 188 من أصل 1241 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: استداروا إلى الكعبة عند نزول القرآن

📜 حديث: استداروا إلى الكعبة عند نزول القرآن

نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: استداروا إلى الكعبة عند نزول القرآن

تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: استداروا إلى الكعبة عند نزول القرآن

تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: استداروا إلى الكعبة عند نزول القرآن

شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.

قراءة القرآن الكريم

سورة البقرة	آل عمران	سورة النساء
سورة المائدة	سورة يوسف	سورة ابراهيم
سورة الحجر	سورة الكهف	سورة مريم
سورة الحج	سورة القصص	العنكبوت
سورة السجدة	سورة يس	سورة الدخان
سورة الفتح	سورة الحجرات	سورة ق
سورة النجم	سورة الرحمن	سورة الواقعة
سورة الحشر	سورة الملك	سورة الحاقة
سورة الانشقاق	سورة الأعلى	سورة الغاشية