حديث: كنا في ليلة مظلمة فلم ندر أين القبلة؟ فصلي كلّ رجل منا على حياله

📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة

باب ما رُوي في الاختلاف في القبلة عند التحري

عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه، قال: «كنا مع النَّبِيّ ﷺ في سفر في ليلة مظلمة، فلم ندر أين القبلة؟ فصلي كلّ رجل منا على حياله. فلمّا أصبحنا ذكرنا ذلك للنبي ﷺ فنزلت: ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾» [سورة البقرة: ١١٥].

حسن: رواه الترمذيّ (٣٤٥)، وابن ماجة (١٠٢٠)، والدارقطني (١٠٦٥)، والبيهقي (٢/ ١١)، وابن جرير الطبريّ (٢/ ٥٤)، وعبد بن حميد (٣١٦) كلّهم من طريق أشعث بن سعيد السمان، عن عاصم بن عبد الله، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه، فذكره.

عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه، قال: «كنا مع النَّبِيّ ﷺ في سفر في ليلة مظلمة، فلم ندر أين القبلة؟ فصلي كلّ رجل منا على حياله. فلمّا أصبحنا ذكرنا ذلك للنبي ﷺ فنزلت: ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾» [سورة البقرة: ١١٥].

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فأقدم لكم شرحًا وافيًا لهذا الحديث النبوي الشريف، معتمدًا على كبار شراح الحديث من أهل السنة والجماعة.

الحديث:


عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه، قال: «كنا مع النَّبِيّ ﷺ في سفر في ليلة مظلمة، فلم ندر أين القبلة؟ فصلي كلّ رجل منا على حياله. فلمّا أصبحنا ذكرنا ذلك للنبي ﷺ فنزلت: ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾ [سورة البقرة: ١١٥]».
رواه الترمذي في سننه، وقال: "هذا حديث حسن صحيح".


1. شرح المفردات:


● في سفر: في رحلة أو رحيل.
● ليلة مظلمة: ليلة شديدة الظلام، لا يرى فيها القمر أو النجوم.
● لم ندر: لم نعلم ولم نهتدِ.
● أين القبلة: اتجاه الكعبة المشرفة في مكة المكرمة، والتي يجب على المسلم استقبالها في الصلاة.
● على حياله: كل واحد بمفرده، حسب اجتهاده وتقديره.
● نزلت: أُنزلت الآية الكريمة من الله تعالى.


2. المعنى الإجمالي للحديث:


يخبر الصحابي الجليل عامر بن ربيعة رضي الله عنه عن واقعة حدثت لهم أثناء سفرهم مع النبي صلى الله عليه وسلم. فقد كانوا في ليلة شديدة الظلام، ولم يتمكنوا من تحديد اتجاه القبلة (الكعبة) بسبب عدم قدرتهم على رؤية معالم السماء من نجوم أو قمر. فاضطر كل مسلم منهم أن يصلي حسب اجتهاده وتقديره لأي اتجاه ظن أنه اتجاه القبلة.
ولما أصبحوا في الصباح، وأضاء النهار وعرفوا اتجاه القبلة الحقيقي، ذكروا للنبي صلى الله عليه وسلم ما حدث منهم في الليل، وشعروا بالقلق حول صحة صلاتهم. فأنزل الله تعالى الآية الكريمة تطمينًا لهم وتيسيرًا عليهم، مفيدةً أن صلاتهم صحيحة، وأن الله تعالى قد قبلها منهم.


3. الدروس المستفادة والعبر:


1- يسر الشريعة الإسلامية ورفع الحرج: يظهر هذا الحديث بوضوح مدى يسر الإسلام وسماحته، ورفعه للحرج والمشقة عن المكلفين. فالله تعالى لم يكلف الناس ما لا يطيقون، وقد غفر لهم الخطأ الناتج عن عدم العلم مع بذل الجهد في طلب الصواب.
2- حكم الاجتهاد في تحديد القبلة: يؤسس الحديث قاعدة فقهية عظيمة، وهي أن من اجتهد في استقبال القبلة وبذل وسعه في ذلك ثم تبين له خطؤه بعد الصلاة، فإن صلاته صحيحة ولا إعادة عليه، لقول الله تعالى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}. وهذا من رحمة الله بعباده.
3- الأخذ بالأسباب مع التوكل على الله: لم يترك الصحابة الصلاة بحجة الظلام، بل بذلوا وسعهم في البحث والاجتهاد، ثم أقدموا على الصلاة متوكلين على الله. وهذا درس في وجوب الأخذ بالأسباب المتاحة ثم التوكل على الله في تحقيق المقصود.
4- الحرص على طلب العلم والسؤال عن أمور الدين: لم يسكت الصحابة على أمر أشكل عليهم، بل سألوا النبي صلى الله عليه وسلم في أول فرصة سنحت لهم. وهذا يدل على حرصهم على معرفة حكم الله في كل أمر.
5- عناية الله تعالى بأمة محمد صلى الله عليه وسلم: نزول الآية الكريمة مباشرةً بعد سؤال الصحابة دليل على عناية الله بهذه الأمة، وإجابته على تساؤلاتها، وتيسيره لها.
6- سعة علم الله وإحاطته: معنى الآية أن الله تعالى محيط بكل شيء، وأن وجهه تعالى هو جهة عظمته وجلاله، فحيثما توجه العبد المسلم في صلاته باجتهاد، فإن الله تعالى يعلم مقصده ويقبل توجسه.


4. معلومات إضافية مفيدة:


● سبب النزول: تعتبر هذه القصة من أسباب نزول قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [سورة البقرة: 115].
● الراوي: هو عامر بن ربيعة رضي الله عنه، من السابقين إلى الإسلام، وهاجر الهجرتين.
● الحكم الفقهي: هذا الحديث أصل في مشروعية الاجتهاد في تحديد القبلة عند العجز عن معرفة اتجاهها بيقين، وأن من اجتهد فأصاب فله أجران، ومن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد، وصلاته صحيحة.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
📝 تنبيه هام:
نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:
"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه الترمذيّ (٣٤٥)، وابن ماجة (١٠٢٠)، والدارقطني (١٠٦٥)، والبيهقي (٢/ ١١)، وابن جرير الطبريّ (٢/ ٥٤)، وعبد بن حميد (٣١٦) كلّهم من طريق أشعث بن سعيد السمان، عن عاصم بن عبد الله، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه، فذكره.
قال الترمذيّ: هذا حديث ليس إسناده بذاك، لا نعرفه إِلَّا من حديث أشعث بن السمان».
قال الأعظمي: أشعث السمان هذا كذبه هشيم، وقال أحمد: مضطرب، وليس بذاك. وضعّفه يحيى وأبو زرعة والنسائي وغيرهم. إِلَّا أنه لم ينفرد به، بل توبع وإن كانت هذه المتابعة لا تفيد شيئًا.
رواه أبو داود الطيالسي (١٢٤١) عنه، وعن عمرو بن قيس كلاهما عن عاصم. ومن طريقه رواه البيهقيّ (٢/ ١٠).
وعمرو بن قيس هذا، اختلفت نسخ أبي داود الطيالسيّ، فقيل هكذا، وقيل: عمر بن قيس، وهو الذي في سن البيهقي.
وعمرو بن قيس ثقة، وعمر بن قيس وهو المعروف بسندل المكي متروك الحديث.
وقد رجّح أكثر العلماء بأنه عمر بن قيس المكي الضعيف.
ثمّ آفته شيخهما وهو عاصم بن عبيد الله وهو ابن عاصم بن عمر بن الخطّاب العدوي ضعيف باتفاق أهل العلم. قال البخاريّ وأبو حاتم: «منكر الحديث».
وقال العقيلي في ترجمة أشعث بن سعيد السمان: «بأنه منكر الحديث. وحديث عامر بن ربيعة ليس يروي من جهة يثبت متنه».
وكذلك لا يصح ما رُوي عن جابر، قال: كنا نصلي مع رسول الله في مسير - أو سير -، فأظل لنا غيم، فتحيرنا فاختلفنا في القبلة. فصلّي كلّ واحد منا على حدة، فجعل كل واحد منا يخط بين يديه لنعلم أمكنتنا، فذكرنا ذلك للنبيّ ﷺ فلم يأمرنا بالإعادة وقال: «قد أجزأتْ صلاتُكم».
رواه الدَّارقطنيّ (١٠٦٤)، والحاكم (١/ ٢٠٦)، والبيهقي (٢/ ١٠) كلّهم من طريق داود بن عمرو الضبيّ، ثنا محمد بن يزيد الواسطيّ، عن محمد بن سالم، عن عطاء، عن جابر، فذكره.
قال الحاكم: «هذا حديث محتج برواته كلّهم غير محمد بن سالم فإني لا أعرفه بعدالة ولا جرح، وقد تأملت كتاب الشّيخين، فلم يخرجا في هذا الباب شيئًا».
وتعقبه الذّهبيّ، فقال: «هو أبو سهل واهٍ».
قال الأعظمي: محمد بن سالم أبو سهل الهمداني ضعيف باتفاق أهل العلم حتَّى قال الدَّارقطنيّ: «إنَّه متروك الحديث».
وقال البيهقيّ: «محمد بن سالم، ومحمد بن عبد الله العرزميّ عن عطاء، وهما ضعيفان، وله أسانيد أخرى ولا نصح».
وفي الباب أيضًا ما رُوي عن معاذ بن جبل، قال: صلينا مع رسول الله ﷺ في يوم غيم في سفر إلى غير القبلة، فلمّا قضى الصّلاة وسلَّم، تجلَّت الشّمس، فقلنا: يا رسول الله صلينا إلى غير القبلة! فقال: «قد رفعتْ صلاتُكم بحقِّها إلى الله عز وجل».
رواه الطبرانيّ في «الأوسط» (٢٤٨) عن أحمد بن رشدين، حَدَّثَنَا هشام بن سلّام البصريّ، قال: حَدَّثَنَا أبو داود الطيالسيّ، قال: حَدَّثَنَا إسماعيل بن عبد الله السكونيّ، عن إبراهيم بن أبي عبلة، عن أبيه، عن معاذ، فذكره.
قال الهيثميّ في «المجمع» (٢/ ١٥): «فيه أبو عبلة والد إبراهيم ذكره ابن حبان في: الثّقات (٤/ ٣٦٧) واسمه شمر بن يقظان».
قال الأعظمي: أبو عبلة لم يرو عنه إِلَّا ابنه، ولم يوثقه أحد فهو في عداد المجهولين.
وفيه شيخ الطبرانيّ أحمد بن رشدين وهو أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين أبو جعفر المصري المهري كذَّبوه، له ترجمة في: الكامل (١/ ٢٠١)، والميزان، واللسان (١/ ٥٩٤).
وقد قال البيهقيّ: ولم نعلم لهذا الحديث إسنادًا صحيحًا قويًّا، وذلك لأنَّ عاصم بن عبيد الله بن عمر العمري ومحمد بن عبيد الله العرزمي ومحمد بن سالم السكوني كلّهم ضعفاء».
قال الترمذيّ عقب حديث عامر بن ربيعة: «وقد ذهب أكثر أهل العلم إلى هذا. قالوا: إذا صلى في الغيم لغير القبلة ثمّ استبان له بعد ما صلى أنه صلى لغير القبلة، فإن صلاته جائزة. وبه يقول سفيان الثوريّ، وابن المبارك، وأحمد، وإسحاق» انتهى. وبه قال أيضًا أبو حنيفة وأصحابه.
وذهب مالك والشافعي إلى أنه يعيد الصّلاة إذا لم يخرج وقتها.

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 197 من أصل 1241 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: كنا في ليلة مظلمة فلم ندر أين القبلة؟ فصلي كلّ رجل منا على حياله

  • 📜 حديث: كنا في ليلة مظلمة فلم ندر أين القبلة؟ فصلي كلّ رجل منا على حياله

    نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

  • 🔍 صحة حديث: كنا في ليلة مظلمة فلم ندر أين القبلة؟ فصلي كلّ رجل منا على حياله

    تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.

  • 📖 تخريج حديث: كنا في ليلة مظلمة فلم ندر أين القبلة؟ فصلي كلّ رجل منا على حياله

    تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.

  • 📚 شرح حديث: كنا في ليلة مظلمة فلم ندر أين القبلة؟ فصلي كلّ رجل منا على حياله

    شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Wednesday, November 19, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب