إذا أرسلت كلبك فخالطته أكلب لم تسم فلا تأكل

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد،
حياكم الله و بياكم أيها السائل الكريم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب. هذا الحديث الذي سألت عنه حديث عظيم، فيه بيان لحكم مهم من أحكام الصيد، وهو من رواية الصحابي الجليل عدي بن حاتم الطائي رضي الله عنه، وكان من كبار العرب في الجاهلية والإسلام، وقد رواه الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما.

---

أولاً. شرح مفردات الحديث:

● الصيد: هو الحيوان المباح الذي يصطاده الإنسان للانتفاع به.
● أرسلتَ كلبك: أي أطلقته وأمرته بالصيد.
● فخالطته أكلب: أي اختلط به كلاب أخرى (جمع كلب).
● لم تُسمِّ عليها: أي لم تذكر اسم الله عند إرسالها. والتسمية شرط لصحة الصيد.
● فلا تأكلْ: أي لا يحل لك أن تأكل من هذا الصيد.

---

ثانياً. شرح الحديث:

يخبرنا الصحابي الجليل عدي بن حاتم رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن حكم صيد الكلب، فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الجواب الواضح الذي يبين شرطاً مهماً من شروط صحة الصيد.
ومعنى الحديث: إذا أرسلت كلبك المُعلَّم على الصيد (الذي قد دربته على الاصطياد ولا يأكل منه إذا صاد) وذكرت اسم الله عند إرساله (بأن تقول: بسم الله)، ثم اختلط بكلاب أخرى لم تذكر اسم الله عند إرسالها، وصادت هذه الكلاب جميعاً حيواناً، فلا يحل لك أن تأكل من هذا الصيد؛ لأنك لا تدري أي هذه الكلاب هو الذي قتل الصيد، هل هو كلبك الذي سميت عليه فصيده حلال، أم الكلاب الأخرى التي لم تسم عليها فصيدها غير حلال.

---

ثالثاً. الدروس المستفادة والفقه في الحديث:

1- اشتراط التسمية على الصيد: يشترط لحل الصيد أن يذكر الصائد اسم الله تعالى عند إرسال كلبه أو إطلاق سهمه، لقوله تعالى: {وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} [المائدة: 4]. فالتسمية عند الإرسال شرط لإباحة الصيد.
2- وجوب العلم بالسبب المحلِّل: الأصل في الأشياء الحل والإباحة، ولكن المحرم يحتاج إلى سبب معروف يحرمه. فإذا التبس السبب المحلل (كلبك الذي سميت عليه) بالسبب المحرم (الكلاب الأخرى التي لم تسم عليها)، وتردد الأمر بينهما، فإنه يُتَّقى الشبهة ويترك الأكل؛ درءاً للحرام، وهذا من باب سد الذرائع.
3- التحرز من الشبهات: هذا الحديث أصل عظيم من أصول الدين، وهو اجتناب الشبهات. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ». فتركك للأكل في هذه الحالة طاعة لله ورسوله، وحفاظ على دينك وعرضك.
4- التعليم والتبيين: في الحديث بيان لحكمة الشرع، حيث بين النبي صلى الله عليه وسلم العلة في التحريم وهي عدم العلم بالقاتل، مما يدل على أن الأحكام الشرعية مبنية على حكم ومصالح.
5- جواز السؤال عن أمور الدين: حرص الصحابة رضي الله عنهم على سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن كل ما يشكل عليهم، وهذا دليل على حرصهم على تعلم دينهم وتطبيقه على بصيرة.

---

رابعاً. معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الحكم (تحريم الصيد إذا اختلط كلبك بكلاب أخرى) خاص بحال الاشتراك في الصيد، أما إذا كان كلبك هو الذي قتل الصيد وحده ثم جاءت كلاب أخرى بعده، فالصيد حلال.
- يشترط في الكلب المعلم أن يكون قد أدب على ألا يأكل من الصيد إذا صاده، بل يمسكه لصاحبه.
- هذا الحكم ينطبق أيضاً على الصيد بالبندقية (الآلة الصارمة) إذا اشترك في الصيد أكثر من صياد، ولم يعلم من الذي أصاب الصيد.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.