كل مما أمسكت عليك كلابك المكلبة

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد،
فيسرني أن أقدم لكم شرحًا وافيًا لهذا الحديث النبوي الشريف، معتمدًا على كُتب أهل السنة والجماعة المعتمدة، مثل صحيح البخاري وصحيح مسلم، وشروحهما، وكتب الفقه المقارن.

---

نص الحديث:

عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن أعرابيًا يقال له: أبو ثعلبة قال: يا رسول الله! إن لي كلابًا مكلبة فأفتني في صيدها. فقال النبي ﷺ: «إن كان لك كلاب مكلبة فكل مما أمسكن عليك». قال: ذكيا أو غير ذكي؟ قال: «نعم». قال: فإن أكل منه قال: «وإن أكل منه». قال: يا رسول الله، أفتني في قوسي. قال: «كل ما ردت عليك قوسك». قال: «ذكيا أو غير ذكي». قال: وإن تغيب عني؟ قال: «وإن تغيب عنك ما لم يصل أو تجد فيه أثرًا غير سهمك». قال أفتني في آنية المجوس إذا اضطررنا إليها؟ قال: «اغسلها وكل فيها».

---

1. شرح المفردات:

● أعرابي: من سكان البادية، المعروف بفصاحته وصراحته.
● مكلبة: مُعَلَّمَةٌ ومُدَرَّبَةٌ على الصيد. والمكلب: هو الكلب المُعَلَّم.
● أفتني: أعطني فتوى، أو بين لي الحكم.
● ذكيا أو غير ذكي: أي هل يشترط أن أذكيه (أذبحه) أم لا؟
● وإن أكل منه: أي حتى لو أكل الكلب من الصيد بعد أن قتله.
● قوسي: أي السهم أو القوس الذي أصطاد به.
● ما ردت عليك قوسك: أي ما أصابته سهامك أو قوسك.
● وإن تغيب عني: أي إذا غاب الصيد عني بعد إصابتي له.
● ما لم يصل أو تجد فيه أثرًا غير سهمك: أي ما دام لم يسقط في الماء (فيُفسد) أو تجد فيه أثر صيد آخر غير سهمك.
● آنية المجوس: أواني أهل المجوس (وهم عبدة النار، وكانوا كفارًا).
● إذا اضطررنا إليها: إذا احتجنا لاستخدامها لعدم وجود غيرها.

---

2. شرح الحديث:

هذا الحديث العظيم يتضمن ثلاثة أسئلة مهمة في أبواب الصيد والطعام، وأجاب عنها النبي ﷺ بإجابات جامعة:
السؤال الأول: عن صيد الكلاب المعلمة:
- سأل أبو ثعلبة عن حكم صيد كلابه المُعَلَّمَة (المكلبة). فأجابه النبي ﷺ: «إن كان لك كلاب مكلبة فكل مما أمسكن عليك». أي إذا كان لديك كلاب مُدَرَّبَة على الصيد، فما صادته لك وأمسكته حتى أتيتَ إليه، فَحِلُّ أكله.
- ثم سأل: «ذكيا أو غير ذكي؟» أي هل يجب أن أذكيه (أذبحه) أم لا؟ فأجاب النبي ﷺ: «نعم»، أي لا يشترط التذكية؛ لأن افتراس الكلب المعلم يقوم مقام التذكية.
- ثم سأل: «فإن أكل منه» أي إذا أكل الكلب من الصيد بعد قتله، فهل يحل؟ فأجاب: «وإن أكل منه»، أي حتى لو أكل منه، فهو حلال. وهذا من رحمة الشريعة ويسرها.
السؤال الثاني: عن الصيد بالسهم (القوس):
- سأل عن الصيد بالقوس أو السهم، فأجاب النبي ﷺ: «كل ما ردت عليك قوسك»، أي ما أصابته سهامك وقوسك.
- ثم سأل: «ذكيا أو غير ذكي؟» فأجاب بأنه لا يحتاج إلى تذكية؛ لأن الإصابة بالسهم تقوم مقام التذكية.
- ثم سأل: «وإن تغيب عني؟» أي إذا غاب الصيد عني بعد إصابتي إياه، فهل آكله؟ فأجاب: «وإن تغيب عنك ما لم يصل أو تجد فيه أثرًا غير سهمك»، أي يحل لك أكله حتى لو غاب عنك، بشرط ألا يسقط في الماء فيتغير (فسادًا)، أو تجد فيه أثر صيد آخر غير سهمك (مثل أن يكون قد أصابه حيوان مفترس آخر).
السؤال الثالث: عن آنية المجوس:
- سأل عن حكم استخدام أواني المجوس (الكفار) إذا اضطر إليها، فأجاب النبي ﷺ: «اغسلها وكل فيها»، أي اغسلها جيدًا لتتطهر من النجاسة المحتملة (كأثر الخمر أو لحم الخنزير)، ثم استخدمها للأكل والشرب.

---

3. الدروس المستفادة منه:

1- يسر الشريعة الإسلامية وسماحتها: حيث أباحت أكل الصيد بالكلب المعلم والسهم بدون تذكية، تخفيفًا على الناس.
2- التفصيل في الفتوى والإجابة على أسئلة الناس: النبي ﷺ أجاب على كل سؤال بتفصيل ووضوح.
3- طهارة أواني الكفار بالغسل: إذا غُسلت جيدًا، فإنها تطهر ويجوز استخدامها.
4- جواز أكل الصيد حتى لو أكل الكلب منه: وهذا من رحمة الله تعالى وتوسيعه على عباده.
5- الأخذ بالأسباب مع التوكل على الله: استخدام الكلاب المعلمة والسهام للصيد مشروع، مع التوكل على الله في الرزق.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الحديث رواه الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما، وهو من الأحاديث الصحيحة المتعلقة بأحكام الصيد.
- الفقهاء استنبطوا من هذا الحديث أن الصيد بالآلات الحادة (كالسهام والرماح) والكلاب المعلمة يجوز، ولا يحت