إذا رميت سهمك فاذكر اسم الله

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد،
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يزيدنا وإياك فهماً لشرع الله تعالى. هذا حديث عظيم من جوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم، يتعلق بآداب الصيد وأحكامه، وسأشرحه لك على النحو التالي:

---

أولاً. شرح المفردات:

● الصيد: هو الحيوان المباح الذي يصطاده الإنسان من البر (كالأرانب والغزلان والطيور) بشرطه وآدابه.
● رميت سهمك: أي أطلقت ما تصيد به، سواء كان سهماً من قوس، أو رصاصة من بندقية، أو ما شابه ذلك من آلات الصيد القاتلة.
● فاذكر اسم الله: أي قل: "بسم الله" عند إطلاق السهم أو الرصاصة.
● فإن وجدته قد قتل: أي إذا وصلت إلى الصيد فوجدته ميتاً بسبب إصابتك له.
● وقع في ماء: أي سقط في ماء غزير (نهر، بئر، بحيرة) ومات غرقاً.

---

ثانياً. شرح الحديث:

يخبر الصحابي الجليل عدي بن حاتم رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن حكم الصيد، فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الجواب الجامع الذي يبين شرطين أساسيين لإباحة أكل الصيد:
1- شرط التسمية: أن يذكر الصائد اسم الله تعالى (بأن يقول: بسم الله) عند إطلاق سهمه أو سلاحه. وهذا الشرط له حكمة عظيمة، وهي تمييز فعل المسلم عن فعل الكافر، وجعل هذا الفعل عبادة يتقرب بها إلى الله، وليس مجرد لهو أو قتل للحيوان بلا طائل.
2- شرط اليقين في سبب الموت: أن يتيقن الصائد أن سبب موت الصيد هو سلاحه (السهم) الذي أصابه، لا شيء آخر. وهذا هو موضع التفصيل في الحديث:
* إذا وجد الصيد مقتولاً بسلاحه في البر: فيجوز له أن يأكله، لأنه قد تحقق الشرطان: التسمية والموت بالسلاح.
* إذا وجد الصيد قد سقط في ماء ومات: فهنا يحرم الأكل، لأن الصائد لا يستطيع الجزم بسبب الموت، أهو الإصابة بسلاحه أم الغرق في الماء؟ فإذا غرق في الماء، فإنه يعتبر ميتة (وهي حرام) لأن الماء هو الذي قتله، وليس السلاح. فاشتبه الأمر ولم يعد هناك يقين، واليقين لا يزول بالشك، فالأصل التحريم حتى يتبين اليقين.

---

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:

1- الإسلام دين اليقين: يبنى الدين على اليقين ويرفع الشكوك، فما اشتبه حله بحرمة، وجب تركه ورعاية للدين.
2- التسمية سبب للبركة: ذكر اسم الله على الأفعال يجعلها عبادة ويحقق البركة فيها، ويبعد الشيطان.
3- الرفق بالحيوان حتى في الصيد: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تعذيب الحيوان، والصيد له آداب تضمن عدم تعذيبه، كأن يكون السلاح حاداً وسريع المفعول.
4- سعة علم الصحابة وحرصهم: حرص الصحابة رضي الله عنهم على سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن تفاصيل أمور دينهم ودنياهم.
5- الأخذ بالأحوط في أمور الدين: إذا اشتبه الأمر بين الحلال والحرام، فالأولى للمسلم أن يترك ما يشك فيه حتى يتبين له الحق.

---

رابعاً. معلومات إضافية:

- هذا الحديث أصل من أصول باب "الصيد والذبائح" في الفقه الإسلامي.
- يستفاد منه أيضاً: أن الصيد إذا أصابه الصائد بسلاحه ثم فر وهرب ومات في مكان آخر، فإنه يحل بأكل إذا وجده ميتاً وعلم أنه مات بسبب جرح سلاحه.
- القاعدة المستفادة: "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب"، فالتسمية واجبة لإباحة الأكل.
أسأل الله تعالى أن يفقهنا في الدين، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وينفعنا بما علمنا.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.