نهى النبي ﷺ عن صبر البهائم للقتل

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد،
فأقدم لكم شرحًا لهذا الحديث النبوي الشريف، الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه، معتمدًا على كبار شروح الحديث المعتمدة لدى أهل السنة والجماعة.

---

نص الحديث:

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه دخل على يحيى بن سعيد، وغلام من بني يحيى رابط دجاجة يرميها، فمشى إليها ابن عمر حتى حلَّها، ثم أقبل بها وبالغلام معه، فقال: ازجروا غلامكم عن أن يصبر هذا الطير للقتل، فإني سمعت النبي ﷺ نهى أن تصبر بهيمة أو غيرها للقتل.

---

1. شرح المفردات:

● رابط دجاجة يرميها: أي أنه ربط الدجاجة وجعلها هدفًا ليرميها بالسهام أو الحجارة.
● حلَّها: فك رباطها وأطلق سراحها.
● ازجروا غلامكم: انهوه وزجروه عن هذا الفعل.
● يصبر: يأسرها ويحبسها ليعذبها أو يتخذها هدفًا.
● بهيمة:泛指الحيوانات، سواء كانت من الأنعام أو غيرها.

---

2. شرح الحديث:

يدخل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما - وهو من كبار الصحابة وأشدهم اتباعًا لسنة النبي ﷺ - على يحيى بن سعيد، فإذا به يرى غلامًا قد ربط دجاجة وجعلها هدفًا ليرميها. فما كان من ابن عمر إلا أن بادر إلى فكها وإنقاذها، ثم أخذ الغلام معه إلى ولي أمره (يحيى بن سعيد) ونهاه عن ذلك، مستدلًا بحديث النبي ﷺ الذي ينهى عن التعذيب بواسطة "التصبير"، وهو حبس الحيوان وجعله هدفًا للرمي أو التعذيب حتى الموت.
والنهي هنا يشمل أي حيوان، سواء كان طيرًا أو بهيمة، بل وحتى غيرها من المخلوقات التي يمكن أن يتعمد الإنسان إيذاءها بهذه الطريقة.

---

3. الدروس المستفادة والعبر:

1- الرفق بالحيوان: الإسلام دين الرحمة، وقد جاءت النصوص الكثيرة تأمر بالرفق بالحيوان وتحرم تعذيبه. وهذا الحديث نموذج واضح في النهي عن إيذاء الحيوان بأي شكل من الأشكال.
2- الغيرة على الشرع: موقف ابن عمر رضي الله عنه يدل على غيرته على أمر الله ورسوله، حيث لم يسكت عن المنكر بل بادر إلى إنكاره وتصحيحه.
3- التعليم والتوجيه: لم يكتفِ ابن عمر بإطلاق الدجاجة، بل أخذ الغلام معه إلى من يجب أن يؤدبه، ليعلم الجميع خطورة هذا الفعل.
4- التأسّي بالنبي ﷺ: استدلال ابن عمر بحديث النبي ﷺ يدل على أهمية التمسك بالسنة والاستشهاد بها في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
5- تحريم التعذيب للهو: نهى النبي ﷺ عن جعل الحيوانات أهدافًا للرمي أو التعذيب لمجرد اللهو أو التدريب، ما لم يكن ذلك للضرورة الشرعية (كالصيد للاقتيات والتدريب على الحرب في الحدود المسموح بها شرعًا).

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

- روى هذا الحديث الإمام البخاري في صحيحه، وهو من أصح الكتب بعد كتاب الله.
- "التصبير" محرم سواء كان بحيوان بري أو أليف، وسواء كان للقتل أو لمجرد التعذيب.
- هذا الحديث يدخل في باب "الرحمة" و"حسن الخلق" حتى مع الحيوانات، وقد قال النبي ﷺ: «في كل كبد رطبة أجر» (رواه البخاري).
- بعض الناس يظن أن الرفق بالحيوان من مكارم الأخلاق فقط، ولكنه في الإسلام أمر ديني وعبادة يتقرب بها العبد إلى الله.

---

ختامًا:

فهذا الحديث العظيم يذكرنا برحمة الإسلام، ويحذرنا من القسوة والعبث بمخلوقات الله. وهو درس عملي في كيفية إنكار المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة، كما فعل عبد الله بن عمر رضي الله عنه.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.