إذا رميت بسهمك فغاب عنك فأدركته فكله ما لم ينتن

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فسأقوم بشرح هذا الحديث الشريف شرحاً وافياً مستنداً إلى كلام أهل العلم المعتمدين لدى أهل السنة والجماعة.

---

نص الحديث:

عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا رميتَ بسهمك فغاب عنك فأدركته فكُله ما لم يُنتِنْ». وفي رواية: في الذي يدرك صيده بعد ثلاث: «فكُلْه ما لم يُنتِنْ». وزاد في رواية: «وسهمك فيه».

---

1. شرح المفردات:

● رميتَ بسهمك: أي أطلقت السهم (أو الرمح أو ما شابه) من قوسك أو بندقيتك لاصطياد الحيوان.
● فغاب عنك: أي اختفى عن ناظريك وخرج من مجال رؤيتك.
● فأدركته: أي وجدته بعد البحث.
● فكُله: أي فكل لحم هذا الصيد.
● ما لم يُنتِنْ: أي ما لم يظهر فيه تغيرٌ وفسادٌ (رائحة كريهة أو لون متغير).
● وسهمك فيه: أي وأنت متأكد من أن سهمك هو الذي أصابه وقتله.

---

2. شرح الحديث:

هذا الحديث يتعلق بأحكام الصيد، وبالتحديد في حالة ما إذا صاد المسلم حيواناً برياً مباحاً (كالأيل أو الظبي أو الطير) باستخدام سهم أو ما يشبهه، ثم غاب هذا الصيد عن عين الصائد، فلم يدرِ أهلكه السهم أم لا، ثم وجده بعد مدة.
يبيّن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث حكمين مهمين:
أولاً: إذا وجد الصائد صيده بعد غيابه، وكان لا يزال طازجاً لم يتغير (لم ينتن)، فإنه يحل له أكله، وذلك لأنه في الغالب مات بسبب الإصابة التي سببها السهم، فيعتبر مذكّى بالتذكية الشرعية (أي الذبح بطريقة الشرع) لأن الإصابة بالسلاح المعتاد في الصيد يقوم مقام الذبح.
ثانياً: يشترط أن يكون الصائد متأكداً أو غالظ الظن أن سهمه هو الذي أصاب الصيد وقتله، لأنه إذا كان هناك احتمال أن يكون مات بسبب آخر (كأن يقع من مكان عال أو يعضه حيوان مفترس) فإنه لا يحل أكله، لأنه لم يمت بالتذكية الشرعية.
والرواية التي ذكرت "بعد ثلاث" أي بعد ثلاثة أيام، تبين أن المدة ليست محدودة بيوم أو يومين، بل حتى لو طالت المدة فإن الحكم باقٍ على حلّيته ما دام لم ينتن. وهذا يدل على أن العبرة بحالة اللحم لا بالمدة، فإذا وجده طازجاً لم يتغير حلّ أكله، وإن وجده منتنًا متغيراً حرم أكله.

---

3. الدروس المستفادة منه:

1- يُسر الشريعة الإسلامية ومراعاتها للظروف: فالشريعة لم تشترط أن يرى الصائد الصيد يسقط بعد إصابته مباشرة، بل أجازت له الأكل ولو بعد مدة طويلة ما دام اللحم سليماً لم يفسد.
2- الأخذ باليقين والظن الغالب: يشترط أن يغلب على ظن الصائد أن سهمه هو الذي قتل الصيد، فإن شكّ في ذلك لم يحل له الأكل.
3- الاهتمام بالطهارة والحلال: نهى الإسلام عن أكل الميتة والمنتن، وهذا الحديث يبين أن الصيد إذا تغير وصار منتناً صار في حكم الميتة الحرام.
4- التفريق بين الصيد والحيوان المذكى: الصيد إذا أصابه المسلم بسلاحه فهو في حكم المذكى، بخلاف ما إذا مات بسبب آخر.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الحديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، وهو من الأحاديث الصحيحة المتعلقة بباب الصيد.
- الفقهاء استدلوا بهذا الحديث على أن العبرة في حل الصيد بتكون الرمية (أي إصابة السلاح) وليس مشاهدته حال الموت.
- إذا وجد الصائد مع الصيد كلباً أو سهم غيره، فإنه لا يأكله إلا إذا علم أن سهمه هو القاتل.
- من قواعد الفقه المستفادة: "اليقين لا يزول بالشك"، فالأصل أن الصيد حلال إذا رماه المسلم، ولا يزول هذا الحكم إلا بيقين الموت بغير تذكيته.

أسأل الله تعالى أن يفقهنا في الدين، وأن يعلّمنا ما ينفعنا، وينفعنا بما علمنا، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.