لا تقتلوا شيئًا من الدواب صبرًا

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما الذي نهى فيه النبي ﷺ عن قتل الدواب صبرًا، هو حديث عظيم الشأن، يدل على رحمة الإسلام ورفقه بالحيوان، ويحمل في طياته دروسًا عظيمة في الأخلاق والرحمة.

---

الحديث بلفظه:

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يُقْتَلَ شَيْءٌ مِنَ الدَّوَابِّ صَبْرًا".
(رواه مسلم في صحيحه)

---

1. شرح المفردات:

* نَهَى: أي حرّم وأمر بالكف والامتناع.
* الدَّوَابِّ: جمع دابة، وهي كل ما يدب على الأرض من الحيوانات والبهائم، سواء كانت مما يؤكل لحمه أو لا يؤكل.
* صَبْرًا: المقصود هنا هو الحبس والتعذيب، بأن تُربط الدابة أو تحبس ولا تذبح ذبحًا شرعيًّا معروفًا، بل تترك حتى تموت تعذيبًا، أو تُرمى بشيء حتى تموت، أو تُعذَّب بأي شكل من الأشكال. وأصل الصبر في اللغة: الحبس والمنع.

---

2. شرح الحديث:

معنى الحديث النبوي الشريف أن رسول الله ﷺ حرّم بشدة أن تؤخذ أي دابة من الحيوانات، فتحبس أو تربط ثم تقتل بطريقة بطيئة ومتعمدة تتسبب لها في ألم شديد ومعاناة قبل الموت، دون ذبح شرعي سريع يريحها.
ويدخل في هذا النهي أمثلة كثيرة، منها:
* أن تربط طائرًا أو غيره ثم يُرمى به حتى يموت (كما كان يفعل بعض الناس للهو أو التدريب).
* أن تحبس حيوانًا وتتركه ليموت جوعًا أو عطشًا.
* أن يعذَّب الحيوان بالنار أو بالضرب المبرح حتى الموت.
* وهذا النهي يشمل حتى الحيوانات المؤذية التي يجوز قتلها، فينهى عن تعذيبها "صبرًا" ويأمر بأن يقتلها الإنسان قتلاً سريعًا يريحها من سائر طرق الإيذاء.

---

3. الدروس المستفادة منه:

1- الرحمة بالحيوان: هذا الحديث أصل عظيم من أصول الرحمة بالحيوان في الإسلام، الذي سبق كل المنظمات والجمعيات الحديثة في الدفاع عن حقوق الحيوان. فالإسلام لا يبيح القسوة أو التعذيب لأي كائن حي.
2- تحريم التعذيب بأي شكل: النهي هنا عام، فيشمل تحريم أي وسيلة قتل تتسم بالبطء والتعذيب، سواء كان للهو أو للانتقام أو لغيره.
3- الإحسان في كل شيء: من قواعد الإسلام العظيمة "إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ". فحتى عند الذبح أو القتل (للحيوانات المباحة أو المؤذية)، يجب أن يكون بالإحسان، باستخدام آلة حادة وإجراء سريع ي minimise الألم.
4- التكريم الإلهي للإنسان مسؤولية: كرم الله الإنسان وسخر له الحيوانات، ولكن هذا التسخير ليس للإساءة والتعذيب، بل للانتفاع بها بالمعروف وبالطريقة التي شرعها الله والتي تحفظ حق الحيوان في عدم التعذيب.
5- النهي عن التشبه بالكافرين: كان بعض العرب في الجاهلية يفعلون مثل هذه الأفعال من تعذيب الحيوانات، فجاء الإسلام ليهذب الأخلاق ويمنع هذه التصرفات الوحشية.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

* الذبح الشرعي رحمة: شرع الإسلام الذبح بطريقة محددة (بآلة حادة، وقطع الودجين والحلقوم والمريء) لأنها أسرع طريقة لإزهاق الروح وأقلها ألمًا للحيوان، حيث يفقد الوعي سريعًا due to هبوط ضغط الدم المفاجئ في الدماغ. فهي ليست قسوة، بل على العكس هي ذروة الرحمة.
* هل النهي للتحريم أم للكراهة؟: جمهور العلماء على أن هذا النهي يقتضي التحريم، وأن تعذيب الحيوان حتى الموت من الكبائر.
* التعامل مع الحيوانات المؤذية: إذا كان必须ٌ قتل حيوان مؤذٍ (كعقرب أو فأر أو كلب عقور)، فيجب أن يقتل بأسرع طريقة ممكنة وأقلها ألماً، ولا يعذب.
* حديث آخر يؤكد المعنى: عن شداد بن أوس رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: "إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ". (رواه مسلم)
نسأل الله تعالى أن يرزقنا الفقه في ديننا والرحمة بخلقه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.