قائمة السور | مواضيع القرآن الكريم مرتبة حسب الآيات :آيات القرآن الكريم مقسمة حسب كل موضوع و فئة | لقراءة سورة كاملة اختر من : فهرس القرآن | - للاستماع للقراء : القرآن الكريم mp3
آيات قرآنية عن القتال في القرآن الكريم
✅ مواضيع القرآن الكريم
﴿وَقَٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَكُمۡ وَلَا تَعۡتَدُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُعۡتَدِينَ ﴾ [البقرة: 190]
إن هناك قيمًا عُظمى فوق ما يراه دارسو الطبيعة والفَلَك، إنها قيمةُ شريعة الله وإقامتها، فإن تلك الأهلَّة الدائبة في السماء قد جعلها الله مواقيتَ للعبادات والطاعات. البِرُّ اسمٌ جامعٌ للتحقُّق بالتقوى ظاهرًا وباطنًا، واستحضار مراقبة الله دائمًا. فلنتحرَّ في أعمالنا كلِّها أن نأتيَها من وجهها الصحيح، فما يُطلب من غير وجهه حريٌّ ألا يوصَلَ إليه. فلاحُك أيها المسلمُ مَنوطٌ بأن تجعلَ بينك وبين عذاب الله وقاية؛ بامتثالك لأمره، والتزامك بشرعه. إنما شُرع القتال لإعلاء كلمة الله في الأرض، وإقرارِ منهجه في الحياة، وحمايةِ المؤمنين به أن يُفتَنوا عن دينهم، وما عدا ذلك فظلمٌ وتعدٍّ وليس من الشرع في شيء. العدوان محرَّم حتى على من وجبَ قتالُه من الكفَّار المحارِبين، فكيف بمَن يعتدي على إخوانه المؤمنين، ويَشهَرُ سيفَه في وجوه الموحِّدين؟! |
﴿وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا تُلۡقُواْ بِأَيۡدِيكُمۡ إِلَى ٱلتَّهۡلُكَةِ وَأَحۡسِنُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ ﴾ [البقرة: 195]
الإمساك عن الإنفاق في سبيل الله تعالى تَهلُكةٌ للنفس بالشحِّ، وتهلُكةٌ للجماعة بالعجز والضعف، وإغراءٌ للعدوِّ بالتسلُّط. كتب الله الإحسانَ في كلِّ شيءٍ حتى في الإنفاق وفي القتال؛ لتكونَ الأمَّة المسلمة أمَّةَ الإحسان التامِّ، على مدار العصور، وتعاقُب الدهور. |
﴿كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِتَالُ وَهُوَ كُرۡهٞ لَّكُمۡۖ وَعَسَىٰٓ أَن تَكۡرَهُواْ شَيۡـٔٗا وَهُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۖ وَعَسَىٰٓ أَن تُحِبُّواْ شَيۡـٔٗا وَهُوَ شَرّٞ لَّكُمۡۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216]
كراهة النفس للقتال لِـما يُخامره من مشقَّة وفزع، مع التسليم والرضا بالتكليف، كراهةٌ فِطريَّة لا تنافي الإيمانَ ولا ينكرها الإسلام؛ لأن الشريعة متَّفقة مع الفِطرة. ألا فلتطمئنَّ النفوسُ المؤمنة برحمة الله البصير بمواضع ضعفها، العليم بمشقَّة ما كتبه عليها، الآمر لها بما فيه خيرُها وبِرُّها. متى اعتقدتَّ قصورَ علمك، وكمالَ علم ربِّك، كنتَ على يقين أنه سبحانه لا يأمرك إلا بما فيه صلاحُك، سواءٌ أوافق هواك أم خالف مُرادك. مَن علم أن المكروهَ قد يأتي بالمحبوب، والمحبوبَ قد يأتي بالمكروه، امتثل أمرَ ربِّه في جميع أحواله، واستسلم لقدَره وقضائه؛ لأنه لا يعلم عواقبَ الأمور إلا هو. لعلَّ الهُلك والمضرَّة فيما نرجوه ونطلبه، ولعلَّ الفلاحَ والصلاح فيما نكرهه ونتجنَّبه، فلنسأل ربَّنا دومًا حُسن الاختيار، وأن يرضِّينا بما يختاره ويقدِّره. |
﴿يَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهۡرِ ٱلۡحَرَامِ قِتَالٖ فِيهِۖ قُلۡ قِتَالٞ فِيهِ كَبِيرٞۚ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَكُفۡرُۢ بِهِۦ وَٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ وَإِخۡرَاجُ أَهۡلِهِۦ مِنۡهُ أَكۡبَرُ عِندَ ٱللَّهِۚ وَٱلۡفِتۡنَةُ أَكۡبَرُ مِنَ ٱلۡقَتۡلِۗ وَلَا يَزَالُونَ يُقَٰتِلُونَكُمۡ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمۡ عَن دِينِكُمۡ إِنِ ٱسۡتَطَٰعُواْۚ وَمَن يَرۡتَدِدۡ مِنكُمۡ عَن دِينِهِۦ فَيَمُتۡ وَهُوَ كَافِرٞ فَأُوْلَٰٓئِكَ حَبِطَتۡ أَعۡمَٰلُهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ ﴾ [البقرة: 217]
الإسلام يرعى حرُمات مَن يرعَون الحرُمات، ولا يسمح بأن تُتَّخذَ الحرُمات دروعًا يحتمي بها مَن ينتهكها ويرتكب كلَّ منكر ظانًّا أنه في منجاةٍ من القِصاص بحُجَّة صون الحرُمات. جريمة القتل مع عِظَمها تهون أمام جريمة الكفران، والصدِّ عن سبيل الرحمن، وتشريد أهل الهُدى والإيمان. إن كلَّ جريمة من هذه الجرائم أشدُّ ضررًا، وأعظم خطرًا. إن وجود الإسلام في الأرض فيه غيظٌ لأعداء الدِّين، ورعبٌ لهم في كلِّ حين، فهو من القوَّة بحيثُ يخشاه كلُّ مبطِل، ويرهبه كلُّ باغ، ويكرهه كلُّ مفسد. مع يقين الكفَّار في قرارة نفوسهم أن المؤمنين على الحقِّ، وأنهم منصورون، تراهم لا يفتَؤون يقاتلونهم ليردُّوهم عن دينهم، أوَليس المؤمنون أحقَّ بقتالهم دفاعًا عن دينهم، وإعلاءً لكلمة ربِّهم؟! أعظم غايات الكافرين وأسمى أمانيِّهم التي يقاتلون المسلمين للوصول إليها؛ أن يردُّوا المسلمَ عن دينه، ويفتنوه في عقيدته التي هي أغلى ما عنده. في لحظةٍ واحدة قد يحبَط عملك كلُّه، وتتلاشى جهودك كلُّها، فإيَّاك أن تأمنَ على نفسك، واحذر الردَّة واجتنب أسبابها. |
﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أُوْلَٰٓئِكَ يَرۡجُونَ رَحۡمَتَ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ﴾ [البقرة: 218]
هؤلاء هم خيارُ هذه الأمَّة، جعلهم الله من أهل الرجاء في رحمته، لنعلمَ أنه من رجا الله جدَّ في طلب ما عنده، بامتثال أمره واجتناب نهيه، ولم يتمنَّ عليه الأمانيَّ. إن رحمةَ الله لا تُرتجى بالتمنِّي والكسل، ولكن بالتشمير عن ساعد الجِدِّ والعمل؛ إيمانًا واستقامةً وجهادًا. |
﴿وَقَٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ ﴾ [البقرة: 244]
ألا لا يقعُدنَّ بكم حبُّ الحياة وحذرُ الموت عن الجهاد في سبيل الله؛ فإن الموت والحياة بيده تعالى، هو وحدَه واهبُ الحياة وآخذها. مَن رامَ الفوزَ والفلاح فليقاتل في سبيل الله لا في سبيل غايةٍ أخرى، وتحت راية الله لا تحت رايةٍ أخرى. إن الله يسمع القولَ ويعلم ما وراءه، يسمع الدعاء فيستجيب لصاحبه، ويعلم ما يُصلح الحياةَ والقلوب، ولا يَضيع عنده عملُ عامل، فكن من هذا على يقين. |
﴿أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلۡمَلَإِ مِنۢ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ مِنۢ بَعۡدِ مُوسَىٰٓ إِذۡ قَالُواْ لِنَبِيّٖ لَّهُمُ ٱبۡعَثۡ لَنَا مَلِكٗا نُّقَٰتِلۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۖ قَالَ هَلۡ عَسَيۡتُمۡ إِن كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِتَالُ أَلَّا تُقَٰتِلُواْۖ قَالُواْ وَمَا لَنَآ أَلَّا نُقَٰتِلَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَدۡ أُخۡرِجۡنَا مِن دِيَٰرِنَا وَأَبۡنَآئِنَاۖ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقِتَالُ تَوَلَّوۡاْ إِلَّا قَلِيلٗا مِّنۡهُمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّٰلِمِينَ ﴾ [البقرة: 246]
لا تتمنَّ لقاء العدو، ولا تعرِّض نفسك لمواطن الفتن، وسَل الله دومًا السلامةَ والعافية؛ فإنك لا تدري لعلَّك لا تقوى على مواجهة الأعداء، ولا تثبُت في أرض الابتلاء. إيَّاك والاعتمادَ على وعود الرَّخاء، والاكتراثَ بأحاديث المجالس، وانتظر ساعةَ الجِدِّ، لتُنبئَك الأحداث بالحقائق، فعلى المِحَكِّ تُعرَف المعادن. تلك حال الأشراف وعِلية القوم من اليهود مع نبيِّهم؛ لا يوفون بالعهد، ولا يحترمون الميثاق، فكيف حالُهم مع غيره؟! فتأمَّل. من مكاسب المُلكِ اجتماع الكلمة ووحدة الصَّفِّ في سبيل الله، وقيادة الجماعة لإقامة حُكم الله في الأرض. حذارِ أن تكونَ من الذين يُبرمون عقودًا ثم يخلفونها، ويطلبون أمورًا ثم إذا تحقَّقت يَنكُلون عنها، فإن ذلك من سِيما الظالمين. لا تيئسَنَّ من قومٍ غلب فيهم الفاسدون أن تخرجَ منهم ثُلَّة تقوم بالحقِّ وتنصرُه، ويكتبَ الله على يديها الخيرَ الكثير. شأن بني إسرائيلَ عجيبٌ غريب؛ لا يذَرون سبيلًا للاحتيال على الشرع إلا سلكوه، ولا طريقًا للنُّكوص عن الحقِّ إلا قصدوه! ألا إنهم هم الظالمون، فلنُخالف عن أمرهم، ولنُباعد عن سَمتهم. هذا شأن اليهود في المخاتلة عن شرع الله، والنُّكوص عن أمره وحُكمه، فما الظنُّ بهم في تعاملهم مع المسلمين؟ إنهم لن يرعَوا فيهم إلًّا ولا ذمَّة. |
﴿تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ نَتۡلُوهَا عَلَيۡكَ بِٱلۡحَقِّۚ وَإِنَّكَ لَمِنَ ٱلۡمُرۡسَلِينَ ﴾ [البقرة: 252]
من أشرف ما يثبِّت الإنسانَ على الحقِّ نظرُه في كتاب ربِّه، وتدبُّر ما فيه من سِيَر السابقين، وسُنن الله في الغابرين، فإن سنَّة الله ماضيةٌ في الخالفين، ولن تجدَ لسنَّة الله تبديلا. ليس كقَصص القرآن قَصصٌ تستحقُّ الإجلالَ والادِّكار؛ كيف لا وفيها من العِبَر الواضحات، ومن الأخبار والعِظات، ما ينطِق بصدق النبوَّة، ويشهد على أنها تنزيلُ الحكيم الخبير؟! |
﴿مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنۢبَتَتۡ سَبۡعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنۢبُلَةٖ مِّاْئَةُ حَبَّةٖۗ وَٱللَّهُ يُضَٰعِفُ لِمَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 261]
حتى يثمرَ البَذرُ لا بدَّ أن يكونَ صالحًا، في أرضٍ خِصبة، يتولَّاه غيثٌ نافع. وكذا النفقةُ لا بدَّ أن تكونَ بنيَّةٍ صالحة، موضوعةً في مصارفها الشرعيَّة، مَصونةً عمَّا يمنع إثمارها، حتى يُغيثَها الله بالقَبول. أخلص نيَّتك لله، ولا تحقِر من المعروف شيئًا، فإن الله يربِّي صدَقاتك ويُنمِّيها كما ينمو الزَّرع في الأرض الطيِّبة. إنما تتضاعف الأجورُ بحسب حال المتصدِّق والمتصدَّق عليه، وبقَدر الإخلاص ومحبَّة الخير والإيثار على النفس، وبحسَب الزمان والمكان. إن الله ﴿واسعٌ﴾ لا يتعاظمُه شيء، ولا يَنقُصه العطاء على كثرته، ﴿عليمٌ﴾ بنيَّة المنفِق ومقدار إنفاقه، ومَن يستحقُّ مضاعفةَ الأجر ومَن لا يستحقُّها. |
﴿وَلَا تَهِنُواْ وَلَا تَحۡزَنُواْ وَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 139]
العلوُّ معنًى لا يناله إلا المؤمنون الصادقون، سواء قُدِّر لهم بالغلَبة والتمكين، أو ادُّخِر لهم في جنان الخُلد والتكريم. على المؤمن في كلِّ أحواله - ولا سيَّما عند الابتلاء - أن يطردَ الحزنَ عن قلبه، والوهنَ عن بدنه، فإنهما ممَّا يزيد المصيبةَ فيه، ويعين عدوَّه عليه، وليرضَ بقدَر الله؛ فإنه شفاءٌ لبَلواه. أمر الله الصَّحابةَ بترك الحزَن ونبذ الوهَن، وقد أُخرجوا من ديارهم وأموالهم وقُتل منهم مَن قُتل، فما شأنُ مَن هم أقلُّ منهم ابتلاءً؟! |
﴿أَمۡ حَسِبۡتُمۡ أَن تَدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ وَلَمَّا يَعۡلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ مِنكُمۡ وَيَعۡلَمَ ٱلصَّٰبِرِينَ ﴾ [آل عمران: 142]
يا لها من تسليةٍ للمؤمنين إلى يوم الدين، تُطيِّب خواطرهم في كلِّ موقف يألَمون فيه! المطالب العالية لا بدَّ لتحصيلها من صبرٍ ونصَب، ومَن عرَف قدرَ مطلوبه سهُل عليه بذلُ مجهوده. التكاليف الجِسام لا تقتصر على الجهاد، فثمَّة ميادينُ دعويَّة كثيرةٌ تحتاج إلى الصبر والبذل. |
﴿وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيّٖ قَٰتَلَ مَعَهُۥ رِبِّيُّونَ كَثِيرٞ فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا ٱسۡتَكَانُواْۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّٰبِرِينَ ﴾ [آل عمران: 146]
من فوائد ذكر مآثر الصالحين: تحريكُ الهِمَم واستنهاضُ العزائم، وإيقاظُ الغَيرة المحمودة في السِّباق إلى الخيرات. حبُّ الله للصابرين حبٌّ يأسو الجُرح، ويمسح القَرح، ويعوِّض عن الضُّرِّ. |
﴿ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيۡكُم مِّنۢ بَعۡدِ ٱلۡغَمِّ أَمَنَةٗ نُّعَاسٗا يَغۡشَىٰ طَآئِفَةٗ مِّنكُمۡۖ وَطَآئِفَةٞ قَدۡ أَهَمَّتۡهُمۡ أَنفُسُهُمۡ يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَيۡرَ ٱلۡحَقِّ ظَنَّ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِۖ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ ٱلۡأَمۡرِ مِن شَيۡءٖۗ قُلۡ إِنَّ ٱلۡأَمۡرَ كُلَّهُۥ لِلَّهِۗ يُخۡفُونَ فِيٓ أَنفُسِهِم مَّا لَا يُبۡدُونَ لَكَۖ يَقُولُونَ لَوۡ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلۡأَمۡرِ شَيۡءٞ مَّا قُتِلۡنَا هَٰهُنَاۗ قُل لَّوۡ كُنتُمۡ فِي بُيُوتِكُمۡ لَبَرَزَ ٱلَّذِينَ كُتِبَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقَتۡلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمۡۖ وَلِيَبۡتَلِيَ ٱللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمۡ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ ﴾ [آل عمران: 154]
مَن ظنَّ بأن الله لا ينصُر رسوله، ولا يؤيِّده وحزبَه، فقد ظنَّ بالله ظنَّ السوء، ونسبَه إلى خلاف ما يليق بكماله وجلاله، وذلك من علامات النفاق وخِصال المنافقين. كم تنطوي نفوسٌ على سوء ظنٍّ بالله، ويخطِر لها أن لو كانت المقاديرُ بأيديها، والشرائع من صُنع عقولها، ولكنَّ الأمر بفضل الله أحكمُ وأهدى. أمر هذا الدِّين كلُّه لله وحدَه، وما على العبد إلا أن يؤدِّيَ واجباته، ويفيَ بعهوده، ويسلِّمَ الأمر بعد ذلك للحكيم العليم. كلَّما أُصبتَ بمصيبةٍ فجعلَت نفسُك تلومك وتقول: لو فعلتَ كذا لما كان ذا. . فقل لها: لو كنتِ في دارك لبرَزتِ إلى مصائبك، فلا مفرَّ من القدَر. ليس كالمِحنة مِـحَكٌّ يكشف ما تخفيه النفوس، فينفي عنها الزَّيفَ والرِّياء، ويُبرزها على حقيقتها بلا طِلاء. دَع عنك الرهبةَ ممَّا يُضمره المنافقون، وما يتربَّص به الأعداء الحاقدون، فإن الله به عليم، فتوكَّل على الجليل العظيم، فهو حسبُك ونعم الوكيل. |
﴿وَلَئِن مُّتُّمۡ أَوۡ قُتِلۡتُمۡ لَإِلَى ٱللَّهِ تُحۡشَرُونَ ﴾ [آل عمران: 158]
ما من أحدٍ إلا وسيموت، سواءٌ على فراشه أم في ساحات القتال، لكنَّ مصيره إلى الله وحدَه، فمن سعيدٍ بما قدَّم، ومن قارعٍ سنَّ النَّدم. |
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱصۡبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 200]
على العبد أن يلازمَ الصبر، ولا ينقطعَ عن مجاهدة نفسه عليه في جميع حالاته؛ فإنَّ الصبر محتاجٌ إلى صبر. ما أفلحَ عبدٌ إلا بالصبر والمصابرة، والجهاد والمرابطة، ولا خابَ إلا وكان إخلالُه بها أو ببعضها سببَ خَيبته. إذا كان أهلُ الباطل يَمضون في باطلهم بصبرٍ وإصرار، فما أجدرَ أهلَ الحقِّ أن يكونوا أعظمَ منهم صبرًا وإصرارًا. لا ينفع المؤمنَ الصبرُ ولا المصابرة ولا المرابطة إلا بالتقوى، كما أن التقوى لا تقوم إلا على ساق الصبر، فهي صفاتٌ يقوم بعضُها ببعض. |
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ خُذُواْ حِذۡرَكُمۡ فَٱنفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ ٱنفِرُواْ جَمِيعٗا ﴾ [النساء: 71]
على المؤمن أن يُعدَّ لكلِّ معركة أدواتِها؛ فالسِّلاحُ يواجَه بالسِّلاح، والحُجَّةُ تُقارَعُ بالحُجَّة، والخلُق الذميم يُقابَل بالترفُّع عنه. الحسُّ الأمنيُّ ضرورةٌ شرعيَّة وضرورة حياتيَّة، وما أحرانا أن نتعهَّدَه في نفوسنا! |
﴿أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ قِيلَ لَهُمۡ كُفُّوٓاْ أَيۡدِيَكُمۡ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقِتَالُ إِذَا فَرِيقٞ مِّنۡهُمۡ يَخۡشَوۡنَ ٱلنَّاسَ كَخَشۡيَةِ ٱللَّهِ أَوۡ أَشَدَّ خَشۡيَةٗۚ وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبۡتَ عَلَيۡنَا ٱلۡقِتَالَ لَوۡلَآ أَخَّرۡتَنَآ إِلَىٰٓ أَجَلٖ قَرِيبٖۗ قُلۡ مَتَٰعُ ٱلدُّنۡيَا قَلِيلٞ وَٱلۡأٓخِرَةُ خَيۡرٞ لِّمَنِ ٱتَّقَىٰ وَلَا تُظۡلَمُونَ فَتِيلًا ﴾ [النساء: 77]
جهاد النفس مقدَّمٌ على جهاد العدوِّ، فمَن انتصر على نفسه قوِيَ على مواجهة عدوِّه. مَن استعجل الأمرَ قبل أوانه، ولم يصبر عليه أوانَ حُلوله، كان ذلك أَمارةً على أن استعجاله كان تهوُّرًا لا شجاعة. نقل الأقوالِ إلى أعمالٍ صالحة، والإراداتِ إلى أفعالٍ صادقة، من أَمارات الصدق. حين تغيب شمسُ أُمنيَّاتِ النهار، بظهور ليل الأخطار، حينئذٍ يبحث ذوو الحماسة الزائفة عن أعذارٍ تُعفيهم من المواجهة. كيف يلهو العاقلُ بمتاع قليل زائل، متناسيًا به المتاعَ الكثير الدائم؟ على أن ذلك القليل منغَّصٌ بالمكروهات! إن اشتدَّت على نفسك التكاليف، وثقُل قيدُها على قدمَي هواك، فمَنِّها بقُربِ ما تهواه من الطيِّبات، إذا صبَرَت واتَّقَت. اليقين بعدل الله تعالى وفضله يزرع في النفس الاطمئنان، فيسعى الإنسانُ إلى عمل الخير مهما قلَّ، ويوقن بأن الله لن يُضيعَ عمله، ويحذَر من كلِّ سوء مهما صغُر؛ لأن الله سيُحصيه عليه. |
﴿فَقَٰتِلۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفۡسَكَۚ وَحَرِّضِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأۡسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ وَٱللَّهُ أَشَدُّ بَأۡسٗا وَأَشَدُّ تَنكِيلٗا ﴾ [النساء: 84]
إن شدَّةَ الكافرين على أهل الإسلام لا يمنع منها إلا شدَّةٌ تقابلها، فبها يُكفى المسلمون شرَّ الكافرين وأذاهم. إدراك المجاهد المؤمن لقوَّة الله وشدَّة عقوبته لأعدائه يُورِثُه الاطمئنانَ والسَّكينة، وقوَّةَ الإقدام في مَيدان المعركة المقدَّسة. |
﴿وَمَن يَقۡتُلۡ مُؤۡمِنٗا مُّتَعَمِّدٗا فَجَزَآؤُهُۥ جَهَنَّمُ خَٰلِدٗا فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِ وَلَعَنَهُۥ وَأَعَدَّ لَهُۥ عَذَابًا عَظِيمٗا ﴾ [النساء: 93]
القتل العمدُ للنفس المؤمنة هو الكبيرةُ التي لا تكفِّرها ديةٌ مسلَّمة، ولا عتقُ رقبةٍ مؤمنة، وإنما يُوكَل جزاؤها إلى الله الحكَم العدل، فيا ويلَ قاتلِ المؤمنين، من غضب ربِّ العالمين! قتل المؤمن عمدًا، يُورِد صاحبَه جهنَّم ويخلِّده فيها، مع غضب الله عليه، وإحلالِه لعنتَه به، وإعدادِه العذابَ العظيم له، ما لم يتُب توبةً صادقة قبل مماته. |
﴿وَإِذَا كُنتَ فِيهِمۡ فَأَقَمۡتَ لَهُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَلۡتَقُمۡ طَآئِفَةٞ مِّنۡهُم مَّعَكَ وَلۡيَأۡخُذُوٓاْ أَسۡلِحَتَهُمۡۖ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلۡيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمۡ وَلۡتَأۡتِ طَآئِفَةٌ أُخۡرَىٰ لَمۡ يُصَلُّواْ فَلۡيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلۡيَأۡخُذُواْ حِذۡرَهُمۡ وَأَسۡلِحَتَهُمۡۗ وَدَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡ تَغۡفُلُونَ عَنۡ أَسۡلِحَتِكُمۡ وَأَمۡتِعَتِكُمۡ فَيَمِيلُونَ عَلَيۡكُم مَّيۡلَةٗ وَٰحِدَةٗۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ إِن كَانَ بِكُمۡ أَذٗى مِّن مَّطَرٍ أَوۡ كُنتُم مَّرۡضَىٰٓ أَن تَضَعُوٓاْ أَسۡلِحَتَكُمۡۖ وَخُذُواْ حِذۡرَكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٗا مُّهِينٗا ﴾ [النساء: 102]
المربِّي الناجحُ قريبٌ من الناس، يعيش معهم مُرشدًا معلِّما، ومصحِّحًا مقوِّما، إنه طبيبٌ بصيرٌ إن هجمَ السُّقمُ بادرَ إلى علاجه، فعادت إلى الحياة عافيتُها. إنه الحرصُ على الصلاة في ساحة المعركة، والصلاةُ من أنجع أسلحة المعركة، فلا بدَّ من تنظيم استخدام هذا السلاح بما يناسبُ طبيعة المعركة. لو صلَّى المجاهدون كلُّ فرقةٍ بإمام لكان أوفقَ لهيئة الصلاة، ولكن جُمعوا على إمام واحدٍ من أجل اجتماع كلمتهم، ولما فيه من الهيبة والعزَّة. بالصلاة يدحر المسلمُ عدوًّا يحاول التغلُّبَ على دينه ونفسه، وبالسلاح يهزم عدوًّا يبغي السيطرة على دينه وأرضه، فهو يعدُّ لكلِّ معركة عُدَّتها. إن أعداء الإسلام حريصون على إضعاف المسلمين، وعلى أن تكونَ الشوكة لهم من دون المؤمنين؛ إن في قلوبهم من شدَّة الغيظ ما يودُّون معه الإجهازَ على المسلمين في أقرب فرصةٍ ممكنة. الغفلة عن واقع العدوِّ ومخطَّطاته يُعطيه الفرصةَ للانقضاض على خصمه بأسهل الطرق، وقد يكون في ذلك القضاءُ عليه مرَّة واحدة. يأمر الإسلامُ أهلَه بأخذ الحِيطة والحذَر، وعدم إلقاء النفس في التَّهلُكة والخطر، لا تخويفًا لهم من عدوِّهم، ولكن تأمينًا لهم من فجأة الضَّرر. |
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱبۡتَغُوٓاْ إِلَيۡهِ ٱلۡوَسِيلَةَ وَجَٰهِدُواْ فِي سَبِيلِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ ﴾ [المائدة: 35]
التقوى زِمامٌ عن الفساد، ومِقوَدٌ إلى الخير بين العباد، فمَن اتَّقى الله لم يعتَدِ على حقِّ الخلق، ولم يتجاوز حدودَ الخالق. رحِمَ الله عبدًا نظرَ في جميع الطرُق الموصلة إلى رضا خالقه، فسلكَ منها ما استطاعَ إلى بلوغ مقصِده. العمل بشرع الله أحسنُ وسيلةٍ إليه، وبالطاعات يبلغ المرءُ الغايات. إن أمَّة تتَّقي اللهَ باجتناب المحظورات، وتبتغي إليه الوسيلةَ بفعل المأمورات، وترفع في سبيله رايةَ الجهاد والكفاح، لهي أمَّةٌ تستحقُّ العزَّ والفلاح. الفوز بالمطالب العالية عند الله تعالى غايةٌ سامية، لا تُنال بالأمانيِّ الفارغة، والدَّعاوى الكاذبة، ولكن تُنال بالجِدِّ في طاعته، والصدقِ في حُسن معاملته. |
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَن يَرۡتَدَّ مِنكُمۡ عَن دِينِهِۦ فَسَوۡفَ يَأۡتِي ٱللَّهُ بِقَوۡمٖ يُحِبُّهُمۡ وَيُحِبُّونَهُۥٓ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ يُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوۡمَةَ لَآئِمٖۚ ذَٰلِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [المائدة: 54]
تشريف الله لك بأن يجعلَكَ من أهل دينه الحقِّ نعمةٌ تستحقُّ الشكر؛ لأنها فضلٌ عظيم منه إليك، فيا هناءك إن اختاركَ اللهُ لتلك المكرُمة، واصطفاك لتلك النعمة! المؤمن الحقُّ ذلولٌ لأخيه، غيرُ عصيٍّ عليه، فلا هو صعبٌ ولا عسِر، بل هيِّنٌ حنون. العجب ممَّن قلبَ ما أراده اللهُ من عباده المسلمين؛ فاشتدَّ على المؤمنين، وذلَّ للكافرين! الجهاد في سبيل الله لإقرار منهجه، وإعلانِ سلطانه، وتحكيمِ شريعته، وتحقيقِ الخير لعباده، هي صفةُ العُصبة المؤمنة التي يحبُّها الله تعالى. الذين يحبُّهم الله لا يقفون عن مُهِمَّتهم، ولا يخافون مَن لامهم، وكيف يقفون أو يخافون وحبُّ الله يملأ قلوبهم، وطريقهم سنَّهُ لهم خالقُهم، ووعدَهم في نهايته الجنة؟! ما أوسعَ هذا العطاءَ الذي يختار الله جلَّ شأنه له مَن يشاءُ عن غنًى وعِلم! |
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ زَحۡفٗا فَلَا تُوَلُّوهُمُ ٱلۡأَدۡبَارَ ﴾ [الأنفال: 15]
مقتضى الإيمان بموعود الله عدمُ الفِرار عند الزحف؛ لأن الغايةَ إمَّا النصرُ وإمَّا الشهادة. |
﴿وَمَن يُوَلِّهِمۡ يَوۡمَئِذٖ دُبُرَهُۥٓ إِلَّا مُتَحَرِّفٗا لِّقِتَالٍ أَوۡ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٖ فَقَدۡ بَآءَ بِغَضَبٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأۡوَىٰهُ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ ﴾ [الأنفال: 16]
إن التراجع المنظَّمَ ليس تولِّيًا؛ ففرقٌ بين مَن يفِرُّ ليَكُرَّ، ومَن يفِرُّ ليَسلَمَ ولو أُصيب أخوه، وفرقٌ بين مَن يفرُّ ليقوِّيَ فئةً يتحيَّز إليها، ومن يفرُّ لينجوَ ولو ضعُفت فئتُه. الفارُّ من الزحف ولو كان واحدًا، هو في المعركة كالجماعة، فلو أدبر لكان أثرُه في غيره كبيرًا، فهو يستحقُّ غضبَ الله وعذابه. |
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَا تَوَلَّوۡاْ عَنۡهُ وَأَنتُمۡ تَسۡمَعُونَ ﴾ [الأنفال: 20]
إذا أردتَّ مقيـاسًا عـلى إيمان المرء فانظر طاعتَه لله ولرسوله ﷺ. السمع الذي ينفع هو الذي تَنتجُ عنه استجابةٌ للحقِّ، أمَّا الذي لا يُفيدُ إجابةً فلا فائدةَ فيه. |
﴿وَٱذۡكُرُوٓاْ إِذۡ أَنتُمۡ قَلِيلٞ مُّسۡتَضۡعَفُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ ٱلنَّاسُ فَـَٔاوَىٰكُمۡ وَأَيَّدَكُم بِنَصۡرِهِۦ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ ﴾ [الأنفال: 26]
إذا نقلك الله من شدَّةٍ إلى رخاء، ومن بلاءٍ إلى نَعماء، فكن له حامدًا شاكرًا. الإيواء والنصرةُ والإخاء بين المؤمنين نِعَمٌ يَهونُ في ثناياها البلاء بعداوة الكافرين. انقُش نِعمَ الله عليك على جدار ذاكرتك، فإنك لن تزالَ شاكرا، ما دمتَ لله ولنِعَمه ذاكرا. |
﴿وَقَٰتِلُوهُمۡ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتۡنَةٞ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ كُلُّهُۥ لِلَّهِۚ فَإِنِ ٱنتَهَوۡاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ ﴾ [الأنفال: 39]
لن تنجوَ البشريةُ من أنواع الفتن، ولن يَسلمَ الإنسانُ في الأرض، إلا حين يكون الدينُ كلُّه لله، فلا يكون هنالك خضوعٌ لسلطانٍ سواه. ليس للمسلمين عِلمٌ ببواطن الكافرين المنتهين عن الكفر، المقبلين على الإسلام، فلهم منهم الظاهر، واللهُ تعالى هو الذي يتولَّى السرائر. |
﴿وَإِن تَوَلَّوۡاْ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَوۡلَىٰكُمۡۚ نِعۡمَ ٱلۡمَوۡلَىٰ وَنِعۡمَ ٱلنَّصِيرُ ﴾ [الأنفال: 40]
لا يحزنُ المؤمنون من إعراض الكافرين عن الإسلام فيخافوا من ذلك الضعفَ والقِلَّة؛ فإن اللهَ بوَلايته ونصره لهم هو الغِنى عن كلِّ قوَّة ونصرة. نِعمَ الربُّ ربُّنا؛ لو أطعناه كما أمرَنا، لما تخلَّى عن عوننا ولنصرَنا. |
﴿وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَا تَنَٰزَعُواْ فَتَفۡشَلُواْ وَتَذۡهَبَ رِيحُكُمۡۖ وَٱصۡبِرُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ ﴾ [الأنفال: 46]
طاعة اللهِ ورسوله أعظمُ عُدَّةٍ في ساحة المعركة، وهي طاعةٌ وبركةٌ وقربة. إذا استسلم الناسُ لله ورسوله انتفى الهوى الذي هو سببٌ للنزاع الذي يجعل كلَّ صاحب وجهة يُصرُّ عليها، ولو تبيَّن له وجهُ الحقِّ في غيرها. قوَّة المؤمنين وعزُّهم في ائتلاف قلوبهم، واجتماع كلمتهم، فإذا تنازعوا فيما بينهم، ودبَّ فيهم الشِّقاق، تبدَّدت قوَّتُهم، ووهنَت عزيمتُهم، وآلت حالهم إلى هزيمةٍ وهوان. أيُّ بيانٍ لفائدة الصبر أبلغُ من إثبات معيَّة الله تعالى لأهله؟! ومَن كان الله معه فكيف يُهزم؟! |
﴿وَإِذۡ زَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ أَعۡمَٰلَهُمۡ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ ٱلۡيَوۡمَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَإِنِّي جَارٞ لَّكُمۡۖ فَلَمَّا تَرَآءَتِ ٱلۡفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيۡهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيٓءٞ مِّنكُمۡ إِنِّيٓ أَرَىٰ مَا لَا تَرَوۡنَ إِنِّيٓ أَخَافُ ٱللَّهَۚ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ ﴾ [الأنفال: 48]
لولا أن الفِطرَ السويَّة لا تستجيبُ لما هو ظاهرُ البطلان لَما سعى الشيطانُ إلى تزيينه. لا تغترَّ بتزيين الشيطان المعصيةَ فإنه سَرْعانَ ما يتلاشى تزيينُه لها، ويتخلَّى عن فاعلها، ويشمَتُ به بعد أن يقعَ فيها، وتنالَه مضارُّها. لن يكتفيَ إبليسُ بالتخلِّي عن أتباعه بعد أن أوردَهم المهالك، بل سيعلنُ البراءةَ منهم لينجوَ برأسه، وهيهات أن ينجو. إذا أيَّد الله أهلَ الإيمان بقوَّة من لدُنه خارت أمامها كلُّ القوى، فلا يدفعها حينئذٍ بأسٌ ولا شدَّة، ولا عددٌ ولا عُدَّة. |
﴿فَإِمَّا تَثۡقَفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡحَرۡبِ فَشَرِّدۡ بِهِم مَّنۡ خَلۡفَهُمۡ لَعَلَّهُمۡ يَذَّكَّرُونَ ﴾ [الأنفال: 57]
مَن لا يأمن الناسُ عهدَه ولا أمانَه، فجزاؤه أن يُحرَم الأمانَ والسَّكينة والاطمئنان. لا بدَّ للدين من هيبةٍ وقوَّة وسطوة تزلزلُ الطواغيت؛ ليبسُطَ جناحَ العدل والرحمة على الأنام، ويحرِّر الإنسانَ من عبودية العباد إلى عبودية ربِّ العباد. العقوبات على المعاصي تَزجرُ فاعلَها فلا يعودُ إليها، وتنبِّه غيرَه فتنفعُه إن اعتبر. |
﴿ٱلۡـَٰٔنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمۡ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمۡ ضَعۡفٗاۚ فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّاْئَةٞ صَابِرَةٞ يَغۡلِبُواْ مِاْئَتَيۡنِۚ وَإِن يَكُن مِّنكُمۡ أَلۡفٞ يَغۡلِبُوٓاْ أَلۡفَيۡنِ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ ﴾ [الأنفال: 66]
ما أهونَ شأنَ الكفَّار في القتال لو استكمل المسلمون عُدَّة الإيمان! إن الغلبة لا تكون إلا بإذن الله، فليَركَن الإنسانُ إلى ربِّه إن أراد النصر والظفَر. معيَّة الله تعالى المقتضيةُ للنصر جائزةُ اللهِ لعباده المؤمنين الصابرين. |
﴿كَيۡفَ يَكُونُ لِلۡمُشۡرِكِينَ عَهۡدٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِۦٓ إِلَّا ٱلَّذِينَ عَٰهَدتُّمۡ عِندَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِۖ فَمَا ٱسۡتَقَٰمُواْ لَكُمۡ فَٱسۡتَقِيمُواْ لَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَّقِينَ ﴾ [التوبة: 7]
مَن رهنَ نفسَه للهوى والشيطان، وبدأ بنفسه فخانها وغشَّها، غيرَ ناظرٍ في مصلحة، ولا مفكِّر في عاقبة، فكيف يُؤتمَن على شيء؟! ليس من خُلق المؤمن أن ينزِعَ يدَه من عهد، ما لم تظهر على المعاهَد أماراتُ الغدر والخيانة، فأهلُ الإيمان أولى الناس بالاستقامة. الاستقامة على الوفاء بالعقد مَنشؤُها في الإسلام تقوى الله تعالى، وطلب محبَّته، وليس المنفعةَ والضعف. |
﴿أَمۡ حَسِبۡتُمۡ أَن تُتۡرَكُواْ وَلَمَّا يَعۡلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ مِنكُمۡ وَلَمۡ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَا رَسُولِهِۦ وَلَا ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَلِيجَةٗۚ وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ ﴾ [التوبة: 16]
الحياة أمامَ المؤمن طريقٌ طويلة، فيها منعطَفاتٌ خطيرة، يُعرَف فيها قدرُ إيمانه، وصحَّةُ سلوكه، فمن الناس من يثبُت فيستمرُّ سيرُه، ومنهم من يضعُف فيسقط على جنَبات الطريق. جرَت سنَّة الله تعالى بالابتلاء؛ لينكشفَ الخَبيء، وتتميَّزَ الصفوف، وتتمحَّصَ القلوب، ولا يكون ذلك إلا بالشدائد والتكاليف. القتال في سبيل الله ليس مقصودًا لذاته، ولكنَّه اختبارٌ لقوَّة الإيمان، وإخلاص العبودية، وصدق الانقياد، والتضحية بنفيس ما يُملَك ابتغاءَ وجه الله تعالى. اتِّخاذ الكافرين خُلَصاءَ ومقرَّبين مُطَّلعين على بواطن الأمور، عملٌ يَشينُ الإيمان، ويكشف عن سوء أهله. بالِغ أيُّها العبدُ في أمر نيَّتك، ورعاية قلبك، فإن الله وحدَه مَن يطَّلع على ما في نفسك. |
﴿ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ أَعۡظَمُ دَرَجَةً عِندَ ٱللَّهِۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَآئِزُونَ ﴾ [التوبة: 20]
أعمال البِرِّ ليست في درجةٍ واحدة، فالإيمانُ بالله والهجرة والجهاد في سبيله أعظمُ الأعمال وأعلاها، وأصحابُها هم السابقون الفائزون. |
﴿خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُۥٓ أَجۡرٌ عَظِيمٞ ﴾ [التوبة: 22]
الدنيا إلى زوال، وساكنُها إلى انتقال، فاعمل لدارٍ لا زوالَ لها، ومنازلَ لا انتقالَ منها. يا له من أجرٍ لا يحيط به عقلٌ لسَعَته، ولا تعلم نفسٌ مقدارَ عظمته، كيف لا وواهبه الربُّ الكريم؟! |
﴿قُلۡ إِن كَانَ ءَابَآؤُكُمۡ وَأَبۡنَآؤُكُمۡ وَإِخۡوَٰنُكُمۡ وَأَزۡوَٰجُكُمۡ وَعَشِيرَتُكُمۡ وَأَمۡوَٰلٌ ٱقۡتَرَفۡتُمُوهَا وَتِجَٰرَةٞ تَخۡشَوۡنَ كَسَادَهَا وَمَسَٰكِنُ تَرۡضَوۡنَهَآ أَحَبَّ إِلَيۡكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَجِهَادٖ فِي سَبِيلِهِۦ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّىٰ يَأۡتِيَ ٱللَّهُ بِأَمۡرِهِۦۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَٰسِقِينَ ﴾ [التوبة: 24]
مصلحة الدين لا تُقدَّم عليها أيُّ مصلحة دُنيويَّة عند التعارُض، وبذلك يُعرَف طالبُ الدنيا من طالب الآخرة. إذا تجذَّر حبُّ الله ورسوله في القلب لم يُقدِّم صاحبُه على ذلك حبَّ شيءٍ في الوجود. في شعور الحبِّ يحصُل الابتلاء، فيتبيَّن به قَدرُ المحبوب في قلب المُحبِّ؛ بذِكره له، وانشغاله به، وتوجُّهِه إليه، وانصرافِ انقياده لما يريد. ليس مطلوبًا من المسلم أن ينقطعَ عن محبوبات الدنيا الحسِّيَّة والمعنويَّة المُباحة، وإنما المطلوبُ ألا يقدِّمَها على الحبِّ الأعلى؛ حبِّ الله ورسوله. برهِن على إيمانك بتقديم ما يحبُّه الشرع، على ما يستحبُّه الطبع. كم يَجني الفسقُ على أهله! وكم يحرِمُهم من خيرٍ يُرتجى! فمَنعُ الهداية من أعظم الحِرمان. |
﴿قَٰتِلُواْ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَا بِٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ ٱلۡحَقِّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ حَتَّىٰ يُعۡطُواْ ٱلۡجِزۡيَةَ عَن يَدٖ وَهُمۡ صَٰغِرُونَ ﴾ [التوبة: 29]
مَن صدَق إيمانُه بالله آمنَ بكلِّ ما جاء من عنده، فالكتابيُّ لو صحَّ إيمانُه بالله لآمن بمحمَّدٍ ﷺ. من مُقتضَيات الجهاد في شرع الله: امتناعُ قومٍ عن حُكم الشريعة تحليلًا وتحريمًا، وإن كان ذلك عن دين باطل، أو نظر قاصر. التحريم والتحليل حقٌّ لله تعالى ولرسوله ﷺ، وما على العباد إلا السمع والطاعة. الشدَّة على الكافرين من أجل إعزاز هذا الدين مَقصِدٌ من مقاصده، وجَعلُ كلمةِ الله هي العليا لا يَتِمُّ إلا بذلك. |
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَا لَكُمۡ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱثَّاقَلۡتُمۡ إِلَى ٱلۡأَرۡضِۚ أَرَضِيتُم بِٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا مِنَ ٱلۡأٓخِرَةِۚ فَمَا مَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا فِي ٱلۡأٓخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ﴾ [التوبة: 38]
ما يُحجِم المؤمنُ عن النفرة للجهاد في سبيل الله دون عُذر معتبَر إلا وفي إيمانه وَهْن. الإيمان خيرُ شاحذٍ لهمَّة المرء، إذا لم تمنعه مطامعُ الدنيا عن صالح الأعمال. بمقدار رغبة العبد في الدنيا ورضاه بها يكون تثاقُلُه عن طاعة الله وطلب الآخرة، والترقِّي إلى معالي الأمور، وسنام الأعمال الصالحة. مَن علمَ أن لذَّاتِ الدنيا مَشوبةٌ بالآفات، منقطعةٌ عن أهلها، وأن منافع الآخرة شريفةٌ دائمة، فكيف يتثاقل عن ذِروة سنام الإسلام؟! متاع الدنيا قليلٌ مهما كثُر، صغير مهما كبُر، فكيف لعاقلٍ أن يؤثِرَ القليلَ على الكثير، والصغيرَ على الكبير؟ |
﴿إِلَّا تَنفِرُواْ يُعَذِّبۡكُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا وَيَسۡتَبۡدِلۡ قَوۡمًا غَيۡرَكُمۡ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيۡـٔٗاۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ ﴾ [التوبة: 39]
ما من أمَّةٍ تركت الجهادَ إلا ضرب اللهُ عليها الذلَّ، فدَفعت مُرغمةً صاغرة لأعدائها أضعافَ ما كان يتطلَّبه منها كفاحُ الأعداء. قتل المسلمين وتشريدُهم، وأسرُهم وإذلالُهم، والسيطرةُ على ثرواتهم وخيراتهم وقراراتهم، كلُّ ذلك من العذاب الناتج عن ترك الاستجابة لدعوة الله. إن هذا الدين لمَن ذبَّ عنه ودافع عن حِياضه، فمَن لم ينفِر لأجله استبدل الله به غيرَه. المستجيب لما دعا الله إليه إنما ينفع نفسَه، والمعرِضُ عن ذلك يَجلِب الضررَ عليها، ولن يضُرَّ اللهَ شيئًا، فإن الله قادرٌ على أن يذهبَ به ويأتيَ بسواه. |
﴿إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدۡ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذۡ أَخۡرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ ٱثۡنَيۡنِ إِذۡ هُمَا فِي ٱلۡغَارِ إِذۡ يَقُولُ لِصَٰحِبِهِۦ لَا تَحۡزَنۡ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَاۖ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَيۡهِ وَأَيَّدَهُۥ بِجُنُودٖ لَّمۡ تَرَوۡهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفۡلَىٰۗ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِيَ ٱلۡعُلۡيَاۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 40]
لا تخشَ على دين الله تعالى، فإن الله حافظُه وناصرُه، ولكن اخشَ على نفسك ألا تكونَ من أنصاره المشرَّفين بالدفاع عنه. إن أوائلَ الطريق إلى النصر قد لا تؤذِن به، فهذه حالُ رسول الله ﷺ؛ من طلبِ النجاة في غارٍ موحش مع صاحبٍ وحيد، إلى فتح مكةَ بجيش عَتيد! من غار ثور انبثق درسٌ يعلِّم الناسَ تكاليفَ الدعوة الشاقَّة، فمع نصرة الله تعالى وملائكته لرسوله ﷺ يخرجه قومُه من أرضه، ويلجأ إلى غارٍ مهجور طلبًا للأمان. هنيئًا لأبي بكر رضي الله عنه أن كان الثانيَ في الإسلام، وفي الصُّحبة إلى المدينة، وأن الله كان معه حين صاحبَ رسولَه ﷺ، وتلك منزلةٌ لم يرقَ إليها أحد. في قمَّة الخوف الذي يدور حولهما، والطلبِ الشديد بحثًا عنهما؛ تُشرقُ شمسُ الثقة من فم الصادق الأمين، فتبدِّد ظلُماتِ المخاوف. كيف يستسلم للحزن مَن كان الله معه، ذو العزَّة التي لا تُغلَب، والقدرةِ التي لا تُقهَر، والرحمةِ التي بها يقوم كلُّ شيء؟ السَّكينةُ في أوقاتِ الشدائد من تمام نعمة الله على عبده، وتكون بحسَب المعرفة بالله، والثقةِ بوعده الصادق، والإيمان به، ورَباطة الجأش. لم تكن كلمةُ الله يومًا غيرَ عليا، بل هي العليا بدءًا وانتهاءً، دائمًا وأبدًا. عزَّته تعالى تدعوك إلى الخضوع له؛ خوفًا من سلطانه، وحكمتُه تدفعك إلى أن تطيعَه، راغبًا في الخير الكامن فيما يأمرُك به. |
﴿ٱنفِرُواْ خِفَافٗا وَثِقَالٗا وَجَٰهِدُواْ بِأَمۡوَٰلِكُمۡ وَأَنفُسِكُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ﴾ [التوبة: 41]
مهما مرَّ بالأمَّة من أحوال، فلا عُذرَ لها أن تتثاقلَ عن الجهاد بالنفس والأموال. أعذارُ تركِ الجهاد في سبيل الله قليلة، فمَن عجَزَ عن الجهاد بنفسه فليجاهد بماله، غيرَ أن أكمل أوصاف الجهاد هو أن يجمعَ بينهما. لو أراد الصحابةُ المؤمنون المعاذيرَ للتخلُّف لوجدوها، فكم من عائقٍ اعترض طريقَهم! ولكنَّهم نفروا، ففتح الله لهم القلوبَ والأرَضِين. العلم النافعُ يحثُّ على العمل وإحسانِه بإخلاص النيَّة، وتقوية العزائم؛ لاستغلال الغنائم من الأوقات والأعمال. |
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَٰهِدِ ٱلۡكُفَّارَ وَٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱغۡلُظۡ عَلَيۡهِمۡۚ وَمَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ ﴾ [التوبة: 73]
سبب الأمر بجهاد الكفَّار متحقِّقٌ في المنافقين، فجهادُهم كجهاد الكفَّار؛ ومن هنا قرَن الله تعالى المنافقين بالكافرين في هذا الموطن. اعمل عملَ الصالحين، لتأويَ إلى مساكنهم في جنَّات النعيم، وجانب عملَ الطالحين، حتى لا تكونَ معهم في نار الجحيم. |
﴿۞ إِنَّ ٱللَّهَ ٱشۡتَرَىٰ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَنفُسَهُمۡ وَأَمۡوَٰلَهُم بِأَنَّ لَهُمُ ٱلۡجَنَّةَۚ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقۡتُلُونَ وَيُقۡتَلُونَۖ وَعۡدًا عَلَيۡهِ حَقّٗا فِي ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَٱلۡإِنجِيلِ وَٱلۡقُرۡءَانِۚ وَمَنۡ أَوۡفَىٰ بِعَهۡدِهِۦ مِنَ ٱللَّهِۚ فَٱسۡتَبۡشِرُواْ بِبَيۡعِكُمُ ٱلَّذِي بَايَعۡتُم بِهِۦۚ وَذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 111]
ما أحسنَ هذه الصورةَ في الترغيب بالجهاد! فالجهادُ عَقدٌ عاقِدُه الله، وثمنُه الجنة، والمعقود عليه القتال في سبيله، والوثيقةُ التي سُجِّل فيها الكتبُ السماوية. أنَّى لمؤمن صادقٍ أن ينكُثَ بيعةَ الله تعالى، فلا يبذُلُ في سبيل جنَّته نفسًا ولا مالًا! يا أيُّها المؤمنون، استبشروا بهذا العَقد، فإنه عقدٌ كريم لازم، لا يَثبُتُ فيه خِيار، ولا يَعرِضُ له فَسخ. يا لها من تجارةٍ رابحةٍ لمن باعَ نفسَه ومالَه من الرحمن، ويا لَخسارةِ من باع منزلَه من الجنة بأبخسِ الأثمان! إذا كانت النفسُ إلى موت، والمالُ إلى فَوت، أفيَخسرُ مَن يُسلِّمُهما لله ويحظى بالجنة؟! تاللهِ ما هانت الجنَّةُ حتى يستامَها المفلسون، ولا كسَدت فيبيعَها بالنسيئة المُعسرون، فلا ثمنَ لها إلا غالي النفوس. في خَتمِ الآية بالبِشارة من ربِّ العالمين مزيَّةٌ للمؤمنين، وترغيبٌ لهم في الجهاد، وخَوضِ غَمَراتِ الجِلاد. |
﴿مَا كَانَ لِأَهۡلِ ٱلۡمَدِينَةِ وَمَنۡ حَوۡلَهُم مِّنَ ٱلۡأَعۡرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ ٱللَّهِ وَلَا يَرۡغَبُواْ بِأَنفُسِهِمۡ عَن نَّفۡسِهِۦۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ لَا يُصِيبُهُمۡ ظَمَأٞ وَلَا نَصَبٞ وَلَا مَخۡمَصَةٞ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا يَطَـُٔونَ مَوۡطِئٗا يَغِيظُ ٱلۡكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنۡ عَدُوّٖ نَّيۡلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِۦ عَمَلٞ صَٰلِحٌۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ ﴾ [التوبة: 120]
كيف لمؤمنٍ أن يَرغبَ عن صُحبةِ رسول الله ﷺ في البأساء والضَّراء، وعن مكابدةِ الأهوال معه برَغبةٍ ونشاط واغتباط، وألا تهونَ عليه نفسُه في سبيل متابعته؟! يا مَن تضعُ قدمَك حيث يغتاظُ الكافرون وأنتَ تريدُ التمكينَ للدِّين، إنك تصنع خيرا، وإن لك على ذلك لأجرا. ما أعظمَ ترغيبَ اللهِ لعباده في الجهاد في سبيله! يرغِّبُهم بأن كلَّ مشقَّةٍ تصيبُهم في ذلك لهم بها أجرٌ كبير. مَن قصدَ طاعةَ اللهِ كان قيامُه وقعودُه، ومِشيتُه، وحركته وسكونه، حسناتٍ مكتوبات، فما أعظمَها من بركاتٍ للطاعات! إن الصبرَ على مشاقِّ الطاعات يُوصلُ العبدَ إلى درجة المحسنين الذين اطمأنُّوا إلى عدم ضياع أعمالهم عند ربِّ العالَمين. |
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قَٰتِلُواْ ٱلَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ ٱلۡكُفَّارِ وَلۡيَجِدُواْ فِيكُمۡ غِلۡظَةٗۚ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلۡمُتَّقِينَ ﴾ [التوبة: 123]
قتال الأقرب فالأقرب من الكفَّار المحارِبين للمسلمين هو من فقه الأولويَّات في الجهاد؛ تأمينًا للظَّهر، وطَمأنةً لقلوب النافرين والمقيمين من المسلمين. مَن حاربَ الإسلامَ والمسلمين فلا يُقابَلُ إلا بالشدة والغِلظة، حتى يَرعويَ عن غَيِّه. المؤمنُ رفيقٌ بأخيه، غليظٌ على من يُعاديه. |
﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَٰهَدُواْ وَصَبَرُوٓاْ إِنَّ رَبَّكَ مِنۢ بَعۡدِهَا لَغَفُورٞ رَّحِيمٞ ﴾ [النحل: 110]
ليس لمَن قد فُتن من دواءٍ خيرٌ من الصبر، فإن صبرَ كانت الفتنة ممحِّصةً له ومخلِّصةً من الذنوب، كما يخلِّص الكِيرُ خَبثَ الذهبِ والفضَّة. سبحانَ مَن يُفيض آثارَ ربوبيَّته على عباده، وقد أُوذوا فيه وصبَروا، فأنالهم من مغفرته ورحمته أضعافَ صبرهم كثيرًا! ما أعظمَ مغفرةَ الله ورحمتَه لعباده! فبهما وبدوامهما يُخفَّف عن المهاجر والمجاهد والصابر ما يَلقَون من البلاء الشديد. |
﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ بِأَنَّهُمۡ ظُلِمُواْۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصۡرِهِمۡ لَقَدِيرٌ ﴾ [الحج: 39]
ليس المؤمنون بالمعتدين الظالمين، ولكن لهم الحق في الدفاع عن أنفسهم ما داموا مظلومين. |
﴿ٱلَّذِينَ أُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِم بِغَيۡرِ حَقٍّ إِلَّآ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُۗ وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لَّهُدِّمَتۡ صَوَٰمِعُ وَبِيَعٞ وَصَلَوَٰتٞ وَمَسَٰجِدُ يُذۡكَرُ فِيهَا ٱسۡمُ ٱللَّهِ كَثِيرٗاۗ وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [الحج: 40]
من أجل كلمة التوحيد وحدَها كان إخراج المشركين للمؤمنين من ديارهم وبلادهم، ولهذه الكلمة تحمَّل المؤمنون الإبعاد؛ إرضاءً لربِّ العباد. بالقوَّةِ العادلة لأهل الإيمان تُحمى المقدَّسات، ويُقطع على الشرِّ طريقُه إلى انتهاك الحرُمات، والإفسادِ في المجتمعات. لا يشفعُ لبيوت الله تعالى عند أهل الباطل أن يُذكرَ فيها اسم الله العظيم، بل لعلَّ ذلك يَزيدهم عليها حَنقًا، وبها مكرًا، ولأهلها أذًى. لا يقدر أحدٌ على مغالبة مَن ينصره الله؛ فإنَّ مَن كان ناصرَه فهو المنصور، وعدوه هو المقهور، ولقد صدق سبحانه فيما وعد به، فأذلَّ بأنصار دينه رضي الله عنهم جبابرةَ أهل الأرض وملوكَهم. |
﴿وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوٓاْ أَوۡ مَاتُواْ لَيَرۡزُقَنَّهُمُ ٱللَّهُ رِزۡقًا حَسَنٗاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ خَيۡرُ ٱلرَّٰزِقِينَ ﴾ [الحج: 58]
إذا كان اللهُ سبحانه وتعالى يرزق الخلق عامَّة؛ البرَّ منهم والفاجر، فكيف بالذي إليه يُهاجر؟ تركوا ديارهم في سبيله، وفارقوا محبوباتهم من أجل مرضاته، فجازاهم بدار كرامته يدخلونها راضين، ويعيشون في بُحبوحتها مغتبطين. انظر إلى إكرام الله لأهل جناته، كيف يتوخى رضاهم، ويحقق لهم ما إليه يسكنون، وما به يطمئنون، وهم عباده وهو ربهم؟! سبحان ربنا العليم، وتبارك إلهنا الحليم، الذي يعلم مقاصد عباده ونياتهم، فيَحلُم عما فرَّطوا في جنبه وقصَّروا في حقه! |
﴿وَجَٰهِدُواْ فِي ٱللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِۦۚ هُوَ ٱجۡتَبَىٰكُمۡ وَمَا جَعَلَ عَلَيۡكُمۡ فِي ٱلدِّينِ مِنۡ حَرَجٖۚ مِّلَّةَ أَبِيكُمۡ إِبۡرَٰهِيمَۚ هُوَ سَمَّىٰكُمُ ٱلۡمُسۡلِمِينَ مِن قَبۡلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ ٱلرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيۡكُمۡ وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِۚ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱعۡتَصِمُواْ بِٱللَّهِ هُوَ مَوۡلَىٰكُمۡۖ فَنِعۡمَ ٱلۡمَوۡلَىٰ وَنِعۡمَ ٱلنَّصِيرُ ﴾ [الحج: 78]
ختمُ هذه السورة بالأمر بالمجاهدة هو كالتنبيه على أن السلامة من أهوال القيامة، وأن أداء الواجبات في الحجِّ والهجرة، لا بدَّ لها من مجاهدة. يا مَن خصَّه الله تعالى بالتكليف، لقد حظيت بأعظم تشريف، أوليس قد اختارك مولاك لخدمته، والاشتغال بطاعته، فأيُّ رتبة أعلى من هذه الرتبة؟ مَن اعتقد أن فيما أمر الله به مثقال ذرة من حرج، فقد كذب الله ورسوله، فكيف بمن اعتقد أن المأمور به قد يكون فسادًا وضررًا لا منفعة فيه ولا مصلحة لنا؟! مَن اعتذر عن الإسلام بتقليده دينَ الآباء؛ أفلا كان اقتدى بأبيه إبراهيمُ عليه السلام الذي أعلن التوحيدَ وكسر الأصنام؟ ليس من الإسلام الافتخارُ بغيره من نسب أو بلد، أو جنس أو مذهب، أو طريقة أو انتماء آخر. على تتابع الأجيال والرسل والرسالات، كانت الأمة المسلمة ذات منهج واحد، وهو إسلام الوجه والقلب لله تعالى وحده، لا شريك له. بالصلاة تتوثق العلاقة بين العبد وربِّه، وبالزكاة تتعمق صلته بأفراد جنسه، وبالاعتصام بالله تعالى تتوحد الأمة على المنهج الربَّاني. كمالُ النصرة على العدو بحسب كمال الاعتصام بالله تعالى. إذا تولى الله تعالى عبدًا كفاه، وإذا نصر أحدًا أعلاه، ومَن أراد تلك الوَلاية فليُقِم الصلاة، وليؤت الزكاة. |
﴿أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّا جَعَلۡنَا حَرَمًا ءَامِنٗا وَيُتَخَطَّفُ ٱلنَّاسُ مِنۡ حَوۡلِهِمۡۚ أَفَبِٱلۡبَٰطِلِ يُؤۡمِنُونَ وَبِنِعۡمَةِ ٱللَّهِ يَكۡفُرُونَ ﴾ [العنكبوت: 67]
لو تأمَّل العبد كيف أنعم الله عليه بالرسالة النبوية، فنجَّاه بها من ظلمات الكفر والجهل والمعاصي، لشكره شُكر مَن ينجيه بنعمته من مخاطر البحر ومهالك الصحراء. |
﴿قُل لَّن يَنفَعَكُمُ ٱلۡفِرَارُ إِن فَرَرۡتُم مِّنَ ٱلۡمَوۡتِ أَوِ ٱلۡقَتۡلِ وَإِذٗا لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلٗا ﴾ [الأحزاب: 16]
الأمور سابقةٌ ومقدَّرة، فلا يمكن الفرار، ممَّا وقع عليه القرار، وما قدَّره الله كائنٌ لا محالة. العاقل لا يرغب في شيءٍ قليل إن كان يفوِّت عليه شيئًا كثيرًا. |
﴿قُلۡ مَن ذَا ٱلَّذِي يَعۡصِمُكُم مِّنَ ٱللَّهِ إِنۡ أَرَادَ بِكُمۡ سُوٓءًا أَوۡ أَرَادَ بِكُمۡ رَحۡمَةٗۚ وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرٗا ﴾ [الأحزاب: 17]
مَن أطاع غير الله تعالى وتقرَّب منه بمعصية الله راغبًا في ولايته ونصرته، فلن ينتفعَ من ذلك بشيء. |
﴿لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرٗا ﴾ [الأحزاب: 21]
مَن أراد صلاح دنياه وآخرته فليقتدِ برسول الله عليه الصلاة والسلام، فقد زكَّاه الله تعالى بأنه للأمة أسوة حسنة. في يوم الأحزاب تجلى تفاؤل رسول الله ﷺ الكبير بحسن العاقبة وانفراج الملمة، فقد كان يبشر الناس بسقوط مملكتي فارس والروم! فهلا اقتدينا به في حسن ظنه بربه وتفاؤله وأمله. كلما كان إيمان المرء بالله تعالى أعظم، ويقينه بالآخرة أكبر، كان اقتداؤه بالنبي المصطفى ﷺ أكثر. المثابرة على كثرة ذكر الله عز وجل تؤدي إلى ملازمة الطاعة، وبها يتحقق الائتساء برسول الله ﷺ. |
﴿وَلَمَّا رَءَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلۡأَحۡزَابَ قَالُواْ هَٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥۚ وَمَا زَادَهُمۡ إِلَّآ إِيمَٰنٗا وَتَسۡلِيمٗا ﴾ [الأحزاب: 22]
لئن كان المنافقون في شكٍّ من وعد الله تعالى، إن المؤمنين يحسنون به الظنَّ، ويثقون بموعوده. يُبتلى المؤمن بالضرَّاء مع علمه بأن هنالك خيرًا من ورائه ينتظره وإن لم يرَه، واثقًا بأنه سيأتي يومٌ يظهر صدقُ وعد الله تعالى الذي كان في الغيب ليبدوَ في عالم الشهادة. المؤمنون الصادقون يَزيدهم البلاء إيمانًا بالله، واستسلامًا له، وأما مَن كان فيه نفاق فإن البلاء يوقعه في شَرَكِ الخوف والاضطراب. |
﴿وَرَدَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِغَيۡظِهِمۡ لَمۡ يَنَالُواْ خَيۡرٗاۚ وَكَفَى ٱللَّهُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱلۡقِتَالَۚ وَكَانَ ٱللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزٗا ﴾ [الأحزاب: 25]
غَيظُ الكافرين على المؤمنين شديدٌ، ولو مكَّنهم الله مع غيظهم لآذَوا أهلَ الإيمان أيَّما إيذاء، ولكنه بقدرته وعنايته حفظَ عباده المؤمنين. إذا كُفيَ المؤمنون قتالَ عدوِّهم فهو من نعم الله تعالى عليهم، فالعافية على عزٍّ خيرٌ من تمنِّي لقاء العدوِّ. لا يغالب اللهَ تعالى أحدٌ إلا غُلِب، ولا يستنصره أحدٌ إلا غَلب، ولا يُعجزه سبحانه أمرٌ أراده، ولا ينفع أهلَ القوَّة والعزَّة قوَّتُهم وعزَّتهم إن لم يُعِنهم بقوَّته وعزَّته. |
﴿فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرۡبَ ٱلرِّقَابِ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَثۡخَنتُمُوهُمۡ فَشُدُّواْ ٱلۡوَثَاقَ فَإِمَّا مَنَّۢا بَعۡدُ وَإِمَّا فِدَآءً حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلۡحَرۡبُ أَوۡزَارَهَاۚ ذَٰلِكَۖ وَلَوۡ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَٱنتَصَرَ مِنۡهُمۡ وَلَٰكِن لِّيَبۡلُوَاْ بَعۡضَكُم بِبَعۡضٖۗ وَٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعۡمَٰلَهُمۡ ﴾ [محمد: 4]
المؤمن مع أعداء الدين الذين لم يرعَوا حُرمةً ولا ذمَّةً قويٌّ شديد، ومع المؤمنين رؤوفٌ رحيم. إن الله قادرٌ على الانتقام من أعدائه، ولكنَّه شرَعَ قتالَ المؤمنين لهم؛ ليختبرَ إيمانهم، ويَشفيَ صدورهم، ويرفعَ درجاتهم عنده. هنيئًا للمجاهد في سبيل ربِّه؛ فإن عمله موصولٌ غير مقطوع، فالله يُنمِّي له أعماله، ويَزيد حسناته ويضاعفها له سبحانه وتعالى. |
﴿سَيَهۡدِيهِمۡ وَيُصۡلِحُ بَالَهُمۡ ﴾ [محمد: 5]
لمَّا أقبل المجاهد بروحه على ربِّه، أقبل الله عليه بعنايته وكرمه، وجدَّد له النعمَ العظيمة، فتأتيه غُدوًّا وعشيًّا، حاملةً معها طُمَأنينةَ نفسٍ وصلاحَ بال. |
﴿وَيُدۡخِلُهُمُ ٱلۡجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمۡ ﴾ [محمد: 6]
هل يَضِلُّ المرء العاقل عن منزله في الدنيا؟! كذلك المؤمن في الجنَّة يهتدي إلى منزله بين منازل الجنَّة الكثيرة، فيصل إليه من غير دليل. قال رسول الله ﷺ: «فوَالذي نفسُ محمَّد بيده لَأحدُهم بمسكنه في الجنَّة أدلُّ بمنزله كان في الدنيا». |
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرۡكُمۡ وَيُثَبِّتۡ أَقۡدَامَكُمۡ ﴾ [محمد: 7]
كيف لمَن كفرَ بربِّه أو عصاه أن يَطمَعَ في نُصرته؟! فقد كتب الله الذلَّ والهوان على مَن خالف أمرَه وعصاه. إن نصر الله المتحقِّقَ للمؤمنين يَسرُّ ولا يَغُرُّ، ويبثُّ في نفس المؤمن الثباتَ على مبادئ دينه، ويُذكي فيه معانيَ التعلُّق بربِّه، بعيدًا عن الزَّهْو والخُيَلاء. إذا ثبَّت الله الأقدام، لم تعرِف النفوسُ سوى البَسالة والإقدام، وتمتلئ الصدور ثقةً بالله واعتزازًا به، فيَعقُب ذلك اجتهادًا في الأعمال، وصلاحًا في الأحوال. |
﴿وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَوۡلَا نُزِّلَتۡ سُورَةٞۖ فَإِذَآ أُنزِلَتۡ سُورَةٞ مُّحۡكَمَةٞ وَذُكِرَ فِيهَا ٱلۡقِتَالُ رَأَيۡتَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ يَنظُرُونَ إِلَيۡكَ نَظَرَ ٱلۡمَغۡشِيِّ عَلَيۡهِ مِنَ ٱلۡمَوۡتِۖ فَأَوۡلَىٰ لَهُمۡ ﴾ [محمد: 20]
المؤمنون صادقون ظاهرًا وباطنًا، فأقوالهم وأمانِيُّهم في طلب فعل الخير تُصدِّقها أعمالهم ومواقفهم، وأمَّا المنافقون فأقوال بلا أعمال، وجميل مقالهم يكذِّبه سوء فِعالهم. الحياة عند المنافقين أغلى من كلِّ شيء؛ فلذلك تركوا الإيمانَ لأجل مَلذَّاتها العاجلة، وخافوا من الخروج للقتال حفاظًا عليها. وبَّخ اللهُ المنافقين، وبيَّن لهم أن طاعتهم لله ولرسوله، وقولهم الأقوال الموافقة للشرع أولى من خلافها، وهذا من مظاهر رحمة الله تعالى بعباده وحِلمه عليهم مهما عصَوا. مَن صدَق مع الله كفاه الله ما أهمَّه، وهوَّن عليه ما يلقاه، وأحاطه بحفظه، ورعاه بعينه. |
﴿طَاعَةٞ وَقَوۡلٞ مَّعۡرُوفٞۚ فَإِذَا عَزَمَ ٱلۡأَمۡرُ فَلَوۡ صَدَقُواْ ٱللَّهَ لَكَانَ خَيۡرٗا لَّهُمۡ ﴾ [محمد: 21]
المؤمنون صادقون ظاهرًا وباطنًا، فأقوالهم وأمانِيُّهم في طلب فعل الخير تُصدِّقها أعمالهم ومواقفهم، وأمَّا المنافقون فأقوال بلا أعمال، وجميل مقالهم يكذِّبه سوء فِعالهم. الحياة عند المنافقين أغلى من كلِّ شيء؛ فلذلك تركوا الإيمانَ لأجل مَلذَّاتها العاجلة، وخافوا من الخروج للقتال حفاظًا عليها. وبَّخ اللهُ المنافقين، وبيَّن لهم أن طاعتهم لله ولرسوله، وقولهم الأقوال الموافقة للشرع أولى من خلافها، وهذا من مظاهر رحمة الله تعالى بعباده وحِلمه عليهم مهما عصَوا. مَن صدَق مع الله كفاه الله ما أهمَّه، وهوَّن عليه ما يلقاه، وأحاطه بحفظه، ورعاه بعينه. |
﴿فَهَلۡ عَسَيۡتُمۡ إِن تَوَلَّيۡتُمۡ أَن تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَتُقَطِّعُوٓاْ أَرۡحَامَكُمۡ ﴾ [محمد: 22]
حينما تغيب مراقبة الله، وتتعطَّل أحكامه تصبح الحياة أشبهَ بغابة تُسفك فيها الدماء، وتُنتهك فيها الحرمات. مَن تولَّى عن الحقِّ جدَّ في الباطل، ومَن لم يَشغَل نفسه بما يُرضي الله تجرَّأ على ما يُسخِطه. «الرَّحم شِجنة من الرحمن، مَن وصلها وصله الله، ومَن قطعها قطعه». ليَحذَر مَن استمرأ الفساد، وقَطع الأرحام من أن يقطعَ الله رجاءه من رحمته، وأمله في مغفرته. |
﴿أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فَأَصَمَّهُمۡ وَأَعۡمَىٰٓ أَبۡصَٰرَهُمۡ ﴾ [محمد: 23]
حينما تغيب مراقبة الله، وتتعطَّل أحكامه تصبح الحياة أشبهَ بغابة تُسفك فيها الدماء، وتُنتهك فيها الحرمات. مَن تولَّى عن الحقِّ جدَّ في الباطل، ومَن لم يَشغَل نفسه بما يُرضي الله تجرَّأ على ما يُسخِطه. «الرَّحم شِجنة من الرحمن، مَن وصلها وصله الله، ومَن قطعها قطعه». ليَحذَر مَن استمرأ الفساد، وقَطع الأرحام من أن يقطعَ الله رجاءه من رحمته، وأمله في مغفرته. |
﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَ أَمۡ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقۡفَالُهَآ ﴾ [محمد: 24]
لو رجَع الناسُ إلى القرآن لوجدوا فيه صلاحَ حياتهم، وراحة نفوسهم، ولهداهم طريقًا مستقيمًا، ولو اقتربوا من ضيائه لانتشر نوره في جنَبات قلوبهم، ولزالت عنهم ظلماتُ المعاصي، ولَبانَ لهم خطأ ما هم عليه. المؤمن إذا أعمل فكرَه في تدبُّر آيات الله جنى ثمارَ ذلك قربًا من الله، وثباتًا على طاعة مولاه. لا أملَ في تذكُّر المنافقين ما لم يَنزِعوا أقفال النفاق عن قلوبهم، ويزيلوا تلك الأفكارَ من عقولهم. تدبُّر القرآن يكشف الغِشاوةَ عن العيون، ويفتح نوافذ الحقِّ إلى القلوب، فيَسكُب فيها النور، ويُنشئ حياةً للروح تَنبِض بها وتُشرِق. إن الله عزَّ وجلَّ لم يحرِم عبادَه من الهدى والقرآنُ بين أيديهم، ولم يكتب عليهم الشقاء وقد أنزله عليهم، لكن الظالم من ظلم نفسه، وأغلق سمعَه، وصرَف بصره عن هدايات القرآن. |
﴿وَلَنَبۡلُوَنَّكُمۡ حَتَّىٰ نَعۡلَمَ ٱلۡمُجَٰهِدِينَ مِنكُمۡ وَٱلصَّٰبِرِينَ وَنَبۡلُوَاْ أَخۡبَارَكُمۡ ﴾ [محمد: 31]
تلك هي سُنَّة الله في عباده المؤمنين، يبتليهم بالمصائب؛ ليُظهرَ صدقَ الصادقين ويفضحَ كذبَ الكاذبين. مَن تعلَّق بربِّه ورضي به ظلَّ على عهده معه في جميع أحواله، في السرَّاء والضرَّاء، وفي المَنشَط والمكره. تَخرُج في البلاء مكنوناتُ الضمائر، وتظهر الأعمال واقعًا بعدما استوطنتِ السرائر. |
﴿فَلَا تَهِنُواْ وَتَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱلسَّلۡمِ وَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَ وَٱللَّهُ مَعَكُمۡ وَلَن يَتِرَكُمۡ أَعۡمَٰلَكُمۡ ﴾ [محمد: 35]
الإسلام يدعو أهله إلى الشجاعة في جِلاد أعدائهم المحاربين، وترك مصالحتهم في حال علوِّهم عليهم وقهرهم لهم؛ من أجل أن تكونَ كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السُّفلى. أيُّها المسلمون؛ أنتم الغالبون وإن علا الكافرون بعَتادهم، فلا تُعطوا الدنِيَّة في دينكم، بل انهضوا لتُزيلوا كلَّ ما يَحُول دون نشر دين ربِّكم. مَن كان الله معه فليَبشُر بالنصر والغلبة، فمعه القوَّةُ التي لا تُغلب، والقدرة التي لا تَعجِز. مَن قام بما أمره الله به في مواجهة عدوِّه فليطمئنَّ إلى الثواب الجزيل الذي يَزيد ولا يَنقُص. |
﴿هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ لِيَزۡدَادُوٓاْ إِيمَٰنٗا مَّعَ إِيمَٰنِهِمۡۗ وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمٗا ﴾ [الفتح: 4]
الطُّمَأنينة لما قضى الله تعالى إذا نزلت في القلب سكنت الجوارح، وذهب عن المرء الضجَر والقلق، فأعقبه ذلك خيرًا كثيرًا. القلوب هي المكان الذي إذا استنار بنور السَّكينة كسا النفوسَ رضًا وانشراحًا، فسل اللهَ أن يكونَ قلبك مطمئنًّا حتى تسعَد كلُّ أعضائك. أفرغَ في قلوب عباده سَكينته، فازدادوا ثقةً بوعده، وصبرًا على حُكمه، فكانوا كما أراد جلَّ جلاله. يمضي المؤمن في دربه، واثقًا بمَعيَّة ربِّه، مطمئنًّا إلى ذلك النصر الذي يحقِّق به الله وعده، وينصُر به جنده. لا تلتفت إلى غير الله، ولا تطلب من سواه، فهو عليم بحالك، حكيم إن أعطى وإن منع. |
﴿وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ [الفتح: 7]
مَن له ملكُ السماوات والأرض فله القوَّة التي لا تُقهر، والجند التي لا تُغلب، فلا عزَّ إلا عزُّه، ولا نصرَ إلا نصره. من حكمة الله أن يبتليَ المؤمنين بالكافرين؛ ليُحقَّ الحقَّ ويُبطل الباطل، فتعلوَ راية عباده، ويزلزل أركان أعدائه. |
﴿۞ لَّقَدۡ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ يُبَايِعُونَكَ تَحۡتَ ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمۡ فَأَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيۡهِمۡ وَأَثَٰبَهُمۡ فَتۡحٗا قَرِيبٗا ﴾ [الفتح: 18]
جزاءٌ عظيم ينتظر الطائعين على مشارف مغادرة الدنيا، وغروبِ شمس الحياة؛ إنها جنَّات مَلأى بالملذَّات، وجميل الطيِّبات، وعلى ضفاف أنهارها يغتسل المؤمنُ من هموم الدنيا وأحزانها، فنسأل الله من فضله العظيم. لمَّا قام الصحابة رضي الله عنهم بطاعة الله ورسوله ربحوا رضوانَ الله عنهم، فكان ذلك طريقَهم إلى الجنَّة. ما أعظمَه من ثناء، وأجزلَه من عطاء! أثنى تعالى عليهم بالإيمان، وبالقيام ببيعة الرضوان، فكان الجزاء: نزول السَّكينة على قلوبهم، والإثابة بفتح قريب لهم، ونيل رضوانه عنهم. إذا علم الله في قلب عبده خيرًا آتاه خيرًا، فالقلب هو أساسُ الإقبال على الله تعالى. حُرم أهلُ بيعة الرضوان من دخول مكة، فكان لهم فتحُ خيبر، فالله يُبدل أحزانَ المؤمنين أفراحًا، واختيار الله لعبده خيرٌ من اختياره لنفسه. |
﴿لَّقَدۡ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّءۡيَا بِٱلۡحَقِّۖ لَتَدۡخُلُنَّ ٱلۡمَسۡجِدَ ٱلۡحَرَامَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ ءَامِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمۡ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَۖ فَعَلِمَ مَا لَمۡ تَعۡلَمُواْ فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَٰلِكَ فَتۡحٗا قَرِيبًا ﴾ [الفتح: 27]
هو وعدُ صدقٍ من الله، وجاءت المشيئة لتُرسِخَ في نفوس المؤمنين الاستسلامَ لقضاء الله، والإذعان لِما قدَّره تعالى. أتى لهم بالصورة الكلِّيَّة التي سيكونون عليها من دخول المسجد الحرام، وحَلق الشعر أو تقصيره؛ لتطمئنَّ بذلك الأفئدة، ولتسعَدَ تلك القلوب. مَن سلَّم أمره لله أمَّنه الله من كلِّ خوف وفزع، وسلَّمه من كلِّ حُزن وجزَع. إن الإسلام ليَعلو بالسِّلم أكثر منه بالحرب، فكم من قلوبٍ فُتحت، وبلادٍ أسلمت بأخلاق المسلمين لا بسيوفهم. |
﴿وَمَا لَكُمۡ أَلَّا تُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَٰثُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ لَا يَسۡتَوِي مِنكُم مَّنۡ أَنفَقَ مِن قَبۡلِ ٱلۡفَتۡحِ وَقَٰتَلَۚ أُوْلَٰٓئِكَ أَعۡظَمُ دَرَجَةٗ مِّنَ ٱلَّذِينَ أَنفَقُواْ مِنۢ بَعۡدُ وَقَٰتَلُواْۚ وَكُلّٗا وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ ﴾ [الحديد: 10]
يوقنُ ذوو الألباب أنهم لن يصطحبوا إلى قبورهم شيئًا من مالهم، فتراهم يُنفقونه بسخاء نفسٍ وطِيب خاطرٍ في أوجه الخير والصَّلاح. إذا كان الإنفاقُ في الخيرات فضيلة، فإنَّ السَّبقَ في الإنفاق تمامُ الفضيلة، وخصوصًا في أوقات العَوَز والضِّيق. الشدائدُ والمِحَن هي المِحَكُّ الحقيقيُّ لمعادن الرجال، الكاشفُ عن صدق الإيمان وقوَّة اليقين؛ فمَن كان فيها جَسورًا صَبورًا استحقَّ الرِّفعةَ في الدنيا والكرامةَ في الآخرة. من حقِّ المحسن أن يُكافأَ ويُشادَ بعمله، ولو كان دونَ غيره في الإحسان؛ فإنَّ ذلك أدعى لبذله مَزيدًا من الجُهد في اللَّحاق بسابقيه. |
﴿لَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلَنَا بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَأَنزَلۡنَا مَعَهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلۡقِسۡطِۖ وَأَنزَلۡنَا ٱلۡحَدِيدَ فِيهِ بَأۡسٞ شَدِيدٞ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعۡلَمَ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥ وَرُسُلَهُۥ بِٱلۡغَيۡبِۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٞ ﴾ [الحديد: 25]
من نِعَم الله الجليلة على خَلقه أنه أمدَّهم بكلِّ ما يُقيمون به حياتهم في سلام ووئام؛ من شريعة هادية، وميزان عادل، وقوَّة يدفعون بها عن أنفسِهم. مَن رامَ نشرَ الهدى وإقامةَ العدل وجبَ عليه امتلاكُ القوَّة المادِّيَّة والمعنويَّة التي تمكِّنه من بلوغ هدفه وتحقيق طُموحه. الحقُّ والعلم دون قوَّة ضعفٌ وعَجز وصَغار، والبأسُ والقوَّة دون شريعة بيِّنة وميزان عادل فسادٌ وخرابٌ ودَمار. العدالةُ عند الأفراد والأمم تكونُ بمقدار نصيبها من الكتاب واستمساكها بالشَّريعة. لا تكتمل رسالةُ العالِم حتى يُصلحَ الدنيا بالعدل والميزان، كما يُصلح الدِّينَ بالكتاب والفُرقان. سعادةُ الناس وطُمَأنينتُهم لا تقوم إلا بصلاح دينهم ودنياهم معًا، دون إهمال جانبٍ على حساب آخَر. إن الله غنيٌّ عن عباده، وما دعاهم لنُصرة دينه إلا ليقيمَ الحُجَّةَ عليهم من أنفسهم، فيُثيبَ مَن امتثلَ أمرَه، ويعذِّبَ مَن تمرَّد وأبى. |
﴿هُوَ ٱلَّذِيٓ أَخۡرَجَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ مِن دِيَٰرِهِمۡ لِأَوَّلِ ٱلۡحَشۡرِۚ مَا ظَنَنتُمۡ أَن يَخۡرُجُواْۖ وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمۡ حُصُونُهُم مِّنَ ٱللَّهِ فَأَتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِنۡ حَيۡثُ لَمۡ يَحۡتَسِبُواْۖ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعۡبَۚ يُخۡرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيۡدِيهِمۡ وَأَيۡدِي ٱلۡمُؤۡمِنِينَ فَٱعۡتَبِرُواْ يَٰٓأُوْلِي ٱلۡأَبۡصَٰرِ ﴾ [الحشر: 2]
إنَّ الله معزٌّ وممكِّنٌ لأهل طاعته المسبِّحين بقلوبهم وألسنتهم لجلاله، ومذلٌّ وقاهرٌ للمستكبرين عن الخضوع لعزَّته وكبريائه. من أعظم أسباب الخِذلان التقوِّي بغير القويّ، والاعتماد على غير الكَفِيّ، ومَن اعتمد على غير الله فقد ضلَّ وقلَّ وذلَّ. لو توكَّل المسلم على الله حقَّ التوكُّل لأتاه نصرُه وتمكينُه من حيثُ لا يحتسب ولا يتوقَّع، ولكن أين صِدقُ اليقين؟ شتَّانَ بين مَن جعل توكُّلَه على الأسباب دون المسبِّب، ومَن جعل توكُّلَه على الله وحدَه مسبِّب الأسباب ومقدِّر الأقدار. مَن اعتمد على مخلوق مثله يعتزُّ به، أسلمه الله إلى صَغاره وهوانه. ومَن اعتمد على قوَّته وشوكته، أزال الله قوَّته وكسر شوكتَه. مَن وَثِقَ بغير الله فهو في خُسر وخِذلان، ومَن رَكَنَ إلى غير الله فهو في ضياع وحرمان. مهما عظُم تفاؤلُ المؤمنين وحسنُ ظنِّهم بتدبير ربِّهم لهم، فإن الله يمنحُهم فوق ظنونهم ما لا يخطِرُ لهم على بال. وَثِقَ القوم بقوَّة حصونهم وشدَّة بنيانهم فأُتوا من داخل نفوسهم، بما أصاب قلوبَهم من فزَع وذُعر. والخوفُ أوَّل الهزيمة. جُند الله تعالى لا حصرَ لهم، وقد يسلِّط الله العدوَّ على نفسِه، فيسعى برجليه إلى حَتفِه. |
﴿وَلَوۡلَآ أَن كَتَبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡجَلَآءَ لَعَذَّبَهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَاۖ وَلَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ عَذَابُ ٱلنَّارِ ﴾ [الحشر: 3]
العذاب لازمٌ لليهود ومن سارَ سيرتَهُم في تكذيب الأنبياء، والكَيد للأتقياء، فإن فاتهم منه شيءٌ أصابهم منه آخَر. لئن تأخَّرَت عقوبةُ الله للمُحادِّين له ولدينه، إنه يوشكُ أن تصيبَهم عقوبةٌ أخرى، فليترقَّب المؤمنون ذلك. ما يحلُّ بأعداء الله في الدنيا من عقاب وعذاب، إنما هو عذابٌ معجَّل أهوِنْ به من عذاب، ولهم ما هو أقسى وأدهى يومَ الحساب. |
﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ شَآقُّواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۖ وَمَن يُشَآقِّ ٱللَّهَ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ ﴾ [الحشر: 4]
إن مشاقَّةَ الله تعالى وعَداءه هي مشاقَّةٌ لرسوله ولشرعه. الحرب ليست بين المؤمنين والكافرين، ولكنَّها على الحقيقة بين الكفَّار وربِّهم سبحانه، والله بفضله يوفِّق من يشاء لنصرة دينه وإظهار شرعه. |
﴿مَا قَطَعۡتُم مِّن لِّينَةٍ أَوۡ تَرَكۡتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰٓ أُصُولِهَا فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِيُخۡزِيَ ٱلۡفَٰسِقِينَ ﴾ [الحشر: 5]
كلُّ ما أمر الشَّرعُ به فلمصلحة وحكمة، وإن غابت عن عقول الناس ومداركهم. لا يرقُب الكفَّار في المؤمنين إلًّا ولا ذمَّة، ومن ثَم أتاح الله لأهل ولايته في المعارك التصرُّفَ بزروعهم؛ قطعًا وحرقًا، بما تقتضيه المصلحة، ليزدادوا غيظًا على غيظ. مَن أمعن في الغَواية، وتمادى في عَداء الله ورسوله ﷺ، استحقَّ التنكيل به؛ نكايةً وإخزاء. |
﴿۞ أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ يَقُولُونَ لِإِخۡوَٰنِهِمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ لَئِنۡ أُخۡرِجۡتُمۡ لَنَخۡرُجَنَّ مَعَكُمۡ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمۡ أَحَدًا أَبَدٗا وَإِن قُوتِلۡتُمۡ لَنَنصُرَنَّكُمۡ وَٱللَّهُ يَشۡهَدُ إِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ ﴾ [الحشر: 11]
الكفَّار والمنافقون بعضُهم أولياء بعض، اجتمعَت قلوبُهم على الكفر، واختلفَت في التصريح به وإظهاره. من أبرز صفات المنافقين التغريرُ بأتباعهم بدعاويهم العريضة، حتى إذا حَصحَصَ الحقُّ وجدتَّهم أكذبَ مَن عليها، وأجبنَ خلق الله جميعًا. أحلافُ الباطل أحلافٌ هشَّة، لا تكاد تُعقَد حتى تمزِّقَها المصالحُ وتوديَ بها الأهواء. المنافقون على مدار العصور سواءٌ؛ في احتيالهم وخُبث طويَّتهم، وادعائهم غيرَ الحقِّ. |
﴿لَئِنۡ أُخۡرِجُواْ لَا يَخۡرُجُونَ مَعَهُمۡ وَلَئِن قُوتِلُواْ لَا يَنصُرُونَهُمۡ وَلَئِن نَّصَرُوهُمۡ لَيُوَلُّنَّ ٱلۡأَدۡبَٰرَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ ﴾ [الحشر: 12]
إنها بِشارةٌ من الله تعالى للمؤمنين في كلِّ زمان ومكان، أنَّ عاقبة الكفَّار والمنافقين إلى هزيمة وخِذلان. حتى لو ظاهرَ المنافقون الكفَّارَ فإنَّ مصير تحالفهم إلى خُسر وهوان، فقَرُّوا عينًا أيها المسلمون، وأعدُّوا واستعدُّوا. دعاوى المنافقين العريضة، لا تُطيقها نفوسُهم الضعيفة، وقلوبُهم الهزيلة. |
﴿لَأَنتُمۡ أَشَدُّ رَهۡبَةٗ فِي صُدُورِهِم مِّنَ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَفۡقَهُونَ ﴾ [الحشر: 13]
المنافق يخوِّفُ بالناس، والمؤمن يخوِّف بالله ربِّ الناس، فمَن أحقُّ أن يُخشى ويُخافَ منه؟ أيها المسلمون، لا يغرنَّكم ما يُظهره أعداؤكم من شجاعة واستعداد للحرب، فإنَّ قلوبهم تُضمر من الرُّعب خلافَ ما يُظهرون، فاطمئنُّوا. يُصيب العبدَ من الخوف من غير الله بقلَّة فقهه، وضعف يقينه بربِّه. الفقه كلُّه في أن يكونَ خوفُ الخالق وخشيتُه مقدَّمةً على الخوف من كلِّ أحد. |
﴿لَا يُقَٰتِلُونَكُمۡ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرٗى مُّحَصَّنَةٍ أَوۡ مِن وَرَآءِ جُدُرِۭۚ بَأۡسُهُم بَيۡنَهُمۡ شَدِيدٞۚ تَحۡسَبُهُمۡ جَمِيعٗا وَقُلُوبُهُمۡ شَتَّىٰۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَعۡقِلُونَ ﴾ [الحشر: 14]
سِيماء أهل العقول الاجتماعُ على الحقِّ والائتلافُ عليه، والتفرُّق علامةٌ على ضعفها وقلَّة وعيها. بلغ اليهودُ من الجُبن والهلَع أنهم لا يثبُتون في المعارك إلا متحصِّنين لائذين بما يحميهم، فإذا التحموا مع خصومهم وهنَت عزائمُهم ووَهت قواهُم. قال قَتادة: (أهلُ الباطل مختلفةٌ أهواؤهم، مختلفةٌ شهاداتهم، مختلفةٌ أعمالهم، وهم مجتمعون في عداوة أهل الحقِّ). اجتماعُ الأبدان مع تنافُر القلوب أصلُ كلِّ تخاذُل، وسببٌ لتجاسُر العدوِّ وتطاوله، واتفاقُ القلوب واشتراكُها في الهدف والهمَّة سببُ كلِّ ظفَر وسعادة. |
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمۡ أَوۡلِيَآءَ تُلۡقُونَ إِلَيۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ وَقَدۡ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُم مِّنَ ٱلۡحَقِّ يُخۡرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِيَّاكُمۡ أَن تُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ رَبِّكُمۡ إِن كُنتُمۡ خَرَجۡتُمۡ جِهَٰدٗا فِي سَبِيلِي وَٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِيۚ تُسِرُّونَ إِلَيۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ وَأَنَا۠ أَعۡلَمُ بِمَآ أَخۡفَيۡتُمۡ وَمَآ أَعۡلَنتُمۡۚ وَمَن يَفۡعَلۡهُ مِنكُمۡ فَقَدۡ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ ﴾ [الممتحنة: 1]
يا له من نداء وَدود ينادي الله به عبادَه واصفًا إيَّاهم بأعظم صفة ألا وهي الإيمان، فحريٌّ بنا أن نكونَ أهلًا لها، وألا نقترفَ ما يُنافيها. لا يكون العبدُ مؤمنًا حقًّا حتى يقيمَ على إيمانه دليلًا، ومن أظهر الأدلَّة على الإيمان، مخالفةُ أهل الكفر والعصيان. مَن كان عدوًّا لله فهو بلا ريب عدوٌّ للمؤمنين، ولا ينقضي العجَب ممَّن يبَرُّ وينصر عدوَّه على نفسه وإخوانه! إذا كان أوَّلَ الضلال الجنوحُ عن الصِّراط، فإن موالاة أعداء الله قد تبدأ بالودِّ لهم والمبالغة في التودُّد إليهم. خيرٌ لك ألا تفعلَ في السرِّ ما تستحي منه في العلن، وألا تُخفيَ عن الناس ما تخشى أن يظهرَ لهم، فإن ربَّك عالمٌ بظاهرك وباطنك وبما تُعلن وتخفي. دَيدَنُ المجرمين الحاقدين، فتنةُ المؤمنين المحسنين، ولكنَّ أهل الحقِّ أبدًا في ثبات ويقين، مهما أُوذوا أو شُرِّدوا على مَدار السنين. |
﴿إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِهِۦ صَفّٗا كَأَنَّهُم بُنۡيَٰنٞ مَّرۡصُوصٞ ﴾ [الصف: 4]
بذلُ النفس في سبيل الله لا يكون إلا عند خُلوصها في محبَّة الله تعالى، فمَن أحبَّ ربَّه حقًّا هانت نفسُه عنده فلم يبخَل بها في سبيله. إن دينًا يأمر أتباعَه برصِّ الصفوف في صلاتهم خمسَ مرَّات في اليوم، ورصِّ صفوفهم في قتالهم وجهادهم، لدينُ نظام ودقَّة، أفلا نرتقي إلى عُلاه؟! ألم ترَ إلى صاحب البُنيان يكره أن يختلفَ بُنيانه؟ فكذلك الله - وله المثَلُ الأعلى - لا يحبُّ أن تختلفَ كلمةُ عباده، فعليكم بأمره سبحانه فإنه عصمةٌ لمن استمسكَ به. الفرديَّة والانعزاليَّة لا يحقِّقان الإسلامَ في ضمير الفرد، ولا في واقع حياته، وإنَّ يد الله مع الجماعة، فلنلُذ بحماها. كيف يطيبُ لنفسٍ التقاعسُ عن الجهاد في سبيل الله، وكراهةُ قتال العدوِّ، وقد أعدَّ سبحانه للمجاهدين ما أعدَّ من جزاء، أعظمُه الفوز بمحبَّته ورضاه؟! اجتماعُ كلمة المؤمنين وائتلافُ قلوبهم وتراصُّهم في الصلاة وفي ميادين الجهاد من أسباب محبَّة الله لهم ورضاه عنهم. |
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ هَلۡ أَدُلُّكُمۡ عَلَىٰ تِجَٰرَةٖ تُنجِيكُم مِّنۡ عَذَابٍ أَلِيمٖ ﴾ [الصف: 10]
المؤمنون بحاجة دومًا إلى أن يُذكَّروا بإيمانهم، وأن يُخاطَبوا بأعظم صفة يتَّصفون بها؛ لشَحذ عزائمهم، والدَّفع بهم إلى الصبر على أوامر الشريعة ونواهيها. العملُ لهذا الدين إنما هو تجارةٌ مع الله مضمونةُ الربح والعوائد، وأعظمُ مرابحها النجاة من عذاب الله، فأين المشمِّرون؟ إذا ما نجح العبدُ في عصيان نفسه الأمَّارة بالشحِّ بمالِه، هانَ عليه الجودُ برُوحه ونفسِه، في سبيل الله ربِّه. قدَّم الأموالَ على الأنفس؛ تنبيهًا على عظيم أثرها في نصرة الدِّين وأهلِه، فليُنفق كلٌّ في طاعة الله من سعتِه. |
﴿تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمۡوَٰلِكُمۡ وَأَنفُسِكُمۡۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ﴾ [الصف: 11]
المؤمنون بحاجة دومًا إلى أن يُذكَّروا بإيمانهم، وأن يُخاطَبوا بأعظم صفة يتَّصفون بها؛ لشَحذ عزائمهم، والدَّفع بهم إلى الصبر على أوامر الشريعة ونواهيها. العملُ لهذا الدين إنما هو تجارةٌ مع الله مضمونةُ الربح والعوائد، وأعظمُ مرابحها النجاة من عذاب الله، فأين المشمِّرون؟ إذا ما نجح العبدُ في عصيان نفسه الأمَّارة بالشحِّ بمالِه، هانَ عليه الجودُ برُوحه ونفسِه، في سبيل الله ربِّه. قدَّم الأموالَ على الأنفس؛ تنبيهًا على عظيم أثرها في نصرة الدِّين وأهلِه، فليُنفق كلٌّ في طاعة الله من سعتِه. |
﴿يَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡ وَيُدۡخِلۡكُمۡ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ وَمَسَٰكِنَ طَيِّبَةٗ فِي جَنَّٰتِ عَدۡنٖۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ ﴾ [الصف: 12]
فارق المجاهدون المخلصون مساكنَهم، ونأَوا عن ديارهم وأهليهم، فوعدهم الله على تلك المفارقة المؤقَّتة مساكنَ أبديَّةً فيها السعادةُ والحُبور. ما أوسعَ فضلَ الله تعالى؛ يُحسن المؤمنون في هذه الدنيا أيَّامًا قليلةً بعطاء محدود، فيُكافئُهم ربُّهم ببهجة الخلود، وبرزقٍ وافر ممدود، غير ممنوع ولا مقطوع. كلُّ آتٍ قريب، وما على العبد إلا أن يصبرَ ويصابرَ في الثبات على الدِّين، والاستقامة على الحقِّ، والجهاد في سبيل الله، حتى يفوزَ بوعد ربِّه. مهما أوتيَ المسلمُ من أسباب القوَّة في بدَنه، وفي عُدَّته وعَتاده، فليحذَرِ الركونَ إلى الأسباب، فإنَّ النصر من عند الله، فليخلِص في طلبه منه وحدَه. |
﴿وَأُخۡرَىٰ تُحِبُّونَهَاۖ نَصۡرٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَتۡحٞ قَرِيبٞۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ﴾ [الصف: 13]
فارق المجاهدون المخلصون مساكنَهم، ونأَوا عن ديارهم وأهليهم، فوعدهم الله على تلك المفارقة المؤقَّتة مساكنَ أبديَّةً فيها السعادةُ والحُبور. ما أوسعَ فضلَ الله تعالى؛ يُحسن المؤمنون في هذه الدنيا أيَّامًا قليلةً بعطاء محدود، فيُكافئُهم ربُّهم ببهجة الخلود، وبرزقٍ وافر ممدود، غير ممنوع ولا مقطوع. كلُّ آتٍ قريب، وما على العبد إلا أن يصبرَ ويصابرَ في الثبات على الدِّين، والاستقامة على الحقِّ، والجهاد في سبيل الله، حتى يفوزَ بوعد ربِّه. مهما أوتيَ المسلمُ من أسباب القوَّة في بدَنه، وفي عُدَّته وعَتاده، فليحذَرِ الركونَ إلى الأسباب، فإنَّ النصر من عند الله، فليخلِص في طلبه منه وحدَه. |
مواضيع أخرى في القرآن الكريم
اسم الله الواسع الطوفان واسع المغفرة الإنسان عبور الفضاء اسم الله العفو موالاة المؤمنين الوالي المسارعة في الخيرات التحريف
الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم
Thursday, November 21, 2024
لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب