ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة

حديث: ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة

عن ابن محيريز، أنّه قال: دخلتُ المسجد، فرأيتُ أبا سعيد الخدريّ، فجلستُ إليه. فسألته عن العزْل؟ فقال: خرجنا مع رسول اللَّه ﷺ في غزوة بني المصطلق، فأصبنا سبيًا من سبي العرب، فاشتهينا النّساء، واشتدّ علينا العُزْبة، وأَحْبَبْنا الفداءَ، فأردنا أن نعزل، فقلنا: نعزل ورسولُ اللَّه ﷺ بين أظهُرنا قبل أن نسأله، فسألناه عن ذلك، فقال: «ما عليكم أن لا تفعلوا، ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلّا وهي كائنة».

متفق عليه: رواه مالك في الطّلاق (٩٥) عن ربيعة بن عبد الرحمن، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن ابن محيريز، فذكره.

تخريج الحديث كاملاً ⏬

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد،
حياكم الله و بياكم أيها السائل الكريم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب. هذا الحديث الذي ذكر حديث صحيح، رواه الإمام مسلم في صحيحه، وهو من الأحاديث التي تتعلق بمسألة فقهية مهمة، وهي مسألة العزل، أي أن يعزل الرجل عن امرأته عند الجماع حتى لا يقع الإنزال في فرجها.
دعنا نقف مع هذا الحديث العظيم ونتأمل شرحه على النحو التالي:

أولاً. شرح مفردات الحديث:

● العزل: هو أن يجامع الرجل زوجته أو جاريته، ثم يعزل نفسه قبل القذف حتى لا يقع المني في رحمها، بقصد منع الحمل.
● غزوة بني المصطلق: هي غزوة وقعت في السنة الخامسة أو السادسة للهجرة، ضد قبيلة بني المصطلق من خزاعة.
● السبي: الأسرى الذين يؤخذون في الحرب، والمراد هنا النساء الأسيرات.
● اشتهاها النّساء: اشتدت رغبتنا فيهن.
● العُزبة: الانقطاع عن النساء وعدم القدرة على الزواج.
● الفداء: أن يفدي الرجل نفسه بمال يعطيه للأسير ليطلقه، والمراد هنا أننا أردنا أن نأخذ الفدية من الأسرى (بيعهن) بدلًا من استبقائهن.
● ما عليكم أن لا تفعلوا: أي لا حرج عليكم إذا تركتم العزل.
● نسمة: هي النفس أو الإنسان المخلوق.

ثانيًا. المعنى الإجمالي للحديث:

يخبر الصحابي الجليل ابن محيريز أنه دخل المسجد وجلس إلى أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وسأله عن حكم العزل، فقص عليه أبو سعيد قصة وقعت لهم في غزوة بني المصطلق، حيث أسر المسلمون سبياً من النساء، واشتدت رغبة الصحابة فيهن بسبب حاجتهم، لكنهم أرادوا بيعهن لأخذ الفداء (المال)، وخشوا أن يحملن إذا جامعوهن، ففكروا في ممارسة العزل لمنع الحمل، حتى لا تقل قيمتهن عند البيع، ولكنهم ترددوا لأن النبي ﷺ كان بينهم ولم يستأذنوه، فسألوه عن ذلك، فأجابهم بأنه لا حرج عليهم في ترك العزل، لأن الأمر كله بيد الله تعالى، فما قدر الله أن يخلقه من نسمة سيكون، وما لم يقدره لن يكون، سواء عزلوا أم لم يعزلوا.

ثالثًا. الدروس المستفادة والفقه في المسألة:

1- جواز العزل: الحديث يدل على جواز العزل، لأنه لم ينههم عنه، بل قال: "ما عليكم أن لا تفعلوا"، أي لا بأس بفعله وتركه. وهذا مذهب جمهور العلماء من أهل السنة والجماعة.
2- أن العزل ليس من الوسائل المانعة للحمل بشكل مطلق: لأن النبي ﷺ بين أن القدرة على الخلق بيد الله، فما كتبه الله من ولد سيأتي بغض النظر عن العزل. والعزل قد يمنع الحمل في كثير من الأحيان، لكنه ليس مانعاً قطعياً.
3- استحباب طلب العلم والسؤال عن أمور الدين: حيث جاء ابن محيريز إلى أبي سعيد ليسأله عن مسألة تهمه.
4- الأخذ بالرخصة ورفع الحرج: حيث بين النبي ﷺ أن الأمر واسع، فلا حرج في العزل ولا في تركه.
5- الإيمان بالقدر خيره وشره: فكل شيء مقدر عند الله، والأسباب قد تؤدي إلى نتائج، لكن المشيئة النهائية لله تعالى.

رابعًا. معلومات إضافية مفيدة:

- العزل جائز بشرط رضا الزوجة إذا كانت حرة، لأن لها حقاً في الولد، ولها حق في الاستمتاع الكامل. أما الجارية (الأمة) فالأمر فيها أوسع.
- بعض العلماء كره العزل إذا كان مع الزوجة الدائمة بدون سبب، ورأى أنه خلاف الأولى، لكنه لا يحرم.
- العزل ليس من الوسائل الحديثة لتنظيم الأسرة، لكنه وسيلة قديمة، والأفضل اليوم استخدام الوسائل الطبية الآمنة بعد consultation طبية.
- الحديث يبين سمو أخلاق الصحابة، حيث استحوا أن يفعلوا شيئاً دون سؤال النبي ﷺ.
أسأل الله أن يفقهنا في الدين، وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

📝 تنبيه هام:

نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:

📧 التواصل للإبلاغ عن خطأ

"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه مالك في الطّلاق (٩٥) عن ربيعة بن عبد الرحمن، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن ابن محيريز، فذكره.
ورواه البخاريّ في العتق (٢٥٤٢) عن عبد اللَّه بن يوسف، عن مالك، بإسناده.
ورواه مسلم في النكاح (١٤٣٨) من وجه آخر عن إسماعيل بن جعفر، قال: أخبرني ربيعة بإسناده مثله، وفيه كان مع ابن محيريز أبو صرمة وهو الذي سأل أبا سعيد.
وفي رواية عندهما - البخاريّ في النكاح (٥٢١٠)، ومسلم عن عبد اللَّه بن محمد بن أسماء الضُّبعي، حدّثنا جويرية، عن مالك، عن الزّهريّ، عن ابن محيريز، عن أبي سعيد الخدريّ قال: أصبنا سبيًا، فكنا نعزل، فسألنا رسول اللَّه ﷺ فقال: «أوَ إنَّكم لتفعلون؟ أَوَ إنّكم لتفعلون؟ أَوَ إنّكم لتفعلون؟ ما من نسمةٍ كائنةٍ إلى يوم القيامة إلّا هي كائنة». ولم يذكر الجوهري في «مسند الموطأ» رواية جويرية.
وفي مسلم من وجه آخر عن أبي سعيد مرفوعا: «لا عليكم أن لا تفعلوا، فإنّما هو القَدَر».

العودة إلى الأعلى

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 1066 من أصل 1075 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة

📜 حديث: ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة

نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة

تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة

تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة

شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.

قراءة القرآن الكريم

سورة البقرة	آل عمران	سورة النساء
سورة المائدة	سورة يوسف	سورة ابراهيم
سورة الحجر	سورة الكهف	سورة مريم
سورة الحج	سورة القصص	العنكبوت
سورة السجدة	سورة يس	سورة الدخان
سورة الفتح	سورة الحجرات	سورة ق
سورة النجم	سورة الرحمن	سورة الواقعة
سورة الحشر	سورة الملك	سورة الحاقة
سورة الانشقاق	سورة الأعلى	سورة الغاشية