الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقول الزور من أكبر الكبائر

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد،
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
الحديث الذي طلبت شرحه هو حديث عظيم رواه الإمام البخاري في صحيحه عن الصحابي الجليل أبي بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه، وفيه تحذير من أعظم الذنوب وأخطرها على الإطلاق.
وفيما يلي الشرح المفصل له على النحو المطلوب:

---

1. شرح المفردات:

● أَنْبِئُكُمْ: أخبركم وأعلمكم.
● أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ: أعظم الذنوب والمعاصي، و"الكبائر" جمع كبيرة، وهي كل ذنب توعد الله عليه بنار أو لعنة أو غضب أو عذاب.
● عُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ: العقوق هو عصيانهما وإيذائهما بقول أو فعل، ومخالفة أمرهما في غير معصية الله، وترك الإحسان إليهما.
● مُتَّكِئًا: متكئًا على وسادة أو جانب، في حالة استرخاء.
● قَوْلَ الزُّورِ: الزور هو الكذب والبهتان، وقول الزور يشمل شهادة الزور (أي الكذب في الشهادة أمام القاضي) والكذب في الحديث عامة، وخاصة في الأمور الخطيرة كالقتل والحدود.

---

2. شرح الحديث:

يصور لنا هذا الحديث المشهد النبوي بأسلوب حيوي مؤثر:
- بدأ النبي صلى الله عليه وسلم حديثه بسؤال استنكاري ليجذب انتباه الصحابة ويشعرهم بأهمية ما سيخبرهم به، فقال: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟»، وكرر السؤال ثلاث مرات للتأكيد على عظمة وجسامة ما سيذكره.
- أجاب الصحابة رضي الله عنهم بلهفة وشوق لمعرفة هذه الكبائر العظيمة، فقالوا: «بلى يا رسول الله».
- فذكر النبي صلى الله عليه وسلم أولاً وأعظم كبيرة على الإطلاق، وهي: «الإشراك بالله»، لأنه ظلم عظيم، والذنب الوحيد الذي لا يغفره الله إذا مات صاحبه عليه.
- ثم ذكر ثاني أكبر الكبائر، وهي: «عقوق الوالدين»، وذلك لعظم حقهما وفضل الأم والأب على الولد.
- ثم جلس النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن كان متكئاً. هذه الحركة الجسدية تدل على أهمية ما سيقوله، وكأنه هيأ نفسه جلسة الجادّ المُهتمّ.
- ثم قال مؤكداً: «ألا وقول الزور»، أي واحذروا قول الزور، وهو الكذب والشهادة بالباطل.
- واستمر النبي صلى الله عليه وسلم يُكرر التحذير من "قول الزور" بتأكيد كبير، حتى أن الصحابة تمنوا في أنفسهم أن يسكت - دليل على شدة تأكيده وخوفهم من هذا الذنب -.

---

3. الدروس المستفادة منه:

1- تفاضل الذنوب: الذنوب ليست متساوية، بل منها الكبائر التي هي أعظم إثماً من الصغائر، وأعظمها على الإطلاق هو الشرك بالله.
2- عظمة جرم الشرك: فهو أكبر الكبائر وأعظمها، لأنه يتعلق بحق الله تعالى وهو التوحيد، وهو الأساس الذي تقوم عليه جميع الأعمال.
3- عقوق الوالدين من الكبائر العظيمة: جاءت في المرتبة الثانية بعد الشرك مباشرة، مما يدل على عظم حقهما ومكانتهما، وأن الإحسان إليهما من أعظم الطاعات، وعقوقهما من أعظم المعاصي.
4- خطورة الكذب وشهادة الزور: خص النبي صلى الله عليه وسلم "قول الزور" بمزيد من التأكيد والترهيب، لأنه ذنب له آثار مدمرة على الفرد والمجتمع؛ فهو يُذهب الأمانة، ويُضيع الحقوق، ويهدر الدماء، ويُفسد العدل.
5- أسلوب النبي التعليمي: استخدم النبي صلى الله عليه وسلم أساليب تربوية بليغة لجذب الانتباه (التكرار، تغيير الهيئة من الاتكاء إلى الجلوس)، مما يدل على أهمية الموضوع وحرصه على وصول الرسالة بكل وضوح.
6- حرص الصحابة على العلم: ظهر من رد فعلهم وشعورهم أثناء تكرار النبي للتحذير مدى حرصهم على تلقي العلم وخوفهم من الله.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

● مصدر الحديث: أخرجه الإمام البخاري في صحيحه (كتاب الشهادات، باب ما قيل في شهادة الزور).
● هل هذه هي أكبر الكبائر فقط؟ ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف ثلاثة من أكبر الكبائر، وهناك نصوص أخرى ذكرت كبائر أخرى عظيمة مثل: قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، والسحر، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والفرار من الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات.
● العلاقة بين الكبائر: الكبائر المذكورة تمثل انتهاكاً للحقوق الأساسية: حق الله (الشرك)، حق الوالدين (العقوق)، وحقوق العباد (قول الزور الذي يهدرها).
● التحذير من الاستهانة بالكذب: كثير من الناس يستسهلون الكذب في المزاح أو في الأمور البسيطة، وهذا الحديث يذكرنا بأن النبي خص "قول الزور" بمزيد من التكرار والتحذير، فكيف بمن يتعمد الكذب في الأمور الجسيمة؟!
نسأل الله تعالى أن يجنبنا الكبائر والموبقات، وأن يوفقنا لطاعته ورضاه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.