حديث: من يكرمه الله؟

📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة

باب قوله: ﴿قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٩)﴾

عن أمّ العلاء - امرأة من الأنصار بايعت النّبيَّ ﷺ أَخْبَرَتْه أنه اقتُسم المهاجرون قرعةً، فطار لنا عثمان بن مظعون، فأنزلناه في أبياتنا، فوجع وجعه الذي توفي فيه، فلما تُوفي وغُسِّل وكُفِّن في أثوابه دخل رسول الله ﷺ فقلت: رحمة الله عليك أبا السّائب، فشهادتي عليك، لقد أكرمك الله. فقال النبيُّ ﷺ: «وما يدريك أن الله أكرمه؟». فقلت: بأبي أنت يا رسول الله، فمن يكرمه الله؟ فقال: «أما هو فقد جاءه اليقين، والله إني لأرجو له الخير، والله ما أدري وأنا رسول الله ما يُفعل بي». قالت: فواللهِ لا أزكي أحدًا بعده أبدًا.

صحيح: رواه البخاريّ في الجنائز (١٢٤٣) عن يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن عُقيل، عن ابن شهاب، قال: أخبرني خارجة بن زيد بن ثابت أنّ أم العلاء فذكرته.

عن أمّ العلاء - امرأة من الأنصار بايعت النّبيَّ ﷺ أَخْبَرَتْه أنه اقتُسم المهاجرون قرعةً، فطار لنا عثمان بن مظعون، فأنزلناه في أبياتنا، فوجع وجعه الذي توفي فيه، فلما تُوفي وغُسِّل وكُفِّن في أثوابه دخل رسول الله ﷺ فقلت: رحمة الله عليك أبا السّائب، فشهادتي عليك، لقد أكرمك الله. فقال النبيُّ ﷺ: «وما يدريك أن الله أكرمه؟». فقلت: بأبي أنت يا رسول الله، فمن يكرمه الله؟ فقال: «أما هو فقد جاءه اليقين، والله إني لأرجو له الخير، والله ما أدري وأنا رسول الله ما يُفعل بي». قالت: فواللهِ لا أزكي أحدًا بعده أبدًا.

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب. هذا حديث عظيم فيه موعظة بليغة، ورد عن الصحابية الجليلة أم العلاء الأنصارية رضي الله عنها، وهو في الصحيحين. وإليك الشرح المفصل:

أولاً. شرح المفردات:


● بايَعَتِ النَّبيَّ ﷺ: نَصَرَتْه ووافقت على السمع والطاعة.
● اقتُسِمَ المهاجرون قُرعةً: تم توزيع المهاجرين على بيوت الأنصار بطريقة القُرعة (أي بالاستهام) لينزل كل مهاجر عند أنصاري.
● فطَارَ لَنَا عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ: وقعت القرعة لنا بأن ينزل عندنا عثمان بن مظعون رضي الله عنه.
● وَجَعَ وَجَعَهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ: مرض مرضه الذي مات فيه.
● غُسِّلَ وَكُفِّنَ فِي أَثْوَابِهِ: تم تغسيله وتكفينه.
● رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ: دعاء له بالرحمة، وكنيته أبو السائب.
● أَكْرَمَكَ اللهُ: أعطاك الكرامة وأعلى منزلتك.
● جَاءَهُ الْيَقِينُ: حانت وفاته وحضرته الملائكة لقبض روحه.
● لَا أُزَكِّي أَحَدًا بَعْدَهُ: لا أقطع لأحد بالجنة أو أشهد له بكمال الإكرام من الله.

ثانياً. شرح الحديث:


تخبرنا الصحابية أم العلاء رضي الله عنها أن المهاجرين عند وصولهم إلى المدينة تم توزيعهم على بيوت الأنصار، فوقعت القرعة بأن ينزل عثمان بن مظعون رضي الله عنه (وهو من السابقين الأولين ومن أهل التقوى والصلاح) في بيتها. ثم مرض عثمان مرض الموت وتوفي، فلما دخل النبي ﷺ عليه بعد تكفينه، قالت أم العلاء كلمة تثني بها عليه وتدعو له: "رحمة الله عليك أبا السائب، فشهادتي عليك لقد أكرمك الله"، أي أنها شهدت له بأن الله قد أكرمه بقبض روحه على الإيمان وحسن الخاتمة.
فنبهها النبي ﷺ تربية وتعليماً بقوله: «وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ أَكْرَمَهُ؟»، أي كيف تعلمين وعلمتِ ذلك؟ فإن أمر القلوب والبواطن لا يعلمه إلا الله. فلما استفهمت منه بأدب: "فمن يكرمه الله؟"، أجابها ﷺ بتوضيح عظيم فقال: «أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ، وَاللهِ إِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ، وَاللهِ مَا أَدْرِي وَأَنَا رَسُولُ اللهِ مَا يُفْعَلُ بِي».
ففي هذا الجواب جمع النبي ﷺ بين:
1- الإخبار بحقيقة الموت: وهو مجيء اليقين.
2- الترجي والخوف للعبد: فلم يقطع له بالجنة، بل عبر بالرجاء له بالخير، مع أنه من خيار الصحابة.
3- التواضع لله والخوف منه: حتى النبي ﷺ وهو رسول الله لا يدري ما يفعل به، أي لا يعلم حقيقة ما يختم له به حتى يلقى الله، مع أنه موعود بالجنة والشفاعة، لكن هذا من كمال خوفه وعبوديته لربه.
ففهمت أم العلاء الدرس، وعلمت أن الشهادة للشخص بالجنة أو بالإكرام التام ليست من شأن البشر، فقالت: "فَوَاللهِ لَا أُزَكِّي أَحَدًا بَعْدَهُ أَبَدًا"، أي لا أشهد لأحد بعد ذلك بالجنة أو أكرمه الله، لأن هذا العلم غيبي.

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:


1- عدم الشهادة لأحد معين بالجنة إلا من شهد له النبي ﷺ: كالعشرة المبشرين بالجنة وغيرهم ممن وردت فيهم نصوص صحيحة.
2- الخوف من سوء الخاتمة وعدم الإعجاب بالعمل: حتى الإنسان الصالح لا يأمن مكر الله، ويجب أن يخاف ويرجو.
3- تواضع النبي ﷺ وخوفه من الله: وهو سيد الخلق وأكرمهم على الله، فكيف بغيره؟
4- التعليم بالأسلوب الحكيم: حيث نبهها النبي ﷺ بسؤال استفهامي ليعلمها هي وغيرها.
5- الرجاء للصالحين والاستغفار لهم: كما قال النبي ﷺ: "إني لأرجو له الخير".
6- حسن الظن بالمسلمين والدعاء لهم: كما قالت أم العلاء: "رحمة الله عليك".

رابعاً. معلومات إضافية:


- عثمان بن مظعون رضي الله عنه هو أول من مات من المهاجرين في المدينة، وكان من السابقين الأولين.
- هذا الحديث أصل في باب "الخوف والرجاء" وأن المسلم يجمع بينهما.
- فيه رد على من يتساهل في الشهادة لأشخاص معينين بالجنة أو يقطع لهم بذلك دون دليل صحيح.
أسأل الله أن يرزقنا حسن الخاتمة، وأن يتوفانا وهو راض عنا.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
📝 تنبيه هام:
نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:
"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه البخاريّ في الجنائز (١٢٤٣) عن يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن عُقيل، عن ابن شهاب، قال: أخبرني خارجة بن زيد بن ثابت أنّ أم العلاء فذكرته.
وعثمان بن مظعون توفي بعد شهوده بدرًا في السنة الثانية من الهجرة، وهو أول من مات من
المهاجرين بالمدينة، وأوّل من دُفن بالبقيع.
وقوله: «والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي». قال الحافظ في الفتح (٣/ ١١٥، ١١٦): «وإنّما قال رسول الله ﷺ ذلك موافقة لقوله تعالى في سورة الأحقاف ﴿قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ﴾ [الأحقاف: ٩]، وكان ذلك قبل نزول قوله تعالى: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ﴾ [الفتح: ٢] لأنّ الأحقاف مكية، وسورة الفتح مدنية بلا خلاف فيهما، وقد ثبت أنه ﷺ قال: «أوّل من يدخل الجنة«وغير ذلك من الأخبار الصّريحة في معناه» اهـ.
قال الأعظمي: ولعله قال ذلك تواضعا منه ﷺ لله تعالى، وهناك أقوال أخرى راجع نواسخ القرآن لابن الجوزي وغيره.

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 1393 من أصل 1947 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: من يكرمه الله؟

  • 📜 حديث: من يكرمه الله؟

    نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

  • 🔍 صحة حديث: من يكرمه الله؟

    تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.

  • 📖 تخريج حديث: من يكرمه الله؟

    تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.

  • 📚 شرح حديث: من يكرمه الله؟

    شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Wednesday, November 19, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب