أَنْ تَقُولَ أَسْلَمْتُ وَجْهِىَ إِلَى اللَّهِ وَتَخَلَّيْتُ

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، و نسأل الله تعالى أن يفتح لنا أبواب فضله وكرمه، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علما وفقها في الدين وارض عنا يا أكرم الأكرمين.
هذا حديث عظيم رواه الإمام مسلم في صحيحه، وفيه قصة إسلام الصحابي الجليل حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري رضي الله عنه، كما جاء في بعض الروايات.

---

أولاً. شرح المفردات:

● "حَلَفْتُ أَكْثَرَ مِنْ عَدَدِهِنَّ لأَصَابِعِ يَدَيْهِ": أي أقسمت مرات كثيرة جداً، تعدّدت أكثر من عدد أصابع اليدين (أي أكثر من عشر مرات).
● "أَنْ لا آتِيَكَ وَلا آتِىَ دِينَكَ": أن لا آتي إليك، ولا أتبع دينك الذي جئت به.
● "لا أَعْقِلُ شَيْئًا": لا أفهم شيئاً من أمور الدين والحق.
● "بِوَحْىِ اللَّهِ": أسألك بالوحي الذي أنزله الله عليك.
● "بِمَا بَعَثَكَ رَبُّكَ إِلَيْنَا": ما هو الأمر العظيم الذي من أجله أرسلك ربك إلينا؟
● "تَخَلَّيْتُ": في روايات أخرى "وَتَشَهَّدْتَ" وهي الأصح، أي تشهد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. واللفظة "تَخَلَّيْتُ" قد تكون تصحيفاً أو لها معنى آخر وهو التخلي عن الشرك والأوثان.
● "تُقِيمَ الصَّلاةَ": تؤدي الصلاة بشروطها وأركانها ومواقيتها على الوجه المشروع.
● "تُؤْتِىَ الزَّكَاةَ": تدفع الزكاة المفروضة إلى مستحقيها.

---

ثانياً. شرح الحديث:

يحكي الصحابي الجليل قصة إسلامه، فيقول إنه قبل إسلامه كان يعادي الإسلام والرسول صلى الله عليه وسلم حتى إنه حلف مراراً وتكراراً ألا يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا يتبع دينه.
ثم يبيّن رضي الله عنه تواضعه واعترافه بفضل الله عليه فيقول: "وإني كنت امرأً لا أعقل شيئاً إلا ما علمني الله ورسوله"، أي أنه كان جاهلاً بأمور الدين حتى هداه الله تعالى وتعلّم من النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم يسأل النبي صلى الله عليه وسلم سؤالاً مباشراً ومهماً جداً، فيقول: "أسألك بوحي الله بما بعثك ربك إلينا؟"، أي: ما هو الأساس والجوهر الذي من أجله أرسلك الله إلينا؟ ما هو الدين الذي يجب أن نتبع؟
فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم إجابةً جامعةً مانعة: "بالإسلام". أي أن الله بعثني بالإسلام ديناً لكم.
ثم يسأل الصحابي عن علامات الإسلام و أركانه العملية التي يُعرف بها المسلم، فيجيب النبي صلى الله عليه وسلم بثلاثة أمور هي أساس الإسلام وعماده:
1- "أَنْ تَقُولَ أَسْلَمْتُ وَجْهِىَ إِلَى اللَّهِ": وهذا يعني الاستسلام الكامل لله تعالى، وإخلاص العبادة له وحده، وهو معنى شهادة أن لا إله إلا الله. فإسلام الوجه هو إخلاص القصد والعمل لله.
2- "وَتَشَهَّدْتَ" (أو "وَتَخَلَّيْتُ" على معنى ترك الشرك): أي تشهد الشهادتين، وهما الركن الأول من أركان الإسلام.
3- "وَتُقِيمَ الصَّلاةَ": وهي العبادة الجسدية اليومية التي هي عماد الدين.
4- "وَتُؤْتِىَ الزَّكَاةَ": وهي العبادة المالية التي تطهر النفس والمال.

---

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:

1- فضل الله تعالى ومنته: الحديث قصة واقعية عن هداية الله لقوم كانوا في ضلال وجاهلية، فمنَّ الله عليهم بالإسلام. وهذا يذكرنا بنعمة الهداية وينبغي أن نحمده عليها دائماً.
2- جواز سؤال العالم عن أمور الدين: السؤال وسيلة للتعلم، ولا حرج على المسلم أن يسأل عما يشكل عليه، خاصة في أمور العقيدة والأساسيات.
3- الإسلام هو دين الله الذي أرسل به رسوله: وجوهر هذا الإسلام هو الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة.
4- أركان الإسلام العملية: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المقام الشهادتين والصلاة والزكاة، وهي من أعظم أركان الإسلام. ولم يذكر الصوم والحج لأن السؤال كان عن "آيات الإسلام" أي علاماته الظاهرة التي يدخل بها المرء في الإسلام.
5- التواضع في طلب العلم: وصف الصحابي نفسه بأنه كان لا يعقل شيئاً، وهذا من تواضعه وحسن أدبه، وهو خلق يجب أن يتحلى به طالب العلم.
6- قبول التوبة ولو تكرر الذنب: كان الرجل يحلف ألا يسلم ثم هداه الله، وهذا يدل على سعة مغفرة الله تعالى وقبوله لتوبة العبد مهما بلغ ذنبه.

---

رابعاً. معلومات إضافية:

- هذا الحديث يبين أن أصل الدين هو الإسلام، وهو الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة.
- ذكر الصلاة والزكاة بعد الشهادة يدل على عظم مكانتهما، وهما قرينان في القرآن الكريم في كثير من الآيات.
- الحديث يدل على أن السؤال بطريقة مؤدبة ومباشرة هو من أنجع طرق التعلم.
نسأل الله أن يرزقنا فهم دينه والعمل به، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.