حديث: ليس من البر الصوم في السفر

📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة

باب الإفطار أفضل لمن شقَّ عليه الصَّوم

عن جابر بن عبد الله، قال: كان رسولُ الله ﷺ في سفر، فرأى زحامًا ورجلًا قد ظُلِّل عليه، فقال: «ما هذا؟». فقالوا: صائم. فقال: «ليس من البرِّ الصومُ في السّفر».

متفق عليه: رواه البخاريّ في الصوم (١٩٤٦)، ومسلم في الصيام (١١١٥) كلاهما من طريق شعبة، حَدَّثَنَا محمد بن عبد الرحمن الأنصاريّ، قال: سمعت محمد بن عمرو بن الحسن بن عليّ، عن جابر بن عبد الله، فذكره.

عن جابر بن عبد الله، قال: كان رسولُ الله ﷺ في سفر، فرأى زحامًا ورجلًا قد ظُلِّل عليه، فقال: «ما هذا؟». فقالوا: صائم. فقال: «ليس من البرِّ الصومُ في السّفر».

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، وأسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا حديث عظيم من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يربي أصحابه وأمته على التيسير ورفع الحرج، وعدم التشديد على النفس بما لم يشرعه الله.

الحديث بلفظه:


عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: كان رسولُ الله ﷺ في سفر، فرأى زحامًا ورجلًا قد ظُلِّل عليه، فقال: «ما هذا؟». فقالوا: صائم. فقال: «ليس من البرِّ الصومُ في السّفر».
(رواه البخاري ومسلم وغيرهما)


أولاً. شرح المفردات:


● في سفر: أي في رحلة أو سفر شرعي (مثل سفر للجهاد أو زيارة أو تجارة).
● زحامًا: اجتماع الناس وازدحامهم حول شيء ما.
● ظُلِّل عليه: أي وضعوا عليه شيئًا ليظلله من حر الشمس، كثوب أو غيره، دليل على شدة معاناته من الصوم.
● ليس من البر: البر هو الخير الواسع والطاعة الكاملة، والنفي هنا ليس للصوم مطلقًا، بل لنفي كمال البر فيه في هذه الحالة.
● الصوم في السفر: المقصود صوم نفل (التطوع) في السفر مع وجود المشقة.


ثانيًا. شرح الحديث:


كان النبي صلى الله عليه وسلم في إحدى أسفاره، فلاحظ وجود مجموعة من الناس مجتمعين حول رجل، وقد قاموا بتظليله بسبب ما يظهر عليه من إعياء وتعب شديد. فاستفسر النبي صلى الله عليه وسلم عن سبب هذا الاجتماع والتظليل، فأخبروه أن الرجل صائم في السفر، مما تسبب في مشقة كبيرة له. فرد النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الحكمة البليغة: «ليس من البر الصوم في السفر».
المعنى: ليس من الخير الكامل ولا من الطاعة المتقنة أن يتطوع الإنسان بالصيام في السفر إذا ترتب على ذلك مشقة شديدة، أو ضعف يمنعه من القيام بواجباته، أو ينقص من أجره، أو يضيع مصلحة رفيقه. فالأولى في هذه الحالة الفطر والتيسير على النفس، لأن الدين يسر.
ملاحظة مهمة: هذا الحديث لا يعني تحريم الصوم في السفر مطلقًا، بل المقصود هو حالة المشقة الظاهرة. فمن كان قويًا ولا يشق عليه الصوم في السفر، فله أن يصوم، ومن شق عليه فالأفضل في حقه الفطر. وقد صام النبي صلى الله عليه وسلم في السفر وأفطر، كما في الأحاديث الصحيحة.


ثالثًا. الدروس المستفادة والعبر:


1- رفع الحرج ويسر الإسلام: من أعظم مقاصد الشريعة الإسلامية التيسير ورفع الحرج عن المكلفين، خاصة في حالات السفر والمرض وغيرهما من الأعذار. قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}.
2- مراعاة الظروف والملابسات: الطاعة لا تكون بكمال البر إلا إذا أتيت في وقتها المناسب، وبالطريقة المشروعة، وبدون إضرار بالنفس أو تفويت مصلحة أكبر.
3- ذم التشدد في الدين: الاجتماع حول الرجل وتظليله دليل على أن صومه كان فيه مشقة غير عادية، وهذا النوع من الصوم الذي يصل إلى حد المعاناة والإعاقة عن أداء其他 الواجبات أو إزعاج الرفاق "ليس من البر".
4- الفهم الصحيح للبر: البر هو العمل الخالص الصواب الموافق للسنة، وليس مجرد شدة العبادة. فعبادة تسبب ضررًا أو تنقص حقًا آخر قد لا تكون من البر في ميزان الشريعة.
5- الأفضلية والقدرة: الحكم يتغير بتغير القدرة والظرف. فما يكون برًا في الحضر (كصيام النفل) قد لا يكون هو البر والأفضل في السفر مع المشقة.


رابعًا. معلومات إضافية مفيدة:


● حكم الصوم في السفر: الصوم في السفر جائز لمن لا يشق عليه، ولكن الفطر أفضل لمن يشق عليه، اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته. وهو رخصة من الله تعالى ينبغي قبولها وشكرها.
● الفرق بين الرخصة والعزيمة: هذا الحديث نموذج للرخصة الشرعية. والعزيمة هي الصوم في غير حال المشقة. وأخذ الرخصة أفضل من التشدد وأعظم أجرًا عند وجود سببها.
● مناسبة الحديث: يذكر العلماء أن هذا الموقف حدث في غزوة الفتح (فتح مكة) أو في غيرها، وهو يعلم الأمة التوازن في العبادة.
أسأل الله أن يجعلنا ممن يفقهون سنن نبيه صلى الله عليه وسلم ويعملون بها، ويتجنبون التشدد والغلو في الدين.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
📝 تنبيه هام:
نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:
"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه البخاريّ في الصوم (١٩٤٦)، ومسلم في الصيام (١١١٥) كلاهما من طريق شعبة، حَدَّثَنَا محمد بن عبد الرحمن الأنصاريّ، قال: سمعت محمد بن عمرو بن الحسن بن عليّ، عن جابر بن عبد الله، فذكره.
وزاد مسلم في رواية: قال شعبة: وكان يبلغني عن يحيى بن أبي كثير أنه كان يزيد في هذا الحديث، وفي هذا الإسناد أنه قال: «عليكم برخصة الله الذي رخَّص لكم». قال: فلمّا سألته، لم يحفظه.
وقوله: فلمّا سألته -أي سألت محمد بن عبد الرحمن الأنصاري. وهو شيخ شعبة- فلم يحفظه، ولكن حفظه غيره.
وتفصيل ذلك كما قال ابن القطَّان: إنَّ هذا الحديث يرويه عن جابر رجلان كل منهما اسمه محمد بن عبد الرحمن (وهو ابن زرارة الأنصاريّ، ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان) ورواه عن كلّ منهما يحيى بن أبي كثير. أحدهما: ابن ثوبان، والآخر ابن سعد بن زرارة.
فابن ثوبان سمعه من جابر، وابن سعد بن زرارة رواه بواسطة محمد بن عمرو بن حسن، وهي رواية الصحيحين. كذا في التلخيص (٢/ ٢٠٥).
والأمر ليس كما قال، فإن ابن زرارة الأنصاري يرويه بالواسطة كما هو واضح من كلامه، وهي التي يرويها الشيخان.
والأنصاري لم يحفظ هذه الزيادة، ولكن حفظها ابن ثوبان، فقد روى النسائيّ (٢٢٥٨) عن شعيب بن شعيب، والطحاوي (٣١٣٥) من طريق الوليد بن مسلم - كلاهما عن الأوزاعيّ، قال: حَدَّثَنِي يحيى بن أبي كثير، قال: أخبرني محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، قال: أخبرني جابر بن عبد الله، فذكر الحديث. وزاد فيه: «فعليكم برخصة الله التي رخّص لكم فاقبلوها».
والوليد بن مسلم مدلِّس ولكنه توبع، ويحيى بن أبي كثير ثقة رمي بالتدليس إِلَّا أنه صرَّح بالتحديث، فانتفت عنه تهمة التدليس.
وخالفه الفريابيّ، فرواه عن الأوزاعي قال: حَدَّثَنَا يحيى، قال: أخبرني محمد بن عبد الرحمن، قال: حَدَّثَنِي من سمع جابرًا، نحوه.
فأدخل بين محمد بن عبد الرحمن (وهو الأنصاري) وبين جابرٍ رجلًا وهو محمد بن عمرو بن الحسن.
وقوله: «نحوه» يشير إلى نحو حديث يحيى بن أبي كثير، ولكن كل من رواه عنه، عن الأنصاريّ بالواسطة لم يذكر هذه الزيادة.
فقد رواه النسائيّ من طريق عليّ بن المبارك، واختلف عليه:
فروي عثمان بن عمر، عن عليّ بن المبارك، عن يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن عبد الرحمن، عن رجل، عن جابر، فلم يذكر هذه الزيادة.
ورواه وكيع، عن عليّ بن المبارك، عن يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن جابر، فذكر الزيادة. وهذه الروايات كلها في النسائيّ.
فالذي يظهر أن يحيى كان بروي مرة بالزيادة، وأخرى بدونها، وزيادته مقولة لثقة رواته عنه، وقد صحح هذه الزيادة ابن القطّان وغيره.
إِلَّا أن هذه الزيادة لا يقال: أخرجها مسلم، لأنه أوردها معلّقة بدون إسناد متصل، فهي ليست على شرطه.

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 321 من أصل 428 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: ليس من البر الصوم في السفر

  • 📜 حديث: ليس من البر الصوم في السفر

    نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

  • 🔍 صحة حديث: ليس من البر الصوم في السفر

    تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.

  • 📖 تخريج حديث: ليس من البر الصوم في السفر

    تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.

  • 📚 شرح حديث: ليس من البر الصوم في السفر

    شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Wednesday, November 19, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب