رسول الله ﷺ نهى عن كراء الأرض

حديث: رسول الله ﷺ نهى عن كراء الأرض

عن سالم بن عبد اللَّه أن عبد اللَّه بن عمر كان يكري أَرَضِيه، حتى بلغه أن رافع بن خديج الأنصاري كان ينهى عن كراء الأرض، فلقيه عبد اللَّه، فقال: يا ابن خديج، ماذا تحدث عن رسول اللَّه ﷺ في كراء الأرض؟ قال رافع بن خديج لعبد اللَّه: سمعت عَميَّ -وكانا قد شهدا بدرا- يحدثان أهل الدار: أن رسول اللَّه ﷺ نهي عن كراء الأرض.
قال عبد اللَّه: لقد كنت أعلم في عهد رسول اللَّه ﷺ أن الأرض تكرى، ثم خشي عبد اللَّه أن يكون رسول اللَّه ﷺ أحدث في ذلك شيئًا لم يكن علمه، فترك كراء الأرض.

متفق عليه: رواه البخاريّ في الحرث والمزارعة (٢٣٤٥)، ومسلم (١٥٤٧: ١٢) كلاهما من حديث الليث قال: حدثني عقيل بن خالد، عن ابن شهاب أنه قال: أخبرني سالم بن عبد اللَّه فذكره.

تخريج الحديث كاملاً ⏬

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم أيها السائل الكريم، ونسأل الله أن يزيدنا وإياك فهماً لسنة نبيه ﷺ وعملاً بها.
هذا الحديث العظيم رواه الإمام مسلم في صحيحه، وهو من الأحاديث التي تُظهر حرص الصحابة رضي الله عنهم على التثبت في أمر الدين واتباع السنة، وترك ما يخالفها ولو كانوا يعملون بخلافها من قبل. وإليك الشرح المفصل:

أولاً. شرح المفردات:

● يُكْرِي أَرَضِيه: يؤجر أراضيه، أي يعطيها للزارعين مقابل أجر معلوم (نقود أو جزء من المحصول).
● رافع بن خديج الأنصاري: صحابي جليل، من الأنصار.
● عَمِّيَّ: أي عمَّاي (جمع عم)، والمراد هنا عماه: محمود بن مسلمة ومُهَلَّب بن مسلمة، وهما من شهداء بدر.
● أهل الدار: أهل البيت، أي أفراد الأسرة والأقارب.

ثانياً. شرح الحديث:

يحكي هذا الحديث قصة عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، الذي كان يؤجر أراضيه الزراعية (أي يعطيها لمن يزرعها مقابل مال أو جزء من المحصول). ثم بلغه أن الصحابي الجليل رافع بن خديج رضي الله عنه يروي عن رسول الله ﷺ نهيه عن كراء الأرض.
فلقيه عبد الله بن عمر وسأله مباشرة: "يا ابن خديج، ماذا تحدث عن رسول الله ﷺ في كراء الأرض؟" فأجابه رافع بأنه سمع عمَّيْه (وهما من كبار الصحابة وشهداء بدر) يحدثان أهلهما أن رسول الله ﷺ نهى عن كراء الأرض.
عندما سمع عبد الله بن عمر هذا الخبر، كانت ردة فعله مثالاً رائعاً في قبول الحق والانقياد له. قال: "لقد كنت أعلم في عهد رسول الله ﷺ أن الأرض تكرى" أي كان يعلم أن هذه الممارسة كانت موجودة وشائعة في زمن النبي ﷺ، ولم يبلغه النهي عنها. ولكن بمجرد أن تيقن من وجود حديث صحيح ينهى عنها، خاف أن يكون النبي ﷺ قد بين حكمها في آخر أمره وهو لم يبلغه ذلك، فما كان منه إلا أن ترك كراء الأرض فوراً، امتثالاً لأمر النبي ﷺ.

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:

1- الحرص على التثبت في الدين: لم يكتفِ عبد الله بن عمر بمجرد السماع، بل ذهب بنفسه إلى رافع بن خديج ليسأله عن صحة الحديث ومصدره.
2- الانقياد للحق ولو خالف العمل السابق: هذا من أعظم الدروس في القصة. عبد الله بن عمر كان عالماً وجليلاً في الصحابة، وكان له رأي وعمل سابق، ولكن عندما تبين له الحق ترك رأيه وعمله فوراً. وهذا هو شأن المؤمن الحق، لا يتعصب لرأيه أو لعادته إذا ظهر له الدليل.
3- الورع والخشية من الله: دفعه إلى ترك الكراء "خشي عبد الله أن يكون رسول الله ﷺ أحدث في ذلك شيئاً لم يكن علمه". هذه الخشية من أن يكون قد فاته شيء من السنة هي من أعلى درجات الورع.
4- قبول خبر الواحد العدل: قبل عبد الله بن عمر خبر رافع بن خديج وهو صحابي واحد، لأن الصحابة كلهم عدول، وهذا أصل من أصول قبول الحديث.
5- بيان حكم كراء الأرض: الحديث يدل على النهي عن كراء الأرض، وهو مذهب جمهور العلماء (المالكية والشافعية والحنابلة). والنهي عن ذلك لأسباب منها: جهالة العقد (عدم تحديد نصيب كل منهما بدقة) وما قد يترتب عليه من نزاع، أو لأنه يشبه بعض صور الربا. وقد ذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى جوازها بشروط.

رابعاً. معلومات إضافية:

- المسألة فيها خلاف فقهي مشهور، والراجح -والله أعلم- هو القول بالنهي عن كراء الأرض بالذهب والفضة (النقود) كما في بعض روايات الحديث، وأما المشاركة (المزارعة) بجزء مشاع من المحصول (مثل النصف أو الثلث) فهي جائزة بشروطها، وهي التي كان يعمل بها عمر رضي الله عنه بعد أن ترك الكراء، كما في روايات أخرى.
- قصة عبد الله بن عمر هذه هي نموذج عملي لقول الله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65].
أسأل الله أن يرزقنا الفقه في الدين والاتباع لسنة النبي الأمين ﷺ.

📝 تنبيه هام:

نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:

📧 التواصل للإبلاغ عن خطأ

"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه البخاريّ في الحرث والمزارعة (٢٣٤٥)، ومسلم (١٥٤٧: ١٢) كلاهما من حديث الليث قال: حدثني عقيل بن خالد، عن ابن شهاب أنه قال: أخبرني سالم بن عبد اللَّه فذكره. واللّفظ لمسلم، ولفظ البخاري مختصر.

العودة إلى الأعلى

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 153 من أصل 506 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: رسول الله ﷺ نهى عن كراء الأرض

📜 حديث: رسول الله ﷺ نهى عن كراء الأرض

نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: رسول الله ﷺ نهى عن كراء الأرض

تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: رسول الله ﷺ نهى عن كراء الأرض

تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: رسول الله ﷺ نهى عن كراء الأرض

شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.

قراءة القرآن الكريم

سورة البقرة	آل عمران	سورة النساء
سورة المائدة	سورة يوسف	سورة ابراهيم
سورة الحجر	سورة الكهف	سورة مريم
سورة الحج	سورة القصص	العنكبوت
سورة السجدة	سورة يس	سورة الدخان
سورة الفتح	سورة الحجرات	سورة ق
سورة النجم	سورة الرحمن	سورة الواقعة
سورة الحشر	سورة الملك	سورة الحاقة
سورة الانشقاق	سورة الأعلى	سورة الغاشية