حديث: فضل الأرض زراعتها أو منحها للأخ

📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة

باب النهي عن كراء الأرض

عن جابر قال: كانت لرجال منا فضول أرضين، فقالوا: نؤاجرها بالثلث والربع والنصف. فقال النبي ﷺ: «من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها أخاه، فإن أبى فليمسك أرضه».

متفق عليه: رواه البخاريّ في الهبة (٢٣٤٠، ٢٦٢٣)، ومسلم في البيوع (١٥٣٦: ٨٩) كلاهما من حديث الأوزاعيّ قال: حدثني عطاء، عن جابر فذكره.

عن جابر قال: كانت لرجال منا فضول أرضين، فقالوا: نؤاجرها بالثلث والربع والنصف. فقال النبي ﷺ: «من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها أخاه، فإن أبى فليمسك أرضه».

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
الحديث الشريف:
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: كَانَتْ لِرِجَالٍ مِنَّا فُضُولُ أَرَضِينَ، فَقَالُوا: نُؤَاجِرُهَا بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَالنِّصْفِ. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيَمْنَحْهَا أَخَاهُ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ».
(رواه البخاري ومسلم وغيرهما)


1. شرح المفردات:


● فُضُولُ أَرَضِينَ: أراضٍ زائدة عن حاجة أصحابها، لا يستطيعون زراعتها بأنفسهم.
● نُؤَاجِرُهَا: نكريها أو نؤجرها لغيرنا مقابل جزء من المحصول.
● بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَالنِّصْفِ: أي يأخذ المالك ثلث المحصول أو ربعَه أو نصفَه، والباقي للزارع.
● لِيَزْرَعْهَا: أن يزرعها بنفسه أو بواسطة أولاده أو عبيده.
● لِيَمْنَحْهَا أَخَاهُ: أن يعطيها لأخيه المسلم مجانًا بدون عوض ليزرعها وينتفع بها.
● فَإِنْ أَبَى: إذا امتنع عن الزراعة بنفسه وعن إعارتها مجانًا.
● فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ: فليتركها ولا يؤاجرها بالثلث أو الربع أو النصف (أي لا يعقد عليها عقد المُزارَعة أو المُغارَسَة المشتمل على جزء من المحصول).


2. شرح الحديث:


يخبرنا الصحابي الجليل جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن بعض الصحابة كان لديهم أراضٍ زائدة عن حاجتهم، فاقترحوا أن يؤاجروها (يكروها) لغيرهم على أن يكون للأرض (المالك) جزء من المحصول (كالثلث أو الربع أو النصف) ويكون الباقي للعامل (الزارع). وهذا ما يُعرف في الفقه بعقد "المزارعة".
فنهاهم النبي ﷺ عن ذلك، ووجههم إلى أحد خيارين:
1- أَنْ يَزْرَعَهَا بِنَفْسِهِ أو بمن يعولهم.
2- أَنْ يَمْنَحَهَا (أي يعيرها بدون عوض) لأخيه المسلم المحتاج ليزرعها وينتفع بكل محصولها.
فإن امتنع عن هذين الخيارين (أي لا يريد أن يزرعها بنفسه، ولا يريد أن يعيرها مجانًا)، فليمسك أرضه ولا يؤاجرها بهذه الطريقة (عقد المزارعة بجزء من المحصول).


3. الدروس المستفادة والعبر:


1- تحريم عقد المزارعة بجزء من المحصول: ذهب جمهور العلماء (من الحنفية والمالكية والحنابلة في رواية) إلى أن هذا الحديث يدل على منع عقد المزارعة حيث يكون للعامل جزء من المحصول وللمالك جزء آخر. وهذا رأي الإمام مالك والإمام أحمد في المشهور من مذهبه.
2- الحث على الإحسان والتكافل الاجتماعي: يحث النبي ﷺ على بذل الخير وإعانة المحتاج بإعارته الأرض مجانًا لينتفع بها، مما يقوي أواصر المحبة والأخوة في المجتمع المسلم.
3- منع اكتناز الأراضي وإهمالها: نهى النبي ﷺ عن ترك الأرض معطلة بدون استغلال، وحث على إحيائها إما بالزراعة المباشرة أو بإتاحتها لمن يزرعها.
4- تفضيل العمل الشخصي: يشير التوجيه النبوي إلى زراعة الإنسان بنفسه إلى فضل العمل والكسب باليد، وعدم الاعتماد على ريع الأرض دون جهد.
5- مراعاة المصلحة ودفع الضرر: النهي عن المزارعة كان لِما قد يترتب عليها من نزاعات وجهل بالغلة، مما يؤدي إلى الضرر والخصومة.


4. معلومات إضافية:


- الخلاف الفقهي في المسألة: ذهب الإمام الشافعي وأحمد في رواية أخرى إلى جواز المزارعة بشروط، كأن يحدد الجزء المتفق عليه بوضوح وتكون الشروط عادلة. واستدلوا بأحاديث أخرى وأفعال بعض الصحابة.
- بدائل مشروعة: إذا لم يرغب المالك في الزراعة، فله أن يستأجر عاملًا بأجر معلوم (نقود أو عين) ليزرع له، فهذا جائز بإجماع العلماء.
- الفرق بين المزارعة والإجارة: الإجارة تكون بأجر معلوم (مثل مبلغ محدد من المال)، أما المزارعة فبجزء مجهول من المحصول (مثل الثلث أو النصف)، وهذا هو موضع النزاع.
- مقصد الشرع: حفظ الحقوق ومنع الجهالة والغرر التي تؤدي إلى النزاع، والحث على التعاون والإحسان بدلاً من المعاملات التي قد تحمل شبهة الاستغلال.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
📝 تنبيه هام:
نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:
"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه البخاريّ في الهبة (٢٣٤٠، ٢٦٢٣)، ومسلم في البيوع (١٥٣٦: ٨٩) كلاهما من حديث الأوزاعيّ قال: حدثني عطاء، عن جابر فذكره. واللّفظ للبخاريّ.
ولفظ مسلم: «من كانت له فضل أرض فليزرعها أو ليمنحها أخاه، فإن أبي فليمسك أرضه». ولم يذكر فيه: «بالثلث، والربع، والنصف».
ثم اعلم أن حديث جابر بن عبد اللَّه قد روي بألوان مختلفة، ولذا اختلفت ألفاظه من طرق متعددة، وإليكم هذه الطرق بألفاظها التي رواه مسلم في صحيحه علاوة على ما ذكر.
٢ - رواه أبو عوانة، عن سليمان، عن أبي سفيان، عن جابر مرفوعا: «من كانت له أرض فليهبها، أو ليعرها».
٣ - ورواه يونس، عن زهير، عن أبي الزبير، عن جابر قال: كنا نخابر على عهد رسول اللَّه ﷺ، فنصيب من القصري ومن كذا، فقال رسول اللَّه ﷺ: «من كانت له أرض فليزرعها أو فليحرثها أخاه، وإلا فليدعها».
٤ - ورواه هشام بن سعد، عن أبي الزبير قال: سمعت جابر بن عبد اللَّه يقول: كنا في زمان رسول اللَّه ﷺ نأخذ الأرض بالثلث أو الربع بالماذيانات، فقام رسول اللَّه ﷺ في ذلك، فقال: «من كانت له أرض فليزرعها، فإن لم يزرعها فليمنحها أخاه، فإن لم يمنحها أخاه فليمسكها».
والماذيانات هي مسائل المياه، ما ينبت على حافتي مسيل الماء.
٥ - ورواه أبو خيثمة، عن أبي الزبير، عن جابر قال: «نهى رسول اللَّه ﷺ عن بيع البيضاء سنتين أو ثلاثا».
٦ - ورواه حماد بن زيد قال: حدّثنا أيوب، عن أبي الزبير، وسعيد بن ميناء، عن جابر بن عبد اللَّه قال: «نهى رسول اللَّه ﷺ عن المحاقلة، والمزاينة، والمعاومة، والمخابرة، وعن الثنيا، ورخص في العرايا».
٧ - ورواه همام قال: سأل سليمان بن موسى عطاء، فقال: أحدثك جابر بن عبد اللَّه أن النبي
ﷺ قال: «من كانت له أرض فليزرعها، أو ليزرعها أخاه، ولا يكرها»؟ قال: نعم.
٨ - ورواه عبد اللَّه بن نمير، عن عبد الملك، عن عطاء، عن جابر مرفوعا: «من كانت له أرض فليزرعها، فإن لم يستطع أن يزرعها، وعجز عنها فليمنحها أخاه المسلم، ولا يؤاجرها إياه».
٩ - ورواه محمد بن الفضل (لقبه عارم، وهو أبو النعمان السدوسي)، عن مهدي بن ميمون، عن مطر، عن عطاء، عن جابر مرفوعا: «من كانت له أرض فليزرعها، فإن لم يزرعها فليزرعها أخاه».
١٠ - ورواه معلى بن منصور، عن خالد، عن الشيباني، عن بكير بن الأخنس، عن عطاء، عن جابر قال: «نهى رسول اللَّه ﷺ أن يؤخذ للأرض أجر أو حظ».
١١ - ورواه حماد (يعني ابن زيد) عن مطر الوراق، عن عطاء، عن جابر: «أن النبي ﷺ نهى عن كراء الأرض».
١٢ - ورواه ابن وهب قال: أخبرني عمرو (وهو ابن الحارث) أن بكيرا حدثه أن عبد اللَّه بن أبي سلمة حدثه، عن النعمان بن أبي عياش، عن جابر بن عبد اللَّه قال: «إن النبي ﷺ نهى عن كراء الأرض».
قال بكير: وحدثنا نافع أنه سمع ابن عمر يقول: كنا نكري أرضنا، ثم تركنا ذلك حين سمعنا حديث رافع بن خديج.
١٣ - ورواه سفيان بن عيينة، عن حميد الأعرج، عن سليمان بن عتيق، عن جابر قال: «نهى النبي ﷺ عن بيع السنين».
١٤ - ورواه أبو توبة، عن معاوية، عن يحيى بن أبي كثير، عن يزيد بن نعيم أخبره أن جابر بن عبد اللَّه قال: «إنه سمع رسول اللَّه ﷺ ينهى عن المزابنة والحقول».
فقال جابر: المزابنة الثمر بالتمر. والحقول كراء الأرض.
١٥ - ورواه أبو الجواب، عن عمار بن زريق، عن الأعمش، حدّثنا أبو سفيان، عن جابر مرفوعا: «من كانت له أرض فليزرعها أو فليُزْرِعها رجلا».
١٦ - ورواه سفيان، عن عمرو، عن جابر «أن النبي ﷺ نهى عن المخابرة».
١٧ - ورواه عبيد اللَّه بن عبد الحميد، عن سليم بن حبان، عن سعيد بن ميناء سمعت جابرا يقول. فذكر مرفوعا: «من كان له فضل أرض فليزرعها، أو يزرعها أخاه، ولا تبيعوها».
فقلت لسعيد: ما قوله: «ولا تبيعوها» يعني الكراء؟ . قال: نعم.
ولحديث جابر طرق أخرى غيرها.
وخلاصة القول أن حديث جابر بن عبد اللَّه في النهي عن كراء الأرض محمول على التنزيه، وليس على التحريم؛ لأن الهبة والإعارة والمنحة ليست بواجبة، ولكن تصرف بعض الرواة، فرووه
بالمعنى، فاختلفت ألفاظهم حتى أن بعض النّاس ظنوا فيه التحريم، فرووه بلفظ: «من لم يذر المخابرة فليأذن بحرب من اللَّه ورسوله». رواه أبو داود (٣٤٠٦)، ومن طريقه البيهقي (٦/ ١٢٨)، وأبو نعيم في «الحلية» (٩/ ٢٣٦)، والحاكم (٢/ ٢٨٥ - ٢٨٦) كلّهم من حديث عبد اللَّه بن رجاء، أخبرني عبد اللَّه بن عثمان بن خثيم، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد اللَّه فذكره.
قال أبو نعيم: «غريب من حديث أبي الزبير، تفرّد به ابن خثيم بهذا اللفظ. وعبد اللَّه بن رجاء هو المكي، ليس بالعراقي البصري».
وقال الحاكم: «صحيح على شرط مسلم».
قال الأعظمي: وهو كذلك إلا أن ابن خثيم تُكِلم فيه من ناحية حفظه، فلا يقبل تفرده.

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 148 من أصل 506 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: فضل الأرض زراعتها أو منحها للأخ

  • 📜 حديث: فضل الأرض زراعتها أو منحها للأخ

    نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

  • 🔍 صحة حديث: فضل الأرض زراعتها أو منحها للأخ

    تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.

  • 📖 تخريج حديث: فضل الأرض زراعتها أو منحها للأخ

    تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.

  • 📚 شرح حديث: فضل الأرض زراعتها أو منحها للأخ

    شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Wednesday, November 19, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب