حديث: نهى رسول الله ﷺ عن المزارعة وأمر بالمؤاجرة

📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة

باب ما جاء في جواز المزارعة إذا لم تكن فيه الشروط الفاسدة

عن عبد اللَّه بن السائب قال: دخلنا على عبد اللَّه بن معقل، فسألناه عن المزارعة، فقال: زعم ثابت أن رسول اللَّه ﷺ نهى عن المزارعة، وأمر بالمؤاجرة، وقال: «لا بأس بها».

صحيح: رواه مسلم في البيوع (١٥٤٩: ١١٩) عن إسحاق بن منصور، أخبرنا يحيى بن حماد، أخبرنا أبو عوانة، عن سليمان الشيباني، عن عبد اللَّه بن السائب قال فذكره.

عن عبد اللَّه بن السائب قال: دخلنا على عبد اللَّه بن معقل، فسألناه عن المزارعة، فقال: زعم ثابت أن رسول اللَّه ﷺ نهى عن المزارعة، وأمر بالمؤاجرة، وقال: «لا بأس بها».

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم أيها السائل الكريم، ونسأل الله أن يوفقنا جميعاً لفهم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم والعمل بها.
هذا الحديث الذي ذكر رواه الإمام أحمد في مسنده، وسأقوم بشرحه لك على النحو التالي:

أولاً. شرح المفردات:


● المزارعة: هي معاملة بين طرفين، يدفع أحدهما الأرض للآخر ليزرعها، ويتقاسمان الغلة أو المحصول بنسبة متفق عليها (مثل النصف أو الثلث).
● المؤاجرة: هي تأجير الأرض بمال معين معلوم (أجرة ثابتة)، وليس بنسبة من المحصول.
● زعم: بمعنى قال أو أخبر (وهي هنا ليست للشك، بل للإخبار).
● لا بأس بها: أي لا حرج فيها، وهي جائزة ومباحة.

ثانياً. شرح الحديث:


يخبر الصحابي عبد الله بن السائب رضي الله عنه أنه دخل هو وآخرون على عبد الله بن معقل (وهو تابعي جليل)، فسألوه عن حكم المزارعة (أي مشاركة صاحب الأرض للزارع بنسبة من المحصول). فأجابهم بأن ثابتاً (وهو ثابت البناني، تابعي ثقة) قد أخبره أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المزارعة، وأمر بدلاً منها بالمؤاجرة (أي أن يؤجر صاحب الأرض أرضه بمال معلوم ثابت)، وقال صلى الله عليه وسلم عن المؤاجرة: «لا بأس بها»، أي أنها جائزة ولا حرج فيها.

ثالثاً. الدروس المستفادة والفقه في الحديث:


1- نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن المزارعة: وهذا النهي محمول على المزارعة التي فيها جهالة أو غرر، أو التي تشبه الربا، حيث قد تختلف الغلة وتكون غير محددة بدقة، مما يؤدي إلى النزاع والخصومة. وقد ذهب بعض العلماء إلى كراهة المزارعة لهذا السبب.
2- إباحة المؤاجرة: حيث أن المؤاجرة (تأجير الأرض بأجر معلوم) تكون واضحة ومحددة، فلا غرر فيها ولا جهالة، وبالتالي فهي جائزة ولا بأس بها، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم.
3- مراعاة مصلحة العباد ودفع الضرر عنهم: حيث أن الشريعة الإسلامية جاءت لتحقيق المصالح ودرء المفاسد، وفي النهي عن المزارعة والأمر بالمؤاجرة تحقيق لهذا المقصد، لأنه يمنع النزاع والخصومة بين الناس.
4- تفضيل المعاملات الواضحة: حيث أن الإسلام يحبذ المعاملات الواضحة التي لا غموض فيها ولا جهالة، مما يحقق الطمأنينة بين المتعاقدين.

رابعاً. ملاحظات مهمة:


- هذا الحديث ضعيف من حيث السند، لأن فيه انقطاعاً بين عبد الله بن معقل وثابت البناني، ولم يسمع منه.
- جمهور العلماء (ومنهم الأئمة الأربعة) على جواز المزارعة بشروط، منها أن تكون الحصة محددة ومعروفة (مثل النصف أو الثلث)، وأن تكون مدة العقد معروفة، وأن يتفق الطرفان على تحمل المصاريف.
- بعض العلماء حمل النهي على المزارعة التي كانت في الجاهلية والتي فيها ظلم وغرر.

الخلاصة:


النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المزارعة إذا كانت مجهولة أو فيها غرر، وأمر بالمؤاجرة لأنها أوضح وأبعد عن النزاع، وهي جائزة ولا بأس بها. ومع ذلك، فإن جمهور العلماء أجازوا المزارعة بشروط تضمن العدل وعدم الجهالة.
أسأل الله أن يفقهنا في الدين، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
📝 تنبيه هام:
نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:
"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه مسلم في البيوع (١٥٤٩: ١١٩) عن إسحاق بن منصور، أخبرنا يحيى بن حماد، أخبرنا أبو عوانة، عن سليمان الشيباني، عن عبد اللَّه بن السائب قال فذكره.
قوله: «المؤاجرة» أي الإجارة، وهي تمليك منفعة بعوض لمدة معلومة.
وروي أيضًا عن زيد بن ثابت قال: يغفر اللَّه رافع بن خديج، أنا واللَّه أعلم بالحديث منه، إنما أتى رجلان قد اقتتلا، فقال رسول اللَّه ﷺ: «إن كان هذا شأنكم فلا تكروا المزارع». قال: فسمع رافع قوله: «لا تكروا المزارع».
رواه أبو داود (٣٣٩٠)، والنسائي (٣٩٢٧)، وابن ماجه (٢٤٦١)، وأحمد (٢١٥٨٨) كلّهم من حديث إسماعيل بن علية، حدّثنا عبد الرحمن بن إسحاق، عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار، عن الوليد بن أبي الوليد، عن عروة بن الزبير قال: قال زيد بن ثابت فذكره.
ولكن في إسناده أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر، لم يوثّقه أحد، ولم أجد له متابعا، وقد
قال فيه الحافظ: «مقبول». أي إذا توبع. وشيخه الوليد بن أبي الوليد ليّن الحديث.
وأما ما روي عن زيد بن ثابت قال: «نهى رسول اللَّه عن المخابرة. قلت: وما المخابرة؟ قال: أن تأخذ الأرض بنصف أو ثلث أو ربع». فهو ضعيف.
رواه أبو داود (٣٤٠٧) عن أبي بكر بن أبي شيبة، حدّثنا عمر بن أيوب، عن جعفر بن برقان، عن ثابت بن الحجاج، عن زيد بن ثابت فذكره.
وإسناده ضعيف من أجل عمر بن أيوب، وهو العبدي الموصلي، وشيخه جعفر بن برقان، وهما لا بأس بهما إلا أنهما خالفا روايات الثقات في جواز المخابرة بالنصف والثلث والربع وبشيء معلوم فلا يقبل تفردهما.
وفي الباب ما روي أيضًا عن معاذ بن جبل أنه أكرى الأرض على عهد رسول اللَّه ﷺ وأبي بكر وعمر وعثمان على الثلث والربع، فهو يعمل به إلى يومك هذا.
رواه ابن ماجه (٢٤٦٣) من حديث مجاهد، عن طاوس، أن معاذ بن جبل أكرى الأرض فذكره.
وفيه انقطاع؛ فإن طاوسا (وهو ابن كيسان) لم يدرك معاذ بن جبل. ثم إن معاذا توفي في خلافة عمر، ولم يدرك خلافة عثمان، ففيه خطأ مركب.
فقه هذه الأبواب:
المزارعة هي اكتراء العامل لزرع الأرض ببعض ما يخرج منها، كما ذكرها النووي في الروضة (٥/ ١٦٨)، وهي جائزة في قول أكثر أهل العلم.
قال البخاري: وقال قيس بن مسلم عن أبي جعفر قال: ما بالمدينة أهل بيت هجرة إلا يزرعون على الثلث والربع. وزارع علي، وسعد بن مالك، وعبد اللَّه بن مسعود، وعمر بن عبد العزيز، والقاسم، وعروة، وآل أبي بكر، وآل عمر، وآل علي، وابن سيرين. وقال عبد الرحمن بن الأسود: كنت أشارك عبد الرحمن بن يزيد في الزرع، وعامل عمر الناس على إن جاء عمر بالبذر من عنده فله الشطر، وإن جاءوا بالبذر فلهم كذا.
وقال الحسن: لا بأس أن تكون الأرض لأحدهما، فينفقان جميعا، فما خرج فهو بينهما، ورأى ذلك الزهري. وقال الحسن: لا بأس أن يجتنى القطن على النصف. وقال إبراهيم، وابن سيرين، وعطاء، والحكم، والزهريّ، وقتادة: لا بأس أن يعطي الثوب بالثلث أو الربع ونحوه. وقال معمر: لا بأس أن تكون الماشية على الثلث والربع إلى أجل مسمى. انظر «الفتح» (٥/ ١٠).
وفي قول ابن عباس وزيد بن ثابت بيان بأن المزارعة لا تحرم مطلقا، وإنما تحرم إذا وقع فيها الخصومة، فإذا كانت المزارعة بجزء مما يخرج من الأرض عامة دون تقييد جزء منها جاز، وكذلك إذا كان بمقابل شيء معلوم من الذهب والفضة.
وقد قيد بعض الرواة الصور التي وقع فيها النهي مثل شروط الجداول والماذيانات -وهي
الأنهار-، وهي ما كان يشترط على الزارع أن يزرعه على هذه الأنهار خاصة لرب المال، ونحو شرط القصارة -وهي ما بقي من الحب في السنبل بعد ما يداس-، ويقال: القصرى، ونحو شرط ما يسقى الربيع، وهو النهر الصغير مثل الجداول والسرى ونحوه، وجمعه أربعاء، وغيرها من الصور، فصار حديث رافع بألوان مختلفة في الألفاظ. وأما في الروايات فمرة يقول: سمعت رسول اللَّه ﷺ يقول. ومرة يقول: سمعت عما يقولان. ولذا ضعف الإمام أحمد حديث رافع بن خديج، وقال: «هو كثير الألوان».
قال البيهقي (٦/ ١٣٥): «يريد ما أشرنا إليه من الاختلاف عليه في إسناده، ومتنه».
ثم رجع الإمام أحمد إلى حديث رافع بن خديج، كما نقل عنه ابنه عبد اللَّه في المسند (٢٨/ ٥٢٢) قال: سألت أبي عن حديث رافع بن خديج، فقال: «كلها صحاح، وأحبها إلي حديث أيوب». انظر أيضًا مسائله (٣/ ١٢١٦).
وذلك «إذا كانت الحصص معلومة نحو النصف والثلث والربع، وكانت الشروط الفاسدة معدومة، وإلى هذه ذهب الإمام أحمد، وأبو عبيد، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة، وغيرهم من أهل الحديث. وإليه ذهب أبو يوسف، ومحمد بن الحسن من أصحاب الرأي، والأحاديث مضت في معاملة النبي ﷺ أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر، أو زرع دليل لهم في هذه المسألة». قاله البيهقي (٦/ ١٣٥).
وقال الخطابي: «وقد أنعم بيان هذا الباب محمد بن إسحاق بن خزيمة، وجوَّده، وصنف في المزارعة مسألة ذكر فيها على الأحاديث التي وردت فيها، فالمزارعة على النصف والثلث والربع وعلى ما تراضى به الشريكان جائزة إذا كانت الحصص معلومة، والشروط الفاسدة معدومة، وهي عمل المسلمين من بلدان الإسلام، وأقطار الأرض شرقها وغربها، لا أعلم أني رأيت أو سمعت أهل بلد، أو صقع من نواحي الأرض التي يسكنها المسلمون يبطلون العمل بها». انتهى كلام الخطابي.
انظر للمزيد كلام الحافظ ابن القيم في «تهذيب السنن» (٥/ ٥٤)، فإنه أفاض الحديث في جواز المزارعة.

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 170 من أصل 506 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: نهى رسول الله ﷺ عن المزارعة وأمر بالمؤاجرة

  • 📜 حديث: نهى رسول الله ﷺ عن المزارعة وأمر بالمؤاجرة

    نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

  • 🔍 صحة حديث: نهى رسول الله ﷺ عن المزارعة وأمر بالمؤاجرة

    تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.

  • 📖 تخريج حديث: نهى رسول الله ﷺ عن المزارعة وأمر بالمؤاجرة

    تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.

  • 📚 شرح حديث: نهى رسول الله ﷺ عن المزارعة وأمر بالمؤاجرة

    شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Wednesday, November 19, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب