حديث: إن من البيان سحرًا ومن الشعر حكمًا
📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة
باب إنّ من البيان سحرًا
حسن: رواه أبو داود (٥٠١١)، والترمذيّ (٢٨٤٥)، وابن ماجه (٣٧٥٦) كلّهم عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، فذكر الحديث، واللّفظ لأبي داود.

شرح الحديث:
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبد الله، خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وصحبه أجمعين.أما بعد، فإني أقدم لكم شرحًا لهذا الحديث النبوي الشريف، معتمدًا على كلام أهل العلم من أهل السنة والجماعة.
نص الحديث:
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: جاء أعرابِيٌّ إلى النبيّ ﷺ فجعل يتكلّم بكلام، فقال رسول اللَّه ﷺ: «إنّ من البيان سحرًا، وإنّ من الشّعر حكمًا».
1. شرح المفردات:
* الأعرابي: هو من سكان البادية، المعروف بفصاحته وبلاغته في الكلام بسبب طبيعة حياته وبُعده عن اختلاط اللهجات.
* يتكلم بكلام: أي أخذ يتحدث بكلام بليغ وفصيح، معجبًا بنفسه أو متباهيًا بفصاحته.
* البيان: هو الإفصاح عن المعنى والإظهار له بأحسن صورة من الكلام، وهو يشمل الخطابة والحديث الواضح المؤثر.
* سحرًا: ليس السحر المحرم هنا، بل هو كناية عن قوة التأثير والجاذبية التي تخلب الألباب وتؤثر في النفوس، كما يفعل السحر ولكن بطريقة مباحة، وهي قوة الكلام وحسن تأثيره.
* الشعر: الكلام الموزون المقفى.
* حكمًا: جمع حكمة، وهي الكلام الصائب الموافق للحق، الذي فيه وعظ وتجربة وعبرة.
2. المعنى الإجمالي للحديث:
يخبرنا الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن أعرابيًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأخذ يلقي كلامًا بليغًا يعجب به، فلما سمعه النبي صلى الله عليه وسلم أعجب بفصاحته، لكنه وجه الانتباه إلى حقيقة أهم من مجرد الفصاحة، فقال: «إن من البيان لسحرًا»، أي إن الكلام البليغ الواضح المؤثر له قوة عظيمة في إقناع السامع وجذب قلبه، كقوة السحر في التأثير، ولكنه تأثير بالكلام المباح. ثم أردف صلى الله عليه وسلم قائلًا: «وإن من الشعر لحكمًا»، أي أن بعض الشعر – وليس كله – قد يحتوي على حكم عظيمة وكلمات صادقة تنطق بالحق والحكمة، فينبغي ألا نرفضه مطلقًا بل نأخذ الحكمة منه.
فالحديث ليس مدحًا للشعر أو البيان مطلقًا، بل هو إقرار لقوة تأثيرهما، مع توجيه إلى أن المعيار هو مضمون الكلام (هل هو حق أم باطل؟) وليس شكله فقط.
3. الدروس المستفادة منه:
1- الإقرار بقوة الكلام وتأثيره: الكلمة الطيبة صدقة، والكلمة البليغة المؤثرة لها دور كبير في الدعوة إلى الله، وإقناع الناس، ونشر الخير. وهذا يحث الدعاة وطلاب العلم على إتقان فن البيان والتحدث بشكل واضح ومؤثر.
2- الحكمة ضالة المؤمن: المؤمن ينبغي أن يكون واسع الأفق، يأخذ الحكمة والحق من أي وعاء خرج، حتى لو كان من شعر أو كلام أعرابي، ما دام لا يعارض نصًا شرعيًا.
3- الفرق بين الوسيلة والغاية: البيان والشعر وسائل، يمكن استخدامها في الخير أو الشر. فاستخدامها في الخير والدعوة إلى الحق ممدوح، واستخدامها في الباطل والفساد مذموم. فليس المدح للبيان أو الشعر ذاته، بل لما يحملانه من معانٍ حميدة.
4- ذم التباهي بالفصاحة دون جدوى: جاء الأعرابي ليفخر بفصاحته، فوجهه النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن قيمة الكلام في مضمونه النافع، لا في مجرد فصاحته.
5- منهج الاعتدال في نظرتنا للشعر: نهى الإسلام عن قول الشعر الذي فيه كذب أو هجو أو دعوة إلى منكر، لكنه لم يحرمه بإطلاق، بل أقره إذا كان فيه حكمة أو دعوة إلى مكارم الأخلاق. وهذا من عدل الإسلام ووسطيته.
4. معلومات إضافية مفيدة:
* موقف الإسلام من الشعر: جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحًا خير له من أن يمتلئ شعرًا». وهذا ذم للانشغال بالشعر حتى يملأ القلب ويشغله عن ذكر الله والعلم النافع، وليس ذمًا للشعر مطلقًا. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في شأن بعض الشعر: «إن من الشعر لحكمة» (كما في حديث الباب)، وكان حسان بن ثابت رضي الله عنه ينافح عن النبي صلى الله عليه وسلم بشعره.
* البيان في الدعوة: كان النبي صلى الله عليه وسلم أفصح الناس، وكان يعطي كل جلسائه نصيبه من الاهتمام، ويخاطبهم على قدر عقولهم، وهذا من بيانه وحكمته صلى الله عليه وسلم. فالداعية الناجح هو من يتقن فن البيان والإقناع بالحكمة والموعظة الحسنة.
وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
تخريج الحديث
واكتفى الترمذيّ وابن ماجه بالجزء الثاني من الحديث.
قال الترمذيّ: «حسن صحيح». وصحّحه ابن حبان (٥٧٧٨).
قال الأعظمي: هو حسن فقط؛ لأنه من رواية سماك عن عكرمة، وهو مضطرب فيه، ولكن تابعه الحكم ابن عتيبة، عن مقسم، عن ابن عباس، ومن طريقه رواه الحاكم (٣/ ٦١٣)، ولفظه: «إنّ من البيان لسحرًا، إنّ من البيان لسحرًا».
وذكر قصّة الأعرابيّ الذي تكلّم أمام النبيّ ﷺ وها أنا أسوق هذه القصّة:
عن ابن عباس، قال: جلس إلى رسول اللَّه ﷺ قيس بن عاصم، والزّبرقان بن بدر، وعمرو بن الأهتم التّميميون، ففخر الزّبرقان فقال: يا رسول اللَّه! أنا سيد تميم والمطاع فيهم، والمجاب فيهم أمنعهم من الظلم فآخذ لهم بحقوقهم وهذا يعلم ذلك -يعني عمرو بن الأهتم- فقال عمرو ابن الأهتم: واللَّه يا رسول اللَّه! إنّه لشديد العارضة، مانع لجانبه، مطاع في ناديه، قال الزبرقان: واللَّه يا رسول اللَّه! لقد علم مني غير ما قال، وما منعه أن يتكلم به إلا الحسد، قال عمرو: أنا أحدك: فواللَّه! إنّك لئيم الخال، حديث المال، أحمق الموالد، مضيّع في العشيرة، واللَّه يا رسول اللَّه! لقد صدقت فيما قلت أولا، وما كذبت فيما قلت آخرًا، لكني رجل رضيت فقلت أحسن ما علمت، وغضبت فقلت أقبح ما وجدت، ووالله! لقد صدقت في الأمرين جميعًا، فقال النبيّ ﷺ: «إنّ من البيان لسحرًا، إنّ من البيان لسحرًا».
وقد روي عن أبي بكرة الأنصاري أنه حضر هذا المجلس.
أخرجه أبو زكريا العنبري، ثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن عبيدة الوبَري (ح) وحدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن يحيى المزكي، ثنا إبراهيم بن محمد بن إدريس المعقلي، قالا: ثنا علي بن حرب الموصلي، ثنا أبو سعد الهيثم بن محفوظ، عن أبي المقوم الأنصاريّ يحيى بن أبي يزيد، عن الحكم بن عتيبة، عن مقسم، عن ابن عباس، فذكره.
ورواه البيهقي في الدلائل (٥/ ٣٠٦) من طريق أبي سعد الهيثم بن محفوظ بإسناده مثله.
والهيثم قال فيه الذهبي في الميزان: «لا يُدري من هو؟».
ولذا لم يجزم الحافظ بصحة هذه القصة فقال في «الفتح» (١٠/ ٢٣٧): «وقد زعم جماعة أنهما الزبرقان -بكسر الراء- واسمه الحصين، ولُقِّب الزبرقان لحسنه. . . واستندوا في تعينهما إلى ما أخرجه البيهقيّ في: الدلائل«وغيره من طريق مقسم، عن ابن عباس». فذكره مثله.
وفي الباب ما رُوي عن أبي بكرة، قال: كنّا عند النبيّ ﷺ فقدم عليه وفدُ بني تميم، فيهم قيس ابن عاصم وعمرو بن الأهتم والزبرقان بن بدر، فقال النبيّ ﷺ لعمرو بن الأهتم: «ما تقول في الزبرقان بن بدر؟ «، فقال: يا رسول اللَّه! مطاع في ناديه، شديد العارضة، مانع لما وراء ظهره. فقال الزبرقان: يا رسول اللَّه! إنه ليعلم مني أكثر مما وصفني به، ولكنه حسدني. فقال عمرو: واللَّه يا رسول اللَّه! إنّه ذامر المروءة، ضيق العطن، لئيم الخال، أحمق الموالد، واللَّه ما كذبت أولا، ولقد صدقت آخرا، ولكني رضيت فقلت أحسن ما علمت، وغضبت فقلت أقبح ما علمت. فقال النبيّ ﷺ: «إنّ من البيان لسحرا، وإن من الشعر لحكما».
رواه الحاكم (١/ ٦١٣) عن أبي منصور محمد بن علي الفارسيّ، ثنا أبو بكر محمّد بن شاذان الجوهريّ، ثنا سعيد بن سليمان القسيطي، ثنا عيينة بن عبد الرحمن بن جوشن، عن أبيه، عن أبي بكرة، فذكره.
وسعيد بن سليمان القسيطي أظنه هو النَّشيطيّ كما ذكره الذهبيّ في: الميزان (٢/ ١٤٢) ونقل عن أبي زرعة أنه قال: «ليس بقوي، وقال أبو حاتم: فيه نظر، وقال أبو داود: لا أحدث عنه».
وكذلك ما رُوي عن بريدة بن الحصيب قال: سمعت رسول اللَّه ﷺ يقول: «إنّ من البيان سحرًا، وإن من العلم جهلًا، وإن من الشعر حكما، وإن من القول عيالًا».
فقال صعصعة بن صوحان: «صدق نبيُّ اللَّه ﷺ. أما قوله: «إنّ من البيان سحرًا» فالرجل يكون عليه الحقّ وهو ألحنُ بالحُجج من صاحب الحقّ، فيسحر القومَ ببيانه فيذهب بالحق. وأما قوله: «إنّ من العلم جهلًا» فيتكلّف العالم إلى علمه ما لا يعلم فيُجهله ذلك. وأما قوله: «إن من القول عِيالًا» فعرضُك كلامَك وحديثك على من ليس من شأنه، ولا يريده.
رواه أبو داود (٥٠١٢) عن محمد بن يحيى بن فارس، حدّثنا سعيد بن محمد، حدّثنا أبو تُمَيلة، قال: حدثني أبو جعفر النحوي -عبد اللَّه بن ثابت- قال: حدثني صخر بن عبد اللَّه بن بريدة، عن أبيه، عن جدّه، فذكره.
وإسناده ضعيف من أجل أبي جعفر النّحوي فإنه «مجهول» كما قال الحافظ في التقريب، وشيخه صخر بن عبد اللَّه «مقبول» كما في التقريب أي حيث يتابع، ولم يتابع فهو «ليّن الحديث».
أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)
الحديث الحالي في المركز 119 من أصل 207 حديثاً له شرح
- 94 لا يقص على الناس إلا أمير أو مأمور أو مراء
- 95 لا يقص إلا أمير أو مأمور أو مختال
- 96 لا يقص إلا أمير أو مأمور أو متكلف
- 97 لم يُقَصّ في زمن النبي ولا أبي بكر ولا عمر...
- 98 إذا سمعتم الحديث عني تعرفُه قلوبُكم وتلينُ له أشعارُكم
- 99 إن بني إسرائيل كتبوا كتابًا فاتبعوه وتركوا التوراة
- 100 الناس معادن، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا
- 101 يوسف نبي اللَّه ابن نبي اللَّه ابن خليل اللَّه
- 102 خيار الناس في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا
- 103 ليس الخبر كالمعاينة
- 104 ما كل ما نحدثكم عن رسول الله سمعناه منه
- 105 ما كل ما نحدثكموه سمعناه من رسول اللَّه
- 106 أبو ذر يتعلق بالأمر الشديد من الحديث
- 107 من حفظ شيئًا من مقام النبي ﷺ فكأنما رأى وجه...
- 108 خطبة النبي الطويلة من الفجر حتى غروب الشمس
- 109 ما تركنا رسول الله وما طائر يطير بجناحيه إلا عندنا...
- 110 يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيما فعل، وعن...
- 111 عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه
- 112 أيما رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي، فله...
- 113 هلاك أمتي في الكتاب واللبن
- 114 خلف من بعد ستين سنة أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات
- 115 تعلّموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم
- 116 صلة الرحم محبة للأهل، ومنسأة للأجل
- 117 لا قرب بالرحم إذا قطعت وإن كانت قريبة
- 118 إن من البيان لسحرًا
- 119 إن من البيان سحرًا ومن الشعر حكمًا
- 120 البركة مع أكابركم
- 121 يُلْتَمَسُ العِلْمُ عِنْدَ الأَصَاغِرِ
- 122 أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود
- 123 تقديم الأكثر حفظا للقرآن في القبر
- 124 إكرام ذي الشيبة المسلم وحامل القرآن
- 125 قوموا إلى سيدكم
- 126 توبة الله على كعب بن مالك في غزوة تبوك
- 127 فاطمة أسرع أهله لحوقا بالنبي ﷺ
- 128 إن صلّى قاعدًا فصلّوا قعودًا
- 129 من أحب أن يمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من...
- 130 ما كان شخص أحب إليهم من رسول الله
- 131 من أشراط الساعة أن يقل العلم، ويظهر الجهل، ويظهر الزنا،...
- 132 بين يدي الساعة أياما يرفع فيها العلم وينزل فيها الجهل
- 133 إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ولكن يقبضه بقبض العلماء
- 134 إن الله لا ينتزع العلم انتزاعًا ولكن يقبض العلماء
- 135 يُقبض العلم وتظهر الفتن ويكثر الهرج
- 136 يذهب العلماء ويُرفع العلم
- 137 يأتي زمان يكثر القراء ويقل الفقهاء
- 138 إن الله لا ينزع العلم انتزاعًا ولكن يقبض العلماء
- 139 يُرفع العلم حتى لا ترى خاشعًا
- 140 هذا أوان يختلس العلم من الناس
- 141 من أفتي بغير علم كان إثمه على من أفتاه
- 142 ضربوا كتاب اللَّه بعضه ببعض، وإنما نزل كتاب اللَّه يصدق...
- 143 المِراءُ في القرآن كفر
معلومات عن حديث: إن من البيان سحرًا ومن الشعر حكمًا
📜 حديث: إن من البيان سحرًا ومن الشعر حكمًا
نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: إن من البيان سحرًا ومن الشعر حكمًا
تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: إن من البيان سحرًا ومن الشعر حكمًا
تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: إن من البيان سحرًا ومن الشعر حكمًا
شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.
قراءة القرآن الكريم
الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم
Wednesday, November 19, 2025
لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب








