حديث: مغيث يبكي على بريرة في سكك المدينة

📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة

باب اعتبار الحرية في الكفاءة

عن ابن عباس قال: ذاك مغيث عبد بني فلان -يعني زوج بريرة- كأني أنظر إليه يتبعها في سكك المدينة يبكي عليها.

صحيح: رواه البخاري في الطلاق (٥٢٨١) عن عبد الأعلى بن حماد، حدثنا وُهيب، حدثنا أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس فذكره.

عن ابن عباس قال: ذاك مغيث عبد بني فلان -يعني زوج بريرة- كأني أنظر إليه يتبعها في سكك المدينة يبكي عليها.

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم أيها السائل الكريم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا الحديث الذي ذكر رواه الإمام البخاري في صحيحه، وهو جزء من قصة طويلة مشهورة، وهي قصة بريرة وزوجها مغيث، وهي مليئة بالدروس والعبر العظيمة.

أولاً. شرح المفردات:


* ذاك مغيث: أي ذلك الرجل هو مغيث.
* عبد بني فلان: كان عبداً مملوكاً لقبيلة من القبائل.
* بريرة: هي امرأة كانت أمة (جارية) ثم أعتقت، وكانت زوجة لمغيث عندما كانا عبدين.
* سكك المدينة: طرقات المدينة المنورة وأزقتها.
* يبكي عليها: يذرف الدمع شوقاً وحزناً عليها بسبب فراقها.

ثانياً. شرح الحديث والسياق الذي ورد فيه:


لنفهم هذا المشهد المؤثر، لا بد من معرفة القصة كاملة بإيجاز:
1. كانت بريرة أمة (جارية) متزوجة من عبدٍ اسمه مغيث.
2. عرض عليها أهلها شراءها لتعتق، فاشترطت أن يكون ولاؤها (انتسابها بعد العتق) لنفسها. ووافقوا.
3. بعد أن أعتقت بريرة، خُيّرت في البقاء مع زوجها مغيث أو افتراقه، كما كان الشرع يعطي المرأة المعتقة إذا كانت تحت عبد الخيار. فاختارت الفراق.
4. كان مغيث يحبها حباً شديداً جداً، فلم يتحمل فراقها، فكان يتبعها في طرقات المدينة وهو يبكي من شدة حبه لها وحزنه على فراقها.
5. ووقف هذا المشهد المؤثر في عين الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، فكان يرويه بعد سنوات طويلة وهو يتذكر صورة مغيث وهو يسير خلفها باكياً، مما يدل على عمق التأثير الذي تركه هذا المنظر في نفسه.
وقد جاء في رواية أخرى في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبريرة محاولاً التوسط لإصلاح ذات البين: "يا بَرِيرَةُ، اتَّقِي اللَّهَ فَإِنَّهُ زَوْجُكِ وَأَبُو وَلَدِكِ". لكنها أصرت على فراقه وسألت النبي: "أَتَأْمُرُنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟" فقال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا أَنَا شَافِعٌ". فقالت: "لا حاجة لي فيه".
فأقرها النبي صلى الله عليه وسلم على خيارها، ونزل القرآن مؤيداً لحقها في الاختيار بعد العتق.

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:


1- إثبات مشاعر الحب بين الزوجين: الحديث يصور أعمق مشاعر الحب الإنساني الصادق، فمغيث لم يكن يبكي على زوجة فحسب، بل كان يبكي على حبيبته وشريكة حياته، مما يدحض فكرة أن الإسلام لا يعترف بالمشاعر والعواطف.
2- حقوق المرأة في الإسلام: القصة تبرز حرية المرأة في الاختيار واحترام إرادتها. فبريرة كان لها الحق الشرعي في اختيار البقاء أو الفراق بعد العتق، واحترم النبي صلى الله عليه وسلم اختيارها ولم يجبرها على الرجوع.
3- الفرق بين الأمر والشفاعة: درس عظيم في القيادة والفتوى. النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرها بالرجوع أمراً إلزامياً، بل نصحها وشفع فقط، وعندما استفسرت إن كان أمراً، بين لها أنه مجرد شفاعة ونصيحة. وهذا أدب في التعامل مع الناس وعدم إرغامهم على ما لا يريدون.
4- قوة تأثير الفراق: المشهد يذكرنا بقسوة الفراق على القلوب المتيامنة، ويحث الأزواج على الحفاظ على روابطهم وتقدير نعمة الاجتماع.
5- الإيمان بقضاء الله وقدره: على الرغم من شدة حب مغيث لبريرة، إلا أن الأمر كان قضاءً وقدراً واختياراً شرعياً انتهى بالفراق. وهذا يعلم المسلم الرضا بما قضى الله حتى لو كان على خلاف هواه.
6- سمو الأخلاق النبوية: موقف النبي صلى الله عليه وسلم كان موقفاً رحيماً، يحاول الإصلاح بينهما، لكنه في نفس الوقت يحترم القانون الشرعي وإرادة المرأة.

رابعاً. معلومات إضافية:


* بريرة من الصحابيات الفاضلات، واشتهرت بقصةها هذه، وروت عدة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
* الحديث أخرجه الإمام البخاري في كتاب "العتق"، ومسلم في كتاب "الطلاق"، مما يدل على أنه من الأحاديث المتعلقة بالأحكام الشرعية.
* القصة كلها تظهر العدل والرحمة في التشريع الإسلامي، الذي جمع بين حفظ الحقوق والاعتراف بالمشاعر الإنسانية.
أسأل الله أن يكون في هذا الشرح الفائدة والاستفادة، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
📝 تنبيه هام:
نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:
"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه البخاري في الطلاق (٥٢٨١) عن عبد الأعلى بن حماد، حدثنا وُهيب، حدثنا أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس فذكره.

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 40 من أصل 360 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: مغيث يبكي على بريرة في سكك المدينة

  • 📜 حديث: مغيث يبكي على بريرة في سكك المدينة

    نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

  • 🔍 صحة حديث: مغيث يبكي على بريرة في سكك المدينة

    تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.

  • 📖 تخريج حديث: مغيث يبكي على بريرة في سكك المدينة

    تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.

  • 📚 شرح حديث: مغيث يبكي على بريرة في سكك المدينة

    شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Wednesday, November 19, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب