تزوجت بكرًا أم ثيبًا

حديث: تزوجت بكرًا أم ثيبًا

عن جابر بن عبد اللَّه قال: هلك أبي وترك سبع بنات، أو تسع بنات فتزوجت امرأة ثيّبًا، فقال لي رسول اللَّه ﷺ: «تزوجت يا جابر؟» فقلتُ: نعم، فقال: «بكرًا أم ثيِّبًا؟» قلتُ: بل ثيِّبًا قال: «فهلا جارية تلاعبها وتلاعبك، وتضاحكها وتضاحكك» قال: فقلت له: إن عبد اللَّه هلك وترك بناتٍ وإني كرهت أن أجيئهن بمثلهن، فتزوجت امرأةً تقوم عليهنّ وتصلِحُهُنّ فقال: «بارك اللَّه لك - أو قال خيرا».
وفي لفظ: فكرهت أن أجمع إليهن جارية خرقاء مثلهنّ، ولكن امرأة تمشطهن وتقوم عليهن.

متفق عليه: رواه البخاري في النفقات (٥٣٦٧)، ومسلم في الرضاع (١٤٦٦: ٥٦) كلاهما من
طريق حماد بن يزيد، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن عبد اللَّه، فذكره.

تخريج الحديث كاملاً ⏬

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله خاتم النبيين وإمام المتقين.
أهلاً بك أيها السائل الكريم، ونسأل الله أن يبارك في علمك وعملك. هذا حديث عظيم من صحيح البخاري (4438) ومسلم (715) يحمل قصةً مليئة بالحكمة والعبر، وسأشرحه لك جزءاً جزءاً بإذن الله.

أولاً. شرح المفردات:

● هلك أبي: أي مات والدي.
● ثيّبًا: المرأة التي سبق لها الزواج، سواء كانت أرملة أو مطلقة.
● بكرًا: المرأة التي لم يسبق لها الزواج.
● تلاعبها وتلاعبك: أي تلهو معها وتهزأ بها برفق وحب، وهي من اللعب البريء بين الزوجين.
● تضاحكها وتضاحكك: أي تُكثر من الضحك معها وتُضحكها.
● خرقاء: هنا تعني قليلة الخبرة، غير مجرّبة في شؤون الحياة والبيت، وليست بمعنى الحمقاء بالضرورة.
● تمشطهن: تسرح شعورهن وتهتم بأناقتهن.
● تقوم عليهن: تُدبّر شؤونهن وترعاهن.

ثانياً. شرح الحديث:

يحكي الصحابي الجليل جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن والده استشهد في غزوة أحد، تاركاً وراءه سبع أو تسع بنات (أي عدد كبير من البنات الصغار اللاتي يحتجن إلى رعاية). بعد ذلك، تزوج جابر امرأة ثيباً (أرملة أو مطلقة)، فلقيَه النبي صلى الله عليه وسلم وسأله: «تزوجت يا جابر؟» تأكيداً للاهتمام بشأنه، فلما أجاب بالإيجاب، سأله النبي تفصيلاً: «بكرًا أم ثيِّبًا؟»، وعندما علم أنها ثيّب، قال له: «فهلا جارية تلاعبها وتلاعبك، وتضاحكها وتضاحكك».
هنا نرى نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم يوجه جابراً -وهو شاب- إلى الأفضل في العادة، وهو تزوج البكر للانسجام العاطفي والمرح الذي يكون بين الزوجين الشابين، وهو من تمام المتعة والحياة الزوجية السعيدة.
ولكن جابراً رضي الله عنه كان له حكمة أخرى نابعة من مسؤوليته الكبيرة، فأخبر النبي أنه تزوج ثيباً لسبب وجيه: لأن أخواته الصغيرات بحاجة إلى امرأة خبيرة ذات خبرة وحكمة لتربّيهن وتقوم على شؤونهن وتصلح حالهن، وليس مجرد شابة صغيرة (خرقاء) قليلة الخبرة مثلهن، لا تستطيع القيام بهذه المهمة.
فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم بحكمة جابر ونيته الصالحة، ودافعه المسؤول، دعا له بالبركة والخير: «بارك اللَّه لك - أو قال خيرا».

ثالثاً. الدروس المستفادة منه:

1- مرونة الشريعة ومراعاة الظروف: النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على جابر فعله، بل أقره ودعا له عندما علم بالحكمة وراءه. وهذا يدل على أن الإسلام يراعي ظروف الناس وحاجاتهم، ولا يفرض حلولاً واحدةً على الجميع.
2- الأولوية للمسؤولية: قدم جابر رضي الله عنه مسؤوليته تجاه إخوته الصغار على رغبته الشخصية في المتعة والمرح. هذا درس عظيم في تقديم الواجب والمسؤولية على الهوى الشخصي.
3- حكمة اختيار الزوجة: الحديث يرشدنا إلى معايير اختيار الزوجة، فالأمر يعتمد على حاجة الرجل ووضعه. فالبكر لها مميزاتها من المرح والشباب، والثيب لها مميزاتها من الخبرة والنضج والحكمة في إدارة البيت.
4- مشورة النبي صلى الله عليه وسلم: نصيحة النبي له دليل على استحباب تزوج الشاب بالبكر لما فيه من توافق في السن والاهتمامات، ما لم تكن هناك مصلحة راجحة تقتضي غير ذلك.
5- رفق النبي صلى الله عليه وسلم وحنوه: طريقة سؤال النبي واهتمامه بشأن أصحابه، وتفهمه لموقف جابر، ثم دعاؤه له، كلها展示 لخلقه العظيم وريادته في التعامل مع الناس.

رابعاً. معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الحديث من أدلة جواز نكاح الثيب، بل وربما يكون أفضل في مواضع معينة تناسب حال الرجل.
- فيه دليل على أن الداعية والحكيم ينبغي أن يستفسر عن دوافع الناس وأسباب أفعالهم قبل الحكم عليها أو توجيه النصح.
- قصة جابر فيها مثال رائع على بر الأخوة والإحسان إلى الأيتام، وهو من أعظم الأعمال عند الله تعالى.
أسأل الله أن يرزقنا الفقه في دينه، وأن يمكن لنا البلاغ والبيان، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

📝 تنبيه هام:

نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:

📧 التواصل للإبلاغ عن خطأ

"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه البخاري في النفقات (٥٣٦٧)، ومسلم في الرضاع (١٤٦٦: ٥٦) كلاهما من
طريق حماد بن يزيد، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن عبد اللَّه، فذكره. واللفظ الآخر للبخاري في المغازي (٤٠٥٢) من طريق سفيان (هو ابن عيينة) عن عمرو بن دينار، به.

العودة إلى الأعلى

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 24 من أصل 360 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: تزوجت بكرًا أم ثيبًا

📜 حديث: تزوجت بكرًا أم ثيبًا

نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: تزوجت بكرًا أم ثيبًا

تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: تزوجت بكرًا أم ثيبًا

تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: تزوجت بكرًا أم ثيبًا

شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.

قراءة القرآن الكريم

سورة البقرة	آل عمران	سورة النساء
سورة المائدة	سورة يوسف	سورة ابراهيم
سورة الحجر	سورة الكهف	سورة مريم
سورة الحج	سورة القصص	العنكبوت
سورة السجدة	سورة يس	سورة الدخان
سورة الفتح	سورة الحجرات	سورة ق
سورة النجم	سورة الرحمن	سورة الواقعة
سورة الحشر	سورة الملك	سورة الحاقة
سورة الانشقاق	سورة الأعلى	سورة الغاشية