التمس ولو خاتمًا من حديد

حديث: التمس ولو خاتمًا من حديد

عن سهل بن سعد إن امرأة عرضت نفسها على النبي ﷺ، فقال له رجل: يا رسول اللَّه، زوجنيها، فقال: ما عندك؟ فقال: ما عندي شيء قال: اذهب فالتمس ولو خاتمًا من حديد، فذهب ثم رجع فقال: لا واللَّه ما وجدت شيئًا ولا خاتمًا من حديد، ولكن هذا إزاري ولها نصفه. قال سهل: وماله رداء، فقال النبي ﷺ: وما تصنع بإزارك؟ إن لبسته لم يكن عليها منه شيء، وإن لبسْته لم يكن عليك منه شيء. فجلس
الرجل حتى إذا طال مجلسه قام، فرآه النبي ﷺ فدعاه -أو دعِي له- فقال له: ماذا معك من القرآن؟ فقال معي سورة كذا وسورة كذا -لسور- يعددها فقال النبي ﷺ «أملكناكها بما معك من القرآن».

متفق عليه: رواه البخاري في النكاح (٥١٢١)، ومسلم في النكاح (١٤٢٥) من طريق أبي حازم، عن سهل بن سعد، فذكره.

تخريج الحديث كاملاً ⏬

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فهذا حديث عظيم من صحيح البخاري (رقم 5030) ومسلم (رقم 1425) يحمل في طياته دروسًا عظيمة في التواضع، واليسر في الدين، وتقديم القيم المعنوية على المادية.

أولاً. شرح المفردات:

* عرضت نفسها: أي عرضت نفسها للزواج من النبي صلى الله عليه وسلم طمعًا في شرف المصاهرة والقرب منه.
* زوجنيها: اطلب لها الزواج مني.
* التمس: اطلب وابحث.
* إزاري: وهو ثوب اللف الذي يستر النصف الأسفل من الجسم.
* ما له رداء: أي ليس له إلا الإزار فقط وليس له رداء (الذي يستر أعلى الجسم).
* أملكناكها: ملكناكها وزوجناكها.

ثانيًا. شرح الحديث:

1- الموقف الأول (عرض المهر المادي):
* جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعرضت عليه نفسها للزواج، فلم يرَ فيها صلى الله عليه وسلم ما يقتضي الزواج بها لنفسه، فلم يقبل عرضها.
* فقام رجل من الصحابة -وهو فقير لا يملك شيئًا- وطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يزوجه إياها.
* سأله النبي صلى الله عليه وسلم عن المهر الذي يستطيع أن يقدمه، فاعترف الرجل بأنه لا يملك أي شيء من المال.
* أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يبحث ولو عن خاتم من حديد (وهو أبسط وأرخص أنواع الحلي) ليكون مهرًا لها، تأكيدًا على أهمية العقد الشرعي وحق المرأة، ولو بأبسط الأشياء.
* عاد الرجل خالي اليدين، ولم يجد حتى خاتم حديد، فاقترح أن يهب لها نصف إزاره (ثوبه الوحيد) مهرًا. هنا يتجلى مدى فقر هذا الصحابي الجليل وصدق رغبته في الزواج.
* نبهه النبي صلى الله عليه وسلم بحكمة بالغة إلى استحالة هذا الاقتراح، فإذا أعطاها نصف إزاره، لن يستطيع أي منهما ستر عورته بالكامل، فقال: «إِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ مِنْهُ شَيْءٌ». فجلس الرجل حزينًا.
2- الموقف الثاني (عرض المهر المعنوي):
* لاحظ النبي صلى الله عليه وسلم انصراف الرجل وحزنه، فدعاه أو دُعي له فسأله: «ماذا معك من القرآن؟» أي ما هي السور التي تحفظها وتتقنها؟
* أجاب الرجل بأنه يحفظ سورًا معينة (ولم تذكر في الحديث لتركيز على المبدأ لا على التفاصيل).
* هنا جاء الحل النبوي العبقري، حيث ملكه النبي صلى الله عليه وسلم المرأةَ بما معه من القرآن، وجعله مهرًا لها. أي أن تعليمها القرآن الذي يحفظه هو المهر بدلاً من المال.

ثالثًا. الدروس المستفادة والعبر:

1- التيسير في أمور الزواج وعدم المغالاة في المهور: الحديث دليل قوي على أن المهر يمكن أن يكون شيئًا معنويًا قيمًا، وليس بالضرورة أن يكون مالًا طائلاً، تخفيفًا على الشباب وتشجيعًا على الزواج.
2- رفعة مكانة القرآن الكريم وعلمه: جعل النبي صلى الله عليه وسلم القرآن مهرًا يدل على أعلى تقدير لقيمته، فهو أفضل من المال والذهب والفضة. فخير ما يقدمه الرجل لأهله هو العلم النافع والهدى.
3- حكمة النبي صلى الله عليه وسلم ورعايته لأصحابه: حيث وجد حلًا لمشكلة الرجل الفقير الذي يريد الزواج، ولم يتركه يحزن، بل ساعده بطريقة تحقق المقصود الشرعي.
4- التواضع والرضا بالقليل: الموقف يعلمنا التواضع في طلب الدنيا، والاكتفاء بما تيسر، وأن القناعة كنز لا يفنى.
5- شرعية اتخاذ التعليم مهرًا: يجوز للرجل أن يعلم المرأة شيئًا من القرآن أو غيره من العلوم الشرعية كمهر لها، إذا رضيت بذلك.
6- الحث على حفظ القرآن وتعليمه: الحديث حافز للمسلمين على حفظ كتاب الله والعمل به، فهو كنز في الدنيا والآخرة.

رابعًا. معلومات إضافية:

* هذا الحديث من أدلة أهل السنة على جواز جعل المنفعة (كالتعليم) مهرًا في عقد النكاح.
* فيه بيان لخلق النبي صلى الله عليه وسلم وحسن معاملته لأصحابه، حيث لم يزجره لفقره، بل ساعده وأرشده إلى الحل.
* قوله: «أملكناكها» دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له ولاية التزويج على تلك المرأة التي عرضت نفسها عليه، فوكّلته في أمرها.
نسأل الله أن يرزقنا الفقه في دينه، والاقتداء بنبيه صلى الله عليه وسلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

📝 تنبيه هام:

نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:

📧 التواصل للإبلاغ عن خطأ

"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه البخاري في النكاح (٥١٢١)، ومسلم في النكاح (١٤٢٥) من طريق أبي حازم، عن سهل بن سعد، فذكره. واللفظ للبخاريّ.

العودة إلى الأعلى

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 58 من أصل 360 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: التمس ولو خاتمًا من حديد

📜 حديث: التمس ولو خاتمًا من حديد

نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: التمس ولو خاتمًا من حديد

تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: التمس ولو خاتمًا من حديد

تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: التمس ولو خاتمًا من حديد

شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.

قراءة القرآن الكريم

سورة البقرة	آل عمران	سورة النساء
سورة المائدة	سورة يوسف	سورة ابراهيم
سورة الحجر	سورة الكهف	سورة مريم
سورة الحج	سورة القصص	العنكبوت
سورة السجدة	سورة يس	سورة الدخان
سورة الفتح	سورة الحجرات	سورة ق
سورة النجم	سورة الرحمن	سورة الواقعة
سورة الحشر	سورة الملك	سورة الحاقة
سورة الانشقاق	سورة الأعلى	سورة الغاشية